انتخابات الرئاسة الجزائرية بين تحدي «التغيير» وحلم «التمديد»

المرشحون الثلاثة اجتهدوا لتشجيع الناخبين على التخلي عن «عزوفهم الانتخابي»

الرئيس المرشح عبد المجيد تبون (حملة المرشح)
الرئيس المرشح عبد المجيد تبون (حملة المرشح)
TT

انتخابات الرئاسة الجزائرية بين تحدي «التغيير» وحلم «التمديد»

الرئيس المرشح عبد المجيد تبون (حملة المرشح)
الرئيس المرشح عبد المجيد تبون (حملة المرشح)

عندما سأل مذيع قناة تلفزيونية جزائرية خاصة أحد أهم منشطي حملة الإسلامي عبد العالي حساني، المرشح لانتخابات الرئاسة، المقررة، السبت، عن رأيه في الاعتقاد السائد بأن «النتيجة ستكون محسومة للرئيس المترشح عبد المجيد تبون»، أجاب قائلاً: «إن كان ذلك صحيحاً، فإن مشاركتنا في الاستحقاق سنعدها شكلاً من أشكال مقاومة أمر واقع، يراد فرضه على الجزائريين»، مشدداً على أنه «ليس مقبولاً أن تنظم البلاد سابع اقتراع رئاسي تعددي، من دون أن يحدث أي تغيير فيها وفي حياة ساكنيها!».

المرشح الإسلامي عبد العالي حساني (حملة المترشح)

وإذا كان الانطباع السائد في الجزائر بأن التمديد لتبون «قضية مفروغ منها»، فإن أنصاره ومؤيديه الذين انخرطوا في حملة الدعاية لترشحه، يرون في المقابل أن «رضا غالبية الجزائريين عن حصيلة ولايته الأولى يشجعهم على تجديد ثقتهم به»، ويؤكدون أن «التعليقات والتأويلات التي يجري ترديدها، تعكس أوهام نفوس مريضة»، ما يعني حسبهم، أن تبون لا يعول على أي «معيار غير موضوعي وغير سياسي»، للفوز بولاية ثانية، ما عدا «الإنجازات التي تحققت على الأرض في كل المجالات خلال السنوات الخمس الماضية».

يوسف أوشيش مرشح «جبهة القوى الاشتراكية» (حملة المترشح)

وحتى المرشحان الآخران، رئيس «حركة مجتمع السلم» عبد العالي حساني، والسكرتير الأول لـ«جبهة القوى الاشتراكية» يوسف أوشيش، يظهران حساسية من نفي صفة «المنافس» عنهما، بذريعة أنهما «يشاكان في الانتخاب لمرافقة مرشح السلطة لدورة رئاسية ثانية». وبرأي أصحاب هذا الموقف، فإن عدم تحديد تاريخ الدور الثاني من «الرئاسية» من طرف «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات»، دليل حسبهم، على أن منظميها «وضعوا في حسبانهم بأنها ستحسم في جولتها الأولى، ولصالح مرشح وحيد».

محمد شرفي رئيس السلطة الوطنية للانتخابات (الشرق الأوسط)

ويقول سعيد بشير شريف، المناضل بـ«جبهة القوى الاشتراكية» من حي شعبي شرقي العاصمة، عن هذا الجدل: «الجزم بفوز تبون قبل صدور النتيجة، فيه إهانة للجزائريين بأنهم مسلوبو الإرادة... سنخوض هذا الانتخاب ونحن على يقين بأن أمام المواطن فرصة قد لا تعوض من أجل تحقيق التغيير، الذي طالب به الحراك الشعبي في 2019».

وبالنسبة لنشطاء الحراك، فإن موعد السابع من سبتمبر (أيلول) 2024، يمثل «التفافاً على إرادة الشعب المعبر عنها عندما خرج الملايين إلى الشارع لرفض ترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، وللمطالبة بتغيير جذري للنظام الحاكم». ويرى «الحراكيون» أن التغيير لم يتحقق، وأن «النظام يعتزم إطالة عمره بواسطة دورة انتخابية جديدة».

ولأن مساحات الحرية مقلصة، والسلطة لا تسمح إلا بالترويج للانتخابات، فإن رافضيها يتحاشون الدعوة إلى مقاطعتها في العلن. وقد اعتقلت الشرطة، الأسبوع الماضي، المناضل اليساري المعروف، فتحي غراس، بسبب موقفه المعارض للاستحقاق، والذي عبر عنه في قناة تلفزيونية تبث برامجها من الخارج. كما فرضت محكمة بالعاصمة الإقامة الجبرية على القيادي الإسلامي المتشدد علي بن حاج، بسبب فيديو نشره يهاجم فيه السلطة، ودورها في تنظيم الاستحقاق.

المرشحون الثلاثة قاموا بحملات مكثفة في الشوارع والساحات لتشجيع الناخبين على التخلي عن «عزوفهم الانتخابي» (أ.ف.ب)

وقبل 48 ساعة من فتح صناديق الاقتراع، وزّع أنصار حساني في مجموعات على منصة «واتساب» رسالة أخيرة للناخبين، تناشدهم فيها اختياره رئيساً، وجاء فيها: «لنضع أيدينا في أيدي البعض، لنصنع معا فرصة جديدة لشبابنا وأبنائنا وللأجيال المقبلة... لنساهم معاً في بناء الجزائر الصاعدة النامية القوية المتطورة، المناصرة لفلسطين... وحتى لا نتسبب في ضياع فرصة الجزائر، كما ضاعت من قبل، علينا أن نشارك بقوة في نصرة ودعم الأستاذ حساني شريف عبد العالي يوم السابع من سبتمبر 2024».

وأكد أصحاب الرسالة الدعائية أن «الفرصة تقتضي تصرفاً واحداً أساسياً، يفتح أمامنا فرصاً جديدة... فبممارسة حقنا الدستوري في اختيار الرئيس سنعالج أزمة الثقة نهائياً، وحينها يمكن للجزائريين أن يعيشوا حياة كريمة. لكن إذا تغيَّبوا فسوف يعمق موقفهم هذا الأزمةَ، في وقت نحتاج فيه إلى عدم تضييع الفرص. فارْضِ ضميرك، واختر معنا الإيجابية والفعل بدل الانفعال، فأنت وأنا سر بداية عهد الجزائر الصاعدة التي نحلم بها جميعاً، فأثبت ذاتك وحقق الثقة في النفس، لأنك تستطيع... لا تبخل ولا تجعل هذه الرسالة تتوقف عندك، فمصير بلادنا نكتبه بأيدينا».

وأعلنت إدارة حملة حساني، الخميس، أنه سيدلي بصوته في مدرسة ابتدائية تقع ببلدية بئر خادم، بالضاحية الجنوبية للعاصمة، حيث يقيم ابتداء من الساعة العاشرة صباحاً. أما إدارة حملة أوشيش، فذكرت أنه سينتخب في بوغني بمنطقة القبائل، حيث ولد قبل 41 عاماً. من جهته، سيدلي الرئيس تبون بصوته في بلدية سطاوالي بالضاحية الغربية للعاصمة.

وخلال حملته الانتخابية، لم يتوقف الرئيس تبون عن الترويج لـ«إنجازاته» الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدا أنه «لا يزال بحاجة إلى الوقت لجعل الجزائر أقوى اقتصادياً».

وفي تجمعاته الأربعة الكبرى التي عقدها، كان خطاب «التآمر» حاضراً بقوة في خطة استمالة الناخبين للتصويت له. وقال الثلاثاء الماضي، أمام حشد من أنصاره بالعاصمة، إن البلاد «تعرضت لمؤامرة دنيئة (قبل وصوله إلى الحكم عام 2019) حتى يتم القضاء عليها نهائياً؛ لأنها تسبب عقدة لهم بفضل مواقف أبنائها من القضايا العادلة في العالم، وجهادها وقوتها. لقد حاولوا تفجيرها من الداخل، بمساعدة عصابة في الداخل تواطأت معهم، فنهبت ثروات البلاد وجوعت شعبها»، وكان يهاجم وجهاء الحكم في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2019)، الذين يوجد معظمهم في السجن.

وإذا كان حساني وأوشيش لا يملكان حصيلة يدافعان عنها، فقد تضمن خطابهما مشكلات الاقتصاد وتردي القدرة الشرائية والتحديات الأمنية التي تواجه البلاد بالحدود مع دول الساحل وليبيا. ويأمل كلاهما في حصد أصوات أعضاء الحراك، على أساس أنهما «يحملان لواء التغيير» الذي رفعته المظاهرات المعارضة للنظام قبل خمس سنوات.


مقالات ذات صلة

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

المشرق العربي الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

مع بدء الدورة العشرين لمجلس النواب الأردني، الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
شمال افريقيا ممثلو دول أوروبية داخل مركز العدّ والإحصاء التابع لمفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)

ليبيا: إجراء الانتخابات المحلية ينعش الآمال بعقد «الرئاسية» المؤجلة

قال محمد المنفي رئيس «المجلس الرئاسي» إن إجراء الانتخابات المحلية «مؤشر على قدرة الشعب على الوصول لدولة مستقرة عبر الاستفتاءات والانتخابات العامة».

جمال جوهر (القاهرة)
الولايات المتحدة​ الملياردير إيلون ماسك (رويترز)

هل يمكن أن يصبح إيلون ماسك رئيساً للولايات المتحدة في المستقبل؟

مع دخوله عالم السياسة، تساءل كثيرون عن طموح الملياردير إيلون ماسك وما إذا كان باستطاعته أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة في المستقبل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزير الداخلية جيرالد دارمانان (اليمين) متحدثاً إلى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (رويترز)

زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي

زلزال سياسي - قضائي في فرنسا يهدد بإخراج مرشحة اليمين المتطرف من السباق الرئاسي، إلا أن البديل جاهز بشخص رئيس «حزب التجمع الوطني» جوردان بارديلا.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا جلسة برلمانية في «البوندستاغ»... (إ.ب.أ)

أكثر من 100 برلماني يتقدمون باقتراح لحظر حزب «البديل من أجل ألمانيا»

تقدم أكثر من 100 نائب ألماني باقتراح لرئيسة البرلمان لمناقشة حظر حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف.

راغدة بهنام (برلين)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.