ألمانيا تبحث عن هويّة اقتصادية جديدة بعد خمس سنوات من الركود

غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)
غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)
TT

ألمانيا تبحث عن هويّة اقتصادية جديدة بعد خمس سنوات من الركود

غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)
غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)

تعاني ألمانيا من أزمة في نموذجها الاقتصادي الذي كان يعتمد على الغاز الطبيعي الرخيص من روسيا والصادرات المربحة إلى الصين. هذا النموذج لم يعد صالحاً، مما أدى إلى ركود اقتصادي وتزايد المخاوف بشأن المستقبل. وستكون مهمة وضع استراتيجية جديدة للنمو التحدي الأكبر أمام الحكومة المقبلة التي ستتولى السلطة بعد الانتخابات الوطنية، المقررة في 23 فبراير (شباط)، أي قبل موعدها بسبعة أشهر.

وعلى الرغم من السمعة العالمية التي اكتسبتها ألمانيا بفضل جودة منتجاتها، لم تشهد البلاد نمواً اقتصادياً حقيقياً منذ خمس سنوات. وقد تضافرت عدة عوامل لتحويلها من قوة صناعية رائدة إلى دولة متعثرة اقتصادياً بعد الجائحة، من بينها البيروقراطية المفرطة، ونقص العمالة الماهرة، وتباطؤ تبني التكنولوجيا، وغياب رؤية واضحة من الائتلاف الحاكم المنتهية ولايته. كما زادت الحرب في أوكرانيا وما تبعها من ارتفاع في أسعار الطاقة، إلى جانب تصاعد المنافسة الصينية، من تعقيد الوضع، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وتتصاعد الانتقادات من قطاع الأعمال مع اقتراب الانتخابات، ويقول الرئيس التنفيذي لشركة «إي بي إم-بابست»، المتخصصة في تصنيع المراوح الصناعية، كلاوس غيسدورفر: «نحن بحاجة إلى سياسات أكثر دعماً للشركات. لدينا مواهب متميزة في ألمانيا وشركات قوية، لكن على المستوى السياسي لا يوجد إدراك كافٍ لهذه الإمكانات».

وتُعد «إي بي إم-بابست» شركة رائدة عالمياً في مجالها، إذ تحقّق إيرادات سنوية تبلغ 2.5 مليار يورو (2.6 مليار دولار)، وتمتلك مصانع في ثلاث قارات. إلا أن الشركة شهدت العام الماضي تراجعاً بنسبة 4.1 في المائة في إيراداتها داخل السوق الألمانية، حيث تأثرت أعمالها في قطاع تقنيات التدفئة بانخفاض حاد بلغ 18.7 في المائة بسبب تطبيق سيئ لقانون الطاقة في المباني الذي يهدف إلى استبدال أنظمة التدفئة المعتمدة على الغاز بمضخات حرارية كهربائية أقل تلويثاً.

وقد تسبّب الغموض في تفاصيل القانون الذي قدّمه ائتلاف المستشار أولاف شولتس، في عزوف المستهلكين عن الاستثمار في أنظمة التدفئة الجديدة، إذ فضّل كثيرون الانتظار أو الإسراع في شراء أجهزة الغاز التقليدية قبل دخول القانون حيز التنفيذ، مما أضر بمبيعات مراوح المضخات الحرارية فائقة الهدوء التي تنتجها الشركة.

ويشكو غيسدورفر، مثل الكثير من رجال الأعمال، من التعقيدات البيروقراطية، مشيراً إلى أن قانون عام 2023 الذي يُلزم القطاعَيْن العام والخاص بخفض استهلاك الطاقة لمكافحة تغير المناخ، أجبر «إي بي إم-بابست» على تخصيص موظفين لإعداد تقارير مطوّلة حول التزام الشركة بالقانون، بدلاً من تنفيذ تدابير حقيقية لتوفير الطاقة. ويؤكد أن هذه الإجراءات تستهلك الوقت والموارد دون جدوى، وقال: «بدلاً من تنفيذ الحلول، نقضي وقتنا في إعداد التقارير».

التوترات الدولية تضاعف الأزمة

إلى جانب المشكلات الداخلية، تلقت ألمانيا ضربات اقتصادية من علاقاتها الدولية. فقد أدى دعم الحكومة الألمانية لأوكرانيا إلى قطع روسيا معظم إمدادات الغاز الطبيعي، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الكهرباء، وهو عامل رئيسي في تكلفة الإنتاج الصناعي. وباتت أسعار الكهرباء في ألمانيا أعلى بمقدار 2.5 ضعفاً مقارنة بالولايات المتحدة والصين.

وتوضح مجموعة «ميكانيندوس-فوغلسانغ»، المتخصصة في تصنيع الأجزاء الدقيقة لصناعة السيارات، أن تكلفة الكهرباء في مصانعها الألمانية تعادل ضعف نظيرتها في منشآتها في كنتاكي ونيوجيرسي بالولايات المتحدة، ما يضيف 100 ألف يورو إلى نفقاتها سنوياً، ويخلق «عائقاً تنافسياً هائلاً»، حسب الرئيس التنفيذي أولريش فلاتكن. ويؤكد: «لتجنّب المزيد من التصنيع خارج ألمانيا، وهو أمر يحدث بالفعل، نحن بحاجة ماسة إلى أسعار طاقة تنافسية على المستوى الدولي».

أما الصين التي كانت سوقاً مربحة للماكينات والسيارات الألمانية خلال العقد الماضي، فقد تحولت إلى منافس قوي بعد أن بدأت شركاتها تصنيع المنتجات ذاتها بدعم حكومي، مما أدى إلى تراجع الصادرات الألمانية إليها.

ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة، انكمش الاقتصاد الألماني على مدار العامَيْن الماضيين، ولم يحقق سوى 0.3 في المائة نمواً منذ عام 2019، مقارنة بـ11.4 في المائة بالولايات المتحدة، و25.8 في المائة بالصين، وفقاً لمكتب الإحصاء الاتحادي الألماني.

من الركود الاقتصادي إلى آخر ذهني

يعتقد رئيس معهد الأبحاث الاقتصادية الألماني، مارسيل فراتشر، أن ألمانيا تأخرت في الاستجابة للتحولات التكنولوجية، مثل الانتقال إلى السيارات الكهربائية، بسبب حالة من الرضا عن الذات خلال سنوات الازدهار الاقتصادي في العقد الماضي.

ويشير إلى أن الشركات الألمانية «استمتعت بنجاحاتها في العقد الماضي، لكنها كانت بطيئة في إدراك الحاجة إلى التغيير والتكيف».

ومع استمرار الصعوبات الاقتصادية، تسود حالة من الإحباط الذهني، سواء بين رجال الأعمال أو المواطنين، مما يؤدي إلى تردد الشركات في الاستثمار.

ويرى الكثير من الاقتصاديين أن الحكومة المقبلة يجب أن تعمل على تخفيف القيود الدستورية على الديون لزيادة الإنفاق العام على البنية التحتية والتعليم. لكن فراتشر يتساءل عمّا إذا كان السياسيون قادرين على تبنّي «عقلية جديدة» تتناسب مع التحديات الراهنة.

وأضاف: «على مدار 75 عاماً، اعتمدت ألمانيا على التوافق والاستقرار وكثرة الضوابط والتوازنات، مما جعل التغيير السريع أمراً بالغ الصعوبة. نحن بحاجة إلى تغيير العقلية، وإدراك ضرورة تسريع التحولات الاقتصادية».


مقالات ذات صلة

انتعاش ملحوظ في قطاع الخدمات البريطاني يطمئن ريفز قبل خطابها

الاقتصاد حافلات في لندن على طول شارع وايت هول في وستمنستر (رويترز)

انتعاش ملحوظ في قطاع الخدمات البريطاني يطمئن ريفز قبل خطابها

أفادت الشركات في قطاع الخدمات البريطاني الضخم بانتعاش ملحوظ هذا الشهر، وفقاً لمسح أطلقته شركة «ستاندرد أند بورز غلوبال»، مما قدم تطمينات لوزيرة المالية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

«المركزي الأوروبي» يعزز مبررات خفض الفائدة وسط توقعات بتسارع انخفاض التضخم

قال بييرو سيبولوني، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يوم الاثنين، إن المبررات لخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة مرة أخرى، أصبحت أقوى.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
الاقتصاد مباني المكاتب بالحي المالي في فرانكفورت (رويترز)

نشاط الأعمال في منطقة اليورو ينمو بأسرع وتيرة في 7 أشهر

نما نشاط الأعمال في منطقة اليورو بأسرع وتيرة له في 7 أشهر في مارس (آذار)، مدعوماً بتراجع التباطؤ الطويل في قطاع التصنيع، على الرغم من تباطؤ نمو قطاع الخدمات.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد رجل يعمل على آلة في مصنع «سيكو إس سي إم» في هيغاشي أوساكا (أرشيفية - رويترز)

انخفاض حاد في نشاط المصانع اليابانية خلال مارس

انخفض نشاط المصانع في اليابان بأسرع وتيرة له منذ عام في مارس (آذار)، متأثراً بتراجع الإنتاج والطلبات الجديدة، في مؤشر يثير القلق بشأن الاقتصاد.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد عملة روسية من فئة الروبل الواحد أمام شاشة تعرض كاتدرائية سانت باسيليوس وبرجاً من الكرملين في موسكو (رويترز)

مديرو صناديق الاستثمار يتوقعون بقاء الأصول الروسية مغلقة أمام الغرب

يتوقع مديرو صناديق الاستثمار الكبرى أن تظل غالبية الأصول الروسية مغلقة أمام المستثمرين الغربيين، على الرغم من زيادة الصفقات «الغريبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

تعيين وزير جديد للكهرباء في الكويت

صبيح المخيزيم وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة أثناء تأدية اليمين الدستورية أمام أمير الكويت (كونا)
صبيح المخيزيم وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة أثناء تأدية اليمين الدستورية أمام أمير الكويت (كونا)
TT

تعيين وزير جديد للكهرباء في الكويت

صبيح المخيزيم وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة أثناء تأدية اليمين الدستورية أمام أمير الكويت (كونا)
صبيح المخيزيم وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة أثناء تأدية اليمين الدستورية أمام أمير الكويت (كونا)

استقبل الشيخ مشعل الأحمد الصباح، أمير الكويت، في قصر بيان، اليوم، بحضور ولي العهد الشيخ صباح الخالد، رئيس مجلس الوزراء بالإنابة الشيخ فهد اليوسف الذي قدم له الدكتور صبيح عبد العزيز عبد المحسن المخيزيم وزيراً للكهرباء والماء والطاقة المتجددة، وقد أدى اليمين الدستورية أمام الأمير بمناسبة تعيينه في منصبه الجديد.

وكان قد صدر صباح اليوم مرسوم أميري بتعيين صبيح المخيزيم وزيراً للكهرباء والماء والطاقة المتجددة، بعد أسبوعين من تقديم الوزير السابق الدكتور محمود بوشهري استقالته من المنصب.

ويعتبر الدكتور صبيح عبد العزيز عبد المحسن المخيزيم وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة الجديد، من الكفاءات العلمية المعروفة في الكويت؛ إذ حصل على براءتَي اختراع، ولديه سجل علمي يضم 16 بحثاً منشوراً في مجلات علمية.

الدكتور صبيح المخيزيم من مواليد عام 1977، وهو حاصل على بكالوريوس العلوم في الهندسة الكهربائية والكمبيوتر من جامعة الكويت في يناير (كانون الثاني) 1999.

ونال من جامعة «ساندييغو» الأميركية (University of California - San Diego) ماجستير علوم وهندسة الكمبيوتر في مارس (آذار) 2001. كما نال من جامعة «Yale» ماجستير العلوم في الهندسة الكهربائية في ديسمبر (كانون الأول) 2003، وماجستير الهندسة الكهربائية في ديسمبر 2004، ودكتوراه في الهندسة الكهربائية في يونيو (حزيران) 2007.

وفي خبراته الوظيفية شغل الوزير المخيزيم منصب وكيل وزارة التعليم العالي (2018 - 2023)، ورئيس مجلس أمناء جامعة الخليج العربي (2018 - 2023)، ورئيس لجنة بعثات وزارة التعليم العالي (2018 - 2023)، ورئيس لجنة معادلة الدرجات العلمية ما بعد الثانوية العامة (2018 - 2023)، وأمين عام مجلس الجامعات الحكومية بالإنابة (2022 - 2023)، وكان أستاذاً مشاركاً في قسم هندسة الكمبيوتر بجامعة الكويت (2012 - 2015).

كما شغل عضوية مجلس الجامعات الحكومية (2021 - 2023)، وعضوية مجلس أمناء معهد الكويت للاختصاصات الطبية (2019 - 2023)، وعضو مجلس إدارة الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم (2018 - 2023)، وعضو مجلس إدارة الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب (2018 - 2023)، وعضو مجلس إدارة الأمانة العامة للجامعات الخاصة (2018 - 2023)، وعضو مجلس أمناء معهد الكويت للأبحاث العلمية (2015 - 2023)، وعضو مجلس إدارة جامعة الكويت (2018 - 2019).

وتولى المخيزيم منصب المدير العام للجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم بالإنابة عام 2018، وعضو مجلس إدارة معهد الإحصاء التابع لـ«اليونيسكو» (2017 - 2021)، وعضو مجلس إدارة أكاديمية سعد العبدالله للعلوم الأمنية (2016 - 2018)، وعضو المجلس التنفيذي لمكتب التربية الدولي التابع لـ«اليونيسكو» (2015 - 2021)، وعضو المجلس الأعلى للتعليم (2015 - 2019).

كما شغل عضوية مجلس أمناء المركز الوطني لتطوير التعليم (2015 - 2019)، وعضوية الجمعية العمومية للمنظمة الدولية لتقييم التحصيل التربوي (2015 - 2018)، والمدير العام للمركز الوطني لتطوير التعليم (2015 - 2018).

كما شغل عضوية هيئة تدريس زائر بجامعة «Yale» عام 2009، وعمل أستاذاً مساعداً بقسم هندسة الكمبيوتر بجامعة الكويت (2007 - 2012)، وكان مساعد مدرس للعديد من المقررات في جامعتَي (Yale) و(University of California - San Diego) من عام 1999 إلى 2007، علاوة على خبرة مهنية طويلة في جامعة الكويت.

والوزير المخيزيم حائز جائزة مركز العمل المتميز بعمادة القبول والتسجيل بجامعة الكويت عام 2012، وجائزة أفضل باحث من الشباب بكلية الهندسة والبترول بجامعة الكويت عام 2010، وأفضل باحث من الشباب (فئة العلوم التطبيقية) بجامعة الكويت عام 2010، والمركز الثاني في يوم الملصق العلمي بكلية الهندسة والبترول بجامعة الكويت عام 2008.

كما نال الوزير المخيزيم براءتَي اختراع، وله 16 بحثاً منشوراً في مجلات علمية، و31 بحثاً منشوراً في مؤتمرات وورش عمل متخصصة.