مرض الكونغو الغامض: أسبابه لا تزال مجهولة

خبراء يقللون من احتمال تحوله الى جائحة عالمية

منظمة الصحة العالمية أرسلت فريقاً إلى المنطقة لجمع عينات وإجراء فحوصات مختبرية
منظمة الصحة العالمية أرسلت فريقاً إلى المنطقة لجمع عينات وإجراء فحوصات مختبرية
TT

مرض الكونغو الغامض: أسبابه لا تزال مجهولة

منظمة الصحة العالمية أرسلت فريقاً إلى المنطقة لجمع عينات وإجراء فحوصات مختبرية
منظمة الصحة العالمية أرسلت فريقاً إلى المنطقة لجمع عينات وإجراء فحوصات مختبرية

ينتشر مرض غامض في مقاطعة كوانغو الجنوبية الغربية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفقاً لوزارة الصحة العامة والنظافة والضمان الاجتماعي في البلاد، والسلطات الصحية المحلية.

من المعروف حتى إحصاءات أمس أن المرض المجهول قتل ما يصل إلى 143 شخصاً من أصل 376 شخصاً شُخصت إصابتهم بالعدوى، على الرغم من وجود بعض التناقضات في الأرقام.

إليك ما تحتاج إلى معرفته حول المرض:

ما المرض؟

حالياً، لم تذكر أي وكالة صحية أنها تعرف ما المرض. وفي بيان صادر عن وزارة الصحة العامة والنظافة والضمان الاجتماعي في جمهورية الكونغو الديمقراطية نُشر على منصة «إكس» في 3 ديسمبر (كانون الأول)، قالت الوكالة إن المرض «لا يزال من أصل غير معروف».

إن ما يعنيه هذا في الوقت الحالي هو أن المرض قد يكون جديداً تماماً -أو قد يكون مرضاً معروفاً لم يتم تحديده بعد. وصرَّحت آن ريموين عالمة الأوبئة بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس لشبكة «إن بي سي نيوز» أن تشخيص الأمراض في الكونغو قد يكون صعباً في كثير من الأحيان بسبب البنية التحتية الصحية المحدودة والقضايا الصحية الأساسية الموجودة لدى الأشخاص في المنطقة.

وأضافت ريموين: «قد يكون إنفلونزا، أو إيبولا، أو ماربورغ، أو التهاب السحايا، أو الحصبة. في هذه المرحلة، لا نعرف حقاً».

لكن هناك أيضاً إمكانية أن يكون المرض جديداً. إذ قال طبيب الأمراض المُعدية الدكتور أبرار كاران، من كلية ستانفورد للطب لشبكة «إن بي سي»، إن تفشي المرض «يدق أجراس الإنذار». وذلك لأن البشر في تلك المنطقة من الكونغو يعيشون بالقرب من الحياة البرية، ما يزيد من خطر انتقال العدوى من الحيوانات إلى البشر -وهو عندما يبدأ مرض كان يصيب الحيوانات فقط في السابق في إصابة البشر الذين قد لا تتمكن أنظمتهم المناعية من محاربته.

ما أعراض المرض؟

في الوقت الحالي، تصف السلطات الصحية في جمهورية الكونغو الديمقراطية المرض الغامض بأنه له أعراض «تشبه أعراض الإنفلونزا». وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن وزير الصحة الإقليمي أبولينير يومبا، قال إن الأعراض تشمل ما يلي:

- الحمى.

- الصداع.

- السعال.

- فقر الدم.

وفقاً لـ«رويترز»، قال أحد علماء الأوبئة المحليين إن الأطفال والنساء هم الأكثر تضرراً من المرض.

في هذا الوقت، من غير المعروف كيف ينتقل المرض، سواء من خلال الهواء أو الماء أو السوائل الجسدية أو غيرها من الوسائل. تنصح السلطات المحلية السكان المحليين بتجنب الاتصال بالموتى لتجنب تلويث أنفسهم بالمرض الغامض.

