التفنن بتحضيرها لا يُحصى... والنكهات المضافة إليها لا تُحدّ

«اللبنة» اللبنانية دخلت القاموس الفرنسي

اللبنة اللبنانية تصل إلى موائد العالم (الشرق الأوسط)
اللبنة اللبنانية تصل إلى موائد العالم (الشرق الأوسط)
TT

التفنن بتحضيرها لا يُحصى... والنكهات المضافة إليها لا تُحدّ

اللبنة اللبنانية تصل إلى موائد العالم (الشرق الأوسط)
اللبنة اللبنانية تصل إلى موائد العالم (الشرق الأوسط)

تعدّ اللبنة مكوناً رئيسياً يتصدر مائدة الفطور عند اللبنانيين، وبعضهم يحملها معه إلى بلاد الاغتراب كي يبقى على علاقة بجذوره؛ فهي تمثل جزءاً لا يتجزأ من يومياتهم وتقاليدهم الغذائية. وكما «المنقوشة» تلاقي اللبنة اللبنانية شهرة واسعة في العالم. كما دخلت كلمة «لبنة» في عام 2023 القاموس الفرنسي الشهير «Le Petit Robert».

ومؤخراً لوحظ التفنن في تحضير اللبنة من خلال إدخال طعمات منكهة بالأعشاب البرية. فعلى سبيل المثال صارت اللبنة بالكمأ (Truffle) أو بالسماق والحر والزعتر متوافرة في الأسواق. بعض نساء الريف اتخذن من صناعتها مهنة لهن، وحضرنها بطرق مختلفة، ووضعوها في عبوات زجاجية لبيعها. ولكل منطقة لبنانية طابعها الخاص في تحضير اللبنة. والأشهر بينها «السردالي» البقاعية، و«المكعزلة» و«الضرف» الجنوبية والشوفية. وهذه الأخيرة تُصنع في كيس من جلد الماعز.

اللبنة اللبنانية تصل إلى موائد العالم (الشرق الأوسط)

الطبق الأبيض المثير للشهية

لا يمكن لمكون اللبنة إلا أن يزين مائدة الفطور عند اللبناني، في أي مكان وزمان. وتعدّ «البلدية» أشهر أنواعها لأنها تصنع من الحليب الطازج. وكما في بيروت ومناطق الساحل كذلك في الجبل والجرود، لا بد أن تحضر «اللبنة» بوصفها طبقاً رئيسياً. ومهما حضرت من أطباق الترويقة (الفطور) على السفرة اللبنانية فهي لا تكتمل من دون هذا المكون؛ ولذلك نجده يصطف إلى جانب صحن الزيتون والمنقوشة والبيض المقلي والباذنجان المكدوس وطبق الكشك بالقاورما.

«اللبنة» طبق أساسي يزين مائدة الفطور (الشرق الأوسط)

وعادة ما يجري تزيينه بورق النعناع الأخضر وبرشة زيت الزيتون. وترافقه على المائدة مجموعة خضار طازجة كالخيار والبندورة والنعناع والبصل. ومرات يكتفي اللبنانيون بطبقي اللبنة والجبن البلديين، فيتناولون ترويقة شهية مع الخبز المرقوق المشهور في القرى، ويخبز على الصاج.

إكتمال تنوري: تحضير اللبنة فنّ

إكتمال تنوري مشهورة بـ«مونة كوكو» وتحضر اللبنة البلدية (الشرق الأوسط)

تندرج اللبنة على لائحة «المونة اللبنانية»؛ إذ يمكن الاحتفاظ بها على مدى طويل حسب عملية تحضيرها. وتنتمي إكتمال تنوري إلى خانة النساء اللبنانيات اللاتي أخذن على عاتقهن تحضير أصناف منها؛ فهي مشهورة في منطقة جونية بلقمتها اللذيذة وتحضيرها أصنافاً عديدة من هذه المونة تحت عنوان «مونة كوكو».

