أفكار جنونية في معرض لـ«الشعر» بباريس

يسرد عبر 600 قطعة تطورات التسريحات النسائية

شعر مستعار مضفر من ماريسول سواريز (متحف الفنون الزخرفية في باريس)
شعر مستعار مضفر من ماريسول سواريز (متحف الفنون الزخرفية في باريس)
TT

أفكار جنونية في معرض لـ«الشعر» بباريس

شعر مستعار مضفر من ماريسول سواريز (متحف الفنون الزخرفية في باريس)
شعر مستعار مضفر من ماريسول سواريز (متحف الفنون الزخرفية في باريس)

بعد ظهر أحد الأيام، في معرض استضافه متحف الفنون الزخرفية، في العاصمة الفرنسية باريس، نظرت امرأتان إلى عارضة زجاجية تحتوي على شعر آندي وارهول المستعار.

كانت لدى إحدى النساء قَصّة شعر تُعرف باسم «تحدث إلى المدير»: طول الشعر في مقدمة الرأس مع زاوية حادة إلى الوراء، بحيث يكون الشعر قصيراً من الأعلى والخلف ليسهل فرده بالجل. وكما هو الحال دائماً تقريباً مع قَصّة «تحدث إلى المدير»، أُبرزت قَصّة الشعر من خلال السمات البارزة الواضحة عمداً، وتتحرك بنقوش جريئة نحو الشعر الخشن الذي يعتمر أعلى الرأس. أما المرأة الأخرى فكان شعرها بُنيّ اللون ناعم الملمس، منسدلاً على كتفيها في خصلات مرتبة بعناية.

كان الشعر المستعار، الذي عُلّق فوق ملصق يذكر أنه سافر إلى باريس من متحف «آندي وارهول» في بيتسبرغ، له لمعان اصطناعي رخيص، وهي سمة كان ينبغي أن تكون عديمة الضرر، ولكنها كانت جالبة لشخصية أصحابها حتى بدا كما لو كان على وشك الزحف من لوحة العرض الخاصة به، مُنسلّا جنباً إلى جنب مع واحدة من الشعور المستعارة القديمة، والأقل شهرة في حاوية العرض، ويبدأون بإدلاء ملاحظات مقتضبة. ارتجفت المرأة ذات الشعر الغالي وتحركت في جولتها بعد ثوانٍ قليلة من التوقف.

«الشفاه الشقراء» لشارلي لو ميندو في (متحف الفنون الزخرفية في باريس)

بقيت المرأة التي تحمل قَصّة «تحدث إلى المدير» واقفة لفترة أطول قليلاً. وفي وقت لاحق، سمع صوتها تهمس قائلة: «يا إلهي»، أمام عارضة زجاجية تحتوي على نحت خشبي لرأس رجل، بعيون ساطعة وذقن صارمة، وإلى جانبها، كانت هناك بطاقة توضح أنه كان ذات مرة حاملاً لشعر مستعار يخص تشارلز الثاني ملك إنجلترا، محبوكاً من شعر عشيقاته، كما كان التقليد جارياً في الدوائر الليبرالية بالقرن السابع عشر.

يمتد المعرض الذي يحمل اسم «Des cheveux et des poils» (الشعر ومشتقاته) باللغة الفرنسية، ويعني شيئاً مثل «الشعر والفراء»، حتى يوم 17 سبتمبر (أيلول)، ويأخذ كلا الطابقين من مساحة المعرض الرئيسية في المتحف. ويطلق عليه وصف «الخوض في تاريخ الشعر من القرن الخامس عشر حتى العصر الحاضر»، مع أكثر من 600 قطعة وأعمال فنية متنوعة جُمعت من المتاحف في جميع أنحاء العالم، لاستكشاف تطوّر تسريحات شعر النساء، ومسألة إزالة شعر الوجه والجسم للرجال والنساء، وصالونات الشعر، وأصباغ الشعر، وشفرات حلاقة الشعر، ومجففات الشعر، والمواقف الثقافية تجاه الصلع، وقصات «بيكسي» و«ساوركراوت» من ستينات القرن العشرين، وتسريحة «هورلوبرلو» من منتصف القرن السابع عشر.

عند الدخول إلى المعرض لأول مرة، يبدو احتمال وجود الكثير من المواد ذات الطابع الشعري في المعرض أمراً مملاً ورتيباً. فكم من الوقت يمكن لأفكار الشعر أن تشغل الانتباه حقاً؟ وما مدى الإثارة والأهمية التي تعكسها 600 قطعة ذات صلة بالشعر في واقع الأمر؟

فرناند فورغيس لاعب الرغبي لوحة رسمها يوجين باسكو عام 1912 (متحف الباسك والتاريخ في بايون)

مع ذلك، تبين أن الشعر هو أحد الموضوعات المثيرة للاهتمام في العالم، وأن 600 قطعة منه لا تكفي. ومعرض عن الشعر هو أيضاً معرض عن تقديم الذات وإدراكها، والاختلاف، والطبقية، والعِرق، والدين، والسيطرة، والاشمئزاز، والطفولة، والبلوغ، والذكورة، والأنوثة.

خذ على سبيل المثال «صورة السيدة فولر» (1810) للفنان لويس ليوبولد بويلي، في الغرفة الأولى من المعرض. شابة ذات تسريحة شعر أنيقة ورائعة، وهي تنظر إلى الجانب بابتسامة فاترة. وتوضح البطاقة المصاحبة أن القصور المغاير للعصر الحاضر في أسلوب السيدة فولر، والمعروف باسم «تيتوس»، تعود أصوله إلى «رقصات الضحايا»، تلك الرقصات التي شاعت إبان الثورة الفرنسية لأقارب أناس قُطعت رؤوسهم على المقصلة. وهناك وصف من شاهد معاصر يروي أن بعض الرقصات كانت تتطلب من الحاضرين «قص شعرهم حول الرقبة، تماماً كما يقص الجلاد شعر الضحايا». قَصّة الشعر بمثابة إعلان موقف، كما عرفتها السيدة فولر.

بعد ذلك بعدة غرف، وقف شاب بشعر كثيف مجعد للغاية، يحجبه بعيداً عن وجهه بربطة للشعر، أمام إحدى اللوحات المرسومة من أواخر القرن الثامن عشر، بعنوان «هلاك فتيات التسري» للرسام جان بابتيست هويت، التي تعكس آثار مرسوم للشرطة صدر عام 1778 يهدف إلى الحد من البغاء: يقف القضاة بأغطية الشعر المستعارة على المنصة في الأعلى، وبالأسفل مجموعات من الشابات الباكيات البائسات ذوات الرؤوس الصلعاء اللامعة، وقد حلقن رؤوسهن بأنفسهن بعد إلقاء الشرطة القبض على الفتيات في شوارع باريس. (تلقت النساء الفرنسيات المتهمات بالتعاون مع النازية العقوبة نفسها في الحرب العالمية الثانية).

(شعر شاكرا) من تصميم نيك نورمان 2017 (متحف الفنون الزخرفية في باريس)

توقفت امرأة شابة، شعرها مصبوغ باللون الأحمر الكرزي، لاستنشاق رائحة صُنعت خصيصاً للمعرض، يُقصد منها تكرار رائحة مسحوق الشعر المستعار من القرن الثامن عشر، التي كانت معطّرة بقوة لإخفاء رائحة الشّحم الموضوع على الشعر. وكانت الرائحة مثل الحلوى القديمة التي كانت تملأ حقيبة يد لجدة شخص ما.

في الطابق العلوي، توقف رجل أصلع أمام حاوية تحتوي على نسخات برونزية متماثلة من بعض أهم الأنماط التي ابتكرها لوران غودفروي، مصفف الشعر الشهير المعروف باسم «ملك الشينيون»: خصلات سلسة مزركشة، تذكرنا بالممثلة إليزابيث تايلور في سنواتها المبكرة من ارتداء القفطان، متنقلة داخل حانة مزدحمة مع مبسم سيجارة في يد، ومشروب في اليد الأخرى.

قال الرجل لرفيقته، التي كانت ضفائرها تصل تقريباً إلى خصرها: «هذه القصات مخصّصة لأناس يملكون الكثير من الوقت»، فأومأت برأسها. وبعد ساعة ونصف ساعة، كانا لا يزالان في المعرض.

خدمة: نيويورك تايمز*


مقالات ذات صلة

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

يوميات الشرق شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)

قصر باكنغهام يخضع لعملية تجديد بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني

سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية (موقع باكنغهام)
سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية (موقع باكنغهام)
TT

قصر باكنغهام يخضع لعملية تجديد بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني

سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية (موقع باكنغهام)
سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية (موقع باكنغهام)

سيغلق قصر باكنغهام أبوابه أمام الزيارات الرسمية لمدة ثلاث سنوات، يخضع خلالها القصر التاريخي لعملية تجديد ضخمة بتكلفة 369 مليون جنيه إسترليني. وسيجري استقبال أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في القصر عندما يزور المملكة المتحدة الشهر المقبل، لكن بعد ذلك ستجري استضافة جميع الزيارات الرسمية الأخرى في قلعة «وندسور» حتى عام 2027.

وكانت أعمال التجديد قد بدأت في عام 2017، مع التركيز على استبدال الأسلاك والأنابيب القديمة التي لم تُحدَّث منذ خمسينات القرن الماضي، والتي كانت من الممكن أن تتسبّب في «حرائق كارثية أو تدفقات شديدة للمياه».

جدير بالذكر أن الأعمال المستمرة في القصر أدّت إلى نقل المكتب الخاص بعاهل بريطانيا الملك تشارلز الثالث في الجناح الشمالي الذي تجري إعادة تجديده على نفقته الشخصية، إلى الجناح البلجيكي في الطابق الأرضي من الجناح الغربي للقصر الذي يطل على الحديقة. وكانت المساحة التي كان الملك يشغلها سابقاً في الجناح الشمالي تُستخدَم من قِبل الملكة الراحلة إليزابيث الثانية بوصفها سكناً خاصاً، أما مساحته الجديدة الآن فتشمل «غرفة أورليان» التي وُلِد فيها الملك في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 1948.

وفي تصريح لصحيفة «التايمز» البريطانية، قال أحد أصدقاء الملك: «هو دائماً مدرك لأهمية التاريخ، وقرار أن يكون مقره في (غرفة أورليان) لم يكن ليُتخذ بسهولة، لكنه سيستمتع الآن بأداء مهامه بوصفه ملكاً في الغرفة التي وُلد فيها».

كما أنه يجري قطع العشرات من أشجار الكرز والبتولا الفضية في حدائق القصر، للسماح بدخول مزيد من الضوء الطبيعي وتشجيع تجدّد نمو النباتات الأخرى.