وكالة أممية تعالج ندرة المياه والتصحر في اليمن

مشروع استجابة لمواجهة انعدام الأمن الغذائي بتمويل من البنك الدولي

موظفو مشروع الاستجابة لتعزيز الأمن الغذائي في اليمن ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي خلال زيارة للمشاريع (الأمم المتحدة)
موظفو مشروع الاستجابة لتعزيز الأمن الغذائي في اليمن ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي خلال زيارة للمشاريع (الأمم المتحدة)
TT

وكالة أممية تعالج ندرة المياه والتصحر في اليمن

موظفو مشروع الاستجابة لتعزيز الأمن الغذائي في اليمن ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي خلال زيارة للمشاريع (الأمم المتحدة)
موظفو مشروع الاستجابة لتعزيز الأمن الغذائي في اليمن ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي خلال زيارة للمشاريع (الأمم المتحدة)

ينفذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مشروعاً لمواجهة انعدام الأمن الغذائي في اليمن، للتعامل مع تأثيرات ارتفاع أسعار الوقود، والعوامل المرتبطة بالحرب الطويلة في اليمن، على القطاعات الإنتاجية، خصوصاً الزراعة التي تعتمد عليها الآلاف من الأُسر، في حين أدى تغير المناخ وندرة المياه إلى إلحاق الإضرار البالغة بها.

وفي بلد يعيش 75 في المائة من سكانه بالأرياف، فإن وفرة المياه تلعب دوراً حاسماً في الزراعة والأمن الغذائي؛ لأنها ضرورية لزراعة المحاصيل وتربية الماشية والحفاظ على التربة، كما أنها، وفي ظل الوضع الاقتصادي المتهاوي، تسمح للمزارعين بتوسيع الأراضي الصالحة للزراعة وإنتاج مزيد من المحاصيل.

وبتمويل من البنك الدولي، يتشارك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق الاجتماعي للتنمية في تنفيذ مشروع الاستجابة للأمن الغذائي والمرونة، الذي يهدف إلى التعامل مع تأثيرات التغيرات المناخية، من خلال بناء خزانات لحصاد مياه الأمطار، ومنع تآكل الأراضي، والحفاظ على الأراضي الزراعية.

كما سيعمل المشروع على خلق فرص عمل للمجتمعات المحلية، وتسهيل وصولها إلى المياه للري وتربية الثروة الحيوانية، وتقديم نهج شامل لمعالجة انعدام الأمن الغذائي.

خلال يوم واحد دمّرت السيول 800 منزل في المحويت (الأمم المتحدة)

ووفق بيانات الأمم المتحدة، فقد عرقلت التحديات التي تفرضها ندرة المياه وأنماط الطقس المتغيرة باليمن، الجهود الرامية إلى ضمان الأمن الغذائي، كما تأثر كثير من الأراضي الزراعية بالفيضانات والأمطار الغزيرة، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وزاد التصحر الناجم عن الجفاف من صعوبة الحفاظ على الإنتاج الزراعي.

يقول سليمان علي، وهو مزارع يبلغ من العمر 42 عاماً، إنه يزرع الآن مجموعة متنوعة من المحاصيل، بعد أن كان حتى وقت قريب يعتمد على زراعة نوع أو نوعين فقط من الخضراوات، بسبب معركته مع ندرة المياه التي أثرت على قريته الواقعة في مديرية أسلم الشام، التابعة لمحافظة حجة في غرب اليمن.

ويذكر علي أن المزارعين يعتمدون، بشكل كبير، على مياه الأمطار والآبار للري، والتي كانت تقتصر، في السابق، على موسم زراعي معين لمحاصيل الخضراوات، مثل الطماطم والكوسة والبامية والموز والفلفل.

تحسين الزراعة

بعد بناء خزانات الري التكميلية في القرية؛ تحسَّن الوضع بشكل كبير، هذا العام، كما يبين المزارع علي، بل إن توفر المياه جعل من الممكن زراعة الأراضي القاحلة بالقرب من الخزان، وأصبحت هذه الأراضي، الآن، مروية وتنتج مجموعة من المحاصيل المختلفة.

