لافروف: موسكو على تواصل مع دمشق ولن تغادر المنطقة

معطيات عن صعوبات تعرقل إجلاء القوات والمعدات الروسية من طرطوس

جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
TT
20

لافروف: موسكو على تواصل مع دمشق ولن تغادر المنطقة

جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)

أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استعداد بلاده للمساهمة في دفع مسار العملية السياسية في سوريا، وقال إن موسكو «لم ولن تنسحب من الشرق الأوسط» مشدداً على استمرار التواصل مع القيادة السورية الجديدة.

وحمل الوزير الروسي خلال مؤتمر صحافي في موسكو، الثلاثاء، النظام السوري السابق المسؤولية عن تدهور الوضع في البلاد. وقال إن «عدم رغبة النظام السوري السابق في تغيير أي شيء، وتقاسم السلطة مع المعارضة كان من أهم أسباب انهياره».

وأوضح أنه «على مدار السنوات العشر الماضية بعد أن طلب الرئيس السوري السبق بشار الأسد من روسيا التدخل، وبعد إطلاق صيغة أستانا، ورغم المساعدة التي برزت من جانب الدول العربية، أبدت السلطات في دمشق مماطلة في العملية السياسية ورغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه».

صورة نشرتها وكالة «سانا» الرسمية في 26 يونيو للقاء الرئيس بشار الأسد مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في دمشق (أ.ف.ب)

وزاد أن موسكو «دعت الحكومة السورية مراراً لدعم عمل اللجنة الدستورية التي أنشأت في سوتشي خلال المؤتمر السوري السوري في 2018، ودفع جهود وضع الدستور».

ووفقاً للافروف، فإن «الحكومة السورية لم تبد أي استعداد لتقاسم السلطة مع المعارضة، ولا يدور الحديث هنا عن المعارضة الإرهابية»، مضيفاً أن هذه المماطلة رافقتها مشكلات ناتجة عن العقوبات الاقتصادية التي خنقت الاقتصاد السوري، بينما تعرض الجزء الشرقي من سوريا الغني بالنفط للاحتلال من الولايات المتحدة، وتم استغلال الموارد المستخرجة هناك لصالح دعم الروح الانفصالية في شمال شرقي سوريا.

وكشف لافروف عن جانب من الحوارات التي أجرتها موسكو في وقت سابق مع الجانب الكردي، وقال إن موسكو «تحدثت مع الأكراد عن ضرورة وجود سلطة مركزية (في سوريا)، لكنهم قالوا إن الولايات المتحدة ستساعدهم على إنشاء حكومتهم، فقلنا لهم إن تركيا وإيران لن تسمحا بقيام دولة خاصة بكم»، مؤكداً على أن الموقف الروسي ركز على أن حقوق الأكراد يجب أن تؤمن في إطار الوضع الدستوري للبلدان سوريا والعراق وإيران وتركيا.

وأعرب عن قناعة بأن تجاهل دمشق (بشار الأسد) للنقاش في عهد السلطات السابقة: «أوصل الإصلاحات التي تحدثت عنها الأمم المتحدة ومنصة موسكو ومنصة القاهرة والمعارضة التي كانت في إسطنبول، وكذلك الاتصالات بين هذه الأطراف، إلى طريق مسدود وإلى فراغ أسفر عن هذا الانفجار».

جندي روسي أمام مركبات عسكرية في إحدى القواعد الروسية في عين العرب «كوباني» (أرشيفية)

وانتقد لافروف الاستنتاجات التي تحدثت عن أن «خروج روسيا من سوريا يعني مغادرة مواقعها في الشرق الأوسط»، وقال إن روسيا «لم ولن تغادر المنطقة». ومن دون أن يتطرق مباشرة لوضع القواعد العسكرية الروسية في سوريا، قال الوزير إن «سفارتنا لم تغادر دمشق، ولدينا تواصل دائم مع السلطات هناك».

