ينفذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مشروعاً لمواجهة انعدام الأمن الغذائي في اليمن، للتعامل مع تأثيرات ارتفاع أسعار الوقود، والعوامل المرتبطة بالحرب الطويلة في اليمن، على القطاعات الإنتاجية، خصوصاً الزراعة التي تعتمد عليها الآلاف من الأُسر، في حين أدى تغير المناخ وندرة المياه إلى إلحاق الإضرار البالغة بها.
وفي بلد يعيش 75 في المائة من سكانه بالأرياف، فإن وفرة المياه تلعب دوراً حاسماً في الزراعة والأمن الغذائي؛ لأنها ضرورية لزراعة المحاصيل وتربية الماشية والحفاظ على التربة، كما أنها، وفي ظل الوضع الاقتصادي المتهاوي، تسمح للمزارعين بتوسيع الأراضي الصالحة للزراعة وإنتاج مزيد من المحاصيل.
وبتمويل من البنك الدولي، يتشارك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق الاجتماعي للتنمية في تنفيذ مشروع الاستجابة للأمن الغذائي والمرونة، الذي يهدف إلى التعامل مع تأثيرات التغيرات المناخية، من خلال بناء خزانات لحصاد مياه الأمطار، ومنع تآكل الأراضي، والحفاظ على الأراضي الزراعية.
كما سيعمل المشروع على خلق فرص عمل للمجتمعات المحلية، وتسهيل وصولها إلى المياه للري وتربية الثروة الحيوانية، وتقديم نهج شامل لمعالجة انعدام الأمن الغذائي.
ووفق بيانات الأمم المتحدة، فقد عرقلت التحديات التي تفرضها ندرة المياه وأنماط الطقس المتغيرة باليمن، الجهود الرامية إلى ضمان الأمن الغذائي، كما تأثر كثير من الأراضي الزراعية بالفيضانات والأمطار الغزيرة، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وزاد التصحر الناجم عن الجفاف من صعوبة الحفاظ على الإنتاج الزراعي.
يقول سليمان علي، وهو مزارع يبلغ من العمر 42 عاماً، إنه يزرع الآن مجموعة متنوعة من المحاصيل، بعد أن كان حتى وقت قريب يعتمد على زراعة نوع أو نوعين فقط من الخضراوات، بسبب معركته مع ندرة المياه التي أثرت على قريته الواقعة في مديرية أسلم الشام، التابعة لمحافظة حجة في غرب اليمن.
ويذكر علي أن المزارعين يعتمدون، بشكل كبير، على مياه الأمطار والآبار للري، والتي كانت تقتصر، في السابق، على موسم زراعي معين لمحاصيل الخضراوات، مثل الطماطم والكوسة والبامية والموز والفلفل.
تحسين الزراعة
بعد بناء خزانات الري التكميلية في القرية؛ تحسَّن الوضع بشكل كبير، هذا العام، كما يبين المزارع علي، بل إن توفر المياه جعل من الممكن زراعة الأراضي القاحلة بالقرب من الخزان، وأصبحت هذه الأراضي، الآن، مروية وتنتج مجموعة من المحاصيل المختلفة.
ولأن المياه المستخدمة في الري تشكل عنصراً بالغ الأهمية في بناء الأمن الغذائي، جرى بناء ثلاثة خزانات لتجميع مياه الأمطار تتراوح سعتها بين 250 و350 متراً مكعباً في المنطقة، ما وفَّر للمزارعين مصدراً مستداماً للري، وأدى إلى زيادة ملحوظة في الإنتاجية الزراعية، وتحسين الظروف المعيشية العامة لكثير من الأُسر الزراعية.
ووفق ما يقوله المزارع، فإن خزانات الري التكميلي لم توفر فحسب حلاً لنقص المياه، بل وفّرت لهم أيضاً قدراً كبيراً من المال والجهد، من خلال منع فشل الحصاد؛ لأنها تسمح للمجتمعات المحلية بجمع مياه الأمطار لاستخدامها في المستقبل، ومعالجة التحدي المستمر المتمثل في ندرتها.
وتُعدّ الزراعة، التي تعتمد على الأمطار، خصوصاً في المناطق النائية والمعزولة، مصدراً أساسياً لسبل العيش لكثير من الناس.
ويشير هذا المزارع إلى أنه كان يشعر بالقلق من فشل محاصيل الطماطم أو الكوسة، إذا توقفت الأمطار، أو لم يكن هناك ما يكفي منها قبل الحصاد، لكنه، الآن، يعلم أن هناك مصدراً مستداماً متاحاً للري، وأن المياه المخزَّنة ستغطي احتياجات المحاصيل خلال موسم الجفاف.
ونبّهت الأمم المتحدة إلى أن تنفيذ تدخلات الحفاظ على الزراعة، بما في ذلك إنشاء قنوات الري، أدى إلى تحسينات كبيرة في استخدام مياه الأمطار، وتوسيع الأراضي المروية، والحفاظ على الأراضي الزراعية ضد تآكل التربة الناجم عن الأمطار الغزيرة.
تحقيق الفائض
قبل هذه التدخلات، كان المزارعون في مديرية عبس، التابعة أيضاً لمحافظة حجة، يواجهون خسائر سنوية كبيرة، وفق الأمم المتحدة، حيث كانت مزارعهم تجرفها الأمطار الغزيرة بشكل متكرر، ما يؤكد أن البناء الناجح لقنوات الري تحت مظلة مشروع «حماية الأراضي الزراعية» لم يمنع الأراضي من التآكل فحسب، بل أدى أيضاً إلى تحسين حياة أولئك الذين يعملون فيها.
وينوّه محمد، وهو مزارع يبلغ من العمر 35 عاماً من قرية الكفرة، القريبة من مركز المديرية، أن الجميع لاحظ التأثيرات الإيجابية للمصبات، التي جرى إنشاؤها حديثاً، وأن أراضيهم كانت عرضة للتآكل بسبب التغيرات غير المتوقعة في موسم الأمطار، وكان لهذا تأثير كبير على الإنتاجية الزراعية، إذ كان يضطر، في السابق، إلى دفع ثمن استئجار جرار، لإصلاح مزرعته ومحاولة الحد من التآكل.
وأصبحت أرض هذا المزارع محمية الآن بفضل تنفيذ هذا المشروع، ما يعني أنه بات بمقدور أسرته أن تأكل جزءاً مما يزرعه، وأن يبيع الفائض في السوق، وهذا الدخل الإضافي يساعد على شراء اللوازم الزراعية والضروريات لعائلته؛ لأن الصراع في اليمن أثّر بشكل عميق على المزارعين.
وارتفعت أسعار المبيدات والأسمدة والوقود بشكل كبير بفعل الحرب، مما أدى إلى تفاقم الظروف المعيشية المتدهورة.
ولا تعمل هذه المشاريع على تحسين الإنتاجية الزراعية فحسب، بل إنها تسهم أيضاً في تطوير البنية التحتية المجتمعية، مع خلق فرص عمل لائقة للسكان، طبقاً لما يرويه عبد الإله المؤيد، مستشار الصندوق الاجتماعي للتنمية في مديرية عبس.
ويوضح أنه جرى استهدف أكثر من 200 أسرة، وأنها تلعب دوراً حاسماً في تنظيم عملية الري بالغمر بين الأراضي، ومن ثم تعزيز احتباس المياه، والحفاظ على مستوى المادة العضوية في التربة، ما يسهم، في نهاية المطاف، في تحسين الإنتاجية الإجمالية للأراضي الزراعية في المنطقة.