موريتانيا: استقالة الحكومة وتجديد الثقة بالوزير الأول

توقعات بتعديل جزئي يبقي وزارات السيادة ويُخرج عدداً من الوزراء

الرئيس الموريتاني يتسلم استقالة الحكومة من الوزير الأول الاثنين (الرئاسة الموريتانية)
الرئيس الموريتاني يتسلم استقالة الحكومة من الوزير الأول الاثنين (الرئاسة الموريتانية)
TT

موريتانيا: استقالة الحكومة وتجديد الثقة بالوزير الأول

الرئيس الموريتاني يتسلم استقالة الحكومة من الوزير الأول الاثنين (الرئاسة الموريتانية)
الرئيس الموريتاني يتسلم استقالة الحكومة من الوزير الأول الاثنين (الرئاسة الموريتانية)

جدد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الثقة في الوزير الأول محمد ولد بلال، بعد أن قدم له استقالة حكومته زوال يوم الاثنين، تماشياً مع العرف السياسي في البلاد، الذي يقضي باستقالة الحكومة بعد تنصيب برلمان جديد.

ونظمت في موريتانيا انتخابات تشريعية يوم 13 مايو (أيار) الماضي، أسفرت عن برلمان جديد، هيمن عليه حزب الإنصاف الحاكم بعد حصوله وحده على 107 مقاعد من أصل 176 مقعداً برلمانياً، فيما لم يتجاوز عدد مقاعد أحزاب المعارضة 27 مقعداً فقط. وبعد أسبوعين من تنصيب البرلمان الجديد وانتخاب رئيس له كان جنرالاً متقاعداً من الجيش، وبموجب عرف سياسي دارج في موريتانيا منذ عقود، التقى الرئيس الموريتاني وزيره الأول صباح الاثنين في القصر الرئاسي، وأجرى معه محادثات على انفراد، قبل أن يسلمه استقالته واستقالة حكومته، وهي الاستقالة التي وافق عليها ولد الغزواني، قبل أن يجدد الثقة في وزيره الأول ويكلفه بتشكيل حكومة جديدة، لتتحول الحكومة المستقيلة إلى «حكومة تصريف أعمال». وجاء في برقية صادرة عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية: «خلال الاستقبال، قدم معالي الوزير الأول استقالة حكومته لفخامة رئيس الجمهورية، حيث قبل فخامته الاستقالة، وكلفه بتشكيل حكومة جديدة».

وتعد هذه المرة الثانية التي يجدد فيها ولد الغزواني الثقة في وزيره الأول ولد بلال، منذ أن كلفه بقيادة الحكومة في شهر أغسطس (آب) عام 2020، خلفاً للوزير الأول السابق إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، الذي اختاره ولد الغزواني لرئاسة أول حكومة يشكلها فور وصوله إلى الحكم عام 2019.

لكن ولد بلال الذي قاد الحكومة الموريتانية في أتون أزمة جائحة «كوفيد - 19»، والتداعيات الاقتصادية التي خلفتها الحرب الأوكرانية، واجه تحديات كبيرة في تنفيذ مجموعة من المشروعات الحكومية التي تعهد ولد الغزواني بإنجازها خلال مأموريته الأولى، على الرغم من تحسن طفيف في تسريع وتيرة الإنجاز خلال العام الماضي.

مركز اقتراع بنواكشوط في 13 مايو 2023 (أ.ف.ب)

وأثار تجديد الثقة في الوزير الأول النقاش بالشارع الموريتاني، إذ قال الصحافي الموريتاني سيدي محمد بلعمش في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن قراءات تجديد الثقة في الوزير الأول كانت متباينة، مشيراً إلى أنه لا يمكن إغفال أن «استقالة الحكومة تأتي في سياق انتخابي»، في إشارة إلى الانتخابات التشريعية الشهر الماضي، وانتخابات رئاسية مرتقبة منتصف العام المقبل، أي في غضون أقل من عام.

