أدوات الذكاء الاصطناعي في مجال البحث الأكاديمي

تُسهِّل الوصول إلى الإجابات بسرعة

أدوات الذكاء الاصطناعي في مجال البحث الأكاديمي
TT

أدوات الذكاء الاصطناعي في مجال البحث الأكاديمي

أدوات الذكاء الاصطناعي في مجال البحث الأكاديمي

لا تحل محل الحكم والتقدير البشري والتحليل اللازم لعملية البحث العلمي إن بدء مشروع بحثي جديد بالنسبة إلى الطلبة والباحثين المتخصصين على حد سواء، يعني الغوص في المؤلفات الأكاديمية لفهم ما كتبه الآخرون بالفعل. ويمكن أن يستغرق ذلك وقتاً ليس بالقصير، حيث يتعين على الباحثين تتبع المقالات التي جرى نشرها في الدوريات العلمية، والبحث فيها من أجل بدء بحثهم وصياغة نتائجهم.

ذكاء اصطناعي «باحث»

مع ذلك تستهدف مجموعة متزايدة من الأدوات المزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي جعل تلك العملية أسهل، حيث يمكنها أن تساعد الباحثين بشكل أسرع على العثور على الأوراق البحثية ذات الصلة، واستخراج المعلومات ذات الصلة منها، أو كلا الأمرين معاً. تقول بريان كيرش، مديرة المكتبة في «إلينوي كوليدج»: «قد تكون تلك طريقة نافعة حقاً لبدء البحث، خصوصاً بالنسبة إلى الطلبة الذين لم يجيدوا عملية البحث ويألفوها بعد، ما دام تعليمهم كيفية استخدامها يجري على نحو أخلاقي، وإخبارهم بأنهم يستطيعون التوسع بشكل يتجاوز نطاق استخدامها، بعد ذلك».

يمكن أن تساعد أداة تسمى «إليسيت» Elicit الباحثين على إجراء ما تُعرف باسم المراجعات المنهجية، التي تتضمن النظر في عدد كبير من الأبحاث المنشورة للعثور على إجابة عن سؤال، مثل تأثير دواء محدد على حالة مَرضية. ويقول جيمس برادي، مدير الهندسة في «إليسيت»: «إن الأمر (إجراء المراجعات) يدوي تماماً. إنه يحتاج إلى فرق من البشر تعمل لأشهر طويلة، ويكلف ذلك مئات الآلاف من الدولارات أو ربما الملايين».

يمكن لـ«إليسيت» تنفيذ تلك العملية بشكل أسرع، وكذلك مساعدة الباحثين من خلال العثور سريعاً على أوراق بحثية منشورة متعلقة بسؤال محدد وتلخيصها. كذلك يمكنها توليد جداول تصف مجموعة كاملة من الأوراق البحثية ذات الصلة، تتضمن أعمدة لنقاط البيانات مثل الخوارزميات، والتقنيات الإحصائية المستخدمة، والعوامل المتغيرة التي تم فحصها، وعدد المشاركين في التجارب.

وتوصي الشركة الباحثين مع ذلك بالنظر في الأوراق البحثية الأصلية. ويؤكد برادي أن تلك الأداة لا تحل محل الحكم والتقدير البشري، والتحليل اللازم لعملية البحث العلمي. ويوضح قائلاً: «لا يشبه الأمر الوصول إلى الخطوة النهائية في (إليسيت) والنقر على زر النشر، لينتهي بك الحال إلى دورية (نيتشر) العلمية أو ما شابه»، مع ذلك يمكنك تسريع عملية تمحيص وفهم الأعمال السابقة.

تقنيات بحث للطلبة

يمثل فهم كيفية مساعدة الذكاء الاصطناعي لمجال البحث الأكاديمي جزءاً من سؤال أكبر في المجال، وهو: كيف ومتى يمكن للتكنولوجيا أن تحل محل الشبكة التقليدية لأدوات البحث، أو تصبح مكمِّلة لها؟ أدرك علماء الكومبيوتر منذ التسعينات أن محيط النشر الأكاديمي، الذي يقتبس فيه الباحثون من الأوراق البحثية بعضهم من بعض، وينشرون عملهم في دوريات علمية ذات سمعة جيدة في مجال محدد، لا يختلف كثيراً عن بيئة الإنترنت. ويعني ذلك إمكانية انتقال تقنيات العثور على مواد ذات صلة، وتقليل أخطاء وهلاوس الذكاء الاصطناعي إلى الحد الأدنى، وتقديم نتائج مفيدة وقابلة للإثبات للمستخدم من المجال الأكاديمي إلى شبكة الإنترنت الأوسع نطاقاً.

بطبيعة الحال لا يكون جميع من يبحثون عن إجابات علمية من العلماء المتخصصين. وتقول المؤسسات، التي تقف وراء نشر تلك الأدوات، إنه من الممكن أن تصبح تلك الأدوات مفيدة بشكل خاص للأشخاص الذين يتطلعون إلى فهم مجالات جديدة يهتمون بها، سواء كانوا طلبة أو متخصصين يُجرون عملاً متداخلاً معرفياً، أو أفراد من عامة الشعب مهتمين بموضوع ما. ويقول إيريك أولسون، أحد مؤسسي محرك البحث «كونسينسيس إيه آي» Consensus، والرئيس التنفيذي له، إن نحو 50 في المائة من أدوات البحث العلمي توجد في المؤسسات الأكاديمية، حيث كثيراً ما يستخدمها طلبة السنة الجامعية النهائية. ويوضح قائلاً: «عادةً ما نبلي جيداً مع الأشخاص الذين يحتاجون إلى طريقة سهلة وسريعة في البحث، لكن ليسوا خبراء بعد».

لغة استفسارات طبيعية

يسمح «كونسينسيس» للمستخدمين بالكتابة بلغة طبيعية تلقائية استفسارات لتلقي أجوبة موجزة مستقاة من أعمال منشورة. ويُظهر المحرك ملخصات لأوراق بحثية محددة، وبيانات تعريفية وصفية، مثل سنة النشر، وعدد الاقتباسات، وإشارة إلى مدى الإجماع والتوافق العلمي على مسألة بعينها.

ومن المستخدمين غير المتخصصين لهذه الأداة، العاملون في مجال الرعاية الصحية مثل الأطباء الذين يستخدمون هذه الأداة من أجل الحصول على معلومات متبصرة بطريقة أسرع من تلك التي توفرها محركات البحث الأكاديمية التقليدية أو محرك البحث «غوغل». كذلك يستعين المستخدمون بمحرك البحث «كونسينسيس» من أجل البحث في الموضوعات المتعلقة بالصحة، وممارسات تربية الأبناء، والأمور السياسية في الأخبار، على حد قول أولسون.

لا تعتمد شركة «كونسينسيس»، مثلها مثل الشركات الأخرى في هذا المجال، فقط على نموذج لغات كبير يستند إلى نمط «المحوّل التوليدي المدرب مسبقاً» (الذي تعتمد عليه تطبيقات الدردشة) من أجل تقديم إجابات للمستخدم.

وتوفر الشركة محرك بحث عاماً للعثور على أوراق بحثية تتناول مسألة أو استفسار، ومجموعة متنوعة من نماذج اللغة المدربة جيداً لاستخلاص معلومات ذات صلة. والأهم من ذلك التحقق من أن تلك الورقة البحثية متعلقة بالموضوع، مما يحد من احتمالات توضيح نموذج ذكاء اصطناعي متحمس حقائق ليست موجودة فعلياً. يقول أولسون: «سوف أتيح وصول الأمر إلى النموذج فقط، إذا كنا نعتقد أن لديه حقاً معلومة أو رؤى متبصرة ذات صلة به. إنها حيلة رائعة للحد من خطر تأويل الورقة البحثية بشكل خاطئ».

إجابات موجزة

وقد طوّرت شركة «إلسفير»، التي تعمل في مجال النشر الأكاديمي، أداة ذكاء اصطناعي تسمى «سكوبوس إيه آي» Scopus AI للبحث في الأبحاث التي تم جمعها في قاعدة البيانات الخاصة بـ«سكوبوس»، والتي تتضمن ملخصات لمقالات، وبيانات تعريفية، من عشرات الآلاف من الدوريات العلمية، تشمل تلك التي نشرتها دور نشر منافسة.

ويمكن لـ«سكوبوس» توليد إجابات موجزة استناداً إلى استفسارات محددة، واقتراح أسئلة إضافية لمساعدة المستخدمين في توسيع نطاق معرفتهم بالمجال، وتسليط الضوء على مؤلفي «الأوراق البحثية الأساسية» و«الخبراء في الموضوع» الذين تركوا أثراً خاصاً في مجال الخبرة المذكور. يقول ماكسيم خان، نائب رئيس شؤون المنتجات التحليلية ومنصة البيانات في «إلسفير»: «وجدنا أن هذا احتياج مشترك لدى عدد من الأشخاص المختلفين الذين يقفون عند منحدر محاولة فهم اختصاص آخر». ويقول خان إن المستخدمين أكدوا أن المحرك يساعدهم على فهم المجالات الجديدة على نحو أسرع، ويستعرض أوراقاً بحثية لم يكونوا ليكتشفوها لولاه. وبسبب شروط الترخيص، لا تتضمن الأداة عرض النص الكامل، مما يعني أن المستخدمين لا يستطيعون الاستفسار بشكل مباشر عن المادة في مقالات تتجاوز الملخصات والاقتباسات.

يمكن لبرامج أخرى مساعدة المستخدمين على التعمق داخل أبحاث محددة. وتسمح أداة ذكاء اصطناعي من «جيه ستور» JStor، وإن كان حجمها لا يزال محدوداً، للمستخدمين بالاطلاع على ملخصات المقالات المناسبة لاستفساراتهم المحددة، ويمكنها الإجابة عن الأسئلة استناداً إلى المحتوى من الوثائق، والإشارة إلى فقرات محددة تتضمن الإجابة. يمكن لذلك أن يساعد المستخدمين في اكتشاف الأوراق البحثية ذات الصلة لقراءتها بتمعن بعد ذلك، ويمكن للأداة أيضاً الإشارة إلى موضوعات أخرى، أو أوراق بحثية محددة لينظر فيها المستخدم استناداً إلى فقرات محددة.

* «مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»



هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.