وفيات كثيرة

كم عدد الأشخاص الذين أُصيبوا بالمرض وكم عدد الذين توفوا؟ هناك حالياً بعض التناقض في عدد الوفيات المبلَّغ عنها. وفقاً لوزارة الصحة العامة والنظافة والضمان الاجتماعي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أُصيب 376 شخصاً بالمرض حتى يوم الثلاثاء، وتوفي 79 شخصاً -مما يجعل معدل الوفيات بسبب المرض الغامض مرتفعاً للغاية. ومع ذلك، قالت السلطات المحلية الأقرب إلى موقع تفشي المرض لوكالتي «أسوشييتد برس» و«رويترز» إن عدد القتلى قد يصل إلى 143.

ويقال إن جميع الوفيات حدثت خلال فترة تزيد قليلاً على أسبوعين، بين 10 و25 نوفمبر(تشرين الثاني). وهذا يشير إلى أن انتشار المرض والوفيات الناجمة عنه قد تكون الآن أعلى من الأرقام الرسمية المعلنة.

إلى أي مدى انتشر المرض؟

حتى وقت كتابة هذه السطور، من المعروف أن المرض ينتشر فقط في مقاطعة كوانغو في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ومع ذلك، لا يضمن ذلك أن المرض لم ينتشر بالفعل إلى مناطق أخرى.

هل هذه بداية لجائحة أخرى؟

من المؤكد أن أوجه التشابه في التوقيت بين هذا المرض الغامض وكوفيد-19 تثير قلق بعض الناس. فمثل كوفيد-19، بدأ هذا المرض أيضاً في الظهور لأول مرة في الشهرين الأخيرين من العام. عندما حدث ذلك مع كوفيد-19 في عام 2019، أخذ العالم يعاني من جائحة كاملة بحلول مارس (آذار) 2020.

يتشابه هذا المرض أيضاً مع كوفيد-19 بسبب أعراضه الشبيهة بأعراض الإنفلونزا.

ومع ذلك، من المهم التأكيد أن هذا المرض لا يعني أن العالم على وشك جائحة أخرى. في حين أن أي شيء ممكن، إلا أنه في الوقت الحالي لا يوجد ما يكفي من المعلومات المعروفة عن هذا المرض الغامض للإشارة إلى أنه يشكل تهديداً للسكان العالميين أو لا يشكل تهديداً لهم. لا يزال من الممكن أن يكون المرض موجوداً ومعروفاً ويظل ببساطة غير محدد لمسؤولي الصحة في هذا الوقت.

دور المنظمات الصحية

هل منظمة الصحة العالمية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تفعلان أي شيء حيال ذلك؟ نعم، يُقال إن كلاً من منظمة الصحة العالمية ومراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها تتخذان إجراءات، ولكن بدرجة محدودة.

صرح المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية طارق جاساريفيتش لشبكتَي «إن بي سي» و«بي بي سي»، بأن المنظمة «أرسلت فريقاً إلى المنطقة النائية لجمع عينات لإجراء فحوصات مختبرية».

وصرح متحدث باسم مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها لـ«فاست كومباني» أنها على علم بالمرض وأن «موظفي الحكومة الأمريكية، بمن في ذلك أولئك من المكتب القطري للمراكز كينشاسا، على اتصال بوزارة الصحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وهم على استعداد لتقديم دعم إضافي إذا لزم الأمر».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

لحرق الدهون وتحسين النوم... ما الوقت الأمثل لتناول العشاء خلال الشتاء؟

صحتك توقيت تناول العشاء خلال فصل الشتاء يمكن أن يكون له تأثير كبير على صحتك (رويترز)

لحرق الدهون وتحسين النوم... ما الوقت الأمثل لتناول العشاء خلال الشتاء؟

توقيت تناول العشاء خلال فصل الشتاء يمكن أن يكون له تأثير كبير على صحتك وعلى جودة نومك وقدرتك على حرق الدهون.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك أقراص دوائية (أرشيفية– رويترز)

«نقطة تحول»... مضادان حيويان جديدان يعالجان السيلان المقاوم للأدوية

وافقت هيئة الغذاء والدواء الأميركية على علاجين جديدين لمرض السيلان المقاوم للأدوية، يمكن أن يشكلا «نقطة تحوُّل هائلة» في جهود مكافحة العدوى البكتيرية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك التهاب البروستاتا مشكلة صحية شائعة تصيب ملايين الرجال سنوياً (أرشيفية - رويترز)

ما علاقة صعوبة التبول بالتهاب البروستاتا؟

علاقة التهاب البروستاتا بصعوبة التبول وثيقة جداً، فالالتهاب (احتقان البروستاتا) يسبب تورماً وضغطاً على مجرى البول، مما يؤدي لأعراض منه صعوبة بدء التبول.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك بعض الأبحاث تشير إلى أن مكملات فيتامين سي قد تفيد مرضى السكري من النوع الثاني (بيكساباي)

تعرف على فوائد فيتامين سي لمرضى السكري

تشير بعض الأبحاث إلى أن مكملات فيتامين سي قد تفيد مرضى السكري من النوع الثاني، ولكن لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لفهم تأثيراتها والجرعة الموصى بها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك سلالة جديدة «شرسة» من الإنفلونزا تجتاح العالم (رويترز)

سلالة جديدة «شرسة» من الإنفلونزا تجتاح العالم

أكدت مجموعة من الأطباء أن هناك سلالة جديدة «شرسة» من الإنفلونزا تجتاح العالم، محذرين من أعراضها الحادة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

بين جينات الأجداد وكيمياء العصر: لماذا تُصاب بعض النساء بالانتباذ البطاني الرحمي؟

بين جينات الأجداد وكيمياء العصر: لماذا تُصاب بعض النساء بالانتباذ البطاني الرحمي؟
TT

بين جينات الأجداد وكيمياء العصر: لماذا تُصاب بعض النساء بالانتباذ البطاني الرحمي؟

بين جينات الأجداد وكيمياء العصر: لماذا تُصاب بعض النساء بالانتباذ البطاني الرحمي؟

تشير دراسة علمية جديدة أجراها باحثون من جامعة بورنموث البريطانية إلى أن مزيجاً من اختلافات جينية موروثة من أسلاف البشر القدماء، ومن التعرّض لمواد كيميائية شائعة في حياتنا اليومية، قد يفسّر سبب إصابة بعض النساء بالانتباذ البطاني الرحمي المعروف أيضاً ببطانة الرحم المهاجرة أكثر من غيرهن.

مرض شائع... وتشخيص صعب

يُعدّ الانتباذ البطاني الرحمي Endometriosis من أكثر الأمراض النسائية غموضاً وإيلاماً؛ إذ يصيب نحو واحدة من كل عشر نساء في سن الإنجاب متسبباً في آلام مزمنة واضطرابات في الدورة الشهرية، وقد يصل في الحالات الشديدة إلى العقم. ورغم ازدياد الوعي بالمرض في السنوات الأخيرة لا يزال تشخيصه المبكر صعباً، وتبقى أسبابه الدقيقة غير مفهومة بالكامل. غير أن أبحاثاً علمية حديثة بدأت تكشف خيوطاً جديدة قد تفسر لماذا تكون بعض النساء أكثر عرضة للإصابة به، ولماذا تعاني أخريات أشكالاً أكثر حدة.

وفي دراسة حديثة نُشرت في «المجلة الأوروبية لعلم الوراثة البشرية» European Journal of Human Genetics في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، أشار الباحثون إلى أن التفاعل بين متغيرات جينية موروثة من أسلاف البشر القدماء والتعرّض لمواد كيميائية حديثة قد يلعبان دوراً مهماً في تطور المرض. وقد راجع الباحثون دراسات سابقة وحددوا خمسة جينات يُحتمل ارتباطها بالانتباذ البطاني الرحمي، وهي جينات معروفة بحساسيتها لمواد كيميائية تؤثر في الهرمونات والجهاز المناعي.

البحث عن الجذور الجينية

وباستخدام بيانات من قاعدة Genomics England التابعة لهيئة الصحة البريطانية، قارن الفريق التركيب الجيني لـ19 امرأة مصابة بالمرض مع نساء غير مصابات. وأسفر التحليل عن تحديد ستة متغيرات جينية كانت أكثر شيوعاً لدى المصابات، بعضها يعود في أصله إلى إنسان النياندرتال وسلالات بشرية قديمة أخرى. ويعتقد الباحثون أن هذه المتغيرات الجينية التي ظلت جزءاً من الجينوم البشري لآلاف السنين دون ضرر واضح قد تصبح مشكلة عند تفاعلها مع بيئة كيميائية حديثة لم يعرفها أسلافنا.

