كل ليبي يتمسك بـ«ثورته»... انقسام بين أنصار «الملكية» و«الفاتح» و«فبراير»

وسط احتفالات واسعة بذكرى إسقاط نظام القذافي

احتفالات واسعة بذكرى إسقاط نظام القذافي (منصة حكومتنا)
احتفالات واسعة بذكرى إسقاط نظام القذافي (منصة حكومتنا)
TT

كل ليبي يتمسك بـ«ثورته»... انقسام بين أنصار «الملكية» و«الفاتح» و«فبراير»

احتفالات واسعة بذكرى إسقاط نظام القذافي (منصة حكومتنا)
احتفالات واسعة بذكرى إسقاط نظام القذافي (منصة حكومتنا)

لم تُنسِ الأحداث الجسام والصراعات الدموية، التي شهدتها ليبيا، مواطنيها الاحتفال بـ«ثوراتهم»، كل حسب انتمائه وآيديولوجيته، ما جعل المشهد السياسي والاجتماعي يبدو «فسيسفائياً»، ويغلفه الانقسام.

الدبيبة يشارك في الاحتفال بذكرى ثورة 17 فبراير (قناة ليبيا الوطن)

في ليبيا لم يطو الزمن المناسبات السياسية، ولا ذكرى الأحداث الأليمة بعد، ففي هذا البلد الأفريقي يحتفل كل مواطن بثورته في مواعيدها. أنصار الملكية يحيون «يوم الاستقلال»، ومؤيدو «الفاتح من سبتمبر» يتمسكون بذكراها، بينما تعمّ الاحتفالات في ذكرى «ثورة 17 فبراير»، التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، كما يحدث راهناً.

ويرى متابعون ليبيون أن «هذا الاستحضار للمناسبات السياسية يعد انعكاساً للإقصاء والتهميش، الذي تستشعره كل فئة، بعدما كانت ملء السمع والبصر في حقبة سابقة».

واحتفلت ليبيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بالذكرى الـ73 لاستقلالها، وهي المناسبة التي يطالب فيها أنصار الملكية بـ«إعادة استحقاق ولاية العهد للأمير محمد الحسن الرضا السنوسي، وتوليه مُلك البلاد، وتحمّل مسؤولياته الدستورية كاملة».

عدد من المسؤولين خلال حضورهم الاحتفالات في «ميدان الشهداء» (منصة حكومتنا)

ومحمد الحسن هو نجل الحسن الرضا السنوسي، الذي عينه الملك إدريس السنوسي ولياً للعهد في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1956، وتوفي في 28 أبريل (نيسان) 1992.

وخلال العام الماضي، التقى السنوسي، المولود عام 1962، شخصيات ليبية، بعضها ينتمي لقبائل من المنطقة الغربية، بالإضافة إلى الأمازيغ والطوارق، بهدف «إنجاح المساعي نحو حوار وطني شامل، تحت مظلة الشرعية الملكية الدستورية».

جانب من الاحتفالات (منصة حكومتنا)

ويرى أكرم النجار، رئيس تحرير منصة «علاش»، أن الليبيين «يبحثون عن أنفسهم، وإلى الآن لا توجد ذكرى جامعة لذاكرة الليبيين، وهذا يبين بشكل واضح أزمة تعريف الليبيين لأنفسهم».

وقبل 73 عاماً تقريباً، أعلن الملك الليبي الراحل، إدريس السنوسي، استقلال بلاده بعد عقود من الاحتلال الإيطالي، الذي بدأ عام 1911، وتمت مقاومته بمعارك دامت أكثر من عقدين خاضها «شيخ المجاهدين»، عمر المختار، مع رفاقه.

ومن شرفة قصر «المنار» في بنغازي، زفّ السنوسي لشعبه عام 1951 بشارة الاستقلال، وقال: «نتيجة جهاد أمتنا وتنفيذاً لقرار الأمم المتحدة الصادر في 21 نوفمبر 1949، تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة».

وبعد سنوات طوال من انتهاء الاحتلال الإيطالي، ثم رحيل الملك إدريس، حكم القذافي ليبيا إثر «ثورة الفاتح من سبتمبر» قرابة 42 عاماً، قال معارضوه إنها اتسمت بـ«الديكتاتورية»، قبل إسقاط نظامه بـ«الثورة»، التي اندلعت في 17 فبراير (شباط) عام 2011.

خوري خلال مشاركتها في الاحتفال بذكرى «ثورة 17 فبراير» (منصة حكومتنا)

ويرجع النجار في حديث إلى «الشرق الأوسط» سبب تمسك الليبيين بـ«ثوراتهم» إلى «عدم تمكن هذا الشعب من تأسيس كيان سياسي واجتماعي جامع»، معتبراً أن «هذا العجز كان سببه في الغالب انعدام الفرصة التاريخية ليتحدث أفراد هذا الشعب لبعضهم، ويقرروا الإجابة عن هذه الأسئلة: من نحن؟ وكيف سنعيش مع بعضنا على هذه الأرض؟».

وفي الأول من سبتمبر (أيلول) من كل عام، تكون ليبيا على موعد مع احتفالات أنصار القذافي بذكرى «ثورة الفاتح» في مدن عدة، لا تخلو من ملاسنات ومشادات كلامية غير معهودة من المناوئين لهم.

ولوحظ مؤخراً استحضار أطياف متباينة ومن أعمار مختلفة، لذكرى القذافي، الذي ربما قُتل قبل أن يعاصروا حكمه ويشهدوا أيامه، وذلك الهتاف الشهير في مناسبات عدة: «الله ومعمر وليبيا وبس».

وخلال الاحتفال بذكرى «ثورة 17 فبراير»، مساء الاثنين، فاجأ طفل صغير مراسل «قناة الوطنية»، التابعة لحكومة «الوحدة»، بالإجابة عن سؤاله: هل تحب «17 فبراير»؟ فقال: بالتأكيد لا... نحب عيد الفاتح».

وعمّت الاحتفالات، أمس، مدناً ليبية عديدة بذكرى «17 فبراير»، تزامناً مع افتتاح عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، «ميدان الشهداء»، والنافورة الرقمية بالعاصمة، بعد استكمال أعمال الصيانة والتطوير.

وتخلل الحفل، الذي رعته الحكومة، فقرة بعنوان «حماة الراية»، وهي عرض عسكري، بالإضافة إلى «أوبيريت في ليلة الحمد» مع المنشد الشهير ماهر زين، بجانب لوحة فلكورية بعنوان «ليبيا واحدة».

ولم تخلُ ذكرى مرور 14 عاماً على «ثورة 17 فبراير» من اتهامات وُجّهت لحكومة الدبيبة بـ«البذخ» في الإنفاق خلال الاحتفالات، التي شهدت عرضاً جوياً باستخدام طائرات «الدرون»، وحضره أيضاً عدد من الدبلوماسيين والسفراء، إلى جانب أسر «الشهداء والجرحى»، تكريماً لتضحياتهم خلال أحداث «ثورة فبراير».

إطلالة على «ميدان الشهداء» وسط طرابلس خلال الاحتفالات (قناة ليبيا الوطن)

وبالنظر إلى تمسّك كل فصيل بـ«ثورته»، ينتهي متابعون إلى أن «ليبيا لن تعود إلى الوراء»، وذلك رداً على من يدعون من مؤيدي نظام القذافي، أو أنصار الملكية بـ«العودة إلى حكم ليبيا».


مقالات ذات صلة

الدبيبة يحمّل البرلمان الليبي مسؤولية «غياب» القوانين اللازمة للانتخابات

شمال افريقيا الدبيبة في ملتقى ضباط جهاز دعم المناطق بطرابلس (حكومة «الوحدة»)

الدبيبة يحمّل البرلمان الليبي مسؤولية «غياب» القوانين اللازمة للانتخابات

حمّل الدبيبة المسئولية الكاملة لعقيلة صالح رئيس مجلس النواب وأعضائه، باعتباره الجهة المخولة بإصدار هذه التشريعات. واتهمه بالإخفاق في توفير الأساس القانوني.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من المهاجرين «المحررين» في شرق ليبيا (جهاز البحث الجنائي)

ليبيا: حبس 4 متهمين بقتل 10 مهاجرين والاتجار بالبشر

قالت النيابة الليبية إن شبكة التهريب أخضعت المهاجرين لمعاملة قاسية لإجبار ذويهم على دفع مبالغ مالية تحت وطأة مشاهدة التسجيلات المرئية التي توثِّق مشاهد تعذيبهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صدام حفتر (رئاسة أركان القوات البرية التابعة للجيش الوطني)

ليبيا: مطالب بالتحقيق في «أنشطة مشبوهة» لشركة نفطية تابعة لنجل حفتر

رغم نفي المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا بشأن ما يتعلق بشركة «أركنو»، فإن «التحالف الليبي لأحزاب التوافق الوطني» يدعو الأجهزة الرقابية لفتح تحقيق في جميع أنشطتها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة أرشيفية لاجتماع اللافي مع المبعوثة الأممية (المجلس الرئاسي الليبي)

عضو في «المجلس الرئاسي» الليبي يسعى لـ«حوار جديد» لحلّ الأزمة السياسية

لم يحدد اللافي موعداً لبدء هذه الحوارات الليبية أو مكانها مكتفياً بالإشارة إلى أنها ستعقد خلال الفترة المقبلة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا من حفل إفطار أقامه مستشار الدبيبة وحضره قادة ميليشيات مسلحة في طرابلس  (حسابات ليبية موثوقة)

إفطار رمضاني لقادة ميليشيات طرابلس يثير تساؤلات بشأن «نفوذهم السياسي»

جمع إبراهيم الدبيبة مستشار رئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة على مائدة إفطار قيادات أمنية رسمية، بالإضافة إلى أمراء التشكيلات المسلحة البارزين في طرابلس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الحوثيون يتهمون واشنطن بشن غارتين على صعدة

يمنيون يتفقدون الأضرار في مبنى مستشفى  لعلاج السرطان والأورام بعد يوم من استهدافه بغارة أميركية (أ.ف.ب)
يمنيون يتفقدون الأضرار في مبنى مستشفى لعلاج السرطان والأورام بعد يوم من استهدافه بغارة أميركية (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يتهمون واشنطن بشن غارتين على صعدة

يمنيون يتفقدون الأضرار في مبنى مستشفى  لعلاج السرطان والأورام بعد يوم من استهدافه بغارة أميركية (أ.ف.ب)
يمنيون يتفقدون الأضرار في مبنى مستشفى لعلاج السرطان والأورام بعد يوم من استهدافه بغارة أميركية (أ.ف.ب)

أعلنت قناة «المسيرة» التابعة للحوثيين، الثلاثاء، أن غارات جديدة نسبتها إلى الولايات المتحدة استهدفت محافظة صعدة معقل الحركة.

وأفاد مراسل القناة في المنطقة بـ«عدوان أميركي بغارتين على مديرية سحار».

ومنذ 15 مارس (آذار)، تشنّ الولايات المتحدة ضربات جوية كثيفة ضدّ الحوثيين الذين قالوا إنهم ردّوا باستهداف حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر مرات عدة.

وفي ذاك اليوم، وجّهت الولايات المتحدة ضربات جويّة عدّة قالت إنها أودت بحياة مسؤولين كبار في الحركة التي أعلنت من جهتها مقتل 53 شخصاً جرّاء الغارات الأميركية.

ومذاك، تشهد المناطق التي تسيطر عليها الجماعة في اليمن غارات أميركية بوتيرة شبه يومية.

وتوعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي بالقضاء على الحركة المدعومة من إيران، محذّراً طهران من استمرار تقديم الدعم لها.

وعقب اندلاع الحرب في غزة إثر الهجوم غير المسبوق لحركة «حماس» على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، شنّ المتمرّدون الحوثيون عشرات الهجمات الصاروخية على إسرائيل وفي البحر الأحمر، حيث استهدفوا سفناً اتهموها بأنها على ارتباط بالدولة العبرية؛ وذلك دعماً للفلسطينيين، على حدّ قولهم.

وهم أوقفوا هجماتهم على إسرائيل والبحر الأحمر مع بدء سريان الهدنة في غزة في 19 يناير (كانون الثاني) 2025، لكنهم استأنفوها مع خرق الدولة العبرية للهدنة وتوعدوا بتكثيفها ما دام استمرّ القصف على القطاع.

وارتباطاً بالموضوع توعد الحوثيون في اليمن، بمواصلة عملياتها الهجومية إسناداً لغزة في مواجهة إسرائيل مهما كانت التبعات.

وقال رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط في خطاب تابعته وكالة الأنباء الألمانية: «موقفنا واضح وثابت في مساندة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولن يتغير حتى وقف العدوان، ورفع الحصار مهما كانت التبعات ومهما كانت النتائج، ولدينا من الخيارات ما يدفع عن بلدنا تجاوز أي متغطرس، وسنعلن عنها عند اللزوم».

وشدد المسؤول الحوثي قائلاً: «لن يثنينا العدوان الأميركي بكل أشكاله، عن الاستمرار في تلك المساندة التي كشفت عن صوابية موقفنا، وحقيقة التوحش والإجرام الأميركي، وتسقط كل ادعاءات وشعارات الحرية والحقوق عن هذا العدو أمام العالم وأمام أبناء شعبنا».

وأردف: «شرفنا الله في هذه الليالي الرمضانية، بالاستمرار بمشاركة إخواننا في فلسطين بقيادة غزة الإسلام والعروبة جهادهم العظيم وتضحياتهم العزيزة التي يقدمونها بسخاء في سبيل الله ودفاعاً عن شرف الأمة المهدور، ومقدساتها وحقوقها المغتصبة، وخوض البحر في وجه فرعون العصر أميركا».

ومضى قائلاً: «شعب الإيمان والحكمة لن يتأثر ولن يتراجع، بقدر ما يزيده العدوان الأميركي إصراراً على الصمود، واستمراراً في المساندة والنصرة».

ومنذ أيام يشن الحوثيون ضربات صاروخية ضد مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر، عقب فشل الهدنة بين إسرائيل وحركة «حماس»؛ «مساندة ودعماً لغزة»، على حد وصف الجماعة المتحالفة مع إيران.