فدوى طوقان وأنور المعداوي: حب روحي قوامه الافتتان باللغة وتحييد الجسد

علاقتهما العاطفية بدت نسخة معدلة عن علاقة جبران بمي زيادة

فدوى طوقان
فدوى طوقان
TT

فدوى طوقان وأنور المعداوي: حب روحي قوامه الافتتان باللغة وتحييد الجسد

فدوى طوقان
فدوى طوقان

«خرجتُ من ظلمات المجهول إلى عالم غير مستعد لتقبلي. أمي حاولت التخلص مني في الشهور الأولى من حملها بي. عشر مرات حملت أمي ولكنها لم تحاول الإجهاض قط إلا حين جاء دوري»، هذا ما تستهل به فدوى طوقان كتاب سيرتها «رحلة جبلية، رحلة صعبة»، معتبرة أن رفض الأم بالنسبة للطفلة التي ولدت في نابلس عام 1917، الحدث الأكثر دلالة على المأساة الأصلية لوجودها النافل، وعلى شعورها اللاحق بالنبذ والتهميش. ولا تكف فدوى عبر الفصول المتتالية للسيرة عن الإشارة إلى الطفلة غير السعيدة التي كانتها، وعن إصابتها المبكرة بالملاريا وشحوبها المفرط الذي كان موضع تندر الآخرين، وعن تلهفها المفرط للحصول على حدبٍ عائلي لم يتحقق لها في أي يوم. لا بل زادت الأمور سوءاً في سني مراهقتها، إلى حد أن عثور الأهل على رسالة بريئة كتبتها لفتى في السادسة عشرة، كانت كافية لتعنيفها الجسدي وسجنها داخل المنزل، وحرمانها من متابعة الدراسة.
أما حبل النجاة الذي مده القدر للفتاة الغارقة في لجج اليأس، فقد وفرته عودة أخيها الشاعر إبراهيم إلى نابلس، بعد أن أنهى دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت. ولم يكتف إبراهيم بأن فتح لها نافذة ولو محدودة على الحرية، بل أخذ بيدها على طريق الشعر، بعد أن عاين موهبتها الشعرية الآخذة في التفتح، التي غذتها بالمعرفة والدأب إلى أن أصبحت إحدى أهم الشاعرات العربيات في القرن الفائت.
على أن تصدي الشاعرة الصلب لتقاليد مجتمعها البطريركي، وقيامها بحث النساء على التمرد، لا تتم ترجمتهما على أرض واقعها العاطفي الذي ظل أسير التلعثم والخجل والإشارات القليلة الخفرة. كما يستوقفنا في الوقت ذاته التناقض الواضح بين إعلان فدوى عن أنها لا تريد أن تفتح خزانة حياتها «صوناً لها من الابتذال»، وبين صرختها المقابلة: «كانت أنوثتي تئن كالحيوان الجريح في قفصه»، وصولاً إلى محاولتها الانتحار حين ابتلعت، وفق روايتها، «محتويات زجاجة كاملة من الأسبرين».
اللافت أن طوقان التي لم تجد حرجاً في الإشارة إلى عديد من علاقاتها العاطفية البريئة التي عرفتها في حقبتي المراهقة والنضج، لم تشر في كتاب سيرتها بجزأيه إلا بشكل موارب إلى علاقتها بالناقد المصري أنور المعداوي، دون أن تذكره بالاسم مطلقاً. وإذا كان لهذا الأمر من دلالة فهي أن علاقتها بالمعداوي كانت الأكثر جدية بين علاقاتها الرومانسية الأخرى، ولهذا السبب آثرت أن تنأى بها عن التداول وتربطها بالبريق الأكثر توهجاً لمناجم الإلهام الشعري، قبل أن تقرر عام 1967، وقد بلغت مرحلة النضج والاستقلال، أن تضعها بين يدي الناقد المميز رجاء النقاش.
والواقع أن أهمية كتاب النقاش «المعداوي وفدوى طوقان، صفحات مجهولة في الأدب العربي المعاصر»، لا تنحصر بالرسائل السبع عشرة التي بعث بها الأول إلى الثانية فحسب، بل بالمقدمة المطولة التي تناول فيها المؤلف الغياب شبه التام لأدب الاعتراف عند العرب، بسبب المحاذير الكثيرة التي تمنع المبدعين من الكشف عن نوازع نفوسهم المواراة خلف جدران سميكة من التابوهات.
ولما كان الكاتبان العاشقان لم يلتقيا إلا على الورق، فإن من حق القارئ أن يتساءل عما إذا كان كل من الطرفين المأزومين يريد من الآخر أن يكون حائط مبكاه ورفيق وحشته ومسكن آلامه ومصدر إلهامه لا أكثر. ومن حقه أن يتساءل عن السبب الفعلي لعدم لقائهما وجهاً لوجه، وعما إذا كانا يريدان أن يكونا الثنائي الإبداعي الأفلاطوني المشابه لثنائية جبران ومي زيادة، علماً بأن المسافة بين نابلس والقاهرة أقصر بكثير من المسافة بين نيويورك والعاصمة المصرية.
إن العودة إلى سيرة فدوى، كما إلى كتاب النقاش، تقودنا إلى استنتاج أن الشاعرة التي بدأت تنشر بواكيرها في «الرسالة» تحت اسم «المقيدة»، كانت ترى في الشعراء على نحو عام، لا في الشعر وحده، النماذج الأكثر تعبيراً عن الحب والنقاء الإنساني، وعن توقها المطلق إلى الحرية، وهو ما يفسر تعلقها بغير واحد منهم، بدءاً من علي محمود طه الذي تبادلت معه عديداً من الرسائل، قبل أن يطلب إليها ذووها الكف عن مراسلته، ومروراً بالشاعر المصري الطيار الذي رمزت إليه بحرفي اسمه الأولين «أ.ك»، ولم يلتقِ بها أبداً، وليس انتهاء بالشاعر إبراهيم نجا الذي لخص علاقته بها بالقول:
وكنتُ وإياها على البعد نلتقي... رسائل حب ليس يخبو أوارها
ومن يتتبع رسائل المعداوي إلى طوقان، لن يخامره الشك في أن علاقتهما بدأت أدبية بامتياز، وهو الذي كان يخاطبها بالقول: «يا أختاه»، مشيداً بتجربتها المتوائمة مع تيار الحركة النفسية في الشعر، الذي سبق أن تبناه. وإذ لا يتوانى المعداوي عن تفضيل شعرها على شعر علي محمود طه، يفضلها أيضاً على نازك الملائكة، معتبراً أن قصيدتها «إلى صورة»، أهم من كل قصائد نازك في «شظايا ورماد». على أن الحب الذي اضطرم بينهما فيما بعد كان يعكس بشكل جلي حاجة كل منهما إلى الآخر. فالناقد المثخن بالأمراض، الذي يحارب خصومه الكثر في غير ساحة وميدان، رأى في فدوى، مبدعة وإنسانة، الكنف الدافئ الذي يلبي حاجته إلى الحب والحنان، فيما رأت فيه من جهتها ظهيرها الصلب على طريق الكتابة الشائك، وحبل نجاتها من الغربة والإحباط. وهي لا تتوانى عن الكتابة له في مستهل العلاقة: «إن أملي من وراء الحب هو الحب ذاته»، أو عن القول على نحو صريح:
كان لي الحب مهرباً أحتمي فيهِ،
إليه أفر من مأساتي
كان دنيا في أفْقها الرحب أسترجع حريتي
أحقق ذاتي
يا لقلبي الموتور كم رنحتْهُ
نشوة الانتقام من جلادي
إلا أن كلاً منهما ما لبث أن ذهب بعيداً في حب الآخر، كما تشير فدوى في رسالتها إلى عيسى الناعوري، الذي اعتبر أن علاقتهما لم تتجاوز الصداقة المجردة، حيث كتبت له: «نعم كان بيننا حب حقيقي، عبرت عنه في غير واحدة من قصائدي». أما المعداوي فيكرر مخاطبتها بالقول: «فدوى يا قطعة من نفسي»، كما يعدها مؤنسه وعزاءه في لحظات مرضه القاسية. وحين تصفو مياه علاقتهما بعد تكدر أو خصام، تهتف الشاعرة بالحبيب العائد: «وأطل وجهك مشرقاً من ألف عام». إلا أن الأمور كانت تتجه نحو مزيد من الانحدار، حيث امتنع العاشق الذي أنهكته الأمراض عن الرد على رسائل الشاعرة الأخيرة، ليدخل بالتدريج في ظلامه الداخلي وعزلته الكاملة.

