لبنان: إضرابات الموظفين تشلّ الإدارات العامة... والحكومة مقيّدة

وكالة الأنباء الرسمية متوقفة لليوم الثاني... والإغلاق شمل 8 وزارات

من حراك العسكريين المتقاعدين في صيدا الخميس (المركزية)
من حراك العسكريين المتقاعدين في صيدا الخميس (المركزية)
TT

لبنان: إضرابات الموظفين تشلّ الإدارات العامة... والحكومة مقيّدة

من حراك العسكريين المتقاعدين في صيدا الخميس (المركزية)
من حراك العسكريين المتقاعدين في صيدا الخميس (المركزية)

شلّت إضرابات موظفي القطاع العام في لبنان الإدارات الرسمية التي أقفلت أبوابها؛ احتجاجاً على عدم قيام الحكومة بصرف «زيادة مقبولة على الأجور»، و«التمييز بين موظفي القطاع العام»، في ظل معاناة الموظفين الذين تراجعت قيمة رواتبهم كثيراً، وتصرف لهم الحكومة مساعدات من غير زيادة على أصل الراتب.

وأقفلت 7 إدارات رسمية أبوابها، الخميس، غداة إعلان موظفي 7 وزارات الإضراب عن العمل، بينهم موظفو وزارات الإعلام والطاقة والعمل، وقالوا إن ذلك يأتي بسبب «التمييز بين موظفي الإدارات العامة»، وطالبوا الحكومة بوضع الحلول المناسبة للقطاع العام.

وتحاول الحكومة، منذ بدء الأزمة في عام 2019، صرف مساعدات للموظفين لا تدخل ضمن أساس الراتب، وكان آخرها صرف قيمة 7 رواتب إضافية على رواتب الموظفين، وذلك بغرض تمكينهم في ظل الأزمة المعيشية المتنامية، وتدهور قيمة رواتبهم إلى مستويات كبيرة، على ضوء تدهور قيمة العملة من 1500 ليرة للدولار الواحد، إلى نحو 90 ألف ليرة للدولار الواحد. وتسعى الحكومة إلى إيجاد بدائل عبر مقترحات بعضها متصل ببدل الإنتاجية، وزيادات على بدل النقل. ويقول الموظفون إن هناك تمييزاً بين موظفي الإدارات، حيث يجري الإغداق على موظفي قطاعات تعدها منتجة، متصلة بدوائر محددة مثل «الجمارك» أو المؤسسات العامة المنتجة، بينما تحجم عن تأمين زيادات لنحو 15 ألف موظف في الإدارات العامة، بالنظر إلى أن رواتبهم لا تكفيهم للعيش بكرامة وتأمين الأساسيات.

تحرك نيابي

وأعلن نواب كتلة «التغيير» التي تضم نواباً مستقلين من الحراك المدني تقديم اقتراح قانون لإنصاف الموظفين. وقال فراس حمدان: «انطلاقاً من أن حقوق العاملين في القطاع العام مكتسبة وليست منّة، ولأنّ تعويضات نهاية الخدمة والراتب التقاعدي تحفظ الحقوق وتصون الكرامات، ولأن دعم حقوق المتقاعدين والمستخدمين والموظفين من بين أولوياتنا، تقدّمت والنواب الزملاء نجاة عون صليبا وإبراهيم منيمنة وملحم خلف وبولا يعقوبيان وياسين ياسين باقتراح قانون يرمي إلى احتساب تعويض نهاية الخدمة للعاملين في القطاع العام على أساس الراتب الأخير مضروباً بأربعين ضعفاً، وللمتقاعدين مضروباً بـ15 ضعفاً، على أن يبدأ تطبيقه بدءاً من 1/1/2020 إلى حين إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة ما زالت تتهرب منها حكومة تصريف الأعمال حتى الآن».

الحكومة مقيّدة

ورغم المطالبات والضغط عبر الإضرابات، تبدو الحكومة اللبنانية مقيدة. وقالت مصادر مطلعة على الشؤون المالية في الحكومة لـ«الشرق الأوسط» إن مصرف لبنان المركزي «حدد سقف الإنفاق للحكومة بـ5800 مليار ليرة شهرياً، مما يمنع الحكومة من صرف زيادات في الوقت الراهن، مما يضاعف التحديات»، لافتة إلى أن «المركزي» اشترط أن تكون أي زيادة «محسوبة على قاعدة الاستقرار النقدي»، وبالتالي «لا تفرض أعباء على الاستقرار النقدي، وتهدد سعر صرف الدولار». وقالت إن المركزي «كان وعد في وقت سابق برفع سقف الإنفاق بحده الأقصى من 5800 مليار ليرة إلى 8500 مليار؛ كي تتمكن الحكومة من إقرار زيادات جديدة على بدلات الإنتاجية وبدلات النقل وغير ذلك».

ولا يخطو «المركزي» خطوات كبيرة في ملف الإنفاق، منعاً لتأثير ذلك على الاستقرار النقدي في البلاد. وقالت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» إن «مصرف لبنان» الذي يبلغ حجم كتلته النقدية بالليرة الموجودة في الأسواق 56 تريليون ليرة تقريباً، «واقع الآن بين حدّين»، أولهما «عجزه عن دفع الزيادات بالدولار، بالنظر إلى أن مصادر العملة الأجنبية لا تزال شحيحة»، أما التحدّي الثاني فيتمثل في تداعيات زيادة الكتلة النقدية بالليرة في السوق، بالنظر إلى أن هذا الأمر «سيؤثر على سعر صرف الدولار المستقر منذ نحو 8 أشهر»، موضحة أن ضخ كتلة نقدية بالليرة في السوق «سيزيد الطلب على الدولار في السوق السوداء، وهو أمر يهدد بتدهور إضافي بسعر صرف الليرة مقابل الدولار».

ويبدو أن الموظفين عالقون بين تلك الحسابات. وعلى أثر الاعتراض على «التمييز» بين الموظفين، أجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اتصالاً بوزير المال يوسف خليل، وطلب منه وقف دفع الحوافز الإضافية التي تم تخصيصها لبعض موظفي الإدارة العامة دون سواهم، على أن يستكمل البحث في هذا الملف برمته في جلسة الحكومة الجمعة. وإثر هذا الإجراء، أعلن موظفو وزارة المالية في كل الدوائر والمصالح «الإضراب العام؛ احتجاجاً على توقيف الحوافز المقررة لهم».

إقفال إدارات في 8 وزارات

وأقفل موظفون في 8 وزارات الأبواب التزاماً بالإضراب. ولليوم الثاني على التوالي، لا تبث الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، أي خبر، كذلك لم تبث الإذاعة اللبنانية الأنباء، فيما اعتذر موظفو وزارة الشباب والرياضة من جميع المواطنين، وطالبوهم بـ«عدم التوجّه إلى الوزارة لأنها مقفلة، إلى حين إنصافهم بالعطاءات التي استفادت منها إدارات أخرى، لا تقل حيوية وعملاً وتضحية عن سواها».

كذلك دعا موظفو وزارة الطاقة والمياه بجميع الفئات والتسميات إلى «التوقف النهائي عن العمل بسبب الغبن الحاصل في التمييز بين موظفي الإدارات العامة الذين يعدون وحدة لا تتجزأ». ومثلهم، قرر موظفو وزارة العمل في الإدارة المركزية للوزارة، وبعد التشاور، التوقف كلياً عن العمل رفضاً لتمييع مطالبهم. وانسحب الأمر على موظفي وزارات السياحة والثقافة والزراعة والاقتصاد.

ودعم الاتحاد العمالي العام الإضرابات المعلنة من لجان الموظفين العاملين في الوزارات كافة. وأكد الاتحاد في بيان «وقوفه مع موظفي الإدارة العامة في مطالبهم المحقة في تحقيق زيادة مقبولة على الأجور تدخل في صلب الراتب، فتقيهم المعاناة اليومية الحياتية، وتكلفة الحضور إلى العمل لتأمين متطلبات وحاجات المواطنين». وطالب الاتحاد «بالمساواة والمعاملة العادلة بين كل الموظفين وعدم التفريق بينهم وصولاً إلى إدارة سليمة وحوكمة رشيدة».

العسكريون المتقاعدون يغلقون أبواب سراي صيدا الحكومي (المركزية)

وبالتزامن مع تنفيذ العسكريين المتقاعدين تحركات في الشارع؛ احتجاجاً على عدم تحقيق مطالبهم، أثنى اتحاد العمال العام على تحرك المتقاعدين العسكريين والمدنيين، ودورهم المحوري في الوصول إلى زيادات عادلة تشمل جميع مكونات القطاع العام. وأكد ضرورة شمول الزيادات المقترحة والمطبقة المصالح المستقلة، والمؤسسات العامة، والبلديات واتحاد البلديات، والمستشفيات الحكومية تحت طائلة التحرك والاعتصام والإضراب، أسوةً بموظفي الوزارات والإدارات العامة.


مقالات ذات صلة

التمديد لقائد الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة «محسوم»

المشرق العربي النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)

التمديد لقائد الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة «محسوم»

يعقد البرلمان اللبناني جلسة تشريعية الخميس لإقرار اقتراحات قوانين تكتسب صفة «تشريع الضرورة» أبرزها قانون التمديد مرّة ثانية لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي تصاعد السحب الدخانية نتيجة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز) play-circle 00:25

الجيش الإسرائيلي: قصفنا 25 هدفاً للمجلس التنفيذي ﻟ«حزب الله» خلال ساعة واحدة

قال الجيش الإسرائيلي، الاثنين)، إن قواته الجوية نفذت خلال الساعة الماضية ضربات على ما يقرب من 25 هدفاً تابعاً للمجلس التنفيذي لجماعة «حزب الله» في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من خدمة الإسعاف الإسرائيلية في موقع إصابة شخص في نهاريا بشظايا صواريخ أطلقت من لبنان (نجمة داود الحمراء عبر منصة «إكس»)

إصابة شخص في إسرائيل بعد إطلاق 20 صاروخاً من لبنان

أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية، الإثنين، إصابة شخص بعد إطلاق 20 صاروخا من لبنان نحو مناطق الجليل الأعلى والغربي

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

بارزاني يحذر من مخاطر الانسحاب الأميركي

مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إكس)
مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إكس)
TT

بارزاني يحذر من مخاطر الانسحاب الأميركي

مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إكس)
مسعود بارزاني زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (إكس)

حدد رئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، موقف الكرد من الصراع الجاري في المنطقة بطريقة تبدو مختلفة عن خيارات القوى السياسية في بغداد، لا سيما من الحرب الدائرة في المنطقة.

وفي لقاء له مع قناة «سكاي نيوز عربية»، الثلاثاء، أكد بارزاني أن العراق «هو المتضرر في حال جره للحرب في المنطقة». وأضاف أن «العلاقة بين أربيل وبغداد جيدة، مع أن بعض الملفات العالقة لا تزال طور النقاش لحلها، من بينها حصة الإقليم من النفط».

وقال بارزاني: «ليس من مصلحتنا أي توتر مع إيران وتركيا والعلاقات طبيعية مع الطرفين»، مؤكداً أنه «لم يكن في برنامجنا أبداً توتر العلاقات مع تركيا وإيران، لكن لن نسمح لأي أحد بأن يتدخل في شؤوننا».

ولفت بارازني إلى أن «المعارضة الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان لم تتدخل وتستمع للتعليمات، بينما (حزب العمال الكردستاني) يتدخل ولا يستمع للتعليمات».

العراق وطبول الحرب

وبشأن طبول الحرب التي تقرع في المنطقة وطريقة تعاطي العراق الرسمي والعراق الموازي المتمثل بالفصائل المسلحة الموالية لإيران، قال بارزاني إن «العراق هو المتضرر من جره للحرب الحالية في المنطقة».

ومع أن بارزاني لم يخض في تفاصيل موقف العراق من الحرب، لكنه عبَّر عن رأي كردي منسجم مع موقف الحكومة العراقية سواء على لسان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أو وزير الخارجية فؤاد حسين، لكنه انتقد صراحة «الفصائل المسلحة التي لا تزال تهدد بالرد على إسرائيل في حال تنفيذها هجوما على العراق».

وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أعلن، الأحد الماضي، خلال كلمة له بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الدبلوماسية العراقية أن إسرائيل باتت تبحث عما سماها «ذرائع واهية لضرب العراق»، مبيناً أنه وجَّه وزارة الخارجية للتعامل مع الأمر، وفق الأطر الدبلوماسية.

مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي والسفيرة الأميركية لدى العراق إلينا رومانسكي خلال لقاء الأحد (واع)

وكانت السفيرة الأميركية إلينا رومانسكي التي انتهت مدة عملها في العراق، قد حذرت من إمكانية أن تقوم إسرائيل باستهداف العراق قائلة: «أود أن أكون واضحة جداً من البداية. الإسرائيليون أدلوا بتحذيرات ردع على الميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، والتي تعتدي على إسرائيل».

وأضافت أن «هذه الميليشيات هي من بدأت في الاعتداء على إسرائيل، وأكون واضحة جداً لهذه النقطة وأن الإسرائيليين حذروا حكومة العراق بأن يوقفوا هذه الميليشيات من اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل».

وتابعت السفيرة بالقول: «رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة التي لا تنصاع لأوامر الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء، وأن إسرائيل أمة لها سيادتها، وستقوم بالرد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

خطر الانسحاب الأميركي

وعن موقفه من الوجود الأميركي في العراق، قال بارزاني إن «(داعش) لا يزال يشكل تهديداً جدياً، وانسحاب قوات التحالف مشكلة من دون تجهيز الجيش العراقي والبيشمركة».

ويعد موقف بارزاني أول موقف كردي بهذا الوضوح بعد سلسلة مباحثات أجرتها الحكومة العراقية طوال هذا العام مع الأميركيين بشأن إعادة تنظيم العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية والتي تتضمن انسحاب ما تبقى من القوات الأميركية من العراق والعودة إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقَّعة بين بغداد وواشنطن عام 2008.

وفي هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية الدكتور عصام فيلي لـ«الشرق الأوسط» إن «موقف بارزاني من الانسحاب الأميركي يمثل مخاوف كثير من القوى السياسية وحتى الشارع العراقي في أن يكون العراق جزءاً من ساحة حرب».

وأضاف فيلي أن «هذه الحرب لا بد أن يكون لمن يشترك فيها اصطفاف لصالح طرف ضد آخر، وهو ما يتناقض مع الدستور العراقي وتصريحات كبار مسؤوليه في أن العراق لا يمكن أن يكون ساحة للحرب في المنطقة بين قوتين وهما أميركا وإيران».

وأوضح فيلي أن «العراق لا يزال يواجه تحديات داخلية في المقدمة منها التنظيمات الإرهابية، وأن قوات التحالف الدولي تمثل ضمانة أمنية»، وأشار إلى أن «الكرد يخشون من غياب قوات التحالف؛ لأنهم يرون أن وجود بعض الأطراف المسلحة في بعض المناطق المتنازع عليها سيشكل تهديداً لهم بعد الانسحاب الأميركي».