وبالنسبة لها فإن تحضير اللبنة يتطلب الاحتراف والمكونات البلدية الأصيلة. «أنا شخصياً أصنعها من حليب الماعز، لأنه صحي وذو طعم لذيذ»، توضح إكتمال لـ«الشرق الأوسط»: «القصة ليست مجرد تقليد منتج، ومزج مكونات مع بعضها؛ فهي تتطلب التنسيق واختيار نكهات تليق باللبنة. كما أن طريقة حفظ اللبنة في برطمانات زجاجية مقفلة بإحكام هي أمر أساسي. أحضّر اللبنة كرات صغيرة تعرف بالـ(مكعزلة)، وقبلها أضعها في أكياس من الخام كي تجف تماماً، بعدها أغمرها بزيت الزيتون لتصبح جاهزة للأكل وعلى المدى الطويل».

أدخلت إكتمال طعمات كثيرة على اللبنة التي تصنعها في بيتها في جونية.

وإضافة إلى تلك المتسمة بطعمها الأصلي، تحضر «كوكو» اللبنة بالزعتر والسماق والحبق والبابريكا. كما تقدم أصناف مازات لبنانية محشوة بهذا المكون، فتلفه بورق الدوالي، أو تؤلف منه حشوة للزيتون والفليفلة الخضراء والصفراء، وتضيفه مرات على حشوة الباذنجان المكدوس. ومن هذه الأصناف تؤلف طبقاً يخرج عن المألوف يزين مائدة الفطور أو العشاء والغداء.

لبنة السردالي بالفخارة

مريم زغيب من البقاع مشهورة بلبنة «السردالي» (الشرق الأوسط)

من أنواع اللبنة المشهورة في لبنان والتي يقطع بعض محبيها مسافات طويلة للحصول عليها «السردالي». والفرق بينها وبين غيرها هو استغراقها وقتاً طويلاً لصنعها يتجاوز 3 أشهر.

مريم زغيب من منطقة البقاع تخبرنا بكيفية تحضير هذه اللبنة الشهية. «نسميها أيضاً في منطقتنا (أمبريس). نحضرها من حليب الماعز، ونضعها في وعاء من الفخار في مكان ذات حرارة باردة. وكل يوم نستخرج منها ما نسميه (مصل الحليب). وعندما تجف تماماً نقوم بعملها كرات ونحفظها في عبوات زجاجية بعد أن نغمرها بزيت نباتي». وتؤكد مريم زغيب أن لبنة «السردالي» يختلف طعمها كثيراً عن تلك العادية؛ لأن طريقة صنعها تستغرق الوقت، فقلة من الناس يعرفونها. أما سعر الكيلوغرام الواحد منها فهو 20 دولاراً.

نوع لبنة آخر تحضره مريم أيضاً، ومشهور باسم «الضرف». وتوضح لـ«الشرق الأوسط»: «هذه اللبنة تحضر في كيس مصنوع من جلد الماعز. وأحضرها بنكهات لذيذة كالبابريكا والنعناع الجاف والسماق والزعتر. ومرات وحسب الطلب أمزجها بحبات الجوز أو أي نوع آخر من المكسرات التي يرغب بها الزبون».

في عاليه «أم كمال» الأشهر في تحضير اللبنة

درست أمية عبد السلام المعروفة بـ«أم كمال» الصحافة والإعلام، وعملت في هذا المجال فترة من الوقت. ولكن إثر الأزمة الاقتصادية في لبنان وانتشار الجائحة قررت ممارسة مهنة أخرى. ورأت بالمونة اللبنانية خير باب رزق تصنع عبره أصناف طعام تلاقي اليوم شهرة واسعة في مدينة عاليه.

أمية عبد السلام تحضر اللبنة على أنواعها (الشرق الأوسط)

تصنع اللبنة اللبنانية على أصولها بحليب البقر أو الماعز الطازج، من خلال مزرعة صغيرة استحدثتها، فالمكونات التي تستخدمها في صناعة المونة تستوفي الشروط الصحية اللازمة. وبرأيها أن أي مادة حليب يدخلها البودرة المصنعة من شأنها أن تقلب طعم اللبنة رأساً على عقب. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن لهذا المكون أي اللبنة أن تخرب، ونقول بلغتنا (تفرط) بسبب مكون اصطناعي». أما طريقة صنع اللبنة فتتألف من مراحل. وتبدأ بغلي حليب الماعز وتفويره على النار. ومن ثم يجري تحريكه باستمرار ليجري تعقيمه بشكل كامل. بعدها يُترك حتى يبرد لحدود 50 درجة مئوية. وفي أيام الصيف يمكن أن تصل إلى 45 درجة مئوية. وبعد عملية ترويب الحليب نضعه في الثلاجة. وفي اليوم التالي ننقله إلى كيس اللبنة بعد إضافة الملح إليه ونتركه كي يجف. يترك الكيس يوماً كاملاً خارج الثلاجة، وفي اليوم الثاني نضعه مرة جديدة فيها. وعندما تجف تماماً يجري تحويلها إلى كرات صغيرة (لبنة مكعزلة). ويجري حينها نشرها على شرشف من دون أن تتعرض لأشعة الشمس. ويكمن تطعيمها بنكهات مختلفة حسب الرغبة بالزيتون أو الحر وحبة البركة.


مقالات ذات صلة

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات الشيف الفرنسي بيير هيرميه (الشرق الأوسط)

بيير هيرميه لـ«الشرق الأوسط»: العرب يتمتعون بالروح الكريمة للضيافة

بيير هيرميه، حائز لقب «أفضل طاهي حلويات في العالم» عام 2016، ويمتلك خبرةً احترافيةً جعلت منه فناناً مبدعاً في إعداد «الماكارون» الفرنسيّة.

جوسلين إيليا (لندن )

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)
فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)
TT

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)
فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»، فيروّج لها أصحاب المحلات الذين يبيعونها، كما اختصاصيو التغذية ومستهلكوها في آن. ويحاول هؤلاء تقديم صورة إيجابية عن طعمها ومذاقها، ويضعون هذه المكونات على لائحة أفضل الأكلات التي من شأنها أن تسهم في التخفيف من الوزن. وضمن فيديوهات قصيرة تنتشر هنا وهناك يتابعها المشاهدون بشهية مفتوحة. فالمروجون لهذه الفواكه والخضراوات يفتحون العلب أو الأكياس التي تحفظ فيها، يختارون عدة أصناف من الفاكهة أو الخضراوات ويأخذون في تذوقها. يسيل لعاب مشاهدها وهو يسمع صوت قرمشتها، مما يدفعه للاتصال بأصحاب هذه المحلات للحصول عليها «أونلاين». ومرات لا يتوانى المستهلكون عن التوجه إلى محمصة أو محل تجاري يبيع هذه المنتجات. فبذلك يستطلعون أصنافاً منها، سيما وأن بعض أصحاب تلك المحلات لا يبخلون على زوارهم بتذوقها.

خضار مقرمشة متنوعة (الشرق الاوسط)

تختلف أنواع هذه المنتجات ما بين مقلية ومشوية ومفرّزة. وعادة ما تفضّل الغالبية شراء المشوية أو المفرّزة. فكما المانجو والفراولة والتفاح والمشمش والموز نجد أيضاً الـ«بابايا» والكيوي والبطيخ الأحمر والأصفر وغيرها.

ومن ناحية الخضراوات، تحضر بغالبيتها من خيار وكوسة وبندورة وأفوكادو وفول أخضر وجزر وبامية وفطر وغيرها.

وينقسم الناس بين مؤيد وممانع لهذه الظاهرة. ويعدّها بعضهم موجة مؤقتة لا بد أن تنتهي سريعاً، فتناول الأطعمة الطازجة يبقى الأفضل. فيما ترى شريحة أخرى أن هذه المكونات المجففة والمقرمشة، يسهل حملها معنا أينما كنا. كما أن عمرها الاستهلاكي طويل الأمد عكس الطازجة، التي نضطر إلى التخلص منها بعد وقت قليل من شرائها لأنها تصاب بالعفن أو الذبول.

ولكن السؤال الذي يطرح حول هذا الموضوع، هو مدى سلامة هذه المنتجات على الصحة العامة. وهل ينصح اختصاصيو التغذية بتناولها؟

تردّ الاختصاصية الغذائية عبير أبو رجيلي لـ«الشرق الأوسط»: «الفواكه والخضراوات المقرمشة تعدّ من المكونات التي ينصح بتناولها. ولكن شرط ألا تكون مقلية. فالمفّرزة أو المجففة منها هي الأفضل، وكذلك المشوية. هذه المكونات تحافظ على المعادن والفيتامينات المفيدة للصحة. والبعض يأكلها كـ(سناك) كي يشعر بالشبع. ولذلك ينصح بتناولها لمن يقومون بحمية غذائية. فسعراتها الحرارية قليلة فيما لو لم تتم إضافة السكر والملح إليها».

يتم عرض هذه المكونات في محلات بيع المكسرات. والإعلانات التي تروّج لها تظهرها طازجة ولذيذة ومحافظة على لونها. بعض المحلات تتضمن إعلاناتها التجارية التوصيل المجاني إلى أي عنوان. وأحياناً يتم خلطها مع مكسّرات نيئة مثل اللوز والكاجو والبندق. وبذلك تكون الوجبة الغذائية التي يتناولها الشخص غنية بمعادن وفيتامينات عدّة.

فواكه وخضار طازجة (الشرق الاوسط)

وتوضح عبير أبو رجيلي: «كوب واحد من الخضراوات المجففة والمقرمشة يحتوي على ألياف تسهم في عدم تلف خلايا الجسم. وبحسب دراسات أجريت في هذا الخصوص فإنها تسهم في الوقاية من أمراض القلب والشرايين».

يحبّذ خبراء التغذية تناول الخضراوات والفواكه الطازجة لأن فوائدها تكون كاملة في محتواها. ولكن تقول عبير أبو رجيلي لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن تناولنا خضراوات وفواكه طازجة ينعكس إيجاباً على صحتنا، ولكن المجففة تملك نفس الخصائص ولو خسرت نسبة قليلة من الفيتامينات».

تقسّم عبير أبو رجيلي هذه المكونات إلى نوعين: الفواكه والخضراوات. وتشير إلى أن الأخيرة هي المفضّل تناولها. «نقول ذلك لأنها تتمتع بنفس القيمة الغذائية الأصلية. بعضهم يقدمها كضيافة وبعضهم الآخر يحملها معه إلى مكتبه. فهي خفيفة الوزن وتكافح الجوع بأقل تكلفة سلبية على صحتنا».

وبالنسبة للفواكه المجففة تقول: «هناك النوع الذي نعرفه منذ زمن ألا وهو الطري والليّن. طعمه لذيذ ولكن يجب التنبّه لعدم الإكثار من تناوله، لأنه يزيد من نسبة السكر في الدم. أما الرقائق المجففة والمقرمشة منه، فننصح بتناولها لمن يعانون من حالات الإمساك. وهذه المكونات كما أصنافها الأخرى تكون مفرّغة من المياه ويتم تجفيفها بواسطة أشعة الشمس أو بالهواء».

بعض هذه المكونات، والمستوردة بكميات كبيرة من الصين يتم تجفيفها في ماكينات كهربائية. فتنتج أضعاف الكميات التي تجفف في الهواء الطلق أو تحت أشعة الشمس. وهو ما يفسّر أسعارها المقبولة والمتاحة للجميع.

في الماضي كان أجدادنا يقومون بتجفيف أنواع خضراوات عدّة كي يخزنونها كمونة لفصل الشتاء. فمن منّا لا يتذكر الخيطان والحبال الطويلة من أوراق الملوخية وحبات البندورة والبامية المعلّقة تحت أشعة الشمس ليتم تجفيفها والاحتفاظ بها؟

وتنصح عبير أبو رجيلي بالاعتدال في تناول هذه الأصناف من فاكهة وخضراوات مجففة. «إنها كأي مكوّن آخر، يمكن أن ينعكس سلباً على صحتنا عامة».