مصر لجمع 14 مليار دولار بفضل قرض صندوق النقد الجديد

توقعات بانفراج أزمة الدولار

رجل يسير على ضفة نهر النيل أمام أبراج عالية من الفنادق والبنوك والمباني الإدارية في القاهرة (رويترز)
رجل يسير على ضفة نهر النيل أمام أبراج عالية من الفنادق والبنوك والمباني الإدارية في القاهرة (رويترز)
TT

مصر لجمع 14 مليار دولار بفضل قرض صندوق النقد الجديد

رجل يسير على ضفة نهر النيل أمام أبراج عالية من الفنادق والبنوك والمباني الإدارية في القاهرة (رويترز)
رجل يسير على ضفة نهر النيل أمام أبراج عالية من الفنادق والبنوك والمباني الإدارية في القاهرة (رويترز)

وافق مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، كما هو متوقع، على منح مصر قرضاً جديداً بقيمة 3 مليارات دولار، في ظل أزمة تمويل دولارية في البلاد تتفاقم حدتها يوماً بعد يوم.
ويتطلع المسؤولون في مصر إلى تمويلات إضافية، بفضل قرض الصندوق، قدّرها صندوق النقد الدولي بنحو 14 مليار دولار، وفق بيان صحافي من الصندوق، أشار فيه بالخصوص إلى دول مجلس التعاون الخليجي، ما قد يشير إلى قرب حلحلة أزمة الدولار في البلاد، والتي نتجت عن خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة مع بدء الحرب الأوكرانية، ورفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة على الدولار.
قال الصندوق، في بيان صحافي أمس السبت، إن الموافقة على القرض، ستسمح «بتوفير تمويلات إضافية بقيمة تصل إلى 14 مليار دولار من شركاء دوليين وإقليميين، شاملة موارد تمويلية جديدة من دول مجلس التعاون الخليجي وشركاء آخرين، من خلال عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة، وقنوات التمويل التقليدية من الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف».
والاتفاق الجديد بين مصر وصندوق النقد الدولي، يسمح بصرف دفعة فورية بقيمة 347 مليون دولار، في إطار «تسهيل الصندوق الممتد» الذي تصل مدته إلى 46 شهراً، وهي غير كافية لحل أزمة الدولار المقدرة بنحو 16 مليار دولار على مدى 4 سنوات في مصر، غير أن الأنظار تتجه إلى التمويلات الإضافية من الشركاء الدوليين والإقليميين، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، على اعتبار أنها المنقذ من الأزمة الحالية.
والانفراجة المتوقعة لأزمة الدولار في مصر، بعد قرض الصندوق والتمويلات الإضافية التي سيتيحها، ستتحدد نسبتها وفق الأولويات التي ستضعها الحكومة المصرية، بالتنسيق مع البنك المركزي المصري.
على أن باقي الدفعات تستوجب «حزمة سياسات شاملة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي... تتضمن: تحولاً دائماً إلى نظام سعر صرف مرن، وسياسة نقدية تهدف إلى خفض التضخم تدريجياً، وضبط أوضاع المالية العامة لضمان مسار الدين العام التنازلي، مع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الضعفاء، وإصلاحات هيكلية واسعة النطاق للحد من تأثير الدولة، وتعزيز الحوكمة والشفافية». وفق بيان صحافي صادر عن صندوق النقد، أمس السبت.
يأتي القرض الجديد مع سياسة نقدية جديدة يحددها محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله، الذي جاء خلفاً لطارق عامر، الذي استقال قبل انقضاء مدته في أغسطس (آب) الماضي، وفق بيان صحافي وقتها.

الصناديق الخليجية

ينظر إلى قرض الصندوق الجديد في مصر، الذي يعادل 115.3 في المائة من حصة مصر في الصندوق، على أنه «سيساعد على تلبية احتياجات ميزان المدفوعات، وتقديم الدعم للميزانية»، لمواجهة أزمة عملة استفحلت وشلت السوق، وضربت قطاعات اقتصادية حيوية، في دولة يبلغ تعدادها أكثر من 100 مليون نسمة.
وفي هذا الصدد، تعول مصر على التمويل الإقليمي أكثر منه على الدولي، إذ تتطلع إلى دول الخليج، التي شهدت صناديقها السيادية نشاطاً ملحوظاً في السوق المصرية خلال الفترة القليلة الماضية، بالإضافة إلى الودائع السعودية والإماراتية والقطرية في البنك المركزي المصري.
فقد استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصص أقلية في أربع شركات مملوكة للدولة: «أبو قير للأسمدة» و«مصر للأسمدة» و«الإسكندرية لتداول الحاويات» و«إي فاينانس»، بقيمة تصل إلى 1.3 مليار دولار، في الوقت الذي يتطلع فيه الصندوق السعودي للاستحواذ على المصرف المتحد بقيمة 600 مليون دولار.
كما استحوذ «صندوق أبوظبي السيادي» على أسهم تزيد قيمتها على 910 ملايين دولار في البنك التجاري الدولي، بالإضافة إلى أسهم في شركات «مصر للأسمدة» و«أبو قير للأسمدة» و«فوري» و«الإسكندرية لتداول الحاويات». واستحوذت «موانئ أبوظبي» على 70 في المائة من مجموعة «أي أيه سي سي» التي تعد أكبر شركة شحن خاصة في مصر، مقابل 140 مليون دولار.

تعويم آخر

من المقرر أن يجتمع البنك المركزي المصري، يوم الخميس المقبل، للنظر في أسعار الفائدة، وسط رفع عدد من البنوك المركزية حول العالم أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، وعلى رأسها الفيدرالي الأميركي الذي رفع الفائدة نصف نقطة.
ينظر لاجتماع المركزي المصري المقبل، على أنه سيكون حاسماً في مسألة خفض جديد للجنيه؛ لسد الفجوة بين السوقين الرسمية والموازية، إذ يباع الدولار في البنوك الحكومية بـ24.70 جنيه للدولار، في حين تخطى سعره 30 جنيهاً في السوق السوداء. غير أن هناك آراء مصرفية مسؤولة أكدت أن هذه «الفجوة نشأت فقط نتيجة زيادة الطلب على الدولار في الوقت الذي تواجه في البلاد شحاً في العملة الصعبة»، متوقعة في هذا الصدد أن «تقل، أو تختفي تماماً، الفجوة بين السوقين الرسمية والسوداء، بمجرد ضخ الدولارات في السوق».
وأشارت كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، في بيان أمس، إلى التزام مصر في الآونة الأخيرة بالتحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن ومعالجة التشوهات الناجمة عن السياسات السابقة، من خلال التشديد المسبق للسياسة النقدية، والمضي قدماً نحو تعزيز شبكة الأمان المالي.
وأضافت: «التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن سيؤدي إلى التخفيف من حدة الصدمات الخارجية ومنع ظهور الاختلالات مجدداً، كما سيسمح للسياسة النقدية بالتركيز على خفض التضخم تدريجياً. وسيضمن الضبط المالي استدامة القدرة على تحمل الديون، بينما ستسهم زيادة الإنفاق الاجتماعي في حماية الفئات الضعيفة. وستساعد الإصلاحات الهيكلية في تقليص بصمة الدولة وضمان المنافسة العادلة بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز النمو بقيادة القطاع الخاص، وتعزيز الحوكمة والشفافية».
كانت مصر قد خفضت قيمة الجنيه بنسبة 16 في المائة، مارس (آذار) الماضي، ثم تبعه تخفيض آخر بنسبة 18 في المائة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وبلغت نسبة انخفاض الجنيه منذ بداية العام نحو 57 في المائة أمام الدولار.
وتصل الفجوة الدولارية في مصر إلى ما يقرب من 16 مليار دولار على مدى 4 سنوات، وفق تقديرات من صندوق النقد الدولي.

شروط القرض

أكدت الحكومة المصرية، في بيان صحافي أمس، «موافقة مجلس إدارة الصندوق على تقرير الخبراء، الذي تم الاتفاق عليه مع الحكومة المصرية والبنك المركزي المصري في شهر أكتوبر الماضي، دون أي شروط أو أعباء إضافية».
وتستهدف الحكومة المصرية، وفق البيان، على جانب الإصلاحات والتدابير الخاصة بالسياسة المالية، «العمل على استمرار جهود الانضباط المالي، متمثلة في استمرار تحقيق فائض أولي سنوي بالموازنة العامة، والعمل على عودة مسار المديونية الحكومية للناتج المحلي في التراجع، وصولاً إلى مستويات تقل عن 80 في المائة من الناتج المحلي في المدى المتوسط، بالإضافة إلى العمل على استمرار إطالة عمر الدين الحكومي، وتنويع مصادر التمويل، وخفض إجمالي الاحتياجات التمويلية للموازنة».
وعلى جانب السياسة النقدية، يستهدف البنك المركزي المصري، «جهود السيطرة على معدلات التضخم وضمان استقرار الأسعار بالسوق المصرية، وتعزيز كفاءة أدوات السياسة النقدية، واستمرار الحفاظ على صلابة القطاع المصرفي، واستمرار جهود رفع كفاءة عمل سوق سعر الصرف ومرونتها لتعزيز قدرة مصر التنافسية، ولتعزيز الاستدامة والصلابة للاقتصاد المصري، وكذلك العمل على زيادة رصيد الاحتياطيات الأجنبية بشكل تدريجي ومستدام».
وتسعى الحكومة، إلى سرعة إصدار والإعلان عن «وثيقة سياسة ملكية الدولة» في شكلها النهائي لتشجيع وجذب القطاع الخاص، واستهداف زيادة استثماراته ووجوده القوي بالسوق المصرية، وزيادة مساهمته في النمو الاقتصادي بصورة قوية خلال الفترة المقبلة. كذلك تتضمن خطط الحكومة المصرية العمل على تعزيز بيئة المنافسة العادلة بالسوق المصرية، وخفض وتبسيط إجراءات التجارة والاستثمار لجذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية للسوق المصرية.
وأوضح مجلس الوزراء، في بيان منفصل، أن «البرنامجين السابقين لمصر مع الصندوق في 2016 و2020 حققا نجاحاً كبيراً بشهادة عديد من المؤسسات الدولية، وأسهما في ضبط أوضاع المالية العامة وتبني سياسة مرنة لسعر الصرف، وإصلاح دعم الطاقة وإتاحة حيز مالي داعم للإنفاق الاجتماعي».


مقالات ذات صلة

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

الاقتصاد «الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

«الفيدرالي» الأميركي يرفع الفائدة للمرة العاشرة في تشدد تاريخي

للمرة العاشرة منذ مارس (آذار) العام الماضي، اتجه البنك الاتحادي الفيدرالي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة أساس، يوم الأربعاء، في محاولة جديدة لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة، التي يصارع الاتحادي الفيدرالي لخفضها إلى 2 في المائة دون نجاح ملحوظ. وأعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع سعر الفائدة الرئيسي 25 نقطة أساس إلى نطاق 5.00 و5.25 في المائة، لتستمر بذلك زيادات أسعار الفائدة منذ مارس 2022 وهي الأكثر تشدداً منذ 40 عاماً، في وقت يثير المحللون الاقتصاديون تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الزيادة ستكون آخر مرة يقوم فيها الاتحادي الفيدرالي برفع الفائدة، أم أن هناك مزيداً من الخطوات خلال الفت

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

أميركا تعرقل تقدمها في الطاقة الشمسية بـ«الرسوم الصينية»

لا تتوقف تداعيات الحرب التجارية الدائرة منذ سنوات بين الولايات المتحدة والصين عند حدود الدولتين، وإنما تؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، وكذلك على جهود حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي. وفي هذا السياق يقول الكاتب الأميركي مارك غونغلوف في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن فرض رسوم جمركية باهظة على واردات معدات الطاقة الشمسية - في الوقت الذي يسعى فيه العالم لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري ومكافحة تضخم أسعار المستهلك وتجنب الركود الاقتصادي - أشبه بمن يخوض سباق العدو في دورة الألعاب الأوليمبية، ويربط في قدميه ثقلا يزن 20 رطلا. وفي أفضل الأحوال يمكن القول إن هذه الرسوم غير مثمرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الدولار يتراجع  في «ساعات الترقب»

الدولار يتراجع في «ساعات الترقب»

هبط الدولار يوم الأربعاء بعد بيانات أظهرت تراجع الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة، فيما ترقبت الأنظار على مدار اليوم قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي صدر في وقت لاحق أمس بشأن أسعار الفائدة. وأظهرت بيانات مساء الثلاثاء انخفاض الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة للشهر الثالث على التوالي خلال مارس (آذار)، وسجلت معدلات الاستغناء عن الموظفين أعلى مستوياتها في أكثر من عامين، ما يعني تباطؤ سوق العمل، وهو ما قد يساعد الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي  أقل من 70 دولاراً للبرميل

النفط يواصل التراجع... والخام الأميركي أقل من 70 دولاراً للبرميل

واصلت أسعار النفط تراجعها خلال تعاملات أمس الأربعاء، بعد هبوطها بنحو 5 في المائة في الجلسة السابقة إلى أدنى مستوى في خمسة أسابيع، فيما يترقب المستثمرون المزيد من قرارات رفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد 2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

2022 «عام الجوع»... والقادم غامض

أظهر تحليل أجرته منظمات دولية تشمل الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة المختلفة أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع أو يشهدون أوضاعا تتسم بانعدام الأمن الغذائي ارتفع في مختلف أنحاء العالم في 2022. وتوصل التقرير الذي صدر يوم الأربعاء، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إلى أن أكثر من ربع مليار شخص عانوا من جوع شديد أو من مجاعات كارثية العام الماضي.

أحمد الغمراوي (القاهرة)

مصرف سوريا المركزي يحدد بداية يناير المقبل لإطلاق العملة الجديدة

مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
TT

مصرف سوريا المركزي يحدد بداية يناير المقبل لإطلاق العملة الجديدة

مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)
مقر مصرف سوريا المركزي في دمشق (إكس)

حدد حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، الأول من يناير (كانون الثاني) 2026 موعداً لإطلاق العملة السورية الجديدة وبدء عملية استبدال العملة القديمة، مؤكداً أن العملية ستكون «سلسة ومنظمة»، وأن آليتها ستُشرح «بكل وضوح وشفافية».

وقال الحصرية، في بيان صدر اليوم، إن صدور المرسوم رقم 293 لعام 2025 الخاص بـ«ولادة العملة السورية الجديدة»، يمثل «محطة وطنية مفصلية» تعكس بداية مرحلة اقتصادية ونقدية جديدة.

وأضاف أن المرسوم منح المصرف الصلاحيات اللازمة لتحديد مهل التبديل ومراكزه «بما يضمن حسن التنفيذ وسلاسة الإجراءات»، مشيراً إلى أن التعليمات التنفيذية الناظمة ستصدر بقرار من حاكم المصرف، مع التركيز على خدمة المواطنين وتسهيل الإجراءات عليهم في مختلف المناطق.

وأكد الحصرية، حسب ما نقلته وكالة أنباء سوريا (سانا)، أن تفاصيل عملية التبديل ستُعلن بشكل واضح وشفاف خلال مؤتمر صحافي مخصص، بما يعزز الثقة ويكرّس الشراكة مع المواطنين، لافتاً إلى استمرار مصرف سوريا المركزي في العمل خلال أيام 25 و26 و27 ديسمبر (كانون الأول) لمتابعة التحضيرات اللازمة لإطلاق العملية.

عبد القادر الحصرية حاكم مصرف سوريا المركزي (سانا)

ووصف حاكم مصرف سوريا المركزي العملة السورية الجديدة بأنها «رمز للسيادة المالية بعد التحرير»، وعنوان لمرحلة جديدة تُبنى بتعاون الجميع وبإدارة المصرف المركزي، لتكون إنجازاً وطنياً يضاف إلى ما تحقق بعد التحرير، وخطوة «راسخة» نحو الاستقرار والنهوض الاقتصادي.

وأضاف أن الخطوة تمثل «لحظة مفصلية» في التاريخ المالي والاقتصادي للبلاد، للتعبير عن الوحدة والحضارة والتمسك بالسيادة المالية التي تجسدها العملة الجديدة.

وكان مصرف سوريا المركزي قد أوضح في 18 من شهر ديسمبر الحالي أنه سيعلن تفاصيل العملة الجديدة «في الوقت المناسب»، وحال اكتمال التجهيزات والترتيبات المطلوبة، مؤكداً أن جميع التعاملات المصرفية تسير مثل المعتاد دون أي تأثير على الخدمات المقدمة للمواطنين والمستثمرين.

وفي وقت سابق ذكر حاكم المصرف المركزي أن قرار تغير العملة درس بعناية ويجري العمل على توفير المتطلبات الفنية واللوجيستية، وضبط القاعدة النقدية لتجنب الآثار التضخمية.

وأوضح أن «لتبديل العملة رسائل مهمة، فعلى المستوى السياسي يعد تعبيراً عن استعادة السيادة، وعلى المستوى النقدي يسهم في تنظيم أفضل للوحدة النقدية، أما اقتصادياً فيشكل إشارة استقرار وجذب للاستثمار، فيما تنعكس آثاره اجتماعياً من خلال تخفيف عبء الأصفار عن الأسعار وتسهيل التعاملات».


السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
TT

السندات البريطانية في 2026... رهان العائد الهادئ في سوق مضطربة

عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)
عملات معدنية من الجنيه الإسترليني (رويترز)

تشير بوصلة الاستثمار العالمي نحو المملكة المتحدة في عام 2026، حيث يُجمع كبار محللي بنوك الاستثمار على أن السندات البريطانية (Gilts) ستكون «الحصان الأسود» في الأسواق المالية. فبعد سنوات من التشدد النقدي، يترقب المستثمرون تراجعاً تدريجياً في تكاليف الاقتراض، مدفوعاً بآمال خفض أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا.

المسار المتوقع لعوائد السندات السيادية

شهدت السندات البريطانية لأجل عشر سنوات تحولات حادة، حيث قفزت عوائدها مطلع عام 2025 إلى ذروة ستة عشر عاماً، ملامسةً مستوى 4.9 في المائة. جاء هذا الارتفاع مدفوعاً بتضافر عاملين: أولهما تنامي الهواجس بشأن وصول إصدارات الدين العام إلى مستويات قياسية، وثانيهما موجة التصحيح العنيفة (Sell-off) التي اجتاحت أسواق السندات العالمية آنذاك.

ومع ذلك، تشير التوقعات الاستشرافية إلى انعطافة في هذا المسار، حيث يُنتظر أن تتراجع العوائد لتستقر عند 4.32 في المائة بحلول نهاية عام 2026. ورغم أن وتيرة هذا التراجع تبدو «متحفظة» بالنظر إلى المستوى الحالي البالغ 4.49 في المائة، فإنها تحمل في طياتها دلالة استثمارية مهمة؛ فهي تضع السندات البريطانية في موقع الأفضلية من حيث الأداء النسبي مقابل سندات الخزانة الأميركية.

ففي الوقت الذي يتوقع فيه خبراء «وول ستريت» أن تراوح تكاليف الاقتراض الأميركية مكانها عند حدود 4.18 في المائة لأجل عشر سنوات، فإن الانخفاض المرتقب في العوائد البريطانية يمنحها هامشاً أوسع لتحقيق مكاسب رأسمالية، مما يعزز جاذبيتها في محافظ الاستثمار الدولية خلال المرحلة المقبلة.

وقال لوكا باوليني، كبير الاستراتيجيين في شركة «بيكتيه» لإدارة الأصول: «نتوقع أن تحقق السندات البريطانية أفضل عائد بين أسواق السندات الكبرى العام المقبل»، مشيراً إلى مزيج من خفض أسعار الفائدة من بنك إنجلترا، وتباطؤ النمو الاقتصادي، و«أوضاع مالية عامة أفضل مقارنة بغيرها».

ويأتي ذلك في وقت يتوقع فيه المحللون على نطاق واسع أن يبدأ بنك إنجلترا بخفض الفائدة تدريجياً طوال عام 2026، مع استمرار تراجع التضخم باتجاه الهدف البالغ 2 في المائة.

وإذا تحققت هذه التخفيضات، فقد تميل عوائد السندات البريطانية إلى الانخفاض، ما يوفر مكاسب رأسمالية محدودة إلى جانب تحسن العوائد الداخلية، مقارنة بفترة العوائد المتدنية للغاية التي سبقت جائحة «كوفيد - 19».

لكنّ صانعي السياسات حذروا من أن ضغوط التضخم، ولا سيما في قطاع الخدمات والأجور، لا تزال تشكل خطراً، وأن أي عودة لهذه الضغوط قد تحدّ من هامش خفض الفائدة وتُبقي العوائد مرتفعة لفترة أطول.

يمر المشاة أمام بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

بين جاذبية العوائد وتفوق الأسهم

على الرغم من الأداء الإيجابي المتين الذي سجلته سوق السندات إجمالاً خلال عام 2025، حيث حقق مؤشر بلومبرغ الأميركي المجمع للسندات عائداً قارب 7 في المائة حتى أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، فإن هذه النتائج ظلت توصف بالمتواضعة عند وضعها في كفة المقارنة مع المكاسب المزدوجة التي حصدتها مؤشرات الأسهم الرئيسية، والتي تفوقت بوضوح في جذب شهية المخاطرة.

وفي سياق تحليل هذه الديناميكيات، أشار جيمس أذي، مدير الصناديق في شركة «مارلبورو» لإدارة الاستثمارات، إلى أن السندات البريطانية استعادت أخيراً قدرتها على توليد دخل مجدٍ للمستثمرين، مستدركاً أن فرضية العودة إلى مستويات العوائد المتدنية التي سادت حقبة ما قبل الجائحة تظل احتمالية مستبعدة إلى حد كبير.

واستطرد موضحاً أن مسار خفض أسعار الفائدة لن يؤدي بالضرورة إلى هبوط حاد في العوائد، وذلك نظراً لتقاطع ضغوط التضخم مع مخاطر ازدياد معروض الدين العام، الأمر الذي يعني استقرار العوائد عند مستويات قاعدية تفوق بكثير تلك التي اعتاد عليها المستثمرون إبان العقد الثاني من القرن الحالي.

من جهتها، قالت روث غريغوري، نائبة كبير الاقتصاديين البريطانيين في «كابيتال إيكونوميكس»: «بنك إنجلترا سيخفض الفائدة، لكنه سيفعل ذلك بحذر. وهذا يعني وجود بعض الضغوط النزولية على عوائد السندات البريطانية، ولكن من دون إعادة تسعير حادة».

وتتوقع «غولدمان ساكس» للأبحاث أن يقوم بنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال النصف الأول من العام المقبل، ليصل سعر الفائدة الأساسي إلى 3 في المائة بحلول صيف 2026.

وفي محاولة لاستعادة ثقة الأسواق وتقليص علاوة المخاطر السياسية على تكاليف الاقتراض البريطانية، رفعت وزيرة المالية رايتشل ريفز، في موازنة نوفمبر، هامش الأمان الحكومي ضمن قواعد الاقتراض من 9.9 مليار جنيه إسترليني إلى 21.7 مليار جنيه.

وقد شهدت السندات البريطانية ارتفاعاً قبل الموازنة، على خلفية توقعات بهذا التحول الإيجابي للمستثمرين، وارتفعت أسعارها يوم إعلان الموازنة، مدعومة أيضاً بإعلان الحكومة نيتها تقليص مبيعات الديون طويلة الأجل على وجه الخصوص.

وتُعد مورغان ستانلي من أكثر المؤسسات تفاؤلاً بشأن السندات البريطانية في العام المقبل، مستندة إلى خفض أسعار الفائدة من بنك إنجلترا وتحسن ديناميكيات العرض والطلب - مع توقع بلوغ إصدارات السندات ذروتها في السنة المالية الحالية - حيث تستهدف عائداً عند 3.9 في المائة على السندات لأجل عشر سنوات بنهاية 2026.

في المقابل، يبدو «جيه بي مورغان» أكثر تشاؤماً، إذ يرى أن مخاطر حدوث تحدٍّ لقيادة حزب «العمال» بعد الانتخابات الإقليمية في مايو (أيار) المقبل قد تدفع تكاليف الاقتراض طويلة الأجل إلى الارتفاع، مع مطالبة المستثمرين بعلاوة مقابل حالة عدم اليقين. ويتوقع «جيه بي مورغان» أن يبلغ عائد السندات لأجل عشر سنوات نحو 4.75 في المائة بنهاية 2026.

آفاق الولايات المتحدة

تتسم التوقعات المستقبلية لسندات الخزانة الأميركية بقدر أكبر من التوازن والتعقيد خلال العام المقبل. فعلى الرغم من السياسة التيسيرية التي انتهجها الاحتياطي الفيدرالي، التي أفضت إلى تقليص سعر الفائدة الأساسي بنحو مائتي نقطة أساس على مدار الثمانية عشر شهراً الماضية، فإن عوائد الأوراق المالية ذات الآجال المتوسطة والطويلة أبدت مقاومة واضحة، وظلت مستقرة عند مستويات مرتفعة نسبياً.

وبناءً عليه، يتوقع المحللون أن تكون العوائد الأميركية أكثر صموداً مقارنة بنظيرتها البريطانية، مع احتمال استمرار التباعد بين السوقين. وستظل بيانات التضخم والسياسة المالية من العوامل الحاسمة في تحديد أداء سندات الخزانة.

وقالت بريا ميسرا، مديرة المحافظ في «جيه بي مورغان» لإدارة الأصول: «تواجه الولايات المتحدة مزيجاً فريداً من النمو القوي والإصدارات الضخمة جداً من الديون». وأضافت: «هذا يجعل من غير المرجح حدوث تراجع حاد في عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل، حتى لو خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة».

أوراق نقدية للجنيه الإسترليني والدولار الأميركي في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

سندات الشركات

شهد هذا العام عدداً من صفقات السندات الضخمة بشكل استثنائي من قبل شركات عالمية كبرى، ما يعكس توجه شركات التكنولوجيا والاتصالات على وجه الخصوص إلى أسواق الدين لتمويل استراتيجيات كثيفة رأس المال.

وكانت أبرز صفقة في العام من نصيب شركة «ميتا»، التي جمعت نحو 30 مليار دولار من خلال إصدار سندات متعددة الشرائح، في واحدة من أكبر صفقات السندات الفردية التي تنفذها شركة تكنولوجية على الإطلاق، وقد قوبلت بطلب قوي من المستثمرين.

وقد عكس ذلك ثقة السوق في قوة الميزانية العمومية لـ«ميتا»، وقدرتها على دعم الإنفاق الواسع على الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات والبنية التحتية المرتبطة بها.

وتبعتها شركة «أوراكل» بإصدار سندات بنحو 18 مليار دولار، وُصف على نطاق واسع بأنه ثاني أكبر إصدار لسندات الشركات الأميركية في عام 2025، ما أتاح لها دعم توسعها في الحوسبة السحابية والخدمات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

وفي الوقت نفسه، أنهت شركة «ألفابت» المالكة لـ«غوغل»، إصدار سندات متعددة الشرائح مقومة باليورو بقيمة تقارب 6 إلى 7 مليارات يورو، ما عزز دور السوق الأوروبية بصفتها مصدر تمويل لشركات التكنولوجيا الأميركية.

وعكس إصدار «ألفابت» كلاً من شهية المستثمرين القوية للديون عالية الجودة، ورغبة الشركات المُصدِرة في تنويع مصادر التمويل بعيداً عن أسواق الدولار الأميركي.

كما برز قطاع الاتصالات بقوة، إذ نفذت شركة «فيرايزون» عدة صفقات سندات كبيرة خلال عام 2025، من بينها إصدارات هجينة في أسواق اليورو والجنيه الإسترليني.

وبالنظر إلى عام 2026، من المرجح أن تستمر سوق سندات الشركات في التأثر بالقوة نفسها التي دفعت الإصدارات الضخمة هذا العام.

ومن المتوقع أن تظل شركات التكنولوجيا والاتصالات من أبرز المقترضين، مع استمرار الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، والطاقة الاستيعابية السحابية، ومراكز البيانات، والبنية التحتية للشبكات.

المخاطر

تمثل عودة التذبذبات في أسعار الفائدة التحدي الأكثر جوهرية الذي يواجه أسواق السندات خلال عام 2026؛ فبالرغم من المسار النزولي المفترض للفائدة الرسمية، فإن أي تحول مباغت في التوقعات التضخمية أو تبدل في النبرة التوجيهية للبنوك المركزية كفيل بإرباك جداول الإصدارات الزمنية.

وفي العرف الاستثماري، يبدي حائزو السندات مرونة أكبر تجاه العوائد المرتفعة مقارنة بحالة الضبابية وعدم اليقين؛ إذ إن أي عملية إعادة تسعير حادة وشيكة قد تفضي سريعاً إلى اتساع هوامش العوائد وانكماش ملحوظ في نشاط السوق الأولية. وعلاوة على ذلك، يبرز الاقتراض السيادي المكثف على أنه عامل ضغط إضافي، حيث إن وتيرة الإصدارات الحكومية المتصاعدة، لا سيما في الاقتصادين الأميركي والأوروبي، قد تسهم في رفع تكلفة التمويل الإجمالية على المصدرين كافة. ولا تزال الصدمات الجيوسياسية قائمة بوصفها متغيراً حرجاً قادراً على تقويض مستويات الثقة، وإضعاف شهية المخاطرة لدى المؤسسات الاستثمارية الكبرى.


اليابان تسعى إلى المواءمة بين الانضباط المالي وتشديد السياسة النقدية

رئيس اتحاد «كيدانرين» للعمال يستقبل رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى زيارتها لمؤتمر الاتحاد في العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
رئيس اتحاد «كيدانرين» للعمال يستقبل رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى زيارتها لمؤتمر الاتحاد في العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
TT

اليابان تسعى إلى المواءمة بين الانضباط المالي وتشديد السياسة النقدية

رئيس اتحاد «كيدانرين» للعمال يستقبل رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى زيارتها لمؤتمر الاتحاد في العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)
رئيس اتحاد «كيدانرين» للعمال يستقبل رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لدى زيارتها لمؤتمر الاتحاد في العاصمة طوكيو (أ.ف.ب)

تسعى الحكومة اليابانية إلى طمأنة الأسواق بشأن قدرتها على ضبط أوضاع المالية العامة، بالتوازي مع تحول تدريجي في السياسة النقدية نحو مزيد من التشديد، في مرحلة دقيقة تشهد فيها البلاد ارتفاعاً في عوائد السندات، وضعفاً في الين، وضغوطاً تضخمية متراكمة.

وفي هذا السياق، أكدت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي، الخميس، أن مشروع ميزانية العام المالي المقبل يحافظ على الانضباط المالي، رغم تسجيله حجماً قياسياً جديداً، مشددة على أن الحكومة لا تعتزم زيادة الاعتماد على الديون بشكل غير مسؤول.

وقالت تاكايتشي، في حديث أمام قيادات الائتلاف الحاكم، إن مشروع الميزانية للعام الذي يبدأ في أبريل (نيسان) المقبل سيبلغ نحو 122.3 تريليون ين (ما يعادل 785.4 مليار دولار)، وهو أكبر حجم في تاريخ اليابان، لكنه لا يعني تخلي الحكومة عن ضبط المالية العامة.

وأوضحت أن إصدار السندات الحكومية الجديدة سيبقى عند حدود 29.6 تريليون ين، أي أقل من 30 تريليون ين للعام الثاني على التوالي، في إشارة واضحة إلى حساسية الحكومة تجاه المخاوف الكبيرة من تفاقم الدين العام.

وأضافت أن نسبة الاعتماد على الدين في تمويل الميزانية ستتراجع إلى 24.2 في المائة، مقارنة بـ24.9 في المائة بالميزانية الأولية للعام المالي 2025، وهي نسبة انخفضت دون 30 في المائة للمرة الأولى منذ 27 عاماً.

وعدّت أن هذا التوجه يعكس توازناً مدروساً بين دعم النمو الاقتصادي والحفاظ على الاستدامة المالية. وأكدت أن الحكومة ترى في مشروع الميزانية «صيغة متوازنة» تجمع بين الانضباط المالي، وتحقيق اقتصاد قوي قادر على النمو المستدام، في وقت تزداد فيه التحديات المرتبطة بتكاليف الرعاية الاجتماعية والدفاع وخدمة الدين.

• إشارات واضحة لمزيد من رفع الفائدة

في موازاة ذلك، بعث محافظ بنك اليابان المركزي كازو أويدا برسائل واضحة تؤكد أن البنك مستعد لمواصلة رفع أسعار الفائدة، إذا ما استمرت المؤشرات الاقتصادية والتضخمية في التحسن وفق السيناريو الأساسي للبنك. وقال أويدا، في خطاب ألقاه أمام اتحاد رجال الأعمال اليابانيين «كيدانرين»، إن التضخم الأساسي في اليابان «يتسارع بشكل تدريجي ومستقر»، ويقترب بثبات من هدف البنك البالغ 2 في المائة، مشيراً إلى أن الظروف الحالية تسمح بمواصلة تقليص الدعم النقدي شديد التيسير.

وأضاف أن أسعار الفائدة الحقيقية لا تزال منخفضة للغاية، ما يمنح البنك المركزي هامشاً لمواصلة الرفع التدريجي للفائدة، بما يتماشى مع تحسن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار، في حال تحقق السيناريو الأساسي. وجاءت تصريحات أويدا بعد قرار البنك المركزي الأسبوع الماضي رفع سعر الفائدة إلى 0.75 في المائة، وهو أعلى مستوى تشهده اليابان منذ 30 عاماً، في خطوة وُصفت بأنها محطة مفصلية في مسار إنهاء عقود من السياسات النقدية فائقة التيسير.

وأوضح محافظ البنك أن هذا القرار عكس قناعة كبيرة لدى صناع السياسة النقدية بأن المخاطر الاقتصادية المرتبطة بالرسوم الجمركية الأميركية قد تراجعت، وأن الشركات باتت أكثر استعداداً لمواصلة رفع الأجور خلال العام المقبل.

• حلقة الأجور والتضخم

وأشار أويدا إلى أن سوق العمل في اليابان ستظل مشدودة في المدى المنظور، في ظل عوامل هيكلية يصعب عكسها، أبرزها تراجع عدد السكان في سن العمل. وأكد أن هذه العوامل ستبقي الضغوط التصاعدية على الأجور قائمة، ما يدعم مسار التضخم المستدام. وأضاف أن الشركات لم تعد تقتصر على تمرير ارتفاع تكاليف العمالة والمواد الخام في أسعار الغذاء فقط، بل باتت تمتد إلى سلع وخدمات أخرى، في مؤشر على تشكل آلية أكثر استقراراً ترتفع فيها الأجور والأسعار معاً. وقال: «التضخم الأساسي في اليابان يسير في اتجاه تصاعدي معتدل، ومع تشدد سوق العمل، تغيّر سلوك الشركات في تحديد الأجور والأسعار بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة»، مؤكداً أن تحقيق هدف التضخم البالغ 2 في المائة، المصحوب بزيادات في الأجور «أصبح أقرب من أي وقت مضى».

• الين تحت الضغط

ورغم هذه الرسائل، لا يزال ضعف الين مصدر قلق لصناع القرار، إذ يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الواردات وزيادة الضغوط التضخمية، ما ينعكس سلباً على الاستهلاك المحلي. وكانت تصريحات أويدا عقب اجتماع السياسة النقدية الأخير قد فُسّرت في الأسواق على أنها حذرة، ما أدى إلى تراجع الين، وهو ما دفع المستثمرين إلى التدقيق في نبرة البنك المركزي بحثاً عن إشارات أوضح بشأن وتيرة التشديد المقبلة. ويتوقع محللون أن يُبقي بنك اليابان أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه المقبل المقرر يومي 22 و23 يناير (كانون الثاني)، إلا أن التحديث الفصلي لتوقعات النمو والتضخم قد يوفر مؤشرات مهمة حول تقييم البنك لتأثير ضعف الين على الضغوط السعرية. وبين ميزانية توسعية منضبطة وسياسة نقدية تميل إلى التشديد التدريجي، تحاول اليابان رسم مسار دقيق يوازن بين دعم النمو الاقتصادي، واحتواء المخاطر المالية، في مرحلة تشهد تحولات عميقة في الاقتصاد المحلي والبيئة العالمية.