روسيا تبني احتياطيات لا يمكن للغرب استهدافها

قوة الاقتصاد تتحدى استراتيجية العقوبات

مواطنون روس خلال الاحتفال بيوم النصر وسط العاصمة موسكو في شهر مايو من العام الماضي (رويترز)
مواطنون روس خلال الاحتفال بيوم النصر وسط العاصمة موسكو في شهر مايو من العام الماضي (رويترز)
TT

روسيا تبني احتياطيات لا يمكن للغرب استهدافها

مواطنون روس خلال الاحتفال بيوم النصر وسط العاصمة موسكو في شهر مايو من العام الماضي (رويترز)
مواطنون روس خلال الاحتفال بيوم النصر وسط العاصمة موسكو في شهر مايو من العام الماضي (رويترز)

نقلت وكالة «تاس» للأنباء عن رئيسة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا يوم الثلاثاء أن روسيا تبني احتياطيات دولية بأصول لا يمكن استهدافها بعقوبات غربية.
وجمدت دول غربية نحو 300 مليار دولار، أو ما يعادل نصف الاحتياطيات الدولية الروسية، بعد أن أرسلت موسكو عشرات الآلاف من الجنود لغزو أوكرانيا العام الماضي. وقال البنك المركزي الروسي في السابق إنه يعتبر الذهب واليوان الصيني والعملات الأجنبية التي يحتفظ بها نقدا أصولا آمنة من جولات أخرى محتملة من العقوبات الغربية.
الخطوة الروسية تأتي وسط تزايد حدة الانتقادات التي يوجهها مراقبون ومحللون غربيون لبلادهم فيما يخص استراتيجية العقوبات على روسيا. ووفق الكاتب الأميركي كارلوس روا، رئيس التحرير التنفيذي لمجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية، ففي خطاب السياسة الخارجية للدول الغربية «لم تكن هناك عبارة مضللة جرى استخدامها على نطاق واسع مثل عبارة مقارنة اقتصاد روسيا باقتصاد إيطاليا للتدليل على ضعفه مقارنة بالقوة الجماعية للدول الغربية. هذه العبارة صاغها لأول مرة السيناتور الأميركي ليندسي غراهام عام 2014، ثم انتشرت على ألسنة وأقلام صناع السياسة والمعلقين الغربيين.
وعلى مدى عقد كامل تقريبا رسمت هذه العبارة منهج التعامل الغربي مع روسيا، وقد حان الوقت للتخلي عنها».
وفي تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» طرح روا عدة أسئلة حول النظرة الغربية لروسيا واقتصادها، فقال إذا كان الاقتصاد الروسي صغيرا ومتواضعا فكيف استطاع استيعاب العقوبات المفروضة عليه حتى الآن.
ولماذا لم يتحقق إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن بأن الاقتصاد الروسي سينكمش إلى النصف؟ ولماذا لم تتحقق تصريحات وزير المالية الفرنسي برونو لومير عن أن هدف الغرب هو إحداث انهيار الاقتصاد الروسي وتركيع موسكو؟ فكيف لدولة اقتصادها في حجم اقتصاد إيطاليا تنجح في تحقيق كل هذا النفوذ العالمي للدرجة التي جعلت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين تقول مؤخرا إن العقوبات الغربية على روسيا تهدد سيطرة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي؟
وتبدو مقارنة السيناتور غراهام للاقتصاد الروسي على الورق دقيقة، فروسيا وإيطاليا متقاربتان من حيث إجمالي الناتج المحلي الاسمي، وهو الوسيلة المفضلة لقياس الحجم الاقتصادي للدولة وقوتها منذ الحرب العالمية الثانية. ووفق بيانات البنك الدولي وصل إجمالي الناتج المحلي لروسيا عام 2013 إلى 2.29 تريليون دولار، في حين كان إجمالي الناتج المحلي لإيطاليا نحو 2.14 تريليون دولار. وفي عام 2021 كان إجمالي الناتج المحلي لروسيا نحو 1.79 تريليون دولار، ولإيطاليا نحو 2.11 تريليون دولار.