حصاد مياه الأمطار طريق لاستدامة الزراعة في اليمن (إعلام محلي)

ولأن المياه المستخدمة في الري تشكل عنصراً بالغ الأهمية في بناء الأمن الغذائي، جرى بناء ثلاثة خزانات لتجميع مياه الأمطار تتراوح سعتها بين 250 و350 متراً مكعباً في المنطقة، ما وفَّر للمزارعين مصدراً مستداماً للري، وأدى إلى زيادة ملحوظة في الإنتاجية الزراعية، وتحسين الظروف المعيشية العامة لكثير من الأُسر الزراعية.

ووفق ما يقوله المزارع، فإن خزانات الري التكميلي لم توفر فحسب حلاً لنقص المياه، بل وفّرت لهم أيضاً قدراً كبيراً من المال والجهد، من خلال منع فشل الحصاد؛ لأنها تسمح للمجتمعات المحلية بجمع مياه الأمطار لاستخدامها في المستقبل، ومعالجة التحدي المستمر المتمثل في ندرتها.

وتُعدّ الزراعة، التي تعتمد على الأمطار، خصوصاً في المناطق النائية والمعزولة، مصدراً أساسياً لسبل العيش لكثير من الناس.

ويشير هذا المزارع إلى أنه كان يشعر بالقلق من فشل محاصيل الطماطم أو الكوسة، إذا توقفت الأمطار، أو لم يكن هناك ما يكفي منها قبل الحصاد، لكنه، الآن، يعلم أن هناك مصدراً مستداماً متاحاً للري، وأن المياه المخزَّنة ستغطي احتياجات المحاصيل خلال موسم الجفاف.

تسببت التغيرات المناخية بفيضانات جرفت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في اليمن (الأمم المتحدة)

ونبّهت الأمم المتحدة إلى أن تنفيذ تدخلات الحفاظ على الزراعة، بما في ذلك إنشاء قنوات الري، أدى إلى تحسينات كبيرة في استخدام مياه الأمطار، وتوسيع الأراضي المروية، والحفاظ على الأراضي الزراعية ضد تآكل التربة الناجم عن الأمطار الغزيرة.

تحقيق الفائض

قبل هذه التدخلات، كان المزارعون في مديرية عبس، التابعة أيضاً لمحافظة حجة، يواجهون خسائر سنوية كبيرة، وفق الأمم المتحدة، حيث كانت مزارعهم تجرفها الأمطار الغزيرة بشكل متكرر، ما يؤكد أن البناء الناجح لقنوات الري تحت مظلة مشروع «حماية الأراضي الزراعية» لم يمنع الأراضي من التآكل فحسب، بل أدى أيضاً إلى تحسين حياة أولئك الذين يعملون فيها.

وينوّه محمد، وهو مزارع يبلغ من العمر 35 عاماً من قرية الكفرة، القريبة من مركز المديرية، أن الجميع لاحظ التأثيرات الإيجابية للمصبات، التي جرى إنشاؤها حديثاً، وأن أراضيهم كانت عرضة للتآكل بسبب التغيرات غير المتوقعة في موسم الأمطار، وكان لهذا تأثير كبير على الإنتاجية الزراعية، إذ كان يضطر، في السابق، إلى دفع ثمن استئجار جرار، لإصلاح مزرعته ومحاولة الحد من التآكل.

يهدف مشروع الاستجابة للأمن الغذائي إلى استغلال مياه الأمطار في توسيع الرقعة الزراعية (إعلام محلي)

وأصبحت أرض هذا المزارع محمية الآن بفضل تنفيذ هذا المشروع، ما يعني أنه بات بمقدور أسرته أن تأكل جزءاً مما يزرعه، وأن يبيع الفائض في السوق، وهذا الدخل الإضافي يساعد على شراء اللوازم الزراعية والضروريات لعائلته؛ لأن الصراع في اليمن أثّر بشكل عميق على المزارعين.

وارتفعت أسعار المبيدات والأسمدة والوقود بشكل كبير بفعل الحرب، مما أدى إلى تفاقم الظروف المعيشية المتدهورة.

ولا تعمل هذه المشاريع على تحسين الإنتاجية الزراعية فحسب، بل إنها تسهم أيضاً في تطوير البنية التحتية المجتمعية، مع خلق فرص عمل لائقة للسكان، طبقاً لما يرويه عبد الإله المؤيد، مستشار الصندوق الاجتماعي للتنمية في مديرية عبس.

ويوضح أنه جرى استهدف أكثر من 200 أسرة، وأنها تلعب دوراً حاسماً في تنظيم عملية الري بالغمر بين الأراضي، ومن ثم تعزيز احتباس المياه، والحفاظ على مستوى المادة العضوية في التربة، ما يسهم، في نهاية المطاف، في تحسين الإنتاجية الإجمالية للأراضي الزراعية في المنطقة.


مقالات ذات صلة

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

العالم العربي قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

السعودية توجّه ضربةً جويةً تحذيريةً في حضرموت تعزيزاً لبيان خارجيتها بخصوص تحركات «الانتقالي» الأحادية، و«الانتقالي» يعلن انفتاحه على التنسيق مع الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)

بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

بعد 9 أشهر من التكتم، اعترف الحوثيون بمقتل قادة وحدة الطيران المسيّر، في ضربة أميركية كشفت عن حجم الخسائر التي طالت أخطر أذرعهم العسكرية.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)

إجماع يمني واسع خلف الموقف السعودي لاحتواء التصعيد في الشرق

إجماع يمني واسع يدعم البيان السعودي الداعي لاحتواء التصعيد في حضرموت والمهرة، ورفض الإجراءات الأحادية حفاظاً على وحدة الدولة ومسار الحل السياسي.

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم العربي قوات تُدير نقطة تفتيش أمنية في مدينة عدن خلال مسيرة تُطالب باستقلال جنوب اليمن (إ.ب.أ)

مواقف خليجية وعربية وإسلامية تدعم المسار السعودي للتهدئة شرق اليمن

توالت مواقف عربية وإسلامية مرحِّبة بالمسار السعودي لخفض التصعيد في اليمن، مؤكدة دعم وحدة اليمن ورفض الإجراءات الأحادية في حضرموت والمهرة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج علم الإمارات (وام)

الإمارات ترحّب بجهود السعودية لدعم أمن واستقرار اليمن

رحّبت الإمارات بالجهود التي تبذلها السعودية لدعم الأمن والاستقرار في اليمن.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.


بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
TT

بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)

بعد 9 أشهر من الإنكار والتكتم، أقرّت الجماعة الحوثية بخسارة إحدى أهم وحداتها القتالية، مع تشييع قائد سلاح الطيران المسيّر اللواء زكريا حجر وعدد من أبرز معاونيه، الذين يرجح أنهم قُتلوا في غارة أميركية استهدفتهم داخل أحد المنازل بحي الجراف شرق صنعاء خلال شهر رمضان الماضي.

الاعتراف الحوثي المتأخر أعاد فتح ملف الخسائر العسكرية الثقيلة التي مُني بها جناح الجماعة العسكري، وكشف جانباً من حجم الضربات التي طالت بنيته القيادية والتقنية خلال الأشهر الماضية.

وجاء هذا الإقرار من قبل الجماعة المتحالفة مع إيران بعد أشهر من إقرار مماثل بمقتل رئيس هيئة أركانها محمد الغماري، عبر مراسم تشييع نُظمت في صنعاء.

وشملت مراسم تشييع حجر، التي أقيمت الخميس، كلاً من مدير العمليات في وحدة الطيران المسيّر اللواء محمد الحيفي، واللواء عبد الله حجر، والعميد أحمد حجر، والعميد حسين الهاشمي. ويُعد هؤلاء من أبرز القادة في وحدة الطيران المسيّر التي أُنشئت بإشراف وتدريب مباشر من الحرس الثوري الإيراني والجناح العسكري لـ«حزب الله» اللبناني، وشكّلت خلال السنوات الماضية أحد أهم أذرع الحوثيين في تنفيذ الهجمات العابرة للحدود.

الحوثيون تعمّدوا التكتم على خبر مقتل حجر 9 أشهر (إعلام محلي)

وعلى الرغم من أن هذه الخسارة تُعد ثاني أكبر خسارة تعترف بها الجماعة بعد مقتل الغماري، فإن اللافت في مراسم التشييع كان الغياب شبه الكامل للقيادات العسكرية البارزة. إذ غاب وزير دفاع الجماعة محمد العاطفي، الذي تُرجّح مصادر إصابته في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً للحكومة غير المعترف بها في نهاية أغسطس (آب) الماضي، ومنذ ذلك الحين اختفى عن الأنظار.

كما غاب رئيس هيئة الأركان الجديد يوسف المدني، إلى جانب معظم القادة العسكريين، واقتصر الحضور على مفتي الجماعة شمس الدين شرف الدين، والقائم بأعمال رئيس الحكومة غير المعترف بها محمد مفتاح، في مؤشر فسّره مراقبون بحجم الإرباك الذي تعانيه القيادة العسكرية للجماعة.

ضربات موجعة

يرى مراقبون عسكريون أن الهجمات الأميركية التي استهدفت مخابئ القادة الحوثيين ومخازن أسلحتهم ومراكز القيادة والسيطرة، قبل التوصل إلى هدنة بين الطرفين، كادت أن تُخرج القوة الصاروخية وسلاح الطيران المسيّر عن الخدمة. فقد خسر الحوثيون خلال تلك الضربات أبرز كوادرهم المتخصصة، من قائد الوحدة ومسؤول العمليات والدراسات، إلى المسؤولين التقنيين والمشرفين على ورش تركيب وتجهيز الطائرات المسيّرة، إضافة إلى مختصين بعمليات الإطلاق والتوجيه.

غياب القادة العسكريين لجماعة الحوثي عن مراسم التشييع (إعلام محلي)

وفي هذا السياق، وصفت منصة «ديفانس أونلاين» المتخصصة في الشؤون العسكرية والأمنية زكريا حجر (39 عاماً) بأنه خبير محوري في منظومة الصواريخ وبرنامج الطيران المسيّر لدى الحوثيين، وأحد الفنيين الذين عملوا إلى جانب خبراء ومستشارين من «الحرس الثوري» و«فيلق القدس»، إضافة إلى جنسيات عربية، على تطوير القدرات القتالية للجماعة.

وأشارت المنصة إلى أن حجر يرتبط بعلاقة مصاهرة مع عائلة عبد الملك الحوثي، وأن عدداً من إخوته وأفراد أسرته يشغلون مواقع مهمة داخل هياكل الجماعة.

وحسب المعلومات، جرى تعيين حجر عقب اجتياح صنعاء ضمن هياكل وزارة الدفاع التابعة للجماعة، ومنح رتبة عسكرية رفيعة، قبل أن يتولى الإشراف على برنامج الطيران المسيّر ضمن منظومة «القوة النوعية» المرتبطة بالمجلس الجهادي للحوثيين. وتؤكد مصادر متطابقة أن هذه الوحدة لعبت دوراً رئيسياً في الهجمات التي استهدفت العمق اليمني ودول الجوار وخطوط الملاحة الدولية.

اعترافات متأخرة

تشير منصة «ديفانس أونلاين» إلى أن حجر يُعد من العناصر المطلوبين للقضاء اليمني، وقد ورد اسمه ضمن قائمة قيادات خضعت للمحاكمة أمام القضاء العسكري في مأرب منذ مطلع 2022، بتهم تتعلق بالتمرد والقتل والإرهاب.

