أدوات ذكاء صناعي للتحقق من أصالة الأفكار

تميز بين النصوص الفكرية والمصنّعة

أدوات ذكاء صناعي للتحقق من أصالة الأفكار
TT

أدوات ذكاء صناعي للتحقق من أصالة الأفكار

أدوات ذكاء صناعي للتحقق من أصالة الأفكار

قريباً، قد يصبح أمراً عادياً أن نصطدم بتغريدة، أو مقال أو خبر، ونتساءل ما إذا كان معدّه برنامج ذكاء صناعي. قد تحيط التساؤلات بهويّة مؤلّف النصّ كما يحصل في الأوساط الأكاديمية، أو بموثوقيّة المحتوى في حالة المقالات.

أدوات التحقق من الأصالة
قد تدور الأسئلة أيضاً حول الأصالة: في حال ظهور فكرة مضلّلة فجأة في منشورات على الإنترنت، هل يتحرّك انتشارها بفعل نشاط المستخدمين، أم أنّ هذه المنشورات ولّدها الذكاء الصناعي للإيحاء بوجود شعبية لها؟
شهدت الشهور القليلة الماضية بداية نشوء أدوات التعريف التي تُحدّد ما إذا كانت النصوص من صناعة الذكاء الصناعي، وأبرزها أداةٌ من تطوير «أوبن إي آي»، الشركة التي ابتكرت برنامج «تشات جي بي تي». وتستخدم هذه الأداة نموذج ذكاء صناعي لرصد الفروقات بين النصوص الآلية الصنع وتلك التي يكتبها البشر.
عندما اختبرت الشركة أداتها، نجحت في التعرف على نصوص الذكاء الصناعي في حوالي نصف نماذج النصوص الآلية الصنع التي حلّلتها فقط. في ذلك الوقت، زعمت الشركة أنّها أطلقت هذا الراصد التجريبي «للحصول على انطباعات المستخدمين حول ما إذا كانت هذه الأدوات غير المثالية مفيدة».
يقول الخبراء إنّ تعريف النصوص الصناعية يزداد صعوبة مع استمرار تقدّم برمجيات كـ«تشات جي بي تي» وتقديمها نصوصا مقنعة كتلك التي يكتبها البشر. تختبر «أوبن إي آي» اليوم تقنية مهمّتها إدخال كلمات خاصّة على النصوص التي يولّدها «تشات جي بي تي» لتسهيل رصد نصوصه لاحقاً. تُعرف هذه التقنية بالعلامات المائية watermarking.
كشف جان ليك، رئيس قسم التنسيق في «أوبن إي آي»، أنّ «تقنية العلامات المائية التي تختبرها شركته شبيهة جداً بتقنية استعرضتها ورقة بحثية أخيرة نشرها باحثون من جامعة ماريلاند».
في هذه الحالة، قد يحاول أحدهم التخلّص من العلامة المائية من خلال توليف النص، ولكنّه لن يتمكّن من معرفة الكلمات التي يجب أن يغيّرها، وحتّى إذا نجح في تغيير بعضٍ من الكلمات المميّزة، لن ينجح على الأرجح إلّا في تقليل النسبة العامّة بنقاط قليلة.
من جهته، شرح توم غولدستين، أستاذ في جامعة ماريلاند والباحث المشارك في الورقة البحثية الخاصة بتقنية العلامات المائية، أنّ العلامة المائية خاصّتهم قابلة للرصد حتّى في «نصٍّ صغير جداً» كتغريدة مثلاً. في المقابل، تتطلّب أداة الرصد التي أطلقتها «أوبن إي آي» 1000 حرف، أو علامة، بالحدّ الأدنى.