وأضاف بلعمش أن «تجديد الثقة في ولد بلال يمكن قراءته من عدة زوايا؛ الأولى تشير إلى أن رئيس الجمهورية راضٍ بمستوى معين عن أدائه ونهجه في تسيير العمل الحكومي، ولكن هنالك قراءة أخرى تشير إلى أنه إن كانت هنالك ملاحظات على أداء الوزير الأول فإن الوقت غير مناسب لاستبدال وزير أول جديد به». وأوضح بلعمش أن القراءة الأخيرة تستند إلى أن «أخف الضرر بالنسبة للرئيس كان الاستمرار في إتاحة الفرصة لولد بلال، من أجل البقاء في قيادة الحكومة، مع إجراء تعديلات طفيفة على الفريق الحكومي، بناء على المعطيات التي أفرزتها الانتخابات التشريعية الأخيرة».

وقال بلعمش إنه يعتقد أن الرئيس «ينتظر ما بعد الانتخابات الرئاسية (العام المقبل) للبحث عن وزير أول آخر من أجل انطلاقة جديدة تكون متماشية مع توجهات العهدة الرئاسية الثانية». وحول تشكيل الحكومة المرتقبة، قال ولد بلعمش إنه يتوقع أن «تشهد الحكومة الجديدة تعديلاً جزئياً، يخرج بموجبه بعض الوزراء، لن يزيد عددهم على 10، مع الإبقاء على وزارات السيادة من دون تغيير». ودخل الوزير الأول في سلسلة مشاورات من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، حيث من المتوقع أن يقترح أسماء الوزراء على الرئيس في غضون أيام وربما أسابيع، قبل أن تعلن تشكيلة الحكومة الجديدة بشكل رسمي من طرف رئاسة الجمهورية.

وتشير التوقعات إلى أن حزب الإنصاف الحاكم سيهيمن على أغلب مقاعد الحكومة المرتقبة، وهو الذي يستحوذ على أغلبية مريحة في البرلمان، مع إمكانية إشراك بعض أحزاب الموالاة.

وكان الوزير الأول خلال الحملة الانتخابية الماضية قد تعهد أن تشكل الحكومة على ضوء نتائج الانتخابات، محفزاً بذلك الزعامات السياسية والاجتماعية ورجال الأعمال على دعم مرشحي حزب الإنصاف الحاكم. وبعد تشكيل الحكومة الجديدة ستعرض برنامج عملها على البرلمان الجديد، حيث ينص القانون الموريتاني على ضرورة أن تنال الحكومة ثقة البرلمان، قبل أن تشرع في عملها، ولن يواجه ولد بلال أي مشكلة في ذلك، في ظل امتلاك حزب الإنصاف أغلبية برلمانية مريحة.


مقالات ذات صلة

تحسن «معنويات المستثمرين» في ألمانيا بأسرع وتيرة خلال عامين

الاقتصاد متداوِل يتابع شاشاته وخلفه رسم بياني لمؤشر «داكس» في «بورصة فرنكفورت»... (رويترز)

تحسن «معنويات المستثمرين» في ألمانيا بأسرع وتيرة خلال عامين

تحسنت «معنويات المستثمرين» في ألمانيا بأسرع وتيرة منذ عامين في فبراير (شباط)، بدفع من توقعات بانتعاش الاقتصاد مع حكومة جديدة بعد الانتخابات المقررة يوم الأحد.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)

ألمانيا تبحث عن هويّة اقتصادية جديدة بعد خمس سنوات من الركود

تعاني ألمانيا من أزمة في نموذجها الاقتصادي الذي كان يعتمد على الغاز الطبيعي الرخيص من روسيا والصادرات المربحة إلى الصين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية نتنياهو وترمب في البيت الأبيض يوم 4 فبراير الحالي (د.ب.أ)

الدعم الشعبي لنتنياهو من لقاء ترمب يتبخر

دلت نتائج استطلاع رأي جديد، الجمعة، على أن الارتفاع في شعبية بنيامين نتنياهو في الأسبوع الماضي تبخر في استطلاع هذا الأسبوع.