وأكد أن موسكو «ترغب في أن تكون ذات فائدة في الأوضاع الراهنة، فيما يتعلق بإقامة حوار جامع بمشاركة كل القوى القومية والسياسية والطائفية، وبمشاركة جميع الأطراف الخارجية المعنية».

وذكر لافروف أن اتصالاته مع تركيا ودول الخليج العربي ونتائج الاجتماعات الأخيرة حول التسوية السورية بمشاركة دول عربية وتركيا وبعض الدول الغربية، تظهر أن «الجميع ينطلقون من أن هذه العملية يجب أن تشارك بها روسيا وإيران، إذا كانت هناك رغبة حقيقية في الوصول إلى نتائج مستدامة وملموسة، وليس فقط تصفية الحسابات بين المتنافسين على الأراضي السورية».

دمشق... أولويات موسكو

بدوره، قال نائب الوزير ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، إن روسيا تتابع باهتمام تطورات الوضع في سوريا، وتنظر إلى العلاقات مع دمشق بوصفها «من أولويات سياستها الخارجية»، وشدد على أن «علاقات الشراكة والتعاون بين الشعبين والدولتين تمتد إلى عقود طويلة، بل إنها تغور عميقاً في التاريخ السحيق».

وأضاف أن موسكو السوفياتية ومن ثم روسيا، أسدت الدعم والمساعدة لسوريا في تحقيق السيادة والاستقلال، وحرصت دوماً وفي مختلف المراحل على مبدأ وحدة وسيادة الأراضي السورية وبناء علاقات متكافئة تقوم على المصالح المشتركة.

ووفقاً له، فإن «العلاقات بين روسيا الاتحادية وسوريا تدخل اليوم في منعطف نوعي جديد، وعلى الجانبين الانطلاق من الإرث العميق للصداقة بين الشعبين الروسي والسوري للحفاظ على المكتسبات والمنجزات والمضي إلى الأمام في خلق مناخات جديدة للتعاون البنَّاء».

وأشار إلى ارتياح الدبلوماسية الروسية لـ«التصريحات الإيجابية الصادرة عن الإدارة السورية الجديدة تجاه روسيا، والحرص على العلاقات الاستراتيجية بين بلدينا». وأكد أن موسكو ترى في المواقف الإيجابية «أرضية قوية للانطلاق نحو الأفضل».

وترددت معطيات، الثلاثاء، بأن بوغدانوف سوف يرأس وفداً روسياً إلى دمشق قريباً، لكن مصدراً دبلوماسياً روسياً أبلغ «الشرق الأوسط»، أنه لم يتم بعد تحديد موعد لهذه الزيارة» التي بدا أنها كانت مقررة، وتم إرجاؤها لوقت لاحق. وفي حال تم تحديد موعد للزيارة سيكون بوغدانوف أول مسؤول روسي يزور العاصمة السورية منذ سقوط نظام الأسد.

عنصر سوري يحرس مدخل قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية الساحلية السورية (رويترز)

قيود سورية

في غضون ذلك، أكدت معلومات متطابقة نشرتها وسائل إعلام روسية وغربية، على أن عملية إخلاء أسلحة ومعدات القوات المسلحة الروسية من سوريا، تواجه صعوبات بسبب قيود فرضتها السلطات السورية على تحرك السفن الروسية في المياه الإقليمية.

ووفقاً لمعطيات نشرتها النسخة الإنجليزية لقناة «آر تي» على موقعها الإلكتروني، فقد منعت السفينة الروسية «سبارتا 2»، التي كانت مخصصة لنقل المعدات والأسلحة الروسية من دخول ميناء طرطوس، حيث توجد القاعدة البحرية الأجنبية الوحيدة لروسيا الاتحادية.

وأكدت بيانات محللي «OSINT» وخدمات مراقبة الشحن المفتوحة وتقارير المدونين العسكريين الروس، أن السفينة التي غادرت بالتييسك (منطقة كالينينغراد في الاتحاد الروسي) في 11 ديسمبر (كانون الأول) تبحر قبالة الساحل السوري منذ 5 يناير (كانون الثاني)، دون الحصول على إذن لدخول الميناء.

صورة للسفينة الروسية «سبارتا 2» نشرتها صحيفة «آر بي كا» الروسية تبحر قبالة الساحل السوري منذ 5 يناير دون الحصول على إذن لدخول الميناء

وتخضع سفينة «سبارتا 2» التي كانت تستخدم سابقاً لنقل المعدات بين شبه جزيرة القرم وسوريا، لعقوبات أميركية، ما قد يكون أسهم أيضاً في منع الوصول إلى الميناء. في حين تقول مصادر سورية، إن السلطات الجديدة فرضت قيوداً للحد من مجالات تهريب أنصار النظام السابق على متن سفن روسية.

وتشير صور الأقمار الاصطناعية من «ماكسار» تراكماً كبيراً للمعدات العسكرية الروسية في الميناء، بما في ذلك أكثر من 100 شاحنة ومعدات دفاع جوي. ويقول المحللون إنه إذا فشلت السفن في الرسو، فإن البديل الوحيد يظل قاعدة حميميم الجوية. وهناك، تستمر الرحلات الجوية المنتظمة لوزارة الدفاع الروسية لضمان نقل الأفراد والبضائع. وفي الوقت نفسه، أرسلت الولايات المتحدة طائرة دورية إلى المنطقة لمراقبة الوضع.

جندي روسي أمام مركبات عسكرية في إحدى القواعد الروسية في عين العرب «كوباني» (أرشيفية)

إضافة إلى ذلك، وبينما تؤكد موسكو استمرار المفاوضات مع السلطات السورية الجديدة، لكن محللين في روسيا رأوا أن «احتمال انسحاب روسيا الكامل من البلاد آخذ في الازدياد»، وفقاً لما نقلته صحيفة «موسكو تايمز»، بالإضافة إلى ذلك، أشارت تقديرات محللي الصحيفة إلى أن الوحدات الروسية في سوريا «غدت محاصرة فعلياً في أماكن انتشارها».

في هذا الإطار، قال الخبير السياسي روستيسلاف إيفاتشينكو، في مقابلة مع موقع «برافدا رو»، إن القواعد العسكرية الروسية في المنطقة، فقدت عملياً أهميتها الاستراتيجية. ويكمن السبب في رأيه في «تغيير ميزان القوى: فتركيا، التي تتمتع بالسيطرة الجغرافية على المضائق والمنطقة كلها، يمكنها أن تمنع الوصول إلى هذه القواعد في أي وقت».

ووفقاً لإيفاشتشينكو، فإن هذا لا يعني ضرورة سحب القواعد، لكن الحفاظ عليها يصبح مكلفاً سياسياً واقتصادياً، مبرراً بأن «اعتماد روسيا المتزايد على تركيا في هذا الشأن يضع موسكو في موقف صعب».


مقالات ذات صلة

انفراجة في أزمة منع دخول السوريين مصر

شمال افريقيا تجمع للجالية السورية بمصر (مؤسسة سوريا الغد الأهلية)

انفراجة في أزمة منع دخول السوريين مصر

في انفراجة لأزمة منع دخول السوريين إلى مصر، أعلنت السفارة المصرية في دمشق، عن «استثناءات» لبعض الفئات المحددة من السوريين، بمنحهم تأشيرات الدخول إلى مصر.

أحمد إمبابي (القاهرة)
المشرق العربي إدارة مكافحة المخدرات تضبط مستودع مخدرات يتبع «ماهر الأسد» في منطقة الصبورة بريف دمشق (وزارة الداخلية)

ملاحقة فلول النظام السابق وتجار المخدرات بريف حمص الغربي ودمشق

واصلت إدارة العمليات العسكرية في سوريا حملاتها الأمنية لسحب السلاح وملاحقة فلول ميليشيات النظام السابق ومهربي المخدرات، في عدة مناطق في سوريا.

«الشرق الأوسط» (لندن- دمشق)
الخليج وزير الخارجية السعودي خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (رويترز)

وزير الخارجية السعودي: تفاؤل حذر بشأن سوريا... وسأزور لبنان قريباً

قال الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، الثلاثاء، إن لديه «تفاؤلاً حذراً» بشأن سوريا، كاشفاً عن نيته زيارة لبنان في الأيام المقبلة.

«الشرق الأوسط» (دافوس)
المشرق العربي حراس يظهرون داخل سجن في الحسكة السورية (رويترز)

سوريا: قوات كردية تعارض تسليم سجون تضم مقاتلي «داعش» للإدارة الجديدة

كشفت قوات كردية تحرس مقاتلين من تنظيم «داعش» في سجن بشمال سوريا أنها تعارض تسليم المنشأة للحكام الجدد في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي وزير الاقتصاد باسل عبد الحنان ومحافظ اللاذقية يجريان جولة على عدة منشآت صناعية نسيجية يوم الاثنين (سانا)

خبير اقتصادي: لا يمكن تصنيف رجال أعمال سوريين إلى «مع وضد»

انخراط رئيس مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية في عمل استشاري مع الإدارة الجديدة في دمشق يعد مؤشراً على التأني بالتعامل مع ملف رجال الأعمال المحسوبين على النظام.


باريس غير مطمئنة لخطط ترمب إزاء أوكرانيا و«الأطلسي»

مصافحة بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي دونالد ترمب بعد قمة مجموعة السبع بفرنسا في 26 أغسطس 2019 (د.ب.أ)
مصافحة بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي دونالد ترمب بعد قمة مجموعة السبع بفرنسا في 26 أغسطس 2019 (د.ب.أ)
TT
20

باريس غير مطمئنة لخطط ترمب إزاء أوكرانيا و«الأطلسي»

مصافحة بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي دونالد ترمب بعد قمة مجموعة السبع بفرنسا في 26 أغسطس 2019 (د.ب.أ)
مصافحة بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي دونالد ترمب بعد قمة مجموعة السبع بفرنسا في 26 أغسطس 2019 (د.ب.أ)

الخوف الأكبر الذي يعتمل الأوروبيين من عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، عنوانه المفترض سعيه منفرداً لإبرام اتفاق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول وقف الحرب في أوكرانيا، من غير أن يضع في الحسبان لا مخاوف الأوكرانيين ومتطلباتهم ولا المصالح الأوروبية، ولا قلقهم من اتفاق هجين لن يردع الطرف الروسي عن القيام بمغامرات لاحقة ضد جيرانه الأوروبيين.

من هنا، يمكن أن نفهم الأسباب التي دفعت الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى أن يستبق تنصيب ترمب، في الكلمة التي وجهها للقوات المسلحة الفرنسية عصر الأحد، بمناسبة السنة الجديدة ليذكره بمواقف بلاده وبمواقف دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام. وقال ماكرون ما حرفيته: «لا يمكن أن يكون هناك سلام وأمن في أوروبا من دون الأوروبيين ومن دون أن يتفاوض الأوروبيون بشأنهما»، مضيفاً: «إن التحدي اليوم هو توفير وسائل الصمود لأوكرانيا، وتمكينها من الدخول في أي مفاوضات مستقبلية من موقع قوة. أما تحدي اليوم التالي، بعد أن تتوقف الأعمال العدائية، فهو إعطاء أوكرانيا ضمانات ضد أي عودة للحرب على أراضيها، لكن أيضاً ضمانات لأمننا الخاص». وفي أي حال، أكد ماكرون وبعكس ما يزعمه ترمب أن حرب أوكرانيا «لن تنتهي غداً ولا بعد غد».