وتكمن أهمية هذه النتيجة في أن الجينات المكتشفة تتفاعل مع مواد كيميائية تُستخدم اليوم على نطاق واسع وتوجد في البلاستيك ومستحضرات التجميل ومنتجات التنظيف والمواد المنزلية اليومية. ويُرجّح أن هذا التفاعل قد يُربك الجهاز المناعي ويُحفّز الالتهابات المزمنة المرتبطة بالانتباذ البطاني الرحمي.

حين تتفاعل الجينات مع البيئة

وفي سياق متصل، تعزز دراسة أخرى نُشرت في مجلة Environmental Health Perspectives في 13 أغسطس (آب) 2025 هذه الفرضية البيئية. فقد ركزت الدراسة التي أُجريت في جامعة جورج ميسون في فرجينيا بالولايات المتحدة بقيادة الدكتورة جوانا ماروكين، الباحثة في مجال الصحة العامة وعلم الأوبئة، على مجموعة من المركبات الصناعية تُعرف باسم المواد الكيميائية الأبدية (PFAS)، وهي مواد مقاومة للتحلل، وتبقى في البيئة وجسم الإنسان لفترات طويلة.

وللمرة الأولى، فحص الباحثون وجود هذه المواد مباشرة داخل أنسجة بطانة الرحم لدى النساء. وأظهرت النتائج أن تلك المواد كانت موجودة لدى نساء مصابات وغير مصابات بالانتباذ البطاني الرحمي؛ ما يشير إلى أنها لا تزيد من خطر الإصابة بالمرض بحد ذاته. إلا أن المفارقة ظهرت عند النظر إلى شدة المرض؛ إذ ارتبطت المستويات المرتفعة لبعض أنواع المواد بزيادة خطر الإصابة بمراحل متقدمة وأكثر تعقيداً من الانتباذ البطاني الرحمي لدى المصابات.

وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى صورة أكثر تعقيداً للمرض؛ فالانتباذ البطاني الرحمي قد لا يكون ناتجاً من عامل واحد، بل عن تراكب الاستعداد الجيني مع التعرّض المزمن للمواد الكيميائية الحديثة؛ ما يؤثر ليس فقط على ظهور المرض، بل على تطوره وحدّته.

أمل في التشخيص المبكر

وتؤكد الباحثة أميليا وارن، التي قادت الدراسة الأولى من قسم علوم الحياة والبيئة جامعة بورنموث البريطانية، أن كثيراً من النساء يعانين لسنوات دون تشخيص؛ لأن آلام الحوض تُعدّ في كثير من الأحيان «طبيعية»، ولا تُظهر الفحوص التقليدية العلامات المبكرة للمرض. بينما ترى المشرفة على البحث الدكتورة آنا مانتزوراتاو من قسم علوم الحياة والبيئة جامعة بورنموث أيضاً، أن فهم هذا التفاعل بين الجينات والبيئة قد يفتح الباب أمام تشخيص مبكر وتحديد النساء الأكثر عرضة للخطر قبل تفاقم الأعراض.

في المحصلة، تعكس هذه الأبحاث تحولاً مهماً في فهم الانتباذ البطاني الرحمي من كونه لغزاً طبياً غامضاً إلى حالة صحية معقّدة تتأثر بتاريخنا الجيني وواقعنا البيئي المعاصر. ومع تزايد الأدلة تتعزز الدعوات إلى تقليل التعرّض للمواد الكيميائية الضارة ودعم الأبحاث التي تنصت أخيراً لمعاناة ملايين النساء، وتبحث بجدية عن إجابات طال انتظارها.


