مع زيادة إصابات «كورونا»... لماذا يقدم الصينيون على تخزين الخوخ المُعلّب؟

سكان يصطفون بانتظار خضوعهم لاختبار الكشف عن فيروس كورونا في هانغجو بشرق الصين (أ.ف.ب)
سكان يصطفون بانتظار خضوعهم لاختبار الكشف عن فيروس كورونا في هانغجو بشرق الصين (أ.ف.ب)
TT

مع زيادة إصابات «كورونا»... لماذا يقدم الصينيون على تخزين الخوخ المُعلّب؟

سكان يصطفون بانتظار خضوعهم لاختبار الكشف عن فيروس كورونا في هانغجو بشرق الصين (أ.ف.ب)
سكان يصطفون بانتظار خضوعهم لاختبار الكشف عن فيروس كورونا في هانغجو بشرق الصين (أ.ف.ب)

أثارت موجة غير مسبوقة من حالات الإصابة بفيروس «كورونا» في الصين، الذعر في شراء أدوية الحمى ومسكنات الآلام، وحتى العلاجات المنزلية مثل الخوخ المُعلّب؛ ما أدى إلى نقص في هذه المنتجات على الإنترنت وفي المتاجر.
قالت السلطات، يوم الأربعاء، إنها رصدت 2249 حالة مصحوبة بأعراض «كورونا» على الصعيد الوطني من خلال الاختبارات، وتم اكتشاف 20 في المائة منها في بكين.
وتشير تقارير شبكة «سي إن إن» إلى أن عدد الحالات في العاصمة الصينية قد يكون أعلى بكثير مما تم تسجيله.
ويزداد الطلب على أدوية الحمى، مثل «Tylenol» و«Advil»، على الصعيد الوطني، حيث يسارع الناس إلى تخزين الأدوية وسط مخاوف من أنهم قد يصابون بالفيروس.
وبيع الكثير من الخوخ الأصفر المُعلّب، الذي يعتبر طعاماً شهياً ومغذياً في أجزاء كثيرة من الصين، لأن ثمة اعتقاداً أنه يحارب «كورونا». ويباع المنتج حالياً في عديد من المتاجر عبر الإنترنت.
ودفعت الزيادة المفاجئة في شعبية هذا المنتج، شركة «Dalian Leasun Food»، إحدى أكبر الشركات المصنعة للأغذية المعلبة في البلاد، إلى التوضيح في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن الخوخ الأصفر المُعلب ليس له أي تأثير طبي. وقالت: «الخوخ الأصفر المعلب ليس دواءً!». وتابعت: «هناك إمدادات كافية، لذلك لا داعي للذعر. لا داعي للتسرع في الشراء».

وحاولت صحيفة «الشعب» اليومية، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي، تصحيح الأمور. ونشرت رسالة طويلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأحد، تحض الجمهور على عدم تخزين الخوخ، واصفة الفاكهة بأنها «غير مجدية في تخفيف أعراض المرض».
كما ناشدت السلطات الجمهور عدم تخزين الإمدادات الطبية.
ويوم الاثنين، حذرت حكومة مدينة بكين السكان من أنها تواجه «ضغوطاً كبيرة» لتلبية الطلب على الأدوية والخدمات الطبية بسبب الذعر في الشراء وتدفق المرضى إلى العيادات، ودعت الجمهور إلى عدم تخزين الأدوية أو الاتصال بخدمات الطوارئ إذا لم تظهر عليهم أعراض.

* استعدادات في الريف
في غضون ذلك، وضعت السلطات خططاً عاجلة اليوم (الجمعة) لحماية المجتمعات الريفية من «كوفيد - 19»، إذ يخطط الملايين من سكان المدن للسفر في العطلات لأول مرة منذ أعوام بعدما تخلت بكين عن نظامها الصارم من عمليات الإغلاق والقيود على السفر، وفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء.
وأتى تحرك الصين في الأسبوع الماضي، لمواكبة عالم انفتح بشكل كبير على التعايش مع «كوفيد - 19»، عقب احتجاجات تاريخية على سياسة «صفر كوفيد»، التي وضعها الرئيس شي جينبينغ للقضاء على المرض.
ولكن الحماس الذي قوبل به هذا العدول الكبير عن السياسة سرعان ما أثار مخاوف من أن الصين غير مستعدة للموجة المقبلة من الإصابات، وللضربة التي قد توجهها لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتشعر السلطات بالقلق بشكل خاص حيال المناطق النائية في الفترة التي تسبق عطلة رأس السنة القمرية الجديدة في الصين، التي تبدأ في 22 يناير (كانون الثاني).
ومن المرجح أن تغص المناطق الريفية بالمسافرين العائدين إلى مساقط رؤوسهم وقراهم، التي لم تتعرض إلى الفيروس على نطاق كبير خلال الأعوام الثلاثة الماضية منذ تفشي الجائحة.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

العالم زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

أدلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمزيد من التصريحات بشأن مكالمة هاتفية جرت أخيراً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، في أول محادثة مباشرة بين الزعيمين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال زيلينسكي في كييف، الجمعة، بعد يومين من الاتصال الهاتفي، إنه خلال المكالمة، تحدث هو وشي عن سلامة الأراضي الأوكرانية ووحدتها «بما في ذلك شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا على البحر الأسود)» وميثاق الأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

تبرأت الصين، اليوم (الجمعة)، من اتهامات وجهها خبراء من الأمم المتحدة بإجبارها مئات الآلاف من التيبتيين على الالتحاق ببرامج «للتدريب المهني» تهدد هويتهم، ويمكن أن تؤدي إلى العمل القسري. وقال خبراء في بيان (الخميس)، إن «مئات الآلاف من التيبتيين تم تحويلهم من حياتهم الريفية التقليدية إلى وظائف تتطلب مهارات منخفضة وذات أجر منخفض منذ عام 2015، في إطار برنامج وُصف بأنه طوعي، لكن مشاركتهم قسرية». واكدت بكين أن «التيبت تتمتع بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والوحدة العرقية وموحّدة دينياً ويعيش الناس (هناك) ويعملون في سلام». وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أن «المخاوف المز

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

أثار كتاب التاريخ لتلاميذ المدارس الصينيين الذي يذكر استجابة البلاد لوباء «كورونا» لأول مرة نقاشاً على الإنترنت، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). يتساءل البعض عما إذا كان الوصف ضمن الكتاب الذي يتناول محاربة البلاد للفيروس صحيحاً وموضوعياً. أعلن قادة الحزب الشيوعي الصيني «انتصاراً حاسماً» على الفيروس في وقت سابق من هذا العام. كما اتُهمت الدولة بعدم الشفافية في مشاركة بيانات فيروس «كورونا». بدأ مقطع فيديو قصير يُظهر فقرة من كتاب التاريخ المدرسي لطلاب الصف الثامن على «دويين»، النسخة المحلية الصينية من «تيك توك»، ينتشر منذ يوم الأربعاء. تم تحميله بواسطة مستخدم يبدو أنه مدرس تاريخ، ويوضح

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«كويبُوكا»… يذكّر بحروب الإبادة في رواندا

نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)
نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)
TT

«كويبُوكا»… يذكّر بحروب الإبادة في رواندا

نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)
نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)

في فيلمه «كويبُوكا، تذكَّر»، الذي شارك في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، يعود المخرج البلجيكي–الرواندي جوناس داديِسكي إلى موطنه رواندا لا بوصفها مسرحاً لمأساة تاريخية فحسب، بل إنه فضاء حيّ يعيد طرح أسئلة الذاكرة، والهوية، والانتماء من منظور جيلٍ عاش الإبادة الجماعية من بعيد، لكنه ظل يحمل آثارها في داخله.

تدور أحداث الفيلم حول «ليا»، لاعبة كرة سلّة بلجيكية–رواندية، تواجه نهاية مسيرتها الاحترافية في أوروبا، قبل أن تتلقى دعوة غير متوقعة للانضمام إلى منتخب رواندا الوطني، والمشاركة في بطولة تُقام في كيغالي. الرحلة التي تبدو في ظاهرها رياضية بحتة، تتحول تدريجياً إلى مواجهة داخلية مع الذاكرة، والمنفى، وصمت العائلة، وهوية ممزقة بين مكانين وزمنين.

يقول داديِسكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الدافع الأساسي لصناعة الفيلم كان رغبتي الشخصية في إعادة الاتصال برواندا، البلد الذي أنتمي إليه عبر والدي، رغم أنه وُلد ونشأ في بلجيكا»، مشيراً إلى أنه لم يُرِد العودة بصفة أنه سائح، بل من خلال مشروع يتيح له خوض تجربة إنسانية حقيقية مع الناس هناك، وهو ما تحقق عبر الفيلم، الذي أعاده مراراً إلى رواندا، وفتح أمامه علاقات، واكتشافات غيّرت نظرته إلى البلد، وإلى نفسه.

صور الفيلم بالعديد من المواقع الحقيقية داخل رواندا (الشركة المنتجة)

ويوضح أن شخصية «ليا»، بطلة الفيلم، جاءت انعكاساً جزئياً لتجربته الذاتية، فهي تنتمي إلى الجيل نفسه، وتحمل الهوية المختلطة ذاتها، وتعود إلى رواندا ليس بدافع الحنين، بل عبر مهمة محددة، وهي الانضمام إلى منتخب كرة السلة الوطني. ومع ذلك، فإن هذه العودة تفتح أسئلة مؤجلة حول العائلة، والماضي، والإبادة الجماعية.

وأكد أن الفيلم انطلق من الشخصية أولاً، لكن استحالة فصل العودة إلى رواندا عن تاريخها جعلت ذاكرة ما بعد الإبادة حاضرة بوصفها سياقاً لا يمكن تجاهله، مشيراً إلى أنه تعامل مع كرة السلة باعتبارها فقاعة تحتمي داخلها «ليا»، فالحياة الاحترافية القاسية سمحت لها بالتركيز على الحاضر، وتجنب مواجهة ماضيها. غير أن دعوة المنتخب الرواندي شكّلت أول شرخ في هذه الفقاعة، إذ سمحت لها بالعودة إلى البلد من دون أن تكون مطالبة فوراً بمواجهة أسئلتها العائلية.

ولفت إلى أن الفيلم يتعمد كسر صورة «الفيلم الرياضي الكلاسيكي»، إذ تبدأ «ليا» باعتبارها نجمة منتظرة، وقائدة للفريق، لكنها تنتهي بالتنازل عن موقعها، وإقناع المدرب بأن الفريق قادر على الفوز من دونها، في موازاة رمزية مع رواندا التي أعادت بناء نفسها بعد الإبادة.

عاد المخرج إلى رواندا عدة مرات للتحضير للفيلم (الشركة المنتجة)

وعن تجنب الميلودراما يقول داديِسكي إن «قوة الشخصية المهنية كانت عنصراً أساسياً في موازنة هشاشتها الداخلية. فالفيلم يقدّمها أولاً كلاعبة ناجحة، قبل أن يكشف تدريجياً تعقيدات ماضيها»، مؤكداً أن وعي البطلة بأنها لم تعش الإبادة بنفسها منح الشخصية تواضعاً أخلاقياً، منعها من إصدار الأحكام، وهو ما انعكس على نبرة الفيلم العامة، القائمة على الصمت، والكلمات القليلة، والانفعالات المكبوتة.

وفي تناوله للإبادة الجماعية، يوضح المخرج أنه اختار الابتعاد عن الصور المباشرة، أو الأرشيف، مفضّلاً تثبيت الفيلم في الحاضر، مشيراً إلى أن «الصمت والغياب كانا عنصرين أساسيين في السرد، قبل أن تأتي فكرة استخدام الرسوم المتحركة بوصفها وسيلة عضوية لاستعادة الذاكرة، فالبطلة لا تملك صوراً واضحة عن الماضي، بينما يحمل والدها ذكريات مؤلمة عبّر عنها عبر رسومات، وعندما تكتشف الابنة هذه الرسومات، تبدأ في إسقاط ذاكرتها المتخيلة عليها، في عملية إعادة بناء غير مكتملة، تعكس هشاشة الذاكرة، وتشوهها»، على حد تعبيره.

ويؤكد داديِسكي أن الرسوم المتحركة كانت خياراً أخلاقياً، وجمالياً، لأنها تبتعد عن إعادة تمثيل العنف، وتسمح بتجسيد الإحساس بدل الحدث، كما أنها شكّلت جسراً عاطفياً بين الأب، والابنة، وهي العلاقة التي يراها جوهر الفيلم.

وحول فكرة «العودة» إلى الوطن، يشدد على أن الفيلم لا يتعامل معها بوصفها حنيناً، لأن «ليا» لا تمتلك ذاكرة واضحة عن رواندا، فهي لا تتقن اللغة، والبلد تغيّر جذرياً، حتى ملاعب كرة السلة أصبحت أكثر تطوراً مما عرفته في أوروبا، لافتاً إلى أن وجودها في رواندا لاعبة، لا سائحة، منح السرد ديناميكية، وحوّل العودة إلى رحلة اكتشاف وبحث، لا استرجاع للماضي.

قدم الفيلم صورة عن واقع رواندا اليوم بنظرة جيل عاش خارجها (الشركة المنتجة)

ويرى المخرج أن البطلة تمثل جيلاً كاملاً من أبناء الشتات الرواندي، الذين غادروا البلاد خلال الإبادة، ونظروا إلى وطنهم لسنوات طويلة من خلال مأساة واحدة، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن الشخصية تتجاوز خصوصيتها، لتعبّر عن تجربة إنسانية أوسع، تشمل كل من عاش انكسار الهوية بسبب الحرب، أو المنفى، أو التبني القسري.

وعن التناقض بين ماضي رواندا الجريح وحاضرها النابض، يقول داديِسكي إن هذه المفارقة كانت من أقوى الصدمات التي عاشها شخصياً عند زيارته الأولى للبلد، بعدما اكتشف عاصمة حديثة، وطبيعة خلابة، وحياة يومية مليئة بالطاقة، لافتاً إلى أنه أراد نقل هذه الصورة إلى الفيلم، من دون إنكار الماضي، عبر لغة بصرية ملوّنة، وحيوية، تقابلها معالجة متقشفة وصامتة لأماكن الذاكرة، وقال إن «الفيلم يعكس قناعتي بأن الجيل الذي كان طفلاً وقت الإبادة يمتلك اليوم مسافة كافية تسمح له بمساعدة جيل الآباء على تفكيك صدماتهم».

وفي ختام حديثه، يشير داديِسكي إلى أن اسم الفيلم لا يعني التذكّر بوصفه عودة جامدة إلى الماضي، بل باعتبار أنه تفاعل حيّ بين الماضي والحاضر، معرباً عن أمله في أن يخرج المشاهد من الفيلم برغبة في مواجهة عقده الخاصة قبل فوات الأوان، وبإيمان حقيقي بإمكانية إعادة البناء، سواء على المستوى الفردي، أو الجماعي، حتى بعد أكثر التجارب الإنسانية قسوة.


«متحف قرّاء القرآن الكريم» يوثق لتاريخ التلاوة في مصر

جانب من افتتاح المتحف في العاصمة الجديدة (وزارة الثقافة المصرية)
جانب من افتتاح المتحف في العاصمة الجديدة (وزارة الثقافة المصرية)
TT

«متحف قرّاء القرآن الكريم» يوثق لتاريخ التلاوة في مصر

جانب من افتتاح المتحف في العاصمة الجديدة (وزارة الثقافة المصرية)
جانب من افتتاح المتحف في العاصمة الجديدة (وزارة الثقافة المصرية)

يُوثق «متحف قرّاء القرآن الكريم» لتاريخ التلاوة والمقرئين في مصر، بوصفه مشروعاً ثقافياً يسعى إلى توثيق تراث صوتي يشكّل جزءاً مهماً من الذاكرة المصرية.

فالمتحف، الذي افتتح أخيراً، يوثّق تسجيلات كبار المقرئين في مصر إلى جوار مقتنياتهم الشخصية، ضمن سياق متحفي يعزّز قيمة التراث غير المادي المرتبط بتاريخ الاستماع للتلاوة القرآنية، وبذاكرة متجذّرة في الوجدان الجمعي، وبذلك، يصبح المتحف أقرب إلى توثيق حي لتاريخ التلاوة، لا مجرد أرشيف.

المقتنيات الشخصية للشيخ أبو العينين شعيشع في المتحف (وزارة الثقافة المصرية)

ويضم المتحف، الذي افتتح رسمياً، الثلاثاء، مقتنيات خاصة لأحد عشر من رموز مدرسة التلاوة المصرية، هم: محمد رفعت، وعبد الفتاح الشعشاعي، وطه الفشني، ومصطفى إسماعيل، ومحمود خليل الحصري، ومحمد صديق المنشاوي، وأبو العينين شعيشع، ومحمود علي البنا، وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمد محمود الطبلاوي، وأحمد الرزيقي.

ركن القارئ مصطفى إسماعيل (وزارة الثقافة المصرية)

وتتوزع معروضات المتحف، المُلحق بدار القرآن الكريم بمركز مصر الثقافي الإسلامي بالعاصمة الجديدة (شرق القاهرة) على أربع قاعات رئيسية، ويضم مجموعة من المخطوطات والمقتنيات النادرة، من بينها إجازات الأزهر الشريف لعدد من المقرئين، إلى جانب نسخ من المصحف، من بينها نسخة من المصحف العثماني.

ويعتمد العرض المتحفي على الجمع بين المادة البصرية والتسجيلات الصوتية، بحيث لا تُعرض المقتنيات بوصفها أشياء منفصلة عن أصحابها، بل كجزء من مسار حياتهم ومسيرتهم في التلاوة.

ويعدّ الكاتب والناقد المصري الدكتور أحمد إبراهيم الشريف أن «المتحف يمثل إضافة مهمة في أكثر من اتجاه»، أبرزها أنه «لا يقدم مكاناً للعرض بقدر ما يقدّم معنى ثقافياً يعمل على تكريس هوية مصرية وذاكرة شعبية وروحانية إنسانية».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «المدرسة المصرية في قراءة القرآن الكريم ليست أداءً فقط، بل تقليد عريق تشكّل عبر أجيال، وترك بصمته على الذائقة الدينية والجمالية في العالم الإسلامي كله، ولأن القراءة هنا ارتبطت بمقامات الصوت وتقاليد الأداء والانضباط اللغوي، فقد تحولت إلى علامة ثقافية قائمة بذاتها، يلتقطها المستمع من طريقة النطق، ومن الإيقاع، ومن العلاقة المتوازنة بين الخشوع والجمال».

مقتنيات القارئ طه الفشني (وزارة الثقافة المصرية)

وتتنوع المقتنيات المعروضة داخل المتحف، من عمامات وملابس وعباءات وقفاطين وجلاليب وسبح، إلى أجهزة تسجيل صوتية قديمة، ودروع تكريم ونياشين وأوشحة ارتداها القراء في مناسبات مختلفة، كما تضم القاعات صوراً شخصية للمقرئين مع أسرهم، وصوراً لتكريماتهم، وشهادات تقدير، إلى جانب قصاصات صحافية وثّقت محطات مهمة في حياتهم، فضلاً عن وسائل حديثة تتيح للزائر الاستماع إلى تلاواتهم.

ركن الشيخ محمود خليل الحصري (وزارة الثقافة المصرية)

وكان المتحف قد افتتحه الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، والدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، في إطار تعاون يهدف إلى حفظ أحد أبرز أوجه التراث الديني والثقافي المصري.

ووفق الدكتور أسامة رسلان، المتحدث باسم وزارة الأوقاف، فإن افتتاح متحف قرّاء القرآن الكريم يمثل «إضافة نوعية وفريدة للمشهدين الديني والثقافي في مصر». وأوضح رسلان، خلال مداخلة تلفزيونية، أن «مدرسة التلاوة المصرية تعد علامة فارقة في تاريخ العالم الإسلامي، حيث وصلت أصوات قرائها إلى العالمية، مستشهداً بتلاوة القرآن الكريم لأول مرة داخل الكونغرس الأميركي بصوت الشيخ محمود خليل الحصري».

مقتنيات الشيخ عبد الباسط عبد الصمد (وزارة الثقافة المصرية)

ويشير الشريف إلى أن «الطابع المتحفي النوعي لهذا المشروع، يتيح حالة من التواصل الوجداني مع تلاوة القرآن الكريم، كما أن هذا النوع من المتاحف يملك قدرة خاصة على جذب جمهور واسع، بداية من محبي التلاوة، وعشاق المدرسة المصرية في القراءة، والمهتمين بتاريخ الأداء الصوتي، وحتى الزائر العادي الذي يبحث عن مساحة عرض متحفي جديدة».


جدة تُغيّر قواعد الترفيه من زرقة البحر إلى بياض الثلج وتكتب موسماً جديداً

منطقة «ونتر وندرلاند» بموسم جدة تستقبل زوارها الجمعة بطاقة استيعابية تصل إلى 15 ألف زائر يومياً (موسم جدة)
منطقة «ونتر وندرلاند» بموسم جدة تستقبل زوارها الجمعة بطاقة استيعابية تصل إلى 15 ألف زائر يومياً (موسم جدة)
TT

جدة تُغيّر قواعد الترفيه من زرقة البحر إلى بياض الثلج وتكتب موسماً جديداً

منطقة «ونتر وندرلاند» بموسم جدة تستقبل زوارها الجمعة بطاقة استيعابية تصل إلى 15 ألف زائر يومياً (موسم جدة)
منطقة «ونتر وندرلاند» بموسم جدة تستقبل زوارها الجمعة بطاقة استيعابية تصل إلى 15 ألف زائر يومياً (موسم جدة)

لم يكن الثلج يوماً ضيفاً مألوفاً على جدة، هذه المدينة التي اعتادت أن تصحو على زرقة البحر، وحكايات التاريخ في كل زواياها، ولكنها تفاجئ زائريها هذا العام ببياض ناعم يهبط من الخيال لا من السماء، مكوناً ثلوجاً تتكون ببرودة مصنوعة بعناية، لتكون تجربة فريدة ومتكاملة لزوار موسم شتاء جدة.

وتفتح المدينة العتيقة أبوابها يوم الجمعة لأضخم تجربة شتوية تشهدها على الإطلاق، ضمن فعاليات «موسم جدة 2025» في فعاليتها الجديدة «ونتر وندرلاند جدة» لتفتح الفرصة لقاطني المدينة وزوّارها لمحاكاة الشتاء من خلال استحضار طقوسه بالكامل «الجليد، الضوء، الموسيقى» لتُسجل الدهشة الأولى حين يرى الزائر الثلج في مدينة اعتادت الشمس.

ولن يكون الثلج مجرد خلفية في «ونتر وندرلاند جدة» بل بطل المشهد، إذ ينساب على الممرات، ضمن 4 مناطق رئيسية ترسم خريطة هذا الشتاء غير المتوقع متمثلة في القطب الشمالي؛ حيث الجليد المتلألئ وحلبات التزلج، إلى «توي تاون» التي تُعيد الطفولة إلى ألوانها الأولى، مروراً بـ«وايلد ونتر» المليئة بالتحدي والحركة، وصولاً إلى «فروست فير»؛ حيث يهدأ الإيقاع، وتصبح الفوانيس والموسيقى جزءاً من ذاكرة المكان.

واجهة جدة البحرية (واس)

ويتوقع أن تشهد هذه الفعاليات تدفقاً كبيراً من الزوار؛ خصوصاً أن الطاقة الاستيعابية تصل إلى 15 ألف زائر يومياً لكل المواقع التي تشمل منظومة متكاملة تضم 32 لعبة ترفيهية، و9 تجارب تفاعلية، و10 ألعاب مهارة، إلى جانب أكثر من 60 مطعماً ومتجراً، في مشهد تتداخل فيه النكهات العالمية مع دفء الاحتفال.

توفر واجهة جدة البحرية التي يقصدها السكان والزوار أجواء مميزة خاصة خلال أوقات الغروب (واس)

وتعيش مدينة جدة طفرة نوعية وبإيقاع مختلف، إذ فتحت مساحاتها للضوء والموسيقى، من خلال «موسم جدة 2025» بوصفه إطاراً جامعاً، ضم تحت مظلته طيفاً واسعاً من الفعاليات الترفيهية والثقافية والفنية، وفتح المدينة على إيقاعات متعددة، من الحفلات الغنائية الكبرى، إلى العروض المسرحية، والفعاليات العائلية التي توزعت على مواقع مختلفة من جدة، في حين تحوّلت الواجهة البحرية إلى مسرح مفتوح، احتضن مهرجانات موسيقية، وفعاليات فنية في الهواء الطلق.

كما برزت المعارض والمناسبات الكبرى، ومنها معرض الكتب، والملتقيات الثقافية، وفعاليات ريادة الأعمال، التي جعلت من جدة منصة للحوار، والفكر، والتبادل المعرفي، إلى جانب كونها وجهة للترفيه، فيما حضرت الرياضة في مساراتها المختلفة بقوة من السباقات البحرية إلى سباقات السيارات والبطولات الكروية.

وفي قلب الذاكرة، عادت جدة التاريخية (البلد) لتكون من أبرز عناوين العام، عبر موسم جدة التاريخية، وما رافقه من فعاليات ثقافية وتراثية، شملت عروض الفنون الشعبية، والأسواق التراثية، والمعارض الفنية التي أعادت الحياة إلى الأزقة والبيوت القديمة، وقدّمت التراث بوصفه تجربة معيشة.

فعاليات ثقافية وتراثية أعادت الحياة إلى الأزقة والبيوت القديمة في المنطقة التاريخية بجدة (واس)

هذا الحراك السياحي والترفيهي لا ينفصل عن حركة الوصول إلى المدينة، فقد أعلن مطار الملك عبد العزيز الدولي أن إجمالي عدد المسافرين عبر المطار بلغ منذ بداية العام حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 48 مليون مسافر، بنسبة نمو 8.9 في المائة، فيما وصل عدد الرحلات إلى 273.7 ألف رحلة، بنمو 8.2 في المائة، في مؤشرات تعكس توسعاً متسارعاً في خدمات المطار، وترسيخ مكانته بوصفه من أبرز المراكز الجوية في المنطقة والجاذبة للمدينة، فيما سجّل شهر نوفمبر وحده عدد مسافرين بلغ 4.86 مليون، محققاً نمواً بنسبة 8.6 على ما كان مسجلاً للفترة نفسها في العام الماضي.

هذه الأرقام لا تُقرأ بمعزل عن المشهد العام، فهي تعكس جاذبية المدينة التي تتحرك بثقة، وتستعد لاستقبال العالم، وتُعيد بناء علاقتها بالزائر من لحظة الوصول حتى تفاصيل التجربة، متكئة على تاريخها العتيق، فلم تكن منذ اكتشافها قبل 3 آلاف عام منعزلة عن الطرق الكبرى والمسارات الإقليمية والدولية في التجارة والفن والأدب.

جدة التاريخية... قلب الذاكرة (واس)

هكذا تبدو جدة اليوم كما كانت، مدينة تجمع بين تاريخ عميق وحاضر سياحي متجدد، ومستقبل ترفيهي يصنع مواسمه بجرأة، تعتمد فيه على الحداثة والتطوير وأفكار تناسب الشارع المحلي بكل شرائحه وفئاته، خصوصاً أن قطاع السياحة متشعب، وله أبعاد ثقافية واقتصادية على البلاد.

جدة التاريخية «البلد» محطة رئيسية لعشاق التراث (واس)

وكشف التقرير أن إجمالي عدد السياح المحليين والوافدين في 2024 وصل إلى 116 مليون سائح، بنسبة نمو بلغت 6 في المائة مقارنة بعام 2023، وبلغ إجمالي الإنفاق السياحي 284 مليار ريال، بنسبة نمو 11 في المائة مقارنة بعام 2023، فيما بلغ إنفاق السياح الوافدين من الخارج إلى (168.5) مليار ريال، وهذه الأرقام لا تقتصر على مدينة بذاتها، بل شملت كل المدن السعودية بما في ذلك المدينة العتيقة «جدة».