أنور المعداوي

هكذا قدر للمعداوي أن يفارق هذا العالم عام 1965 دون أن يلتقي أبداً بالشاعرة التي وعدته غير مرة بزيارته في القاهرة دون أن تفي بوعدها، فيما كان يعدها من جهته بعبور «الجسر الكبير» الموصل إلى نابلس، دون أن يفعل. والأرجح أن كلاً منهما كان يعاني لأسبابه الخاصة من «رهاب» العلاقة المحسوسة، ويخشى الانتقال بها من سماء المثال الرومانسي إلى أرض الحياة الأرضية. أما طوقان الممزقة بين التمرد اللغوي على الواقع وبين الإذعان للتقاليد السائدة، التي عاشت بعد رحيل المعداوي عقوداً طويلة، فقد آثرت فيما تبقى لها من العمر أن لا تقدم على الزواج، جاعلة من الشعر وحده وسيلتها الأنجع لعبور الجسر الفاصل بينها وبين حبيبها الغائب، فكتبت ترثيه:
حين تبدو الحياة في يومكَ المقفر مني
كئيبة محلولة
فامضِ نحو الجسر الكبير مع الذكرى
ورعشاتها العذاب الجميلة
ستراني هناك أمشي إلى جبينكَ
أنت استغراقتي وابتهالي
هو إيماننا المقدس بالحب
ثوى في أغوارنا المجهولة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

أيهما أفضل للبشرة... فيتامين «سي» أم «هـ»؟

فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)
فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)
TT

أيهما أفضل للبشرة... فيتامين «سي» أم «هـ»؟

فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)
فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)

في عالم العناية بالبشرة، يكاد لا يخلو أي ممر في متاجر مستحضرات التجميل من منتجات تحتوي على فيتامين «سي» أو فيتامين «هـ»، سواء على شكل زيوت أو كريمات مرطبة. ويُنظر إلى الفيتامينين على أنهما عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة. لكن يبقى السؤال الأهم: أيهما أفضل للبشرة؟

يؤكد أطباء الجلدية وخبراء التغذية أن كلاً من الفيتامينين مهم، لكن لكل واحد دور مختلف، وغالباً ما تكون أفضل النتائج عند استخدامهما معاً، وفق مجلة «بريفنشن» الأميركية.

ويُعرف فيتامين «سي» بدوره الأساسي في تحفيز إنتاج الكولاجين، وهو البروتين المسؤول عن تماسك البشرة ومرونتها وتسريع التئام الجروح. كما يساعد على حماية الجلد من الأضرار الناتجة عن الأشعة فوق البنفسجية والتلوث، ويُسهم في تقليل مظهر التجاعيد والندبات، إلى جانب دوره في تفتيح البشرة وتوحيد لونها.

وتشير دراسات حديثة إلى أن فيتامين «سي» قد يساهم أيضاً في إعادة تنشيط الجينات المرتبطة بنمو الجلد وإصلاحه، مما يجعله خياراً مفضلاً للبشرة الناضجة أو التي تعاني من التصبغات.

وعلى عكس فيتامين «سي»، فإن فيتامين «هـ» موجود بشكل طبيعي في الجسم، حيث يُعد جزءاً من الزهم الذي يشكل حاجزاً واقياً يساعد البشرة على الاحتفاظ بالرطوبة. ولهذا السبب، يدخل فيتامين «هـ» بكثرة في تركيبات الكريمات المرطبة، ويُستخدم أحياناً في صورة زيت لعلاج الجفاف والتقشر أو لتخفيف أعراض الإكزيما.

ويتميز فيتامين «هـ» بكونه قابلاً للذوبان في الدهون، مما يجعله فعالاً داخل أغشية خلايا الجلد، حيث يقلل من الأضرار الناتجة عن الجذور الحرة، ويُسهم في تهدئة الالتهابات ودعم الحاجز الطبيعي للبشرة.

مقارنة مباشرة

يرى الخبراء أن المقارنة المباشرة بين الفيتامينين ليست دقيقة، لأن لكل منهما وظيفة مختلفة، فبينما يُعد فيتامين «سي» مثالياً لتفتيح البشرة وتحفيز إنتاج الكولاجين، يبرز فيتامين «هـ» في الترطيب وحماية الحاجز الجلدي.

الأهم من ذلك، أن الدراسات تشير إلى أن استخدام فيتامين «سي» مع فيتامين «هـ» معاً يعطي نتائج أفضل، إذ يعزز كل منهما فعالية الآخر، خاصة في حماية البشرة من أضرار الشمس وعلامات التقدم في السن.

ويُوصي خبراء التغذية بالاعتماد أولاً على النظام الغذائي، فمصادر فيتامين «سي» تشمل البرتقال، والفلفل الحلو، والطماطم، والكيوي، والفراولة، والبروكلي. أما فيتامين «هـ» فيتوفر بكثرة في الزيوت النباتية مثل زيت جنين القمح، إضافة إلى المكسرات، والبذور، والأفوكادو.

أما من الناحية الموضعية، فيُنصح باستخدام سيرومات (تركيبات سائلة وخفيفة) لفيتامين «سي» صباحاً، خاصة عند دمجها مع واقي الشمس، لتعزيز الحماية من العوامل البيئية. في حين يظل فيتامين «هـ» خياراً شائعاً في الكريمات المرطبة، خصوصاً لأصحاب البشرة الجافة.

ويخلص الخبراء إلى أن الأمر لا يتعلق بالاختيار بين فيتامين «سي» أو فيتامين «هـ»، بل بكيفية الجمع بينهما بالشكل الصحيح، فكل منهما يكمل الآخر، ويمنح البشرة دعماً متكاملاً من الداخل والخارج.

ومع نظام غذائي متوازن، ونوم كافٍ، وترطيب جيد، يمكن لهذين الفيتامينين أن يكونا جزءاً أساسياً من وصفة بشرة صحية ونضرة.


طرق بسيطة لكبح الرغبة في تناول السكر

الرغبة في تناول السكريات قد تكون نتيجة عوامل مثل التوتر وقلة النوم (مجلة ساينس)
الرغبة في تناول السكريات قد تكون نتيجة عوامل مثل التوتر وقلة النوم (مجلة ساينس)
TT

طرق بسيطة لكبح الرغبة في تناول السكر

الرغبة في تناول السكريات قد تكون نتيجة عوامل مثل التوتر وقلة النوم (مجلة ساينس)
الرغبة في تناول السكريات قد تكون نتيجة عوامل مثل التوتر وقلة النوم (مجلة ساينس)

كشفت خبيرة التغذية الأميركية جيلان كوبالا عن مجموعة من الطرق البسيطة والعملية لتقليل الرغبة في تناول السكر، في ظل التحذيرات المتزايدة من أضرار الإفراط في استهلاكه.

وترتبط كثرة تناول السكريات بخطر الإصابة بأمراض القلب، والسكري من النوع الثاني، إضافة إلى تسوس الأسنان وأمراض اللثة، بينما تشير دراسات عدة إلى أن الرغبة الشديدة في تناول السكر قد تنتج من عوامل مختلفة، من بينها تقلب مستويات السكر في الدم، والتوتر، وقلة النوم.

تجنب الخطر

ولتجنب الخطر، توصي جمعية القلب الأميركية بعدم تجاوز السكريات المضافة نسبة 6 في المائة من السعرات الحرارية اليومية للنساء و9 في المائة للرجال، مؤكدة أن الحد من استهلاك السكر خطوة أساسية للحفاظ على الصحة العامة.

ويمكن التحكم في هذه الرغبة من خلال اتباع مجموعة من الاستراتيجيات الغذائية والسلوكية البسيطة، حسب موقع «هيلث» الطبي. ومن أبرز هذه الاستراتيجيات تجنب الحميات الغذائية المقيِّدة بشدة؛ إذ إن الأنظمة منخفضة السعرات أو الامتناع عن تناول كثير من الأطعمة قد يؤديان إلى زيادة الرغبة في الحلوى لاحقاً.

لذلك ينصح الخبراء باتباع نظام غذائي متوازن ومرن، يسمح بتناول الحلوى أحياناً دون شعور بالذنب، ما يقلل من نوبات الإفراط في تناول السكر. كما تلعب السيطرة على مستويات السكر في الدم دوراً مهماً في الحد من الرغبة في السكريات؛ حيث يساهم تناول الأطعمة ذات «المؤشر الغلايسيمي» المنخفض إلى المتوسط في تعزيز الشعور بالشبع.

وتشمل هذه الأطعمة الحبوب الكاملة، مثل الشوفان، والأرز البني والكينوا، والبقوليات ومنها العدس والحمص والفاصوليا، إضافة إلى الخضراوات غير النشوية، مثل البروكلي والسبانخ والكوسة، وفواكه كالتفاح والكمثرى والتوت.

ويُعد الإكثار من تناول الأطعمة الغنية بالبروتين والألياف وسيلة فعالة أخرى؛ إذ تساعد هذه العناصر -الموجودة في أطعمة مثل البيض والدجاج والعدس والشوفان- على إبطاء الهضم، وزيادة هرمونات الشبع، ما يقلل الرغبة في الوجبات الخفيفة والحلوى بين الوجبات.

ولا يقل النوم أهمية عن التغذية؛ إذ تؤثر قلة النوم سلباً على تنظيم السكر في الدم، وتزيد من الميل لتناول الأطعمة السكرية. لذلك ينصح الخبراء بالحصول على 7 ساعات من النوم يومياً على الأقل. كما يسهم التوتر في تحفيز هرمونات الجوع ومراكز المكافأة في الدماغ، ما يدفع إلى تناول السكريات بكثرة. ويمكن الحد من تأثير التوتر عبر ممارسة الرياضة أو الأنشطة المريحة.

بدائل صحية

وينصح الخبراء أيضاً بالابتعاد عن العادات الغذائية غير الصحية، واستبدال عادات أفضل بها، بشكل تدريجي، لتقليل استهلاك السكر. فعلى سبيل المثال، يمكن تناول الفواكه أو التوت مع القليل من الشوكولاتة الداكنة، بعد العشاء بدلاً من الحلوى. أو تناول المياه الفوارة المنكَّهة بعصير طبيعي بدلاً من المشروبات الغازية.

كما تتوفر بدائل صحية كثيرة للسكريات الشائعة، إذ يمكن تناول التمور المحشوة بزبدة اللوز وقطع من الشوكولاتة الداكنة، أو تحضير «آيس كريم صحي» من الفواكه المجمدة، مثل الموز أو التوت. كما يمكن إضافة عصير الليمون أو الكرز الطبيعي إلى المياه الفوارة للحصول على مشروب منعش منخفض السكر.


رحيل بريجيت باردو... هرم فرنسا المعتزل

صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست
صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست
TT

رحيل بريجيت باردو... هرم فرنسا المعتزل

صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست
صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست

لم تكن تحت العين وقيد السمع، لكن بريجيت باردو، الممثلة التي رحلت اليوم عن 91 عاماً، كانت هرماً فرنسياً حاضراً في الأذهان رغم اعتزالها وعزلتها. لذلك جاء غيابها الجسدي ليُعيد التذكير بفصول من تاريخ فرنسا الحديث منذ منتصف القرن الماضي، وبكل ما عاشه البلد من تحولات اجتماعية. إنها الممثلة التي يُنقل عن الجنرال ديغول قوله إن أفلامها من مصادر الدخل القومي الفرنسي.

العناوين عنها كثيرة، وكلمات الرثاء لم تتوقف منذ لحظة إعلان وفاتها. هي فرصة للسياسيين والفنانين المنسيين أن يظهروا للعلن ويسجلوا موقفاً أمام الجماهير التي عايش بعضها «ثورة باردو»، في حين ما زالت غالبية الشباب تجهل تاريخها. رحيل ألان ديلون أو جوني هاليداي أو شارل أزنافور في كفّة، وانطفاء الممثلة الشقراء في كفّة أخرى. هي الأنثى الفرنسية الحرّة منذ أن اكتشفها المخرج روجيه فاديم، وقدّمها في فيلم «وخلق الله المرأة» عام 1956.

تكتب صحيفة «لوبوان» أنها كانت «مزعجة للنساء، مثيرة للرجال. ففي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، جسّدت باردو، سابقة عصرها، الثورة الجنسية وتحرر المرأة. وعلى امتداد حياتها ارتبطت الأحرف الأولى من اسمها B.B. بالحرية. لا يمكن لمن عاصرها أن ينسى تلك الصبية ذات الفم المزموم، وهي ترقص حافية القدمين على أنغام المامبو الحماسية والجريئة والساخنة مثل بركان». كان مشهداً من فيلم فاديم، الذي تزوجها وفق عادته في الاقتران ببطلاته الشقراوات، صُوِّر في ميناء سان تروبيه الصغير ليكون نقطة ولادة الأسطورة.

في عام 1984، روى روجيه فاديم لمجلة «باريس ماتش» الباريسية أنه عاد من تقديم ندوة في قسم السينما بجامعة كبرى في لوس أنجليس، وتفاجأ بأن الطلاب الذين شاهدوا فيلم «وخلق الله المرأة» أبدوا دهشتهم من حداثة شخصية جولييت، التي أدّتها بريجيت باردو، وكذلك من مهاجمة المحافظين في القارات الخمس الذين صرخوا مندّدين بالفضيحة وبالإباحية عند عرض الفيلم. فما قدّمه الفيلم بات عادياً في الزمن التالي، وليس فيه ما يستدعي التنديد.

باردو وجاك بالانس أثناء تصوير فيلم «الازدراء» في روما (أ.ب)

تجاوزت شهرة باردو حدود بلدها إلى العالم، وقدّمت لها هوليوود عروضاً مغرية، لكنها اكتفت بأفلام قلائل هناك وفضّلت العودة إلى فرنسا. عاشت حياة مضطربة، وتزوجت أكثر من مرة، وارتبطت بقصص حب عدّة، لكنها اختارت إنهاء مهنتها السينمائية وهي في عز شهرتها، والتفرغ للاعتناء بحيوانات مزرعتها وتكريس كل جهودها لقضية الدفاع عن تلك المخلوقات الضعيفة، باذلة الغالي والرخيص في سبيلها. وكان من نتائج حربها ضد طريقة ذبح الأضاحي أن كانت هدفاً لملاحقات قانونية بتهمة العنصرية وبث التفرقة بين المواطنين والتطاول على المسلمين. لكنها لم تتراجع، وكانت لا تتورع عن ملاحقة الوزراء ورؤساء الدول وكتابة العرائض والسير في المظاهرات من أجل وقف صيد حيوان الفقمة، مثلاً، أو منع الصيد العشوائي وذبح الطيور وطبخ الأرانب والمواشي.

وحتى في عزلتها، لم تنجُ من مطاردة السياح والمصورين لها، فكانت أفواجهم تركب البحر في قوارب تمر بمحاذاة منزلها في «سان تروبيه»، البلدة الساحلية الصغيرة التي أخذت شهرتها من باردو، على أمل رؤيتها أو الفوز بصورة لها.

وُلدت باردو في عائلة برجوازية وفي حيّ من أحياء باريس الراقية، لكنها لم تكفَّ يوماً عن عيش حياتها كما تشاء. تأكل حين تجوع، تُصوّر إن طاب لها ذلك، وتقول رأيها بصوت عالٍ. كانت نسوية من دون أن تكون محسوبة على النسويات ونصيرات تحرير المرأة. بل إن كثيرات وجدن فيها امرأة مسترجلة لأنها امتلكت حرية الرجل. ومع هذا، فإن دارسي أحوال المجتمع الفرنسي الحديث يجدون أن باردو لعبت دور المسرّع لمجتمع كان ينتظر ذلك.

بريجيت باردو بمناظرة ضد صيد الفقمة في ستراسبورغ عام 1978 (أ.ف.ب)

تزوجت حين عنّ لها الزواج، وتطلقت حين فتر الحب وخبت الشعلة. وكان من أزواجها، بعد فاديم، جاك شارييه، وغونتر زاكس، وبرنار دورمال، رفيق حياتها الأخير الذي كان من وجوه حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف. وبموازاة الأزواج، كان من عشّاقها المتعدّدين جان-لوي ترنتينيان، وجيلبير بيكو، وساشا ديستيل، وسامي فراي، وسيرج غانسبورغ. لم تكن العلاقات بالنسبة لها ذنوباً. قالت في مقابلة صحافية: «في فرنسا، الرجل الذي له عشيقات يُقال عنه دون جوان، أمّا المرأة التي لها عشّاق فهي عاهرة». وكان رأيها أن هذه أفكار يجب دفنها إلى الأبد.

في عام 1996، نشرت بريجيت باردو مذكراتها التي جاءت صريحة ومن دون حسابات لردود الأفعال. تحدثت في الكتاب عن كل شيء: إخفاقاتها المهنية، ونوبات انهيارها العصبي، والإهانات التي تعرّضت لها، ومحاولات الانتحار، وكراهيتها العميقة لصحافة لاحقتها حتى خنقتها ومنعتها من عيش حياة طبيعية.

كتبت كما عاشت دائماً: من دون أقنعة أو خجل مصطنع. وصفت زوجها، الممثل الوسيم جاك شارييه، بأنه «برجوازي حتى العظم»، ونعتت أحد عشاقها بالأحمق المتأنق، ورأت في زميلتها ومنافستها جان مورو «انتهازية مستعدة لفعل أي شيء»، واختصرت ألان ديلون بكلمة «نرجسي»، وكاترين دونوف «ساذجة». لكن الزلزال الحقيقي لم يكن في تصفية الحسابات، بل في كسر واحد من أقدس المحرّمات: الأمومة. تجرأت باردو على قول ما كان يدور همساً بين النساء، وهو رفض أسطورة الأمومة الإلزامية، ونقد الشعور بالذنب المفروض اجتماعياً، وفضح فكرة أن الأمومة قدر لا نقاش فيه.

باردو وزوجها غونتر زاكس في استقبال بقصر الإليزيه بباريس عام 1967 (أ.ب)

كانت، كعادتها، تفضّل أن تصدم على أن تكذب، حتى لو بقيت وحدها في مواجهة الجميع. كتبت عن ولادة ابنها نيكولا عام 1960 عبارات صادمة: «طفلي كان أشبه بورم داخل جسدي. عندما استيقظت ظننت أن على بطني قِربة ماء مطاطية. كان ذلك ابني. لم تكن لديّ يوماً غريزة الأمومة». وبسبب تلك التصريحات تعرّضت بريجيت باردو لملاحقات قضائية من زوجها السابق جاك شارييه ومن ابنها نيكولا شارييه بتهم انتهاك الحياة الخاصة والتشهير والإساءة. وصدر بحقها حكم بدفع تعويضات مالية. وفي حوار مطوّل في مجلة «مدام فيغارو»، سُئلت عمّا إذا كانت جدة أفضل مما كانت أمّاً، فجاء جوابها قاطعاً ومحرجاً: «أنا لستُ جدّة أصلاً. ولا أندم على شيء. أتحمّل وحدي المسؤولية، في السراء والضراء. لقد كنت حرّة دائماً».

تعرّضت النجمة لأزمة صحية قبل عامين، وأُدخلت قسم العناية المركزة. نشطت وسائل الإعلام كافة في تحضير ملفات وتقارير تواكب احتمال وفاتها، لكنها خيّبت التوقعات وخرجت سالمة، لتُأجل الملفات إلى موعد مرتقب، وهو ما جرى اليوم، قبل يومين من نهاية العام الميلادي، وفي عز استعداد الفرنسيين لرأس السنة. ماتت رمز حرية المرأة الفرنسية.