الدعم الشعبي لنتنياهو من لقاء ترمب يتبخر

استطلاع يشير إلى أنه خسر المقاعد الثلاثة التي ربحها في استطلاع الأسبوع الماضي

نتنياهو وترمب في البيت الأبيض يوم 4 فبراير الحالي (د.ب.أ)
نتنياهو وترمب في البيت الأبيض يوم 4 فبراير الحالي (د.ب.أ)
TT

الدعم الشعبي لنتنياهو من لقاء ترمب يتبخر

نتنياهو وترمب في البيت الأبيض يوم 4 فبراير الحالي (د.ب.أ)
نتنياهو وترمب في البيت الأبيض يوم 4 فبراير الحالي (د.ب.أ)

دلت نتائج استطلاع رأي جديد، الجمعة، على أن الارتفاع في شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الأسبوع الماضي؛ نتيجة للاستقبال الحميم في البيت الأبيض وما رافقه من تأييد من الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، وخطته لترحيل أهل غزة، تبخر خلال هذا الأسبوع. وكشف الاستطلاع عن أن المقاعد الثلاثة التي أضيفت إلى رصيده تبددت وعاد إلى مكانته السابقة في حال إجراء انتخابات جديدة اليوم.

ويوضح الاستطلاع الأسبوعي لصحيفة «معاريف» أن حزب «الليكود» بقيادة نتنياهو سيحصل على 21 مقعداً في الانتخابات المقبلة، مقابل 24 مقعداً في استطلاع الأسبوع الماضي، بينما يسترد «المعسكر الوطني»، برئاسة بيني غانتس، المقعدين اللذين خسرهما في الأسبوع الماضي ويحصل على 19 مقعداً (17 مقعداً في الأسبوع الماضي)، في حين يهبط حزب «ييش عتيد» برئاسة يائير لبيد من 13 إلى 11 مقعداً. واللافت، أن حزب اليهود الروس «يسرائيل بيتنا» بقيادة أفيغدور ليبرمان، وهو يميني لكنه معارض لنتنياهو بشدة، يرتفع في استطلاع هذا الأسبوع من 15 إلى 17 مقعداً ويصبح الحزب الثالث في قوته، وكذلك حزب الديمقراطيين اليساري برئاسة يائير جولان الذي يُعدّ هو أيضاً معادياً لنتنياهو ويطالب بمحاكمته بتهمة الخيانة القومية، يرتفع من 12 إلى 13 مقعداً ويصبح الحزب الرابع. وبذلك، فإن هذه النتائج تبعد نتنياهو عن القدرة على تشكيل حكومة، وتجعله أكثر تمسكاً بالحكم وأكثر ارتباطاً وتعلقاً بأحزاب اليمين المتطرف بقيادة بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير.

وكان الاستطلاع الأسبوعي لصحيفة «معاريف»، الذي يجريه معهد لزار للبحوث برئاسة الدكتور مناحم لزار وشركة «بانيل فور أول»، وتنشره بشكل مثابر منذ أكثر من سنتين، قد أشار إلى أن الجمهور الإسرائيلي الذي عاش نشوة من خطة ترمب، بدأ يفقد الأمل من إمكانية وفائه بعهده في تنفيذ الصفقة مع «حماس» وإعادة المحتجزين. وقال 51 في المائة إنهم مقتنعون بأن نتنياهو سيفضل الحفاظ على ائتلافه الحاكم، بدلاً من وضع قضية تحرير المحتجزين، وقال 53 في المائة إنهم متشائمون إزاء هذه الصفقة. وهبطت نسبة الإسرائيليين الذين كانوا يؤمنون بأن ترمب سيساعد على الصفقة من 72 في المائة قبل أسبوع إلى 53 في المائة اليوم.

وعلى هذه الخلفية، انخفضت شعبية نتنياهو بثلاثة مقاعد وهبط ائتلافه أيضاً بثلاثة مقاعد (50 مقعداً اليوم مقابل 53 مقعداً في الأسبوع الماضي)، بينما المعارضة تحصل على 70 مقعداً بضمنها 10 للأحزاب العربية. لكن، في حال خاض الانتخابات حزب جديد برئاسة نفتالي بنيت، فإنه سيحصل على 28 مقعداً، أي بزيادة 4 مقاعد عن الأسبوع الماضي، بينما يحصل «الليكود» على 20 مقعداً (وهو العدد نفسه من الأسبوع الماضي)، وستكون الأحزاب الصهيونية في المعارضة مع حزب بنيت ممثلة بـ66 مقعداً، وأحزاب الائتلاف بـ44 مقعداً، وعشرة مقاعد للأحزاب العربية. وفي هذه الحالة يسقط نتنياهو وائتلافه ويفوز بنيت برئاسة الحكومة.

نتنياهو وسموتريتش خلال اجتماع حكومي في تل أبيب يوم 7 يناير 2024 (رويترز)

يذكر أن الاستطلاع يطرح على الجمهور السؤال الآتي: «لو أجريت الانتخابات للكنيست اليوم وبقيت الخريطة الحزبية كما هي، لمن كنت ستصوت؟». وكانت الأجوبة في هذا استطلاع هذا الأسبوع على النحو التالي: «الليكود» برئاسة نتنياهو 21 مقعداً (له اليوم 32 مقعداً)، حزب «المعسكر الرسمي» بقيادة بيني غانتس 19 (يوجد له اليوم 8 مقاعد، لكن الاستطلاعات منحته 41 مقعداً قبل سنة و17 مقعداً في الأسبوع الماضي)، وحزب اليهود الروس «يسرائيل بيتنا» بقيادة أفيغدور ليبرمان يرتفع بمقعدين آخرين عن الأسبوع الماضي ليصبح 17 مقعداً (يوجد له اليوم 6 مقاعد)، وحزب «يوجد مستقبل» بقيادة يائير لبيد 11 مقعداً (يوجد له اليوم 24) وحزب اليسار الصهيوني «الديمقراطيون» برئاسة الجنرال يائير جولان يرتفع إلى 13 (يوجد له اليوم 4 مقاعد). أما حزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين بقيادة أرييه درعي فسيحافظ على قوته الحالية 10 مقاعد، وحزب «عظمة يهودية» بقيادة ايتمار بن غفير ينخفض هذا الأسبوع بمقعد واحد ويحصل على 8 مقاعد (يوجد له اليوم 6 مقاعد)، وحزب «يهدوت هتوراة» للمتدينين الأشكناز 7 (يوجد له اليوم 7)، وتكتل الحزبين العربيين، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير بقيادة النائبين أيمن عودة وأحمد الطيبي، يحصل هذا الأسبوع أيضاً على 6 مقاعد (له اليوم 5 مقاعد) والقائمة العربية الموحدة للحركة الإسلامية بقيادة النائب منصور عباس 4 مقاعد (5 مقاعد). ويحافظ حزب الصهيونية الدينية بقيادة بتسليل سموتريتش على 4 مقاعد، كما في الأسبوع الماضي (له اليوم 8 مقاعد).

وهكذا يكون مجموع المعارضة 60 مقعداً، ولن تستطيع تشكيل حكومة من دون الأحزاب العربية (حصلت في الأسبوع الماضي على 57 مقعداً). بينما يكون مجموع الائتلاف 50 مقعداً وهذا لا يكفي ليبقى في الحكم.

أما في حالة دخول حزب برئاسة نفتالي بنيت المنافسة، فإن النتائج ستكون على النحو التالي: بنيت 28 (24 في الأسبوع الماضي)، «الليكود» 20 (22 في الأسبوع الماضي)، «المعسكر الرسمي» 10 (11)، «إسرائيل بيتنا» 10 (9)، «الديمقراطيون» 9 (9)، «يوجد مستقبل» 9 (10)، «شاس» 9 (9)، «يهدوت هتوراة» 7 (7)، «عظمة يهودية» 8 (9)، «الجبهة/العربية» 6 (6)، «الموحدة» 4 (4). وفي هذه الحالة يسقط حزب سموتريتش ولا يعبر نسبة الحسم.

وبهذه النتائج يكون مجموع كتل الائتلاف 44 مقعداً مقابل 76 مقعداً للمعارضة، بينها 10 مقاعد للأحزاب العربية؛ ما يعني أن نفتالي بنيت سيكون قادراً على تشكيل الحكومة.


مقالات ذات صلة

«حماس»: جرائم نتنياهو في غزة انتهاك صارخ وغير مسبوق للقوانين الدولية

المشرق العربي فلسطيني في مخيم البريج بقطاع غزة يقطع خشباً تمهيداً لطهي الطعام لعدم توافر غاز الطهي (د.ب.أ) play-circle

«حماس»: جرائم نتنياهو في غزة انتهاك صارخ وغير مسبوق للقوانين الدولية

قالت حركة «حماس»، اليوم السبت، إن «جرائم» رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قطاع غزة تمثل انتهاكاً صارخاً وغير مسبوق للقوانين الدولية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جانب من تظاهرة ضد الحكومة الإسرائيلية قرب مقر إقامة نتنياهو في القدس الجمعة (رويترز)

غالبية في إسرائيل تؤيد استمرار الحرب على غزة

أظهر استطلاع جديد في إسرائيل أن غالبية 57 في المائة من الجمهور ترى أنه يجب الاستمرار في الحرب على غزة بقوة شديدة.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس جهاز الشاباك رونين بار خلال مشاركته في احتفال بوزارة الدفاع بتل أبيب يوم 16 يناير 2023 (إ.ب.أ)

حملات متبادلة بين نتنياهو ورئيس «الشاباك» المُقال

تبادل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس جهاز «الشاباك» رونين بار، الاتهامات عقب موافقة الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على طلب إقالة الأخير من منصبه.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته للجنود الإسرائيليين في قطاع غزة، 25 ديسمبر 2023 (قناة نتنياهو على تلغرام) play-circle

نتنياهو: لن تقوم حرب أهلية في إسرائيل

شدد بنيامين نتنياهو على أنه «لن تكون هناك حرب أهلية» وذلك بعد ساعات من إعراب رئيس المحكمة العليا السابق عن خشيته من أن إسرائيل تسير في هذا الاتجاه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي المحكمة الجنائية الدولية تريد اعتقال بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت على خلفية حرب غزة (رويترز)

«محكمة لاهاي» مستعدة لتجميد أمر اعتقال نتنياهو وغالانت

أعلن كبير القضاة في إسرائيل أهرون باراك أن محكمة الجنايات الدولية مستعدة بشروط لتجميد قرار اعتقال بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت على خلفية حرب غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

بعد توسّع الاحتجاجات في تركيا... هل ارتكب إردوغان أكبر خطأ في مسيرته السياسية؟

متظاهر يقف أمام صف من قوات الأمن خلال مظاهرات في أنقرة 21 مارس (أ.ف.ب)
متظاهر يقف أمام صف من قوات الأمن خلال مظاهرات في أنقرة 21 مارس (أ.ف.ب)
TT

بعد توسّع الاحتجاجات في تركيا... هل ارتكب إردوغان أكبر خطأ في مسيرته السياسية؟

متظاهر يقف أمام صف من قوات الأمن خلال مظاهرات في أنقرة 21 مارس (أ.ف.ب)
متظاهر يقف أمام صف من قوات الأمن خلال مظاهرات في أنقرة 21 مارس (أ.ف.ب)

أشعل اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ناراً كانت كامنة تحت الرماد، وتسبّب في غليان سياسي شجّع على اتّساع الاحتجاجات من إسطنبول إلى أنقرة وإزمير، وتوالياً إلى العديد من الولايات التركية شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً.

وبعدما كان العنوان الأول للاحتجاجات هو الاعتقال «المتوقع» لإمام أوغلو بعد سلسلة ملاحقات قضائية وتحقيقات بدأت عقب فوزه برئاسة بلدية إسطنبول للمرة الأولى في عام 2019، منهياً عقوداً من سيطرة الأحزاب ذات الجذور الإسلامية، أصبحت هتافات المحتجين تدور حول «الحقوق والقانون والعدالة».

تواصلت الاحتجاجات لليوم الرابع بعد اعتقال أكرم إمام أوغلو 21 مارس (أ.ب)

وانتشرت الاحتجاجات التي بدأت من ساراتشهانه، الميدان الذي يتوسط إسطنبول التاريخية ويقع به مبنى بلديتها، وجامعة إسطنبول إلى مدن وجامعات وشوارع مختلفة.

منحى جديد للاحتجاجات

لفت العديد من المشاركين في الاحتجاجات، الذين جاءوا من أجيال متعددة مع ظهور واضح للشباب الذي وُلد وكبر في ظل حكم العدالة والتنمية، إلى أن العدالة باتت المطلب الأساسي.

وحاول الكثيرون من الطلاب إلى العمال إيصال رسائلهم حول الوضع الاقتصادي ومستوى المعيشة المتردي وغياب الخدمات الطلابية والمطاعم الرخيصة التي نجح إمام أوغلو في تقديمها لهم، منتزعاً دوراً اجتماعياً عُرف به الإسلاميون تقليدياً.

حذّر بعض مؤسسي حزب العدالة والتنمية حكومة إردوغان من تداعيات اعتقال رئيس بلدية إسطنبول بعد اتّساع المظاهرات (أ.ف.ب)

وأخذت هذه الرسائل الاحتجاجات بعيداً عن السردية التقليدية في تركيا عن الصراع بين العلمانيين والإسلاميين، لأن مَن ظهروا في الاحتجاجات جاءوا من خلفيات مختلفة، وفئات كانت معروفة بتأييدها السابق لحزب العدالة والتنمية الحاكم، بل إنهم حرصوا على إظهار وجودهم وإصرارهم على المضي قدماً حتى رحيل إردوغان وحكومته.

يرى سياسيون ومحللون أن تحرّك الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ضدّ إمام أوغلو، وهو أحد أبرز منافسيه على الرئاسة، يمكن أن يكون أكبر خطأ يرتكبه إردوغان على مدى مسيرة حكم استمرت لما يقرب من ربع قرن، وأن نظامه القوي ربما لا يصمد أمام طوفان الغضب الذي فجّره اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، وأنه ربما يكون «دبّر انقلاباً ضد نفسه».

ويذهب البعض إلى أن إردوغان ربما يفتح طريق إمام أوغلو لرئاسة البلاد، عبر تكرار نموذج «المظلومية» الذي صعد به هو نفسه إلى الحكم بعد اعتقاله أثناء رئاسته بلدية إسطنبول في تسعينات القرن الماضي، بسبب بعض أبيات شعر اعتُبرت مناهضة لمبادئ الجمهورية العلمانية.

تحذيرات من رفاق الأمس

وفي مقابل استنفار حكومة إردوغان، وحليفه رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، وتلويحهما بفرض وصاية على حزب الشعب الجمهوري وبلدية إسطنبول، ومحاولتهما دمغ إمام أوغلو بتهم الفساد والإرهاب حتى قبل مثوله أمام المحكمة، صدرت تحذيرات من شخصيات وازنة لها تاريخ في مثل هذه الصراعات، وكانوا من مؤسسي حزب العدالة والتنمية وحملوا على أكتافهم عبء تجربته الوليدة التي واجهت حملات مماثلة لما يتعرض له إمام أوغلو اليوم.

وذكّر الرئيس السابق عبد الله غل، أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية الذي واجه ترشيحه للرئاسة في عام 2007 احتجاجات غاضبة من العلمانيين ونخبة الجيش، إردوغان وحكومته بالمتاعب التي واجهها الحزب في الماضي. وقال غل، في بيان نقله الكاتب في صحيفة «قرار» محمد أوجاكتان: «دعونا نتذكر كيف لم يتقبل الضمير العام الظلم الذي لحق بالرئيس رجب طيب إردوغان وبشخصي. لا ينبغي أن تُرتكب أخطاء مماثلة بحق أكرم إمام أوغلو، الذي انتُخب رئيساً للبلدية بإرادة الشعب، لا ينبغي أن نفقد سيادة القانون والعدالة، وإلا ستخسر تركيا».

إردوغان يدلي بصوته خلال انتخاب عبد الله غل رئيساً للجمهورية في عام 2007 (أرشيفية - إعلام تركي)

وأضاف أنه تابع بقلق العملية التي بدأت باعتقال رئيس بلدية إسطنبول وآخرين معه في الأيام الأخيرة، ورأى أنه «من المحزن حقاً أن نصل إلى هذه العملية، التي حظيت بتغطية واسعة، داخل تركيا وفي الصحافة الأجنبية، بينما كانت البلاد تتقدم بخطوات ناجحة على الصعيد الداخلي وفي السياسة الخارجية وفي علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي».

وشدد غل على أنه «لا ينبغي إغفال القانون والعدالة، وإلا فإن تركيا سوف تخسر وستصبح مشاكل اليوم عبئاً في الغد»، لافتاً إلى أنه «لا فائدة من تصعيد التوتر بين الحكومة والمعارضة، واتّباع سياسة تهيمن عليها لغة الصراع».

ولفت وزير التعليم الأسبق وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، حسين تشيليك، إلى أنه «لا ينبغي أن ننسى أن حزب العدالة والتنمية وصل إلى السلطة عبر مسارات مماثلة». وقال إن «إلغاء الشهادة الجامعية لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو واحتجازه مع العديد من زملائه، لاحقاً، لم يكونا صحيحين، وإن حرمان الشعب من حق الاحتجاج فتح جروحاً لا تلتئم في ديمقراطيتنا وسيادة القانون الهشة أصلاً، وإن اتّخاذ تدابير وقرارات استثنائية دون إعلان حالة الطوارئ هو في الواقع تطبيق للأحكام العرفية»، مضيفاً: «لا يُمكنك العبث بإرادة الشعب».

عناصر مكافحة الشغب يستخدمون الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين في إسطنبول 21 مارس (أ.ف.ب)

وعدّ تشيليك أن الممارسات السابقة بحق إردوغان كانت «خطأ»، وأن «ما يتم فعله حيال إمام أوغلو وحزب الشعب الجمهوري اليوم خطأ أيضاً»، داعياً الحكومة إلى «حماية حقوق معارضيها السياسيين، حتى يتم احترامها في نظر الشعب والعالم أجمع». ونبّه إلى أن هذه الأحداث تسبّبت في أضرار كبيرة لاقتصاد تركيا، الهشّ أصلاً، قائلاً إن ما يحدث للمواطنين ذوي الدخل المنخفض الذين بالكاد يستطيعون تلبية احتياجاتهم «أمر مخزٍ، بل خطيئة».

وتوجّه نائب حزب العدالة والتنمية السابق في إزمير، حسين كوجابيك، بسؤال إلى الرئيس إردوغان، قائلاً: «رجب طيب إردوغان، هل هذا هو أصلك؟ هل حاربنا من أجل هذا؟ هل جررنا أنفسنا إلى المحاكم لسنوات بسببه؟ في الواقع، دبرت انقلاباً ضد نفسك وأنت لا تدري!». ونتيجة هذا الانتقاد، أُحيل كوجابيك إلى لجنة التأديب بالحزب، السبت، مع طلب فصله.

استعراض للقوة

وعلى الجانب الآخر من النقاش، برزت أصوات انتقدت خطوة حزب الشعب الجمهوري بإعلان ترشيح إمام أوغلو للرئاسة مبكّراً، وإجراء انتخابات تمهيدية داخل الحزب لهذا الغرض. كما انتقدت امتناع رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش، عن الترشح في الانتخابات التمهيدية، معتبرة أن إعلان المرشح مبكّراً سيؤدي إلى استنزافه، وتعرضه للملاحقة لمنعه من منافسة إردوغان، الذي يبحث عن مخرج يضمن له الترشح بعد استنفاد حقّه في ذلك.

ورأى الكاتب مراد يتكين أنه ينبغي قراءة الاعتقال الجماعي لإمام أوغلو وزملائه في عملية 19 مارس (آذار) على أنه ليس استعراضاً سياسياً فحسب، بل هو استعراض قانوني للقوة. «فعندما يتعلق الأمر بسياسة القوة، يدخل قانون الأقوياء إلى حيز التنفيذ، ويريد الأقوياء إظهار قوة قانونهم الخاص».

جانب من الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في أنقرة 21 مارس (أ.ف.ب)

ولفت يتكين إلى التناقض بين تجاهل الادعاء العام النظر في 100 شكوى فساد تقدم بها رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، ضد سلفه مليح جوكتشيك (من حزب العدالة والتنمية)، من جهة، وملاحقة إمام أوغلو من جهة أخرى، معتبراً ذلك «ضرباً من ضروب قانون الأقوياء». كما رأى أن توقيت عملية اعتقال إمام أوغلو وزملائه، في الصباح الباكر بينما الناس يستعدون للتوجه إلى أعمالهم، بتهمتي الفساد ومساعدة حزب العمال الكردستاني (المصنّف إرهابياً)، هو بدوره استعراض سياسي للقانون من جانب الأقوياء، استهدف خلق تصور عام بأن رئيس البلدية وفريقه مذنبون.

أما عن تهديد فرض الوصاية على بلدية إسطنبول فأوضح يتكين أن الاتهام بالفساد وحده لا يعطي المبرر القانوني للحكومة لتعيين وصي على البلدية، ففي هذه الحالة يتم إسناد رئاسة البلدية إلى أحد أعضاء مجلسها الذي يشكل حزب الشعب الجمهوري أغلبيته، إلا أن الاتهام بالإرهاب يكفل بالفعل تعيين وصي.

مخاوف الأكراد

لم تقتصر تداعيات التطورات الأخيرة على حزب الشعب الجمهوري المعارض، وشعبية حكومة إردوغان، بل تجاوزتها إلى قضية أكراد تركيا، ولا سيّما بعد التقارب الأخير بين حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» والحكومة، الذي أفضى إلى دعوة الزعيم الكردي السجين أوجلان لحلّ حزب «العمال الكردستاني».

وتكتسي أصوات حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» في البرلمان أهمية خاصة بالنسبة لإردوغان، الذي يسعى لتعديل الدستور.

إلا أن اعتقال إمام أوغلو وما أثاره من مخاوف بشأن الديمقراطية والحقوق والعدالة واستقلال القضاء، فجّر مخاوف من احتمال تقويض التحرك من جانب حكومة إردوغان لإنهاء مشكلة حزب العمال الكردستاني المزمنة. إذ يعتمد هذا التحرك بالأساس على التعاون الناشئ بين الحكومة و«الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الذي رفض صراحة اعتقال إمام أوغلو وتضامن صراحة مع حزب «الشعب الجمهوري».

ويراود الأكراد قلق كبير من أن اعتقال إمام أوغلو، المنافس الرئيسي لإردوغان، قد يشير إلى تحول يغلق المجال أمام مصالحة تاريخية، ويفشل عملية انتقال حزب «العمال الكردستاني» من وضع حرب إلى السلام، ويهدد مستقبل الديمقراطية في تركيا.

وفي هذا الصدد، اتّهم إردوغان وحليفه بهشلي المعارضة بمحاولة إحداث فوضى من أجل تخريب مبادرة حل «مشكلة الإرهاب المستمرة لأكثر من 40 عاماً».