6 ثوانٍ حاسمة: الذكاء الاصطناعي لاعب جديد في الطوارئ

6 ثوانٍ حاسمة: الذكاء الاصطناعي لاعب جديد في الطوارئ
TT

6 ثوانٍ حاسمة: الذكاء الاصطناعي لاعب جديد في الطوارئ

6 ثوانٍ حاسمة: الذكاء الاصطناعي لاعب جديد في الطوارئ

في لحظات الطوارئ، لا يملك الطبّ رفاهية التفكير الطويل. فالقلب لا ينتظر، والرئتان لا تنتظران، والمريض نفسه قد لا يمنح الطبيب أكثر من ثوانٍ معدودة قبل أن ينزلق إلى منطقة رمادية بين الوعي والغياب. هنا، لا تكون المشكلة نقص المعرفة، بل ضيق الزمن. فكم من قرار صائب أُجهض لأن الإشارة ظهرت متأخرة؟ وكم من حياة فُقدت لأن التحذير جاء بعد فوات الأوان؟

لاعب جديد في غرف الطوارئ

في هذه المساحة الحرجة بين الحياة والموت، يدخل الذكاء الاصطناعي لاعباً جديداً في غرف الطوارئ — لا ليحلّ محل الطبيب، بل ليكون «عيناً زمنية» ترى ما يتشكّل قبل أن يظهر، وتلتقط ما يهمس به الجسد قبل أن يصرخ. ذكاء لا ينافس الحدس الطبي، بل يسبقه بثوانٍ... قد تكون الفارق بين إنقاذ مريض أو فقدانه.

هذا التحوّل لم يعد فكرة مستقبلية، بل واقعاً بحثياً موثّقاً. ففي دراسات حديثة قادتها فرق من جامعة هارفارد بالتعاون مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، طُوّرت نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على تحليل الإشارات الحيوية في أقسام الطوارئ — من تخطيط القلب، وتقلب النبض، وأنماط التنفس، وتغيّرات معدلات الأكسجين في الدم - لا لاكتشاف الخطر عند وقوعه، بل للتنبؤ بانهيارات قلبية وتنفسية قبل دقائق من حدوثها. وهي نماذج لا تبحث عن علامة واحدة صاخبة، بل عن نمط خفي يتشكّل عبر الزمن.

وفي السياق نفسه، كشفت دراسات منشورة عام 2025 في مجلات طبية متخصصة، إلى جانب تقارير بحثية من جامعة جونز هوبكنز، عن أن خوارزميات التعلّم الآلي باتت قادرة على تحديد المرضى الأكثر عرضة لتوقّف القلب المفاجئ داخل المستشفى بدقة تفوق التقييم السريري التقليدي، عبر قراءة متزامنة لآلاف البيانات في ثوانٍ — مهمة يستحيل على الإنسان إنجازها تحت ضغط الطوارئ.

هنا، لا يتعلّق الأمر بسرعة الحوسبة فقط، بل بإعادة تعريف القرار الطبي نفسه. فغرفة الطوارئ لم تعد مكاناً لردّ الفعل وحده، بل صارت ساحة للتنبؤ والاستباق. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس: هل سيُستخدم الذكاء الاصطناعي في الطوارئ؟ بل: هل يستطيع الطبّ الحديث أن يتجاهل ذكاءً يرى الخطر قبل أن يراه الزمن نفسه؟

ومع هذه القفزة، يفرض السؤال نفسه بقوة: هل نحن أمام لحظة تعيد تعريف طبّ الطوارئ؟ وهل يصبح الذكاء الاصطناعي — للمرة الأولى — قادراً على التفكير أسرع من الخطر ذاته، لا لإنقاذ البيانات، بل لإنقاذ الحياة.

اللحظة الحاسمة: حين يسبق الذكاءُ الاصطناعي الانهيار

في أروقة الطوارئ المزدحمة، يعمل الطبيب تحت ضغط لا يرحم. عشرات الوجوه، عشرات الشكاوى، وزمن يضيق مع كل نبضة قلب: ألم صدري غامض، ضيق تنفّس متسارع، اضطراب نظم مفاجئ، صدمة تحسسية، نزيف لا ينتظر. في هذه اللحظات، لا يكون التحدي في نقص المعرفة، بل في فيض الإشارات وضيق الوقت.

