الليدو... أشهر سوق لبيع الكتب المستعملة في المغرب وزوّارها طلبة وأساتذة وباحثون

رجل يتصفح كتاباً بسوق الليدو في فاس المغربية (وكالة أنباء العالم العربي)
رجل يتصفح كتاباً بسوق الليدو في فاس المغربية (وكالة أنباء العالم العربي)
TT

الليدو... أشهر سوق لبيع الكتب المستعملة في المغرب وزوّارها طلبة وأساتذة وباحثون

رجل يتصفح كتاباً بسوق الليدو في فاس المغربية (وكالة أنباء العالم العربي)
رجل يتصفح كتاباً بسوق الليدو في فاس المغربية (وكالة أنباء العالم العربي)

في قلب مدينة فاس، العاصمة العلمية للمغرب، توجد سوق لبيع الكتب المستعملة، ذاع صيتها داخل المدن المغربية وأيضاً في بعض الدول العربية، ويُطلق عليها اسم «سوق الليدو» أو «الحُفرة».

أنشئت السوق على منحدر شبيه بحفرة؛ وتبدو من الخارج وعن بعد كأحد الأحياء المهمشة، ذلك لأن جميع محالها أُنشئت من صفائح القصدير وبعشوائية كبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء العالم العربي.

لا يمكن للزائر أن يتخيل أن هذا المكان تُباع فيه أندر الكتب وأثمنها، وأن في تلك المحال توجد كتب في الفلسفة والطب والأدب والعلوم والرياضيات وأشهر الروايات العالمية.

توجد سوق الليدو في مكان غير بعيد عن جامعة محمد بن عبد الله، وهي من أشهر الجامعات المغربية؛ وتعد السوق ملاذ الطلاب والأساتذة والباحثين من جميع المدن المغربية، حيث توفر مقررات جميع المستويات الدراسية، فضلاً عن الكتب المتخصصة في العلوم والفلسفة والأدب والدين والقانون وبجميع اللغات الحية.

نشأة السوق

وعن نشأة السوق، يقول حسن بن عدادة، وهو صاحب مكتبة بمدينة فاس لديه إلمام جيد بمجال بيع الكتب في المدينة، إن سوق الليدو أُنشئت في بداية ثمانينات القرن الماضي عندما كان بعض بائعي الكتب المستعملة يفترشون الساحات المجاورة لجامعة محمد بن عبد الله بالمدينة ويبيعون الكتب القديمة للطلبة.

جانب من المعروضات في سوق الليدو بالمغرب (وكالة أنباء العالم العربي)

وذكر أنه في تلك الفترة كان أكثر بائع كتب متميز وشهير يُسمى محمد الحلوي، وكان يملك محلاً على شكل كرفان أو عربة متنقلة، وكان يوفر الكتب للطلاب بشتى تخصصاتهم. وفي أحد الأيام، فوجئ الحلوي ومعه الطلبة كافة باحتراق محله دون معرفة سبب الحريق أو المتسبب فيه.

وقال بن عدادة إن الطلبة والعارفين بالشأن الجامعي في تلك الفترة رجّحوا أن يكون الحريق بفعل فاعل، بحكم أن الجامعات المغربية، وعلى وجه الخصوص جامعة محمد بن عبد الله، كانت تعيش على وقع توترات سياسية، وكان هناك بعض الكتب المحظور تداولها بين الطلاب، بينما كان الحلوي يتميز بتوفير جميع الكتب للطلاب وبأسعار مناسبة.

وأكد بن عدادة في حوار مع وكالة أنباء العالم العربي، أنه بعد حادث احتراق عربة الحلوي، قامت السلطات الأمنية في المدينة بمنح جميع باعة الكتب الموجودين على مقربة من الجامعة مساحة طولية بحي اسمه الليدو غير بعيد عن الجامعة ليبيعوا كتبهم.

وقال بن عدادة: «البائعون أنشأوا براريك (أكشاك) من القصدير في المساحة المخصصة لهم، حتى يتمكنوا من مواصلة تجارتهم؛ وكان الليدو غير بعيد عن الجامعة؛ حيث يمر طلبة جامعة محمد بن عبد الله بجواره وهم في طريقهم إلى الجامعة أو منها». وأوضح أنه، بالإضافة إلى الكتب المستعملة والبالية، تُباع في سوق الليدو أيضاً الكتب ذات الإصدار أو الطبعة الجديدة.

وهناك حتى نُسخ بعض الكتب الجديدة، خاصة بعض الكتب التي تباع بأثمان باهظة في طبعتها الأصلية، كمقررات كليات الطب وكتب الأقسام التحضيرية التي قد يبلغ ثمن بعض الكتب فيها 800 درهم (نحو 204.6 دولار أميركي)؛ «فباعة الكتب بالليدو ينسخون الكتاب ويبيعونه مقابل 100 درهم فقط... ومع أنها قرصنة، فإنها أمر يساعد الطلبة نسبياً»، وفق بن عدادة.

مصدر الكتب البالية

وحول مصدر الكتب البالية التي تباع في سوق الليدو، قال بن عدادة: «هي في الغالب لأناس توفوا، وأراد أبناؤهم التخلص من مكتباتهم، وكذلك كتب بعض الطلاب الذين استغنوا عنها، في حين أن الكتب الجديدة تُقتنى من دور النشر بالدار البيضاء وأحياناً قد يصادف الزائر ذخائر الكتب وكتباً ذات طبعات قديمة جداً أو انتهت طبعتها قبل سنوات عدة».

كتب تعرض في سوق الليدو للكتب المستعملة في المغرب (وكالة أنباء العالم العربي)

ومعظم بائعي الكتب في سوق الليدو مثقفون؛ فقد اكتسبوا العديد من المعرفة خلال تعاملهم اليومي مع الكتب والطلاب والأساتذة. فكل واحد من هؤلاء يعرف على الأقل ما يحتويه محله من كتب ومراجع وروايات، وغالباً ما يقدمون النصح والتوجيه للطلبة والباحثين.

نور الدين الحساني، وهو أحد بائعي الكتب في سوق الليدو، قال في حوار مع وكالة أنباء العالم العربي، إن السوق كانت تضم نحو 180 محلاً صفيحياً «غير أن أغلبها أغلق أبوابه لعدم نجاح تجربة التجارة فيها، التي كانت في الغالب تجارة أخرى غير الكتب، بينما بقيت محال الكتب صامدة منذ ذلك الوقت إلى اليوم ويبلغ عددها بالتقريب 20 محلاً، تبلغ مساحة كل محل منها متراً ونصف المتر المربع».

وقال إن مهنة بيع الكتب كانت في البداية جيدة؛ حيث كانت جميع الكتب متوفرة، سواء الثقافية أو الفلسفية أو الأدبية أو العلمية، بالإضافة إلى الكتاب المدرسي؛ لكن مهنة بيع الكتب أخيراً بدأت في التراجع، حتى إن بعض مكتبات المدينة أغلقت أبوابها أمام اجتياح الكتاب الرقمي والتطور التكنولوجي الذي طال حتى الصحف الورقية والمجلات، ما أدى إلى إغلاق معظم الأكشاك أبوابها.

واستطرد قائلاً: «بالنسبة للمكتبات المتبقية بالمدينة، فهي مختصة فقط ببيع الكتب المدرسية وبعض الروايات التي طغت على السوق، خاصة الروايات المزورة التي تدخل إلى المغرب بطرق غير شرعية وكتب التنمية الذاتية».

صفوف من الكتب المستعملة في سوق الليدو بفاس المغربية (وكالة أنباء العالم العربي)

وأكد الحساني أن سوق الليدو اكتسب شهرة محلية وعالمية، حيث إن زوّاره ليسوا فقط مغاربة من جميع المدن المغربية، بل له بعض الزوار أيضا من دول عدة كالجزائر وتونس وتركيا والعراق وبعض دول الخليج.

وقال: «أنا متخصص في بيع الكتب ذات الإصدارات الجديدة، خاصة كتب التراث والمجلدات وكتب تفسير القرآن والكتب الفلسفية والأدبية ومعظم زبائني طلبة التعليم العتيق والشريعة والأساتذة الجامعيون وأساتذة السلك الثانوي».

الروايات وكتب التنمية الذاتية

وأشار إلى أن من بين زبائن سوق الليدو شباباً يأتون من أجل شراء الروايات وكتب التنمية الذاتية من قبيل «أنتيخريستوس» لمؤلفه أحمد خالد مصطفى و«في قلبي أنثى عبرية» لكاتبته خولة حمدي، و«كن خائناً تكن أجمل» لمؤلفه عبد الرحمن مروان حمدان، وهي الروايات الشائعة بين الشباب اليوم.

وبحسب الحساني، فإن هناك نخبة من المثقفين لهم نوعية خاصة من الكتب، إذ يقول إن أعمال الروائي السوري حنا مينا والروائي السعودي عبد الرحمن منيف مثلاً «لا يشتريها الشباب، لأنها في اعتقاده تفوق مستوى وعيهم وثقافتهم».

ومضى يقول إنه على الرغم من التطور التكنولوجي، فإن هناك فئة من القراء ممن لا يستطيعون مفارقة الكتاب الورقي ويفضلون القراءة فيه بدلاً من القراءة على الهاتف، خاصة كبار السن لعلاقتهم الوطيدة بالكتاب. هؤلاء، بحسب قوله، يأتون إلى السوق.

سوق الليدو «الحفرة» في المغرب (وكالة أنباء العالم العربي)

وتتراوح أسعار الكتب، حسب الحساني، بين 5 دراهم و200 درهم، حسب نوعية الكتاب ومدى توفره في السوق وتاريخ طبعته وغير ذلك من المعايير التي تحدد ثمن البيع. وذكر أن هناك كتباً قد تباع حتى بأكثر من ثمنها الأصلي لندرتها أو أهميتها.

وتحدث الحساني عن أحد الكتب الذي كان ضمن المقررات الدراسية في التعليم الابتدائي الأولي خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وهو كتاب (القراءة) ذو الغلاف الأزرق؛ حيث كان ثمنه لا يتعدى 12 درهماً، وهو اليوم يباع على بعض الصفحات الإلكترونية مقابل 200 درهم. ومع أنه لم يعد ضمن المقررات الدراسية، فإن هناك من يشترونه للذكرى.


مقالات ذات صلة

حكيمي يجدّد عقده مع سان جيرمان حتى 2029

رياضة عربية الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي (إ.ب.أ)

حكيمي يجدّد عقده مع سان جيرمان حتى 2029

مدّد الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي عقده مع باريس سان جيرمان بطل فرنسا لكرة القدم حتى عام 2029.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

الخلافات السياسية تعرقل صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر

كانت الجزائر تستورد ما بين مليونين و6 ملايين طن قمح فرنسي سنوياً؛ مما جعلها من أكبر زبائن فرنسا. غير أن الكميات المستوردة انخفضت بشكل لافت في السنوات الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رضوان الحسيني مدير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بوزارة الشؤون الخارجية المغربية (الشرق الأوسط)

المغرب يؤكد «التزامه الراسخ» بمكافحة الإرهاب النووي والإشعاعي

المغرب يؤكد التزامه بالأهداف الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب النووي، التي تدعو إلى نهج استباقي ومتعدد الأبعاد، لمحاربة هذه الآفة.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية زكريا أبو خلال لاعب تولوز انضم لتشكيلة منتخب المغرب (أ.ف.ب)

الركراكي يستدعي أبو خلال لتشكيلة المغرب بدلاً من أخوماش

أعلن الاتحاد المغربي لكرة القدم الثلاثاء أن وليد الركراكي مدرب المنتخب الأول استدعى زكريا أبو خلال لتعويض غياب إلياس أخوماش.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية حسين الشحات لاعب الأهلي (صفحة اللاعب على فيسبوك)

مصر: الصلح يُنهي أزمة الشحات والشيبي بعد 18 شهراً من «الخِصام»

بعد نحو عام ونصف العام من «الخِصام» بينهما، أنهى الصلح أزمة المصري حسين الشحات، لاعب الأهلي، والمغربي محمد الشيبي.

محمد عجم (القاهرة)

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
TT

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)

كشفت دراسة أميركية عن استراتيجية بديلة تلجأ إليها الخفافيش عندما تفقد قدرتها على السمع، وهي حاسة أساسية تستخدمها للتوجيه عبر تقنية الصدى الصوتي.

وأوضح الباحثون من جامعة جونز هوبكنز أن النتائج تثير تساؤلات في إمكانية وجود استجابات مشابهة لدى البشر أو الحيوانات الأخرى، مما يستدعي إجراء مزيد من الدراسات المستقبلية، ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية (Current Biology).

وتعتمد الخفافيش بشكل أساسي على حاسة السمع للتنقل والتواصل عبر نظام تحديد المواقع بالصدى (Echolocation)، إذ تُصدر إشارات صوتية عالية التّردد وتستمع إلى صدى ارتدادها عن الأشياء المحيطة لتحديد موقعها واتجاهها. وتعد هذه القدرة إحدى الحواس الأساسية لها.

وشملت الدراسة تدريب الخفافيش على الطيران في مسار محدد للحصول على مكافأة، ومن ثم تكرار التجربة بعد تعطيل مسار سمعي مهمٍّ في الدماغ باستخدام تقنية قابلة للعكس لمدة 90 دقيقة.

وعلى الرغم من تعطيل السمع، تمكنت الخفافيش من إتمام المسار، لكنها واجهت بعض الصعوبات مثل التصادم بالأشياء.

وأوضح الفريق البحثي أن الخفافيش تكيفت بسرعة بتغيير مسار طيرانها وزيادة عدد وطول إشاراتها الصوتية، مما عزّز قوة الإشارات الصدوية التي تعتمد عليها. كما وسّعت الخفافيش نطاق الترددات الصوتية لهذه الإشارات، وهي استجابة عادةً ما تحدث للتعويض عن الضوضاء الخارجية، لكنها في هذه الحالة كانت لمعالجة نقص داخلي في الدماغ.

وأظهرت النتائج أن هذه الاستجابات لم تكن مكتسبة، بل كانت فطرية ومبرمجة في دوائر الدماغ العصبية للخفافيش.

وأشار الباحثون إلى أن هذه المرونة «المذهلة» قد تعكس وجود مسارات غير معروفة مسبقاً تعزّز معالجة السمع في الدماغ.

وقالت الباحثة الرئيسية للدراسة، الدكتورة سينثيا موس، من جامعة جونز هوبكنز: «هذا السلوك التكيفي المذهل يعكس مدى مرونة دماغ الخفافيش في مواجهة التحديات».

وأضافت عبر موقع الجامعة، أن النتائج قد تفتح آفاقاً جديدة لفهم استجابات البشر والحيوانات الأخرى لفقدان السمع أو ضعف الإدراك الحسي.

ويخطط الفريق لإجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة مدى تطبيق هذه النتائج على الحيوانات الأخرى والبشر، واستكشاف احتمال وجود مسارات سمعية غير معروفة في الدماغ يمكن أن تُستخدم في تطوير علاجات مبتكرة لمشكلات السمع لدى البشر.