تنامي الصراعات القبلية بمناطق سيطرة الحوثيين

تقرير: استحواذ قادة الميليشيات على مكاسب الحرب أثار سخط الموالين لهم

الحوثيون يفجرون منزل أحد السكان المعارضين لهم في محافظة البيضاء وسط اليمن (تويتر)
الحوثيون يفجرون منزل أحد السكان المعارضين لهم في محافظة البيضاء وسط اليمن (تويتر)
TT

تنامي الصراعات القبلية بمناطق سيطرة الحوثيين

الحوثيون يفجرون منزل أحد السكان المعارضين لهم في محافظة البيضاء وسط اليمن (تويتر)
الحوثيون يفجرون منزل أحد السكان المعارضين لهم في محافظة البيضاء وسط اليمن (تويتر)

كشف تقرير حديث أعده مشروع بيانات النزاعات المسلحة زيادة الصراعات القبلية في المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون الحوثيون في اليمن، حيث شهدت أعلى مستوى من العنف خلال الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة، وهو ما يكشف حجم التباينات في أوساط قيادة ميليشيات الحوثي، واستحقاقات الأطراف القبلية المتحالفة معها في الحرب، التي تطالب بنصيبها من المكاسب والسلطة، بعد أن استحوذ قادة الجماعة على أغلب المناصب والأموال.
تقرير المشروع الذي يراقب الصراعات في أكثر من 50 بلداً حول العالم يناقش أسباب استمرار إزهاق أرواح مئات المدنيين والمقاتلين في اليمن رغم سريان الهدنة، ويسلط الضوء على: كيف يمكن للعنف السياسي المستمر أن يشكل تحدياً لتحقيق سلام مستدام في المستقبل القريب