اللقاء الثلاثي في قصر الإليزيه السبت الماضي الذي جمع رؤساء فرنسا والولايات المتحدة وأوكرانيا 7 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)

صفقة سلام غير معروفة المعالم

كان لافتاً، في خطاب التنصيب، أن ترمب لم يأتِ على ذكر حرب أوكرانيا، لكنه عاد إليها لاحقاً في المكتب البيضاوي رداً على أسئلة الصحافيين، وما جاء على لسانه لا يبدو أنه يطمئن الأوروبيين، فهو دعا الرئيس بوتين، رسمياً وللمرة الأولى، بصفته الرئيس الأميركي، إلى إيجاد «اتفاق سلام» مع أوكرانيا، وأنه «سيتحدث مع بوتين الذي سيكون سعيداً بوضع حد لهذه الحرب»، مشيراً إلى أنه على «وفاق تام معه» وأنه «يأمل بالتوصل إلى اتفاق». وأضاف ترمب: «يريد زيلينسكي (الرئيس الأوكراني) التوصل إلى اتفاق. لا أعرف ما إذا كان بوتين يريد ذلك، ربما لا يريد ذلك. (ولكن) عليه أن يفعل ذلك. أعتقد أنه يدمّر روسيا بعدم التوصل إلى تسوية».

لكن كلام ترمب الذي يحمل لهجة تهديدية لن يكون كافياً لطمأنة الأوروبيين لأنه لم يكشف أبداً عن رؤيته للاتفاق أو للسلام الذي يفترض أن ينتج منه. كذلك، فإن الرئيس الأميركي لم يعط، حتى اليوم، أي تطمينات لزيلينسكي أو للأوروبيين حول محتوى السياسة التي ينوي السير بها بشأن الحرب في أوكرانيا، علماً أنه عبَّر مراراً عن غيظه من المليارات التي تعطى لكييف من دافعي الضرائب الأميركيين. وسبق للطرف الروسي أن عدَّد مراراً مطالبه من أوكرانيا، وأبرزها الامتناع عن الانضمام إلى الحلف الأطلسي (ناتو) والتخلي عن الأراضي التي تحتلها القوات الروسية وأولها شبه جزيرة القرم. وبالمقابل، فإن زيلينسكي يراهن على ما يسميه ترمب «السلام عبر القوة». لكن، هل هذه النظرية صالحة للتعامل مع ثاني أكبر قوة نووية في العالم؟

أكد ماكرون وبعكس ما يزعمه ترمب أن حرب أوكرانيا «لن تنتهي غداً ولا بعد غد» (أرشيفية - رويترز)

يكمن مصدر القلق الثاني لفرنسا ومعها الأوروبيون في احتمال ابتعاد ترمب عن الحلف الأطلسي أو حتى رفضه. ولوح الأخير مرات عدة، بالامتناع عن تفعيل البند الخامس من شرعة الحلف الذي ينص على مد يد المساعدة لأي عضو أطلسي يتعرض لاعتداء خارجي. ورداً على ذلك، عاد ماكرون مجدداً للتشديد على أهمية أن يحقق الأوروبيون ما يسميه «الصحوة الإستراتيجية» التي تعني، وفق ما شرحه في مناسبات سابقة، إمساك الأوروبيين بقدرهم وبالدفاع عن أنفسهم بقدراتهم الذاتية، في حال نزعت عنهم المظلة العسكرية الأميركية والأطلسية.

ولا يستبعد ماكرون، ومعه الكثير من الأوروبيين، أن ينفض ترمب يده من الهموم الأوروبية بالنظر لتركيز إدارته على الصين وما تشكله من منافس استراتيجي ومنهجي للولايات المتحدة. والطريق إلى ذلك، بنظره، تمر عبر تعزيز الشراكات الإستراتيجية والصناعات العسكرية الأوروبية ودعم شركاتها الدفاعية وجعلها المصدر الوحيد للأسلحة والمعدات الأوروبية وليس تغذية الشركات المنافسة الأميركية. وعمد ماكرون إلى الطلب من وزارة الدفاع أن تقدم له خلال أشهر قليلة رصداً «وتحديثاً» لما سماه «المخاطر الجديدة» التي ستواجه الأوروبيين في المستقبل.

لو كورنو: شراء الأسلحة الأميركية خطأ

لم يشذ وزير الدفاع، سيباستيان لو كورنو، عن مقاربة رئيسه وذهب أبعد من ذلك بقوله في مقابلة إذاعية صباح الثلاثاء إن خطاب التنصيب يعد «ركلة قوية للعواصم الأوروبية»، وإنه «يجب أن يحدّد أخيراً إطاراً للاستقلالية الأوروبية» في مجال الدفاع، آملاً أنه «ربما يمكن أن تؤدي قساوة كلماته، في النهاية، إلى صدمة وصحوة» للأوروبيين.

وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لو كورنو خلال مؤتمر صحافي في أوكرانيا يوم 28 سبتمبر 2023 (رويترز)

وإذ دعا الوزير الفرنسي إلى «عدم الاستهانة بالثورة الجيواستراتيجية» الأميركية، فقد رأى أن عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض هي «الوقت المناسب للتحدث مرة أخرى حول أمننا». وما يريده لو كورنو «تسريع عملية إعادة تسليحنا وإعادة تأكيد استقلاليتنا وسيادتنا أكثر من أي وقت مضى».

ولأن أمراً كهذا يتطلب مخصصات دفاعية إضافية، فقد أكد أن ميزانية الدفاع الفرنسية ستصل في العام الحالي إلى 50.5 مليار يورو وسترتفع تدريجياً لتبلغ 67 مليار يورو. وذهب لو كورنو إلى اعتبار أن رغبة الأوروبيين في شراء أسلحة أميركية «تعدُّ خطأً تاريخياً». وكما ماكرون، دعا وزير الدفاع إلى تطوير الصناعات الدفاعية الأوروبية، آخذاً على شركاء بلاده الأوروبيين تمسكهم «منذ عقود عدّة، بإغراء وضع أنفسهم تحت المظلة النووية الأميركية».

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا تمتلك السلاح النووي منذ ستينات القرن الماضي، وأن الرئيس الأسبق شارل ديغول ومن تبعه تمسكوا دوماً بـ«استقلالية» قوتها النووية غير الموضوعة بتصرف الحلف الأطلسي. وكان لافتاً في تصريحات لو كورنو أنه نأى بنفسه عن مضمون كلام لستيفان سيجورنيه، وزير الخارجية الفرنسي السابق ونائب رئيس المفوضية الأوروبية حالياً، الذي لمح السبت الماضي إلى شكل من أشكال «الصفقة» مع ترمب بشأن الدفاع الأوروبي مقابل «السلام التجاري» مع واشنطن، في الوقت الذي تهدّد فيه الأخيرة الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية شديدة مرتفعة على الصادرات الأوروبية. وقال: «لن نقايض أمننا مقابل الهامبرغر و(مبيعات) السيارات الألمانية» إلى الولايات المتحدة.

قطعاً، فرنسا غير مرتاحة وهي تتلمس طريقة التعامل مع ساكن البيت الأبيض القديم - الجديد. وكان رئيس الحكومة فرنسوا بايرو قد نبَّه من أنه «إذا لم نفعل شيئاً، (لمواجهة أميركا) فسوف نخضع للهيمنة ونتعرض للسحق والتهميش... والأمر مناط بنا نحن الفرنسيين والأوروبيين لاستعادة زمام الأمور»، في حين هدد وزير الخارجية جان نويل بارو بـ«الرد إذا تعرَّضت مصالحنا للضرر».