كما أدرجه التحالف الداعم للشرعية ضمن قوائم الإرهاب في أغسطس (آب) من العام نفسه، إلى جانب أربعة آخرين، لارتباطهم المباشر بعمليات إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، وتهريب الأسلحة الإيرانية، والمشاركة في الهجمات على الشحن الدولي في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.

ويؤكد الصحافي المتخصص في شؤون الحوثيين، عدنان الجبرني، أن وحدة الطيران المسيّر تلقت «ضربات قاتلة» جراء الغارات الأميركية التي نُفذت خلال الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وأوضح أن حجر قُتل في غارة استهدفت منزلاً بحي الجراف، ومعه اثنان من أبرز مساعديه، أثناء تناول وجبة الإفطار في شهر رمضان، إلا أن الجماعة فرضت تعتيماً مشدداً على هوية المستهدفين.

ناشطون حوثيون كشفوا عن مقتل ثمانية من أشقاء حجر خلال تجنيدهم مع الجماعة (إكس)

وفي نعي آخر، أقرت قيادات حوثية بأن حجر قُتل قبل مصرع محمد الغماري، الذي يُرجّح أنه لقي حتفه في غارة استهدفت منزلاً بحي حدة جنوب صنعاء، كان الحوثيون قد استولوا عليه وحولوه إلى مركز للعمليات العسكرية، رغم ترويج شائعات آنذاك عن نجاته ومغادرته المكان قبل دقائق من الضربة.

وتجمع مصادر حكومية ومراقبون على أن هذه الخسائر القيادية والتقنية كانت عاملاً رئيسياً وراء عرض الحوثيين هدنة مع الجانب الأميركي، التزموا بموجبها بوقف استهداف السفن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، مقابل وقف الضربات الأميركية التي استهدفت قيادات مهمة في جناحهم العسكري، ودمرت مخازن سرية للأسلحة ومراكز للقيادة والسيطرة في صنعاء وصعدة والحديدة.

ويذهب هؤلاء إلى أن الاعتراف المتأخر بمقتل قادة الطيران المسيّر يعكس حجم الضرر الذي أصاب أحد أهم أذرع الجماعة، ويؤشر إلى مرحلة جديدة من إعادة ترتيب الصفوف تحت ضغط الخسائر.


إجماع يمني واسع خلف الموقف السعودي لاحتواء التصعيد في الشرق

الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
TT

إجماع يمني واسع خلف الموقف السعودي لاحتواء التصعيد في الشرق

الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)

اصطفت الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، إلى جانب الهيئات المجتمعية والقبلية في حضرموت، والمؤسسات الرسمية، خلف البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية بشأن التطورات في محافظتي حضرموت والمهرة، في مشهد يعكس إجماعاً على أولوية التهدئة ورفض فرض الوقائع بالقوة، والتمسك بمسار الدولة والحل السياسي الشامل.

وقد رأت المكونات اليمنية أن البيان السعودي، بما تضمنه من دعوة واضحة لعودة قوات المجلس الانتقالي إلى ثكناتها السابقة والخروج من المحافظتين وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف، يعدّ مدخلاً أساسياً لمعالجة الأزمة ومنع انزلاقها نحو تعقيدات أعمق تمس السلم المجتمعي والمركز القانوني للجمهورية اليمنية.

في هذا السياق، رحب تكتل الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، الذي يضم طيفاً متنوعاً من القوى الوطنية، بالبيان السعودي، معتبراً أنه يمثل جوهر المعالجة المطلوبة في هذه المرحلة الحساسة.

وأكدت الأحزاب، في بيان، أن الموقف السعودي يعكس حرصاً واضحاً على احتواء التصعيد، ومنع أي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة، لما لذلك من انعكاسات مباشرة على الأمن والاستقرار ووحدة الصف الوطني.

موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (إ.ب.أ)

وجددت الأحزاب اليمنية دعمها لجهود مجلس القيادة الرئاسي في إدارة الأزمة، داعية المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الاستجابة العاجلة لمقتضيات التهدئة وتغليب لغة الحكمة والعقل، وتهيئة المناخ لمعالجة القضية الجنوبية معالجة عادلة وشاملة ضمن الأطر المتوافق عليها ووفق مخرجات الحوار الوطني، واتفاق الرياض، وإعلان نقل السلطة.

كما حذرت من أن الممارسات الأحادية قد تضر بعدالة القضية الجنوبية نفسها، وتهدد مكتسباتها السياسية، وتدفع بها نحو مسارات إقليمية معقدة تعزلها عن محيطها وتقصيها عن أي تسويات مستقبلية.

وأشادت الأحزاب بالموقف السعودي الثابت من القضية الجنوبية بوصفها قضية عادلة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية، مثمنة في الوقت ذاته التنسيق القائم بين السعودية والإمارات لاحتواء التوتر ودعم مسار الحل السياسي الشامل. وشددت على ضرورة تنفيذ اتفاق الرياض كاملاً ودون انتقائية، باعتباره الضامن الحقيقي لمنع تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلاً.

من جهته رحب الحزب الاشتراكي اليمني بالبيان السعودي، معتبراً أنه يعكس حرصاً صادقاً على أمن واستقرار اليمن، ويؤكد أن معالجة الأوضاع يجب أن تتم حصرياً عبر مؤسسات الدولة وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والتحالف.

وأكد الحزب أهمية ضبط النفس وتغليب المصلحة العامة بوصفهما مدخلاً ضرورياً لتهيئة الأجواء أمام حلول سياسية مستدامة، مجدداً التأكيد على أن القضية الجنوبية لا يمكن حلها إلا عبر حوار وطني جامع ضمن تسوية شاملة.

مواقف مجتمعية وقبلية

على الصعيد المجتمعي، عبّر حلف قبائل حضرموت عن ترحيبه الكبير بالبيان السعودي، مشيداً بما تضمنه من مواقف وصفها بالمسؤولة والأخوية، ومؤكداً أن المملكة كانت ولا تزال سنداً للشعب اليمني في مختلف المراحل. وأشاد الحلف بالجهود المتواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، والخروج العاجل والسلس للقوات التابعة للمجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة.

كما اعتبرت قيادة العصبة الحضرمية البيان السعودي، إلى جانب موقف السلطة المحلية في حضرموت، خريطة طريق لا غنى عنها لحماية المحافظة من الانزلاق نحو الفوضى، وشددت على ضرورة الخروج الفوري وغير المشروط لجميع القوات غير المحلية، محذرة من أي التفاف على هذا المطلب الذي اعتبرته تعبيراً صريحاً عن إرادة الحضارم.

تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي الأحادية في حضرموت والمهرة قوبلت برفض يمني واسع (إ.ب.أ)

بدوره، أعلن مجلس حضرموت الوطني تأييده الكامل للبيان السعودي، معتبراً إياه موقفاً مسؤولاً يهدف إلى حماية مصالح أبناء حضرموت والمهرة ومنع أي تصعيد عسكري غير منسق.

وأكد المجلس أن أي تحركات عسكرية خارج الأطر المؤسسية تمثل تجاوزاً للإجماع الوطني، وتزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني، مشدداً على أهمية احترام صلاحيات السلطة المحلية وتسليم المعسكرات وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

أما مجلس الشورى اليمني، فرحب بالبيان السعودي بوصفه موقفاً واضحاً من التصرفات الأحادية التي أقدم عليها المجلس الانتقالي دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع التحالف.

وعدّ المجلس أن هذه التحركات تمثل خرقاً لاتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، وإضعافاً لوحدة الصف الوطني، ومساساً بالمركز القانوني للدولة اليمنية.

ودعا مجلس الشورى المجلس الانتقالي إلى سرعة الاستجابة لنداء التهدئة والخروج من المحافظتين، حفاظاً على مصلحة أبناء الجنوب واليمن عموماً، وتوجيه الجهود والطاقات نحو مواجهة الخطر الحقيقي المتمثل في الانقلاب الحوثي.