نظير مجلي (تل أبيب)
أوروبا «البوندستاغ» خلال جلسته الاثنين (أ.ف.ب)

زعيم المحافظين في ألمانيا يتهم المستشار بإذكاء «حرب طبقية»

قال ميرتس، إن المستشار يثير «الحقد الاجتماعي» ويذكي «حرباً طبقية». واتهمه بالتسبب في «كارثة تامة» في سوق العمل الألمانية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي وأنصاره يحتفلون بالانتصار في بريشتينا الاثنين (رويترز)

كوسوفو: حزب رئيس الوزراء يتصدر الانتخابات لكن من دون أغلبية

حصد معسكر رئيس وزراء كوسوفو المنتهية ولايته ألبين كورتي، 41 في المائة من الأصوات في الانتخابات التشريعية.

«الشرق الأوسط» (بريشتينا - لندن)

كل ليبي يتمسك بـ«ثورته»... انقسام بين أنصار «الملكية» و«الفاتح» و«فبراير»

احتفالات واسعة بذكرى إسقاط نظام القذافي (منصة حكومتنا)
احتفالات واسعة بذكرى إسقاط نظام القذافي (منصة حكومتنا)
TT

كل ليبي يتمسك بـ«ثورته»... انقسام بين أنصار «الملكية» و«الفاتح» و«فبراير»

احتفالات واسعة بذكرى إسقاط نظام القذافي (منصة حكومتنا)
احتفالات واسعة بذكرى إسقاط نظام القذافي (منصة حكومتنا)

لم تُنسِ الأحداث الجسام والصراعات الدموية، التي شهدتها ليبيا، مواطنيها الاحتفال بـ«ثوراتهم»، كل حسب انتمائه وآيديولوجيته، ما جعل المشهد السياسي والاجتماعي يبدو «فسيسفائياً»، ويغلفه الانقسام.

الدبيبة يشارك في الاحتفال بذكرى ثورة 17 فبراير (قناة ليبيا الوطن)

في ليبيا لم يطو الزمن المناسبات السياسية، ولا ذكرى الأحداث الأليمة بعد، ففي هذا البلد الأفريقي يحتفل كل مواطن بثورته في مواعيدها. أنصار الملكية يحيون «يوم الاستقلال»، ومؤيدو «الفاتح من سبتمبر» يتمسكون بذكراها، بينما تعمّ الاحتفالات في ذكرى «ثورة 17 فبراير»، التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، كما يحدث راهناً.

ويرى متابعون ليبيون أن «هذا الاستحضار للمناسبات السياسية يعد انعكاساً للإقصاء والتهميش، الذي تستشعره كل فئة، بعدما كانت ملء السمع والبصر في حقبة سابقة».

واحتفلت ليبيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بالذكرى الـ73 لاستقلالها، وهي المناسبة التي يطالب فيها أنصار الملكية بـ«إعادة استحقاق ولاية العهد للأمير محمد الحسن الرضا السنوسي، وتوليه مُلك البلاد، وتحمّل مسؤولياته الدستورية كاملة».

عدد من المسؤولين خلال حضورهم الاحتفالات في «ميدان الشهداء» (منصة حكومتنا)

ومحمد الحسن هو نجل الحسن الرضا السنوسي، الذي عينه الملك إدريس السنوسي ولياً للعهد في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1956، وتوفي في 28 أبريل (نيسان) 1992.

وخلال العام الماضي، التقى السنوسي، المولود عام 1962، شخصيات ليبية، بعضها ينتمي لقبائل من المنطقة الغربية، بالإضافة إلى الأمازيغ والطوارق، بهدف «إنجاح المساعي نحو حوار وطني شامل، تحت مظلة الشرعية الملكية الدستورية».

جانب من الاحتفالات (منصة حكومتنا)

ويرى أكرم النجار، رئيس تحرير منصة «علاش»، أن الليبيين «يبحثون عن أنفسهم، وإلى الآن لا توجد ذكرى جامعة لذاكرة الليبيين، وهذا يبين بشكل واضح أزمة تعريف الليبيين لأنفسهم».