هنا، يتقدّم الذكاء الاصطناعي بطريقة مختلفة تماماً. فالخوارزمية — المدرَّبة على ملايين السجلات الحيوية — لا تتوتر تحت ضغط الطوارئ، ولا تُربكها الفوضى السريرية، ولا تُغفل إشارة لأن التعب غلب الانتباه.

إنها تُنصت إلى ما لا يُسمع: تذبذبات دقيقة في نبض القلب، تغيّرات طفيفة في تشبّع الأكسجين، انحرافات شبه غير مرئية في تخطيط القلب الكهربائي، أنماط تنفّس غير منتظمة لا يلتقطها النظر العابر. إشارات تبدو — كلٌّ على حدة — بلا معنى، لكنها حين تُقرأ معاً، تكشف بداية الانهيار الصامت.

في التجارب السريرية المتقدّمة، تمكّنت هذه الخوارزميات من التنبؤ بحدوث الانهيار القلبي قبل وقوعه بست دقائق كاملة. ست دقائق لا تعني شيئاً في الزمن العادي، لكنها في الطوارئ تعني الفرق بين إنعاش ناجح... وذكرى متأخرة.

هنا، لا «يحلّ» الذكاء الاصطناعي محل الطبيب، بل يمنحه أثمن ما يمكن أن يُعطى في الطوارئ: الزمن. زمن إضافي لاتخاذ القرار، لتجهيز الفريق، ولمنح المريض فرصة لم يكن ليحصل عليها لولا أن الخوارزمية سبقت الخطر بخطوة.

من استجابة الطوارئ... إلى طوارئ تتنبّأ بنفسها

ستّ دقائق... قد تبدو قصيرة، لكنها في لغة الطوارئ تُعادل عمراً كاملاً.

لطالما كانت أقسام الطوارئ ساحات «ردّ فعل». يدخل المريض، فتبدأ عملية الفرز، ثم الفحص، ثم العلاج. لكن الذكاء الاصطناعي يغيّر قواعد اللعبة:الطوارئ لم تعد تنتظر الخطر... بل تتوقّعه.

وأظهر البحث أنّ النظام قادر على:

• التنبؤ بنوبة الربو قبل تفاقمها بـ15 دقيقة

• رصد انخفاض ضغط الدم قبل الوصول إلى مرحلة الصدمة

• اكتشاف تدهور التنفّس لدى مرضى الالتهاب الرئوي بدقّة أعلى من الطبيب بنسبة 30 في المائة

ليس لأن الطبيب أقل مهارة، بل لأن العقل البشري محدود بالزمن والانتباه، بينما الخوارزمية تمتلك انتباهاً لا ينام.

الذكاء الاصطناعي لا يهدف إلى إقصاء الطبيب... بل حمايته

يشير تقرير صادر عن «هارفارد غازيت» (Harvard Gazette – الجريدة الرسمية لجامعة هارفارد) عام 2025 إلى أن معظم الأخطاء في أقسام الطوارئ لا تنبع من نقص المعرفة الطبية، بل من تزاحم القرارات في اللحظات الحرجة.

فالطبيب يمتلك الخبرة، لكنه يواجه في الثانية الواحدة عشرات الإشارات المتغيّرة التي تتطلب قراراً فورياً. وحين تتدفق البيانات بلا توقف، يصبح الذكاء الاصطناعي — كما وصفه باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «عيناً ثالثة لا تتعب، وأذناً لا تغفل، وذاكرة لا تنسى».

تجربة ميدانية تغيّر قواعد اللعبة

في تجربة سريرية داخل وحدة طوارئ ذكي تضم 24 سريراً في «عيادة مايو» (Mayo Clinic)، حقق النظام نتائج لافتة:

• انخفاض حالات التدهور المفاجئ بنسبة 22 في المائة

• تسريع الاستجابة لنداء «الإنعاش القلبي الرئوي» (Code Blue) بمقدار 18 ثانية

• تقليل الحاجة إلى الإنعاش الكامل بنسبة 12 في المائة

• ارتفاع دقة تقدير خطورة الحالة من 78 في المائة إلى 92 في المائة

ومن أصل 126 حالة انهيار قلبي محتمل، نجحت الخوارزمية في اكتشاف 119 حالة قبل وقوعها.

مستقبل غرف الطوارئ: نظام ذكي يستيقظ قبل أن يستيقظ الألم

يتصوّر الفريق البحثي بيئة طوارئ مختلفة جذرياً:

• شبكة استشعار ذكية تراقب المرضى لحظة بلحظة

• لوحة توقّعات آنية تُعيد ترتيب أولويات العلاج

• مساعد معرفي رقمي يراجع الأدوية والتداخلات

• إنذار مبكر يخفّض 30 – 40 في المائة من حالات التدهور الحاد

فرصة ذهبية للشرق الأوسط

تُظهر البنى الرقمية المتسارعة في المملكة العربية السعودية، من الملفات الصحية الموحّدة، إلى سحابة الصحة الوطنية، ومشاريع الذكاء الاصطناعي السيادية، أن المنطقة لا تلاحق المستقبل... بل تتهيأ لصناعته. فهنا تتوافر الشروط لبناء أول نظام عربي متكامل للطوارئ الذكية، نظام لا ينتظر الخطر حتى يقع، بل يرصده وهو في طريقه إلى الظهور.

حين ينتصر الطب على الزمن

يكتب فريق البحث في ختام دراسته: «الذكاء الاصطناعي لا يمنع الموت... لكنه يمنح الحياة وقتاً أطول». وفي غرف الطوارئ، حيث تُقاس القرارات بالثواني، وحيث يفصل الخطأ الواحد بين النجاة والفقد، يصبح هذا الوقت الإضافي أثمن ما يمكن تقديمه للمريض.

وحين يتخذ الذكاء الاصطناعي قراراً قبل ستّ ثوانٍ من انهيار الجسد، فإنه لا يحلّ محل الطبيب، ولا يسلبه إنسانيته، بل يحميه من قسوة الزمن... ويمنحه فرصة أن يفعل ما يجيده أكثر من أي خوارزمية: إنقاذ حياة إنسان ينتظره من يحبّ.


قطرات العين... بدلاً من نظارات القراءة

قطرات العين... بدلاً من نظارات القراءة
TT

قطرات العين... بدلاً من نظارات القراءة

قطرات العين... بدلاً من نظارات القراءة

القراءة، الخياطة، مطالعة هاتفك الذكي؛ بمرور الوقت تزداد هذه الأنشطة وغيرها صعوبة عندما تتراجع قدرتك على الرؤية عن قرب في منتصف العمر. ويطلق على هذه الحالة طول النظر الشيخوخي، حالة تصيبنا جميعاً، ويمكن علاجها بسهولة بارتداء نظارات القراءة، من تلك التي تُصرف دون وصفة طبية، أو النظارات الطبية، أو العدسات اللاصقة.

اليوم، يتوفر خيار آخر، وهي «قطرات العين الطبية»، للمساعدة على تحسين الرؤية الضبابية عن قرب.

إليك ما تحتاج إلى معرفته حول «طول النظر الشيخوخي» (presbyopia) والأدوية الجديدة المتاحة لعلاجه.

قطرات عين جديدة

- لماذا نفقد الرؤية عن قرب؟ تعتمد قدرتنا على التركيز على الأشياء القريبة أو البعيدة، على عدسة العين. ونظراً لأن العدسة لينة ومرنة، فإن هذا يتيح لها تغيير شكلها، وثني الضوء بطرق معينة على شبكية العين؛ النسيج الموجود في الجزء الخلفي من العين الذي يرسل إشارات الضوء إلى الدماغ.

ومع تقدمنا في العمر، تتضاءل مرونة العدسة. وهنا، أوضح الدكتور ماثيو غاردينر، طبيب العيون ومساعد رئيس الشؤون السريرية في مستشفى ماساتشوستس للعين والأذن، التابع لجامعة هارفارد: «بعد سن الخامسة والأربعين، تزداد عدسة العين صلابة، ولا تستطيع تغيير شكلها لاستيعاب الأجسام القريبة من العين. والنتيجة العجز عن رؤية الأشياء عن قرب بوضوح».

- قطرات العين للرؤية عن قرب: حديثاً، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على كثير من أدوية العين الموصوفة طبياً التي تساعد في تخفيف حدة حالة طول النظر الشيخوخي مؤقتاً. وتتضمن قطرات العين «هيدروكلوريد بيلوكاربين» pilocarpine hydrochloride (Vuity, Qolsi)، و«أسيكليدين» (VIZZ) aceclidine.

تلتف هذه الأدوية على مشكلة تصلب عدسة العين، عبر تحفيز أجزاء أخرى من العين للمساعدة في تركيز الضوء بشكل أكثر وضوحاً. هنا، قال الدكتور غاردينر: «تعمل قطرات العين على شد العضلة العاصرة للقزحية، ما يؤدي إلى انكماش الحدقة في مركز العين، الأمر الذي يتيح دخول كمية أقل من الضوء. ويسمى هذا بتأثير الثقب الدبوسي pinhole effect (مثل النظر المركز من خلال ثقب دبوس)، ويشبه عملية التحديق المركز».

- استخدام القطرات. لقطرات العين جدول جرعات مرن، يمكنك استخدامه يومياً أو كلما رغبتَ في الاستغناء عن النظارات. وشرح الدكتور غاردينر: «الغرض منها الشعور بالراحة فقط. يمكنك استخدامها عدة أيام متتالية، ثم العودة إلى نظارتك، أو استخدام قطرات العين في المناسبات الخاصة. لا مشكلة في التبديل بينها».

تُوضع قطرات «بيلوكاربين» (Pilocarpine) في العين مرة أو مرتين يومياً، ويستمر مفعولها حتى 8 ساعات، حسب المنتج الذي يصفه الطبيب. أما قطرات «أسيكليدين» (Aceclidine) فتُوضع مرة واحدة فقط يومياً، ويستمر مفعولها نحو 10 ساعات.

ويستغرق الأمر نحو 30 دقيقة حتى يبدأ مفعول قطرات العين.

المخاطر والاعتبارات

- المخاطر: مثل أي دواء، قد يكون لقطرات العين المخصصة لطول النظر الشيخوخي آثار جانبية محتملة. وقد تتضمن هذه الآثار عدم وضوح الرؤية، والصداع، وضعف الرؤية. هنا، شرح الدكتور غاردينر: «بالنظر إلى أن حدقة العين تضيق ولا يدخل قدر كافٍ من الضوء إلى العينين، فقد تبدو الأشياء باهتة أو داكنة. لذلك، في بيئة شديدة الظلام، مثل القيادة ليلاً، ربما تواجه صعوبة أكبر في التنقل».

في حالات نادرة، يُصاب الأشخاص الذين يتناولون «بيلوكاربين» بتمزق أو انفصال في الشبكية، ما قد يؤدي إلى الإصابة بالعمى. لم تُسجل أي حالات تمزق أو انفصال في الشبكية في دراسات (لم تُنشر بعد) أجريت على قطرات العين «الأسيكليدين» لعلاج طول النظر الشيخوخي. ومع ذلك، يُحذر ملصق الدواء من هذا الخطر.

- الاعتبارات: ينبغي الانتباه إلى أن قطرات العين لتحسين الرؤية عن قرب لا تناسب الجميع. وعن ذلك، قال الدكتور غاردينر إنه قد ينصح الطبيب بالتوقف عن استخدامها، إذا كان لديك تاريخ عائلي قوي لانفصال الشبكية، أو إذا كنت تعاني من قصر نظر شديد، أو إذا كنت تعاني من حالة تُسمى التهاب القزحية (iritis).

ومن بين الأمور الأخرى الواجب مراعاتها: التكلفة. بوجه عام، تُعتبر قطرات العين تجميلية، ولا يغطيها التأمين، وتصل أسعارها إلى 80 دولاراً أميركياً لجرعة شهرية واحدة.

إلا أنه إن كنت ترغب في الراحة، وإذا سمحت ميزانيتك بذلك، فقد تُفكر في تجربة قطرات العين. وهنا، أوضح الدكتور غاردينر: «لن تعمل هذه الأدوية على استعادة قدرتك على الرؤية القريبة بشكل دائم، ولكنها قد تقلل من اعتمادك على نظارات القراءة في أثناء استخدامها».

* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا».