تعاملات متقلبة للنفط... والمتعاملون يقيمون أثر القرارات المتلاحقة

تسقيف الخام الروسي وارتفاع الدولار وتوقعات صينية فيما الأنظار على {الفيدرالي}

ناقلة نفط خام بالقرب من محطة كوزمينو في ميناء ناخودكا الروسي (رويترز)
ناقلة نفط خام بالقرب من محطة كوزمينو في ميناء ناخودكا الروسي (رويترز)
TT

تعاملات متقلبة للنفط... والمتعاملون يقيمون أثر القرارات المتلاحقة

ناقلة نفط خام بالقرب من محطة كوزمينو في ميناء ناخودكا الروسي (رويترز)
ناقلة نفط خام بالقرب من محطة كوزمينو في ميناء ناخودكا الروسي (رويترز)

ما زال المتعاملون في أسواق النفط يقيمون أثر القرارات المتلاحقة في السوق، والتي تتسارع فيها الأحداث بشكل يصعب فيه بناء مراكز مالية على المديين الطويل والمتوسط.
فقد تراجعت أسعار النفط في تعاملات متقلبة خلال جلسة أمس الثلاثاء، إذ طغى أثر صعود الدولار والضبابية الاقتصادية على تأثير وضع سقف لأسعار النفط الروسي وتوقعات زيادة الطلب في الصين.
وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 90 سنتا بما يعادل 1.09 في المائة إلى 81.78 دولار للبرميل بحلول الساعة 1055 بتوقيت غرينتش. وانخفض خام غرب تكساس الوسيط 79 سنتا أو 1.03 في المائة إلى 76.14 دولار.
وفي وقت سابق من الجلسة، انخفض كلا العقدين بأكثر من دولار، بينما كان برنت قد زاد أكثر من دولار في التعاملات الآسيوية. وسجلت العقود الآجلة للنفط أول من أمس الاثنين أكبر انخفاض يومي لها في أسبوعين بعد أن أشارت بيانات قطاع الخدمات الأميركي إلى قوة اقتصاد البلاد.
وعززت البيانات الاعتقاد لدى المستثمرين بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي قد يستمر لفترة أطول في تبني زيادات حادة لأسعار الفائدة، مما دعم مؤشر الدولار أمس.
يجعل ارتفاع الدولار النفط المقوم به أكثر تكلفة بالنسبة للمشترين من حائزي العملات الأخرى، وهو ما يقلل الطلب عليه.
ومن الأخبار الإيجابية الأخرى، المزيد من التخفيف في المدن الصينية للقيود المرتبطة بكوفيد-19، مما أثار التفاؤل بشأن زيادة الطلب لدى أكبر مستورد للنفط في العالم.
يقول محلل النفط ريكاردو إيفانجليستا بشركة ActivTrades للوساطة المالية، إن تراجع أسعار خام برنت خلال تداولات أمس، راكم من الخسائر التي سجلها في الجلسة الماضية، حيث تهاوى سعره بأكثر من 3 في المائة.
وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المثير للاهتمام أن يسجل الخام تلك الخسائر في الوقت الذي تنفذ فيه دول قمة السبع (G7) قرار وضع حد أقصى لأسعار النفط الروسي، فيما يبدو أن الإجراء الذي يخشى البعض أن يزعزع استقرار السوق لم يظهر تأثيره بعد».
أضاف: «فيما يعكف المتداولون على تقييم أثر ذلك القرار على الأسواق، كانت هناك عوامل أخرى ساهمت في تحديد حركة سعر النفط، منها التوقعات باستمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي في دورة التشديد النقدي التي بدأها هذا الصيف».
وفي الوقت الذي تصطف فيه ما لا يقل عن 20 ناقلة نفط في المياه التركية للعبور من موانئ روسيا على البحر الأسود إلى البحر المتوسط، مع تسابق المشغلين لإثبات وجود تغطية تأمينية بما يتماشى مع إجراءات جديدة لمجموعة السبع. قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، أمس، إن موسكو تعتزم وضع وإطلاق آلية تحظر على الشركات الروسية بيع النفط للدول في إطار سقف سعري بحلول نهاية عام 2022.
وأشار نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إلى ثقته في العثور على مشترين جدد لنفطها في الأشهر المقبلة بعد قيام الدول الغربية بتحديد سقف لسعر الخام الروسي.
وقال إن إعلان الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع وأستراليا الجمعة عن تحديد سقف لسعر النفط الروسي المصدر بحوالى 60 دولارا سيؤدي إلى «شرذمة» الاقتصاد العالمي «في كثير من المجالات».
تنص الآلية المعتمدة على استمرار تسليم النفط الروسي المبيع بسعر يساوي أو يقل عن 60 دولارًا للبرميل. علاوة على ذلك، يُحظر على الشركات العاملة في دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى وأستراليا تقديم خدمات تسمح بالنقل البحري (التجارة والشحن والتأمين وامتلاك السفن وما إلى ذلك).
في الواقع، تقدم دول مجموعة السبع خدمات التأمين لحوالى 90 في المائة من الشحنات العالمية، والاتحاد الأوروبي لاعب رئيسي في الشحن البحري وهذا ما يجعل هذه الدول قادرة على تحديد سقف لسعر النفط الذي تسلمه روسيا لغالبية زبائنها حول العالم.
وقال نوفاك إن سقف الأسعار الذي فرضه الغرب «ليس مأساة» لروسيا على الرغم من أنها ستضطر إلى «تغيير سلاسل التوريد» مع حديثه عن «انعدام اليقين». وأضاف أن روسيا ستبقي إنتاج النفط في ديسمبر (كانون الأول) الحالي عند مستويات نوفمبر (تشرين الثاني)الماضي.


مقالات ذات صلة

صندوق النقد الدولي يراقب «بقلق كبير» التصعيد في الشرق الأوسط

الاقتصاد تصاعد دخان القصف عبر الحدود فوق مناطق قرى كفركلا الحدودية الجنوبية اللبنانية والعديسة (دي.بي.إي)

صندوق النقد الدولي يراقب «بقلق كبير» التصعيد في الشرق الأوسط

قال صندوق النقد الدولي إنه يراقب بقلق كبير التصعيد في الشرق الأوسط، محذراً من أن المزيد من التصعيد في الصراع يزيد المخاطر والضبابية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد سبيكة ذهبية وعملات ذهبية (رويترز)

الذهب يتداول في نطاق ضيق بانتظار بيانات اقتصادية أميركية مهمة

ظلت أسعار الذهب في نطاق ضيق يوم الخميس مع بقاء المتعاملين على الحياد قبل صدور بيانات اقتصادية أميركية مهمة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد تظهر هذه الصورة الملتقطة من مدينة الخليل بالضفة الغربية قذائف فوق مدينة أسدود الإسرائيلية في 1 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ما التداعيات الاقتصادية المحتملة للتصعيد بين إسرائيل وإيران؟

يتابع المراقبون الاقتصاديون مجدداً من كثب تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، مع التخوّف من تداعيات تصعيد كبير بين الدولتين على الاقتصاد العالمي.

شادي عبد الساتر (بيروت)
الاقتصاد مسؤولون من رئاسات النسخ الثلاث المقبلة لـ«مؤتمر الأطراف»... (الشرق الأوسط)

تحركات دولية تقودها السعودية لمكافحة التغيّر المناخي وتدهور الأراضي

اجتمعت رئاسات النسخ الثلاث المقبلة من «مؤتمر الأطراف» وهي السعودية وأذربيجان وكولومبيا؛ لتحديد إطار طموحاتها المتعلقة بالاتفاقيات الثلاث لـ«مبادرة ريو البيئية».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد حاويات بميناء يانغشان البحري في شنغهاي بالصين (رويترز)

منظمة التعاون الاقتصادي تتوقع استقرار النمو العالمي عند 3.2 % هذا العام

قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن نمو الاقتصاد العالمي في سبيله للاستقرار بوقت يتراجع فيه تأثير الضغط الناجم عن رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (باريس)

التضخم يظهر بوضوح على موائد المصريين

امرأة تتسوق في أحد متاجر العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
امرأة تتسوق في أحد متاجر العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
TT

التضخم يظهر بوضوح على موائد المصريين

امرأة تتسوق في أحد متاجر العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
امرأة تتسوق في أحد متاجر العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

«مافيش بيض يا ماما على الفطار... أو حتى خضار... جبنة وعيش بس؟».

هكذا أبدى الطفل يوسف اندهاشه من المائدة التي كانت في يوم من الأيام تمتلئ بأنواع كثيرة من الطعام الصحي. لكن الأم ردت بتلقائية: «البيضة مش كل يوم، (البيضة) بقت بـ7 جنيه، والجبنة فيها فيتامينات اللبن».

تستطيع أن تشعر بتضخم الأسعار في مصر بمجرد أن تجلس على مائدة إفطار أو غداء أو عشاء، إذ تقلص عدد الأصناف بدرجة كبيرة. كما انعكس هذا على موائد المطاعم أيضاً، التي بدأت هي الأخرى في تقليل الأصناف والأحجام، لتخفيض الأسعار نسبياً أو ثباتها على الأقل، من خلال «عروض موسمية» لفترة محدودة.

ارتفع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية، لأول مرة منذ 5 أشهر، إلى 26.2 في المائة في أغسطس (آب) من 25.7 في المائة في يوليو (تموز). حسبما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

ويعني ارتفاع معدل التضخم بنسبة 26 في المائة أن الأسعار ترتفع بأكثر من الربع على إجمالي المصروفات سنوياً، وهو ما لم ينعكس على معدلات الأجور في مصر بنفس النسبة.

وهذا ما حاولت الأم إيصاله لابنها البالغ 10 سنوات، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتفاع الأسعار قلص عدد أصناف الطعام، وبالتالي الفيتامينات التي يجب أن تقدَّم للطفل في هذه السن... ودائماً ما يشتكون من هذا.. لذلك اضطررت إلى أن ألجأ إلى أصناف (الأكل الكدّابة)! للتغلب على هذه الشكوى... هذا كل ما أستطيع أن أفعله!».

اشتهر في مصر خلال الفترة الحالية بعض الأكلات المسماة «الوجبات الكدّابة»، للتغلب على ارتفاع الأسعار، مثل «البانيه الكدَّاب»، وهو عبارة عن كمية صغيرة من الفراخ البانيه يُزاد حجمها بخلطها بالبطاطس المسلوقة والدقيق، لتعطي مذاقاً مقارباً للفراخ البانيه؛ وباقي الأصناف المرتفعة في الأسعار تقلَّد على نفس المنوال. ولجأت الأمهات إليها مؤخراً للتغلب على ارتفاع الأسعار بعد زيادة «شكوى الأولاد من ساندويتشات زملائهم في المدرسة»، وفقاً لأم الطفل يوسف، الأربعينية، خريجة التجارة.

بلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين في إجمالي الجمهورية 231.1 نقطة لشهر أغسطس 2024، مسجلاً بذلك تضخماً شهرياً قدره 1.9 في المائة.

ويرجع ذلك إلى ارتفاع مجموعة الخضراوات بنسبة 14.3 في المائة، ومجموعة خدمات النقل بنسبة 14.9 في المائة، ومجموعة خدمات البريد بنسبة 6 في المائة، ومجموعة الأجهزة المنزلية بنسبة 2.8 في المائة، ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 2.1 في المائة، ومجموعة خدمات المستشفيات بنسبة 2.8 في المائة، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 1.4 في المائة، ومجموعة الفاكهة بنسبة 0.9 في المائة، ومجموعة المياه المعدنية والغازية والعصائر الطبيعية بنسبة 1.7 في المائة، ومجموعة الملابس الجاهزة بنسبة 1.2 في المائة.

وانخفض الجنيه المصري أمام الدولار من 30.91 جنيه في مارس (آذار) الماضي، إلى نحو 48.5 جنيه، بتراجع نحو 60 في المائة، وهو ما سمح باتفاق مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار.

ونتيجة لذلك، رفعت الحكومة أسعار عدد كبير من المنتجات المدعومة للسيطرة على عجز الموازنة الذي بلغ 505 مليارات جنيه (10.3 مليار دولار) في السنة المالية المنتهية في 30 يونيو (حزيران) الماضي.

ومع اعتزام الحكومة استمرار رفع الأسعار أو بالأحرى رفع الدعم من السلع المدعومة، حتى نهاية عام 2025، من المتوقع أن يبقى التضخم بعيداً عن نطاق البنك المركزي المصري المستهدَف عند 7 في المائة (+/- 2 في المائة).

ومن المقرر أن يعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أرقام التضخم لشهر أغسطس يوم الخميس المقبل.

وتتوقع مؤسسة «فيتش سوليوشنز» أن يظل معدل التضخم السنوي في مصر ثابتاً في النصف الثاني من العام الجاري، بمتوسط 27 في المائة على أساس سنوي، نتيجة الزيادات المقررة في أسعار الكهرباء والوقود والمنتجات الغذائية. متوقعةً تراجع المعدل السنوي للتضخم إلى أقل من 20 في المائة بحلول فبراير (شباط) 2025.

وقررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركزي المصري، خلال اجتماعها الأخير، الإبقاء على أسعار الفائدة للإيداع والإقراض دون تغيير عند 27.25 و 28.25 في المائة بالترتيب، وهذا ما يزيد قليلاً على معدل التضخم السنوي المسجل لشهر أغسطس الماضي.

وتنعكس معدلات التضخم ليس على موائد المصريين فقط، بل على أعمالهم أيضاً، فقد أظهر مؤشر «بارومتر الأعمال»، التابع للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أنه «لا تزال التحديات المرتبطة بارتفاع التضخم تتصدر قائمة المعوقات بالنسبة لجميع الشركات خلال الربع الثاني من العام الجاري، يليها في المرتبة الثانية الارتفاع المستمر في تكاليف الطاقة والمياه، والذي يمثل عبئاً إضافياً على الشركات خصوصاً في ظل توجهات الحكومة لرفع دعم الطاقة كلياً».