وقبل 73 عاماً تقريباً، أعلن الملك الليبي الراحل، إدريس السنوسي، استقلال بلاده بعد عقود من الاحتلال الإيطالي، الذي بدأ عام 1911، وتمت مقاومته بمعارك دامت أكثر من عقدين خاضها «شيخ المجاهدين»، عمر المختار، مع رفاقه.

ومن شرفة قصر «المنار» في بنغازي، زفّ السنوسي لشعبه عام 1951 بشارة الاستقلال، وقال: «نتيجة جهاد أمتنا وتنفيذاً لقرار الأمم المتحدة الصادر في 21 نوفمبر 1949، تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة».

وبعد سنوات طوال من انتهاء الاحتلال الإيطالي، ثم رحيل الملك إدريس، حكم القذافي ليبيا إثر «ثورة الفاتح من سبتمبر» قرابة 42 عاماً، قال معارضوه إنها اتسمت بـ«الديكتاتورية»، قبل إسقاط نظامه بـ«الثورة»، التي اندلعت في 17 فبراير (شباط) عام 2011.

خوري خلال مشاركتها في الاحتفال بذكرى «ثورة 17 فبراير» (منصة حكومتنا)

ويرجع النجار في حديث إلى «الشرق الأوسط» سبب تمسك الليبيين بـ«ثوراتهم» إلى «عدم تمكن هذا الشعب من تأسيس كيان سياسي واجتماعي جامع»، معتبراً أن «هذا العجز كان سببه في الغالب انعدام الفرصة التاريخية ليتحدث أفراد هذا الشعب لبعضهم، ويقرروا الإجابة عن هذه الأسئلة: من نحن؟ وكيف سنعيش مع بعضنا على هذه الأرض؟».

وفي الأول من سبتمبر (أيلول) من كل عام، تكون ليبيا على موعد مع احتفالات أنصار القذافي بذكرى «ثورة الفاتح» في مدن عدة، لا تخلو من ملاسنات ومشادات كلامية غير معهودة من المناوئين لهم.

ولوحظ مؤخراً استحضار أطياف متباينة ومن أعمار مختلفة، لذكرى القذافي، الذي ربما قُتل قبل أن يعاصروا حكمه ويشهدوا أيامه، وذلك الهتاف الشهير في مناسبات عدة: «الله ومعمر وليبيا وبس».

وخلال الاحتفال بذكرى «ثورة 17 فبراير»، مساء الاثنين، فاجأ طفل صغير مراسل «قناة الوطنية»، التابعة لحكومة «الوحدة»، بالإجابة عن سؤاله: هل تحب «17 فبراير»؟ فقال: بالتأكيد لا... نحب عيد الفاتح».

وعمّت الاحتفالات، أمس، مدناً ليبية عديدة بذكرى «17 فبراير»، تزامناً مع افتتاح عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، «ميدان الشهداء»، والنافورة الرقمية بالعاصمة، بعد استكمال أعمال الصيانة والتطوير.

وتخلل الحفل، الذي رعته الحكومة، فقرة بعنوان «حماة الراية»، وهي عرض عسكري، بالإضافة إلى «أوبيريت في ليلة الحمد» مع المنشد الشهير ماهر زين، بجانب لوحة فلكورية بعنوان «ليبيا واحدة».

ولم تخلُ ذكرى مرور 14 عاماً على «ثورة 17 فبراير» من اتهامات وُجّهت لحكومة الدبيبة بـ«البذخ» في الإنفاق خلال الاحتفالات، التي شهدت عرضاً جوياً باستخدام طائرات «الدرون»، وحضره أيضاً عدد من الدبلوماسيين والسفراء، إلى جانب أسر «الشهداء والجرحى»، تكريماً لتضحياتهم خلال أحداث «ثورة فبراير».

إطلالة على «ميدان الشهداء» وسط طرابلس خلال الاحتفالات (قناة ليبيا الوطن)

وبالنظر إلى تمسّك كل فصيل بـ«ثورته»، ينتهي متابعون إلى أن «ليبيا لن تعود إلى الوراء»، وذلك رداً على من يدعون من مؤيدي نظام القذافي، أو أنصار الملكية بـ«العودة إلى حكم ليبيا».