والخطأ في المقارنة هنا يعود إلى الاعتماد على إجمالي الناتج المحلي الاسمي، دون الوضع في الاعتبار سعر صرف عملة كل دولة وتعادل القوة الشرائية التي تستخدم في حساب مستوى المعيشة وإنتاجية الاقتصاد. ويشير الاقتصادي الفرنسي المجدد جاك سابير إلى عدم كفاية هذا المقياس الكمي للاقتصاد، ويقول إن إجمالي الناتج المحلي لروسيا عند قياسه وفقا لتعادل القوة الشرائية كان 3.74 تريليون دولار عام 2013، و2.74 تريليون دولار عام 2021، وهو تقدير مغاير تماما للتقديرات المتداولة.
ويفسر سابير قوة الاقتصاد الروسي في مواجهة العقوبات بالقول إنه على مدى الخمسين عاما الماضية سيطرت قطاعات الخدمات على الاقتصادات الغربية، والتي تصبح أقل أهمية في أوقات الصراع رغم أنه يتم احتسابها ضمن الناتج المحلي للبلاد. وفي أوقات الصراع، يصبح إنتاج السلع الفعلية هو الأهم.
وبهذا المقياس فإن الاقتصاد الروسي ليس فقط أقوى من الاقتصاد الألماني، بل إنه يزيد على ضعف الاقتصاد الفرنسي. علاوة على ذلك فإن وضع روسيا المسيطر في سوق الطاقة والمواد الخام العالمية، باعتبارها دولة منتجة رئيسية للنفط والغاز الطبيعي والكوبالت والذهب والنيكل والفوسفات وخام الحديد والقمح والشعير، يمنحها نفوذا مهما على الاقتصادات والأسواق، ويجعلها أقل تضررا من العقوبات وأصعب في إخضاعها للضغوط الغربية. وهذه الحقيقة لم تفت على كثير من دول الجنوب التي ترددت في دعم أوكرانيا في كفاحها ضد العدوان الروسي.
وإذا كان السيناتور غراهام ارتكب خطأ كبيرا بمقارنته الاقتصادية بين روسيا وإيطاليا، فقد يمكن التسامح معه لأنه سياسي. لكن لا يمكن التسامح مع عدد من خبراء الاقتصاد والسياسة الخارجية الذين كرروا هذا الخطأ على مدى سنوات، وفق كارلوس روا.
والحقيقة أن استمرار جاذبية أسطورة اقتصاد روسيا الذي يساوي اقتصاد إيطاليا، بين هؤلاء المحترفين قد لا يكون مفاجأة في ضوء جاذبية قطاعات الخدمات في الغرب. فالنمو الكبير لهذه القطاعات كثيفة الرأسمال إلى جانب قيمتها الاسمية وإنتاجيتها جعل واشنطن والكثير من العواصم الغربية الأخرى لا تتبنى الاقتصاد الخدمي فقط، وإنما تفضله من الناحية السياسية والثقافية والآيديولوجية. ويفخر الأميركيون بشركات التكنولوجيا العملاقة في بلادهم باعتبارها قاطرة للنمو والابتكار والفخر الوطني.
وهذا الحب لقطاعات الخدمات في الغرب أدى إلى النظر للأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة في الماضي مثل الطاقة والزراعة واستخراج الموارد الطبيعية والتصنيع باعتباره أنشطة عفّى عليها الزمن. لكن هذه النظرة هي التي جعلت الدول الغربية غير مستعدة لمواجهة عالم أصبحت فيه السلع الحقيقية مهمة مرة أخرى. وقد أظهرت حرب أوكرانيا أن الولايات المتحدة لا تمتلك القدرات التصنيعية اللازمة لتلبية احتياجاتها من كثير من السلع الحقيقية.
وفي أوروبا قالت بريطانيا إنها تحتاج إلى 10 سنوات لاستعواض مخزون الأسلحة التي منحتها لأوكرانيا وإعادة تكوين مخزون سلاح مقبول. وكذلك يواجه الاتحاد الأوروبي مخاطر كبيرة في قطاع التصنيع بعد قطع إمدادات الطاقة القادمة إليه من روسيا.
أخيراً يقول روا إنه حان الوقت لكي يعترف الغرب بأنه أخطأ في التقليل من حجم وقوة الاقتصادات المنافسة خصوصا الاقتصاد الروسي. وسوف يتعين على صناع السياسة في الغرب أن يعيدوا تقييم نهجهم الحالي تجاه فن الحكم الاقتصادي، وإدراك أن العقوبات ليست مقاسا واحدا صالحا لكل الدول وفي كل الحالات؛ خصوصا عندما تستهدف دولة تمتلك قوة اقتصادية كبيرة مثل روسيا التي فشلت معها العقوبات بدرجة كبيرة.


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

الاقتصاد «الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

للمرة العاشرة منذ مارس (آذار) العام الماضي، اتجه البنك الاتحادي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة أساس، يوم الأربعاء، في محاولة جديدة لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة، التي يصارع الاتحادي الفيدرالي لخفضها إلى 2 في المائة دون نجاح ملحوظ. وأعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع سعر الفائدة الرئيسي 25 نقطة أساس إلى نطاق 5.00 و5.25 في المائة، لتستمر بذلك زيادات أسعار الفائدة منذ مارس 2022 وهي الأكثر تشدداً منذ 40 عاماً، في وقت يثير المحللون الاقتصاديون تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيادة ستكون آخر مرة يقوم فيها الاتحادي الفيدرالي برفع الفائدة، أم أن هناك مزيداً من الخطوات خلال الفت

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

لا تتوقف تداعيات الحرب التجارية الدائرة منذ سنوات بين الولايات المتحدة والصين عند حدود الدولتين، وإنما تؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، وكذلك على جهود حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي. وفي هذا السياق يقول الكاتب الأميركي مارك غونغلوف في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن فرض رسوم جمركية باهظة على واردات معدات الطاقة الشمسية - في الوقت الذي يسعى فيه العالم لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري ومكافحة تضخم أسعار المستهلك وتجنب الركود الاقتصادي - أشبه بمن يخوض سباق العدو في دورة الألعاب الأوليمبية، ويربط في قدميه ثقلا يزن 20 رطلا. وفي أفضل الأحوال يمكن القول إن هذه الرسوم غير مثمرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الدولار يتراجع  في «ساعات الترقب»

الدولار يتراجع في «ساعات الترقب»

هبط الدولار يوم الأربعاء بعد بيانات أظهرت تراجع الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة، فيما ترقبت الأنظار على مدار اليوم قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي صدر في وقت لاحق أمس بشأن أسعار الفائدة. وأظهرت بيانات مساء الثلاثاء انخفاض الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة للشهر الثالث على التوالي خلال مارس (آذار)، وسجلت معدلات الاستغناء عن الموظفين أعلى مستوياتها في أكثر من عامين، ما يعني تباطؤ سوق العمل، وهو ما قد يساعد الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي  أقل من 70 دولاراً للبرميل

النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي أقل من 70 دولاراً للبرميل

واصلت أسعار النفط تراجعها خلال تعاملات أمس الأربعاء، بعد هبوطها بنحو 5 في المائة في الجلسة السابقة إلى أدنى مستوى في خمسة أسابيع، فيما يترقب المستثمرون المزيد من قرارات رفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد 2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

أظهر تحليل أجرته منظمات دولية تشمل الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة المختلفة أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو يشهدون أوضاعا تتسم بانعدام الأمن الغذائي ارتفع في مختلف أنحاء العالم في 2022. وتوصل التقرير الذي صدر يوم الأربعاء، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن أكثر من ربع مليار شخص عانوا من جوع شديد أو من مجاعات كارثية العام الماضي.

أحمد الغمراوي (القاهرة)

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن، نيويورك، الولايات المتحدة (رويترز)
شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن، نيويورك، الولايات المتحدة (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن، نيويورك، الولايات المتحدة (رويترز)
شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن، نيويورك، الولايات المتحدة (رويترز)

رفعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، اليوم، تصنيف السعودية إلى «Aa3» من«A1»، مشيرة إلى جهود المملكة لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

وتستثمر المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، مليارات الدولارات لتحقيق خطتها «رؤية 2030»، التي تركز على تقليل اعتمادها على النفط وإنفاق المزيد على البنية التحتية لتعزيز قطاعات مثل السياحة والرياضة والصناعات التحويلية.

وتعمل السعودية أيضاً على جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية لضمان بقاء خططها الطموحة على المسار الصحيح.

وفي الشهر الماضي، سعى وزير الاستثمار السعودي إلى طمأنة المستثمرين في مؤتمر بالرياض بأن السعودية تظل مركزاً مزدهراً للاستثمار على الرغم من عام اتسم بالصراع الإقليمي.

وقالت موديز في بيان: «التقدم المستمر من شأنه، بمرور الوقت، أن يقلل بشكل أكبر من انكشاف المملكة العربية السعودية على تطورات سوق النفط والتحول الكربوني على المدى الطويل».

كما عدلت الوكالة نظرتها المستقبلية للبلاد من إيجابية إلى مستقرة، مشيرة إلى حالة الضبابية بشأن الظروف الاقتصادية العالمية وتطورات سوق النفط.

وفي سبتمبر (أيلول)، عدلت وكالة «ستاندرد اند بورز» نظرتها المستقبلية للسعودية من مستقرة إلى إيجابية، وذلك على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية.