«سد النهضة»: إثيوبيا لملء خامس رغم اعتراض مصر والسودان

تداول صور حديثة عن استعدادات أديس أبابا لتخزين المياه

صورة التُقطت لبعض إنشاءات «سد النهضة» في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
صورة التُقطت لبعض إنشاءات «سد النهضة» في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

«سد النهضة»: إثيوبيا لملء خامس رغم اعتراض مصر والسودان

صورة التُقطت لبعض إنشاءات «سد النهضة» في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
صورة التُقطت لبعض إنشاءات «سد النهضة» في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

تستعد إثيوبيا لـ«ملء خامس» لسد النهضة نهاية الشهر المقبل، والذي يتوقع أن يتم خلاله «تخزين نحو 23 مليار متر مكعب إضافية من المياه في بحيرة (السد)»، رغم اعتراض دولتي المصبّ مصر والسودان.

ويثير التخزين الجديد تخوفات خبراء في مصر من «نقص حصة القاهرة من مياه النيل»، ووصفوا تحركات أديس أبابا الأخيرة بأنها «تُعقد الأزمة».

ودعت مصر، أخيراً، إثيوبيا إلى إجراء دراسات «فنية تفصيلية» حول آثار «السد»، مؤكدة أن إجراءات أديس أبابا «الأحادية» تكرّس «التوتر وعدم الاستقرار» بالمنطقة.

وتدوولت، الأربعاء، صور حديثة عن استعدادات إثيوبيا لـ«الملء الخامس» لسد النهضة، الذي تبنيه أديس أبابا منذ عام 2011، وتسبب في توترات مع مصر والسودان، حيث أعلنت القاهرة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي «فشل» آخر جولة للمفاوضات التي استمرت نحو أربعة أشهر.

ووفق تصريح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، الأربعاء، فإن صور الأقمار الاصطناعية الحديثة أظهرت استعداد إثيوبيا لـ«الملء الخامس»، الذي يبدأ نهاية يوليو (تموز) ويستمر حتى العاشر من سبتمبر (أيلول) المقبلين، بهدف «تخزين كمية إضافية من المياه تبلغ نحو 23 مليار متر مكعب، ليصل ارتفاع منسوب المياه بالسد إلى 640 متراً فوق سطح البحر».

وتشكو مصر «شحاً» مائياً، وتعتمد بشكل أساسي على مياه النيل، حيث تبلغ حصتها 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، في حين تبلغ استخدامات القاهرة الفعلية الحالية من المياه نحو 80 مليار متر مكعب سنوياً، ويتم تعويض الفجوة بتدوير وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، بحسب وزير الري المصري، الدكتور هاني سويلم، الذي أكد خلال مؤتمر «أسبوع القاهرة للمياه» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن «مصر تقوم بتدوير وإعادة استخدام نحو 26 مليار متر مكعب سنوياً من مياه الصرف الزراعي لتعويض العجز».

ورأى شراقي أن «مخزون بحيرة سد النهضة وصل عقب الملء الرابع، الذي انتهى في سبتمبر الماضي إلى 41 مليار متر مكعب، ثم فتحت إثيوبيا بوابتي التصريف من 31 أكتوبر (تشرين الأول) حتى 8 نوفمبر الماضيين لخفض منسوب البحيرة؛ بهدف تكملة خرسانة الممر الأوسط، ولم تستفد إثيوبيا من هذه المياه في توليد الكهرباء، وسيصل ارتفاع المياه خلف السد، عقب الملء الخامس، إلى 640 متراً».

جانب من آخر جولة مفاوضات بين وزراء المياه من مصر وإثيوبيا والسودان العام الماضي (وزارة الري المصرية)

وأكد المستشار الأسبق لوزير الري المصري، الدكتور ضياء الدين القوصي، أن الملء الخامس لسد النهضة سوف «يصعّب الموقف في ملف السد». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن مصر «ستضطر خلال فترة الملء إلى السحب من مخزون بحيرة ناصر (خلف السد العالي الواقع جنوب البلاد) لتعويض نقص المياه، وهذا يُشكل خطراً كبيراً؛ لأن مخزون السد العالي استراتيجي، ولا يجب المساس به، وإذا اضطرت القاهرة إلى السحب منه، فإن ذلك يجب أن يكون بكمية قليلة يتم تعويضها بسرعة».

وبحسب القوصي، فإن «المشكلة الأكبر هي أن موسم الفيضان القادم على الهضبة الإثيوبية يتوقع أن يكون متوسطاً خلال الملء الخامس للسد؛ وهو ما يعني نقص حصة مصر بشكل كبير».

وتثير قضية «سد النهضة» توترات بين القاهرة وأديس أبابا منذ توقف المفاوضات في ديسمبر الماضي. وقال وزير الري المصري خلال «مؤتمر بغداد الدولي للمياه» في أبريل (نيسان) الماضي، إن «تحركات أديس أبابا الرامية لاستكمال بناء السد، من دون تشاور، تُشكل خطراً وجوديا يهدد نحو 150 مليون مواطن في دولتي المصب».

وعدّ نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بمصر»، الدكتور أيمن عبد الوهاب، استعدادات إثيوبيا لـ«الملء الخامس» «منعطفاً جديداً في التوتر بسبب ملف السد». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على الرغم من التوقعات باستمرار القاهرة في اتباع نهج الدبلوماسية الهادئة في التعامل مع أزمة سد النهضة؛ فإن التطورات والاضطرار إلى السحب من مخزون بحيرة السد العالي قد يؤدي إلى اتخاذ مصر إجراءات تصعيدية، خاصة مع استمرار التعنت الإثيوبي»، مؤكداً أن الأوضاع الإقليمية المتصاعدة «تلقي بظلالها على أزمة السد، ومع ما تمثله من خطورة على استقرار المنطقة؛ لذا قد تدفع أزمة السد أطرافاً إقليمية إلى الضغط على أديس أبابا للعودة للتفاوض».

وبحسب عبد الوهاب، فإن «مصر لم تصل بعد إلى نقطة الصدام».


مقالات ذات صلة

«غلاء البيض» يؤرق أسراً مصرية مجدداً

شمال افريقيا وزارة الزراعة المصرية تطلق منافذ متحركة لبيع بيض المائدة بأسعار مخفضة (وزارة الزراعة المصرية)

«غلاء البيض» يؤرق أسراً مصرية مجدداً

أرّق «غلاء البيض» أسراً مصرية مجدداً، وسط «اتهامات للتجار برفع الأسعار»، وتحركات حكومية بالتدخل لحل الأزمة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من انتظام العملية التعليمية في المدارس المصرية (وزارة التعليم المصرية)

«التقييم الأسبوعي للطلاب»... هل يحدّ من الغياب بالمدارس المصرية؟

تأكيدات من وزارة التربية والتعليم المصرية بـ«استمرار تطبيق نظام التقييم والواجبات الأسبوعية» على الطلاب في المدارس.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الطيران المدني المصري سامح الحفني خلال لقاء عضو مجلس الوزراء السعودي عصام بن سعد بن سعيد (مجلس الوزراء المصري)

السعودية ومصر تعززان التعاون في مجال الطيران المدني

رحّب وزير الطيران المدني المصري بوزير الدولة السعودي والوفد المرافق له، وأشاد بقوة وعمق العلاقات الثنائية الممتدة بين مصر والمملكة العربية السعودية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مقر وزارة الخارجية المصرية بالعاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)

القاهرة تتابع ملابسات حادث إطلاق النار على مصريين في المكسيك

تتابع وزارة الخارجية والهجرة المصرية ملابسات حادث إطلاق النار على مصريين في المكسيك.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس عبد الفتاح السيسي يكرّم خريجي الكليات العسكرية (الرئاسة المصرية)

تفاعل مصري مع عرض طلاب الكليات العسكرية خلال ذكرى «حرب أكتوبر»

شهد الحفل العسكري عروضاً أبهرت متفاعلين بمنصات التواصل، ومنها «ظهور مجموعة من طائرات الهليكوبتر طراز (الجازيل) تحمل علم مصر».

محمد الريس (القاهرة)

مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
TT

مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)

لقي أكثر من 60 شخصاً مصرعهم، وأُصيب أكثر من 250 مدنياً، جرّاء قصف الطيران الحربي السوداني لمنطقة الكومة بولاية شمال دارفور، في عملية وصفها مراقبون بأنها «أكبر المجازر» ضد المدنيين، ارتكبها الطيران المقاتل التابع الجيش السوداني منذ بدء الحرب. وفي غضون ذلك لقي العشرات مصرعهم في غارات جوية أخرى استهدفت مناطق مليط وود أبو صالح شمال ولاية شمال دارفور، وأم ضوا بان بالخرطوم، وسط مطالبات بفرض حظر على الطيران العسكري التابع للجيش السوداني.

وقال شهود تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» هاتفياً من مليط، إن الطيران الحربي، التابع للجيش السوداني، استهدف سوق منطقة الكومة صبيحة الجمعة، وألقى عدداً من «البراميل المتفجرة»؛ مما أدى إلى إحراق السوق بشكل واسع، وقُتل جرّاء الغارة الجوية أكثر من 60 شخصاً، وجُرح أكثر من 250 مدنياً، جراح بعضهم خطيرة؛ إذ كانوا يرتادون «سوق الجمعة»، في حين ينتظر أن يتزايد عدد القتلى تباعاً بين الجرحى، بسبب عدم وجود الرعاية الصحية والطبية.

ووصف شهود ما حدث في منطقة الكومة بأنها «مجزرة» غير معهودة، استهدفت عن قصد المدنيين المقيمين هناك، بسبب عدم وجود أي مشاهد أو تمركزات لـ«قوات الدعم السريع» في السوق المكتظة بالمدنيين، وقالوا إن السوق «كانت تشهد نشاطاً طبيعياً عندما استهدفها القصف الجوي فجأة ودون سابق إنذار؛ مما أسفر عن دمار واسع فيها، في حين تناثرت جثث القتلى في أرجائها».

وفي مدينة مليط، قال شهود عيان إن الطيران الحربي استهدف، الجمعة، أيضاً «حفل عرس»؛ ما أدى إلى مقتل نحو 13 شخصاً وجُرح آخرون، في عملية وُصفت هي الأخرى بأنها استهداف للمدنيين، حيث لا توجد عناصر لـ«قوات الدعم السريع» في المكان.

ويؤكد قادة الجيش دائماً أن العمليات الحربية الجوية تستهدف «قوات الدعم السريع»، لكن النشطاء وشهود عيان ينفون وجود هذه القوات، في حين تتصاعد دعوات بين مؤيدي الجيش وأنصاره من الإسلاميين وكتائبهم إلى استهداف ما يسمونه «الحواضن الاجتماعية» لـ«قوات الدعم السريع»؛ انتقاماً من انتهاكاته بوسط وشمال البلاد.

ونشر نشطاء على وسائط التواصل الاجتماعي قوائم بأسماء الضحايا، من النساء والأطفال وكبار السن، الذين كانوا يمارسون التسوق أو يعرضون سلعهم للبيع في السوق الأسبوعية، وبينهم زوجة وابنة شقيق عضو «مجلس السيادة الانتقالي» ومساعد قائد الجيش إبراهيم جابر.

ووجّهت قوى سياسية وحركات مسلحة وتنظيمات حقوقية انتقادات حادة لتصعيد العمليات الجوية للجيش السوداني في إقليم دارفور خصوصاً، وطالبت بفرض حظر للطيران الحربي في الإقليم. وقالت «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) في بيان، السبت، إن سوق مدينة الكومة شهدت انتهاكاً مريعاً بحق المدنيين، جرّاء قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني؛ مما أدى إلى إزهاق أرواح عشرات القتلى ومئات الجرحى من الذين تصادف وجودهم في أثناء الغارة الجوية.

كما نددت «تقدم» بغارات جوية استهدفت مناطق أم ضو بان بالخرطوم، وود أبو صالح ومليط بولاية شمال دارفور، نتج عنها مقتل العشرات من المدنيين وجرح المئات.

وأبدت «تقدم» أسفها لما أطلقت عليه «استمرار الانتهاكات على المدنيين، وتكرارها بشكل ممنهج في مختلف أنحاء السودان»، ودعت إلى التذكير بـ«إعلان جدة الإنساني» الذي شدد على التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والامتناع عن أي هجوم يُتوقع أن يسبب أضراراً مدنية عرضية مفرطة، مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة. ودعت طرفي القتال إلى حقن دماء السودانيين والانخراط فوراً في مفاوضات لوقف الحرب.

من جهتها، وصفت القوى المدنية الدارفورية الغارة الجوية بأنها «واحدة من أبشع جرائم الحرب»، وقالت إن الطيران الحربي قصف مدينتي الكومة ومليط بوابل من الصواريخ والبراميل المتفجرة، والأسلحة المحرمة دولياً، مستهدفاً مناطق «مأهولة جداً بالسكان المدنيين»؛ مما خلّف عشرات القتلى والجرحى، إلى جانب قصف تجمع مدني في «سرادق عزاء» بمدينة مليط، راح ضحيته أكثر من 100 قتيل.

وناشد التجمع المدني المنظمات الحقوقية والإنسانية التدخل السريع والحاسم؛ لوضع حد لما سمّاه «جرائم جماعات الهوس الديني وطيران جيش الفلول، الذي بات سجله متخماً بالمذابح في حق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة»، مندداً بصمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة حيال الجرائم التي يرتكبونها، ومطالباً الأسرة الدولية بفرض حظر على الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، «الذي ظلّ يحصد أرواح المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء»، وفقاً للبيان.