محدودية الرصد
ولكنّ العلامات المائية ليست مثالية، شأنها شأن أيّ تقنية رصد أخرى، على حدّ تعبير غولدستين. إذ دُرّبت تقنية «أوبن إي آي» الحالية للرصد لتعريف نصوص يولدها 34 نموذجا لغويا مختلفا، إلا أن راصد العلامات المائية خاصتها يستطيع تعريف النصوص التي أنتجها نموذجٌ أو روبوت محادثة يستخدم نفس لائحة الكلمات المميزة التي يستخدمها الراصد.
هذا الأمر يعني أنّ هذه الوسيلة قد تقودنا إلى مستقبل تخضع فيه النصوص المريبة إلى مراجعة عدّة أدوات رصد بالعلامات المائية إلّا في حال اتفقت الشركات العاملة في مجال الذكاء الصناعي على وضع لائحة موحّدة بالمعايير التنفيذية للعلامات المائية.
في هذا السياق، اعتبر غولدستين أنّ ضمان فعالية العلامات المائية كلّ مرّة في منتجٍ يُستخدم على نطاق واسع كـ«تشات جي بي تي» دون التنازل عن نوعية مخرجاته سيتطلّب الكثير من الهندسة.
ولفت ليك من «أوبن إي آي» إلى أنّ الشركة لا تزال تدرس العلامات المائية كشكلٍ من أشكال الرصد، مضيفاً أنّها قد تعمد إلى استخدامها لتتمّة الأداة التي أطلقتها أخيراً على اعتبار أنّ كلتيهما «تتمتّع بمواطن قوّة وضعف مختلفة».
ومع ذلك، يعتقد الكثير من الخبراء أنّ تطوير أداة واحدة قادرة فعلاً على رصد كلّ النصوص التي يولّدها الذكاء الصناعي بدقّة ليس بالأمر الممكن، بسبب احتمال نشوء أدوات أخرى قد تساعد في إزالة الدليل الذي يثبت مسؤولية الذكاء الصناعي عن النصّ. علاوةً على ذلك، قد يصعب رصد النصّ الآلي الصنع، حتّى ولو كان يحمل علامة مائية، في حال كان جزءاً صغيراً من نصّ أكبر.
يقول الخبراء أيضاً إنّ أدوات الرصد خصوصاً تلك التي لا تستخدم علامات مائية، قد لا تتعرّف على النصوص الآلية الصنع التي شهدت تغييرات كثيرة.
وقال دايفيد كوكس، مدير مختبر «واطسون للذكاء الصناعي» التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمؤسسة الدولية للحواسيب (IBM): «أعتقد أنّ الفكرة هنا هي حتميّة توفّر أداة سحرية يطوّرها بائع النموذج أو طرف ثالث للمساعدة في إزالة الشكوك - ولكنّني لا أظنّ أنّنا سننعم بفرصة العيش في هذا العالم». ويعتقد بعض الخبراء أنّه على «أوبن إي آي» والشركات الأخرى المطوّرة لروبوتات المحادثة أن تأتي بحلول لأدوات الرصد قبل إطلاق منتجات للذكاء الصناعي خاصّتها وليس بعده.
أطلقت «أوبن إي آي» «تشات جي بي تي» في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) مثلاً، ولكنّها لم تصدر أداتها الخاصة للرصد إلّا بعد حوالي شهرين، في نهاية يناير (كانون الثاني). في ذلك الوقت، كان الأساتذة والباحثون قد بدأوا المطالبة بأدوات تساعدهم في تحديد النصوص المصنوعة آلياً. اشترك الكثيرون منهم لاستخدام أداة رصد جديدة اسمها «جي بي تي زيرو» GPTZero، طوّرها طالبٌ في جامعة برينستون خلال إجازته الشتوية وأصدرها في الأوّل من يناير (كانون الثاني).
وقال إدوارد تيان، مطوّر «جي بي تي زيرو»: «لقد سمعنا شكاوى من عدد كبير جداً من الأساتذة»، مضيفاً أنّ أكثر من 43 ألف أستاذ سجّلوا دخولهم لاستخدام الأداة منذ منتصف فبراير (شباط).
وأضاف أنّ «الذكاء الصناعي التوليدي تقنية مذهلة، ولكنّنا مع كلّ تقنية جديدة، نحتاج لتطوير ضمانات تساعد في تبنيها بشكلٍ مسؤول، على أن تتوفر هذه الضمانات فوراً وليس بعد أشهر أو سنوات من ظهور التقنية».
كيف يولّد الذكاء الصناعي النصوص؟

> عندما تصنع برمجيات الذكاء الصناعي مثل «تشات جي بي تي» النصوص، تدرس خيارات كثيرة لكلّ كلمة وتأخذ في الحسبان الإجابات السابقة التي كتبتها والسؤال الذي طُرح عليها.
تضع هذه البرامج نتيجة لكلّ خيار على اللائحة لتحديد احتمالية استخدام الكلمة بناءً على عددٍ كبير من النصوص البشرية التي حلّلتها.
بعدها، يختار «تشات جي بي تي»، الذي صُمّم بناء على ما يُعرف بنموذج لغوي كبير، الكلمة صاحبة النتيجة الأعلى وينتقل إلى اختيار الكلمة التالية.
تكون النتائج التي تقدّمها هذه البرامج غالباً منمّقة ومعقّدة إلى درجة توحي بأنّ روبوت المحادثة يفهم ما يقول، ولكنّه لا يفعل.
يعتمد كلّ خيار يقوم به هذا البرنامج على عمليات حسابية معقّدة وكميات كبيرة من البيانات تساعده غالباً في كتابة نصّ متماسك ودقيق. ولكن «تشات جي بي تي» لا يدرك خطأه أبداً عندما يقول شيئاً غير صحيح.

* خدمة «نيويورك تايمز».


مقالات ذات صلة

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

تكنولوجيا على الرغم من أنها لم تتفوق على «X» فإن «ثريدز» نجحت في بناء أساس متين ومجتمع إيجابي (شاترستوك)

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

يحتفل «ثريدز» بالذكرى السنوية لإطلاقه مع أكثر من 175 مليون مستخدم نشط شهرياً، فيما تبقى منافسته لـ«X» مثار جدل.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا يتم تشفير محادثات «iMessage» من المرسل إلى المتلقي مما يوفر مستوى عالياً من الخصوصية للرسائل (شاترستوك)

كيف تغادر محادثة «iMessage» جماعية مع وجود مستخدم لنظام «أندرويد»؟

تصبح مغادرة محادثة «iMessage» جماعية على أجهزة «آيفون» مرهقة مع وجود مستخدم لنظام «أندرويد»، إليك الأسباب وطريقة الخروج.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا «تريند مايكرو»: دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات يؤدي إلى تحقيق تقدم اقتصادي وتكنولوجي كبير بالشرق الأوسط وأفريقيا (شاترستوك)

هل سينمو اقتصاد الشرق الأوسط مع تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي؟

من المتوقع أن يحقق الشرق الأوسط 2% من إجمالي الفوائد العالمية للذكاء الاصطناعي بحلول عام 2023، فكيف يمكن أن تغيِّر هذه التقنية قواعد لعبة اقتصاد الشرق الأوسط؟

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي يلتقي الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» (حساب الوزارة على «إكس»)

مناقشات سعودية لتعزيز الحراك الابتكاري مع كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية

يكثف وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي المهندس عبد الله السواحة جولاته ويلتقي كبرى الشركات الأميركية سعياً لتعزيز الحراك الابتكاري وتوسيع الشراكات.

«الشرق الأوسط» (سياتل)
تكنولوجيا أطلقت «أوبن إيه آي» تطبيق «ChatGPT» لسطح المكتب لأجهزة «Mac» لتوفير وصول سريع وسهل للذكاء الاصطناعي دون الحاجة لاستخدام المتصفح (أوبن إيه آي)

بماذا يتميز تطبيق «شات جي بي تي» للكومبيوتر المكتبي عن الويب؟

الفرق بين استخدام تطبيق «تشات جي بي تي» (ChatGPT) للكومبيوتر المكتبي، واستخدام الخدمة على واجهة الويب، مع التركيز على الفوائد والنصائح.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)

متسللون يخترقون «أوبن إيه آي»... ويكشفون محادثات داخلية

شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)
شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)
TT

متسللون يخترقون «أوبن إيه آي»... ويكشفون محادثات داخلية

شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)
شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

تمكّن متسللون من اختراق أنظمة شركة «أوبن إيه آي» التي طورت برنامج الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي «شات جي بي تي»، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز».

وأوضح التقرير أن المهاجمين السيبرانيين تمكنوا من الإطلاع على المحادثات الداخلية وربما سرقوا تفاصيل حول تصميم منتجات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة. لكن التقرير قال إن الشركة لم تبلغ سلطات إنفاذ القانون بشأن الاختراق.

وأفادت الصحيفة بأن الحادث شهد قيام أحد المتسللين بسحب تفاصيل من المناقشات في منتدى داخلي بين موظفي «أوبن إيه آي» حول التقنيات التي تعمل عليها الشركة، لكنهم لم يصلوا إلى الأنظمة التي يتم فيها بناء وإيواء منتجات «أوبن إيه آي»، حسبما ذكر التقرير.

وجدت الشركة الأميركية نفسها في طليعة الطفرة الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي أثارها إطلاق روبوت المحادثة «شات جي بي تي»، في أواخر عام 2022.

شعار برنامج الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي «شات جي بي تي» (رويترز)

منذ ذلك الحين، بدأت العديد من كبرى شركات التكنولوجيا في العالم في الانتقال إلى هذا القطاع، حيث حدد الكثير من الخبراء أيضاً الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتباره الابتكار الرئيسي لهذا الجيل.

وفقاً للتقرير، أخبر المسؤولون التنفيذيون في «أوبن إيه آي» الموظفين ومجلس إدارة الشركة عن الاختراق في أبريل (نيسان) من العام الماضي، لكنهم لم يعلنوا عن التفاصيل لأنه لم تتم سرقة أي بيانات للعملاء أو الشركاء.

وقال التقرير إن الشركة لم تبلغ أيضاً وكالات إنفاذ القانون الأميركية بالحادث، لأنها اعتقدت أن المتسلل كان فرداً خاصاً ليست له علاقات معروفة بحكومة أجنبية.

حذر الدكتور إيليا كولوتشينكو، خبير الأمن السيبراني والرئيس التنفيذي لشركة ImmuniWeb الأمنية، من أن الهجمات على شركات الذكاء الاصطناعي من المرجح أن تستمر وتزداد، بالنظر إلى الأهمية المتزايدة للتكنولوجيا.

وقال: «رغم أن (أوبن إيه آي) لم تؤكد بعد تفاصيل الحادث، فإن هناك احتمالاً قوياً بأنه قد وقع بالفعل... وهو وليس الوحيد».

وتابع «أصبح السباق العالمي للذكاء الاصطناعي مسألة تتعلق بالأمن القومي للعديد من البلدان؛ ولذلك، فإن مجموعات الجرائم الإلكترونية المدعومة من الدول تستهدف بشدة بائعي الذكاء الاصطناعي، من الشركات الناشئة الموهوبة إلى عمالقة التكنولوجيا مثل (غوغل) أو (أوبن إيه آي)».