فجّرت الحكومة الفلسطينية الجديدة، قبل تشكيلها، أوسع خلاف بين حركتي «فتح» و«حماس»، وأخرجته للعلن للمرة الأولى منذ بداية الحرب الإسرائيلية الطاحنة على قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد هجوم «حماس» المباغت على الأراضي التي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة، والذي انتهى بقتل 1200 إسرائيلي، واحتجاز نحو 240 في قطاع غزة.
واستخدمت «فتح» لغة قاسية في الهجوم على «حماس» التي كانت وصفت الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه منفصل عن الواقع بعد قرار تكليفه الدكتور محمد مصطفى بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة. وقالت «فتح» في بيان: «إن من تسبب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وتسبب بوقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في قطاع غزة، لا يحق له إملاء الأولويات الوطنية».
ورأت «فتح» أن «المفصول الحقيقي عن الواقع وعن الشعب الفلسطيني هي قيادة حركة (حماس) التي لم تشعر حتى هذه اللحظة بحجم الكارثة التي يعيشها شعبنا المظلوم في قطاع غزة وفي باقي الأراضي الفلسطينية».
وأعربت «فتح» في بيانها «عن استغرابها واستهجانها من حديث (حماس) عن التفرد والانقسام، وتساءلت: هل شاورت (حماس) القيادة الفلسطينية أو أي طرف وطني فلسطيني عندما اتخذت قرارها القيام بمغامرة السابع من أكتوبر الماضي، والتي قادت إلى نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة عام 1948؟ وهل شاورت (حماس) القيادة الفلسطينية وهي تفاوض الآن إسرائيل وتقدم لها التنازلات تلو التنازلات، وأن لا هدف لها سوى أن تتلقى قيادتها ضمانات لأمنها الشخصي، ومحاولة الاتفاق مع (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو مجدداً للإبقاء على دورها الانقسامي في غزة والساحة الفلسطينية».
كما عدّت «فتح» أن «حياة الرخاء التي تعيشها قيادة (حماس) في فنادق السبع نجوم قد أعمتها عن الصواب».
ودعت «فتح» قيادة حركة «حماس» إلى «وقف سياستها المرتهنة لأجندات خارجية، والعودة إلى الصف الوطني».
وجاء بيان «فتح» رداً على هجوم شنته «حماس» و3 فصائل فلسطينية ضد الرئيس محمود عباس بعد تكليفه الدكتور محمد مصطفى بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة.
وجاء في بيان وقّعت عليه 4 فصائل وهي حركة «حماس»، حركة «الجهاد الإسلامي»، و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية»: «في ظل إصرار السلطة الفلسطينية على مواصلة سياسة التفرّد، والضرب عرض الحائط بكل المساعي الوطنية لِلَمِّ الشمل الفلسطيني، والتوحّد في مواجهة العدوان على شعبنا؛ فإننا نعبّر عن رفضنا لاستمرار هذا النهج الذي ألحق ولا يزال يلحق الأذى بشعبنا وقضيتنا الوطنية».
ورأت الفصائل أن «الأولوية الوطنية القصوى الآن هي لمواجهة العدوان الصهيوني الهمجي وحرب الإبادة والتجويع» وليس «تشكيل حكومة جديدة».
ووصف البيان قرار الرئيس عباس بأنه «فردي»، وأضاف: «إن اتخاذ القرارات الفردية، والانشغال بخطوات شكلية وفارغة من المضمون، كتشكيل حكومة جديدة دون توافق وطني؛ هو تعزيز لسياسة التفرّد، وتعميقٌ للانقسام، في لحظة تاريخيّة فارقة».
ورأى البيان أن «خطوات الرئيس تدلّل على عمق الأزمة لدى قيادة السلطة، وانفصالها عن الواقع، والفجوة الكبيرة بينها وبين شعبنا وهمومه وتطلعاته».
وكان الرئيس الفلسطيني كلف مصطفى، الخميس، بتشكيل الحكومة التاسعة عشرة، محدداً لها 11 أولوية، من بينها قيادة وتنسيق جهود الإغاثة في قطاع غزة، والانتقال من مرحلة الإغاثة الإنسانية إلى الانتعاش الاقتصادي، ومن ثم تنظيم ملف إعادة الإعمار، وإعادة البناء لما دمرته الحرب الإسرائيلية.
وتضمنت الأولويات وضع الخطط وآليات التنفيذ لعملية إعادة توحيد المؤسسات، بوصفها وحدة جغرافية وسياسية ووطنية ومؤسساتية واحدة، ومواصلة عملية الإصلاح بجميع المجالات المؤسساتية والأمنية والاقتصادية والإدارة والمالية العامة، وصولاً إلى نظام حوكمة شفاف، يخضع للمساءلة، ويكافح الفساد، وتقديم الدعم للمنظومة القضائية واحترام الحريات العامة، وتعزيز العلاقات مع الدول العربية والصديقة، وتعزيز صمود المواطنين، واتخاذ الإجراءات اللازمة، والتحضير لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وضمان حرية عمل وسائل الإعلام.
وتم تكليف مصطفى، وهو رجل أعمال معروف وخبير اقتصادي، بعد استقالة رئيس الوزراء السابق محمد أشتية، استجابة لطلبات أميركية ودولية، بإجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية. وخطوة عباس تسحب أيضاً الذرائع من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لا يريد لـ«فتح» أو «حماس» أن تحكم قطاع غزة.
وكانت «حماس» تتوقع أن يتم التشاور معها حول مسألة تشكيل الحكومة، لكنها فوجئت بقرار عباس الذي تجاهلها إلى حد كبير.
وقال مصدر في السلطة الفلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن العلاقة بين «فتح» و«حماس» لم تكن جيدة حتى بعد الحرب، وظلت في أدنى مستوى من التواصل، مضيفاً أن قرار عباس تشكيل الحكومة جاء في سياق أنه «لا حاجة لانتظار أحد، وأن الأولويات التي تتحدث عنها (حماس) تحتّم تشكيل حكومة قادرة على ذلك»، في إشارة إلى هدف إغاثة الناس وإعمار القطاع.
وتابع المصدر أن القرار اتخذ في سياق تفاهمات مع دول عربية وغربية منخرطة في الترتيبات لليوم التالي في غزة.
وشدد على أن «(حماس) التي لا تستطيع الآن حكم قطاع غزة، عليها ألا تعوق من يستطيع إنقاذ ومساعدة الناس هناك».
ومصطفى هو رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، وهو مستشار اقتصادي لعباس، إضافة إلى كونه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومسؤول الدائرة الاقتصادية فيها.
وسيشكل مصطفى، وهو مستقل، حكومة من المستقلين الخبراء في مجالهم، بعيداً عن الفصائل الفلسطينية التي عادة ما تحكمت في الحكومات السابقة.
وأمام مصطفى، بحسب المادة الـ65 من القانون الأساسي الفلسطيني، ثلاثة أسابيع من تاريخ اختياره لتشكيل الحكومة، وله الحق في مهلة أخرى أقصاها أسبوعان آخران فقط.
وقَبِل مصطفى تكليفه، وخاطب عباس، الجمعة، قائلاً له إنه إذ يتشرف بقبول هذا التكليف، «فإنني مدرك خطورة هذه المرحلة التي تمر بها قضيتنا الوطنية والظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا الصامد وحجم التحديات القائمة».