فجرت مناقشات تجريها لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب (البرلمان) بشأن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية اعتراضات وتحفظات واسعة من أطراف عدة، في وقت يُترقب أن تتضمن تعديلات القانون توصيات «الحوار الوطني»، التي وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتنفيذها فيما يتعلق بتخفيف قواعد «الحبس الاحتياطي».
وأحالت الحكومة مشروع قانون الإجراءات الجنائية لمجلس النواب في ديسمبر (كانون الأول) 2017، وجددت الإحالة في يناير (كانون الثاني) 2021 ليشكل المجلس في العام التالي لجنة فرعية من لجنة «الشؤون التشريعية» من أجل صياغة مشروع قانون جديد ليكون بديلاً للقانون الصادر عام 1950.
وضمت اللجنة ممثلين من عدة وزارات وهيئات، واستمر عملها لمدة 14 شهراً، وانتهت بإعداد مشروع القانون الحالي المكون من 540 مادة.
وانتقدت نقابة المحامين، في بيان مساء (الاثنين)، مشروع القانون المقترح، عادّةً أن بعض بنوده تضمنت «توسعاً في سلطات الضبط والتحقيق والمحاكمة على حساب حق الدفاع، مع المساس بحقوق جوهرية للدفاع مقررة ومستقرة بموجب الدساتير والقوانين المتعاقبة والمواثيق الدولية».
وعدّت النقابة، في البيان الموقع من النقيب العام للمحامين ونقباء النقابات الفرعية، أن القانون المقترح «يمثل مساساً بقيمة رسالة المحاماة، وينطوي على مساس بحقوق الدفاع، لجعل ذلك رهيناً بالإذن من قبل عضو النيابة العامة القائم بالتحقيق، فضلاً عما تضمنه من إساءة معنوية لرسالة المحاماة فيما نص عليه من إجراءات تتخذ ضد المحامي في جرائم الجلسات».
وأعلن نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي تضامنه بشخصه وصفته مع مطالب نقابة المحامين، التي تتضمن فتح حوار مجتمعي واسع بشأن التعديلات، مؤكداً في تدوينة عبر حسابه على «فيسبوك» أن قانون «الإجراءات الجنائية بمثابة «العمود الرئيسي لمنظومة العدالة، وأي خلل يناله سيقوض أعمدة هذه المنظومة، ويتسبب في النيل من ثقة المواطنين بنظام العدالة».
وواصلت لجنة «الشؤون الدستورية»، الثلاثاء، مناقشتها لمشروع القانون في الاجتماعات التي عقدت وسط مناقشات جرت بين أعضاء اللجنة وعدد من الحضور حول نصوص المواد المقترحة.
وتأتي مناقشة المشروع في وقت يُترقب أن تتضمن تعديلات القانون توصيات «الحوار الوطني»، التي وجه الرئيس السيسي، قبل أيام، بتنفيذها فيما يتعلق بتخفيف قواعد «الحبس الاحتياطي».
وكشف المحامي الحقوقي نجاد البرعي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، عن حضوره اجتماع سابق دعا إليه رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، انتقد فيه البرعي نصوص الحبس الاحتياطي والتحفظ على الأموال والمنع من السفر، قائلاً إنها «غير مرضية تماماً، وإنها عبارة عن تكرار لنصوص قانون الإجراءات الحالي تقريباً».
وأوضح البرعي، في تدوينة له، أن «المشروع لم يأخذ في اعتباره الإجراءات التي تم اتخاذها ونتج عنها مشكلة الحبس الاحتياطي والمنع من السفر»، مشدداً على أن أي نص لا يضع حداً أقصى لانتهاء النيابة من التحقيق في الجريمة، وإصدار قرارها إما بالإحالة وإما بالحفظ لا يمكن اعتباره تقدماً في طريق الحل».
ويؤكد مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين، لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة أكبر وأعم من اعتراضات المحامين على الإخلال بحق الدفاع»، لافتاً إلى أن «المواد المقترحة تتطلب مناقشات عدة قبل تمريرها بهذه الصيغة».
وقال عضو مجلس نقابة المحامين، محمد عبد الوهاب، إن النقابة سلمت للبرلمان الثلاثاء مذكرة رسمية تفيد بالاعتراض على صياغة 22 مادة مقترحة بالتعديلات، على اعتبار أنها تؤدي للإخلال بضمان حق الدفاع في مراحل التقاضي المختلفة، سواء خلال التحقيقات أو أثناء المرافعة بالمحاكمات. وأشار إلى أن الصياغات المقترحة تتعارض بوضوح مع المواد المنصوص عليها في قانون المحاماة.
وأضاف عبد الوهاب أن اعتراضات المحامين ليست مرتبطة برغبة المحامين في الحصول على امتيازات، لكنها مرتبطة بتأكيد الحصانة المنصوص عليها دستورياً، وضمان حقوق المتهمين بمحاكمات عادلة عبر توفير قوانين تضمن وتحافظ على حقوق من يقومون بتمثيلهم، نافياً أن تكون المواد المقترحة بالتعديلات جرت مناقشتها في الحوار الوطني خلال الفترة الماضية التي اقتصرت بشكل رئيسي على مناقشة مواد الحبس الاحتياطي من بين أكثر من 500 مادة يتضمنها قانون الإجراءات الجنائية.
وأكد عضو لجنة الشؤون التشريعية بالبرلمان، المحامي إيهاب رمزي، أن اللجنة تناقش المشروع المقترح، وستنتهي من مراجعته والتصويت عليه خلال الفترة المقبلة، تمهيداً لمناقشته في الجلسات العامة للمجلس مع بدء دور الانعقاد الخامس للبرلمان في فصله التشريعي الثاني خلال أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وذلك في تصريحات صحافية على هامش اجتماع اللجنة.
وأبلغ البرلمان نقيب المحامين عبد الحليم علام في خطاب رسمي (الثلاثاء) بتحديد مواعيد جديدة من الأحد إلى الثلاثاء المقبلين من أجل استكمال مناقشة تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، مع طلب رأي النقابة وحضور النقيب أو من ينوبه.
في المقابل، أكد رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، النائب طارق رضوان، أن المجلس لا يريد الانفراد بمشروع القانون في ضوء حرصه على تمثيل الجهات كافة خلال المناقشات. وانتقد رضوان إصدار بيانات انتقاد لمشروع القانون «دون علم»، مؤكداً أن النواب بوصفهم مشرعين منتخبين من الشعب يجب أن يحصلوا على فرصتهم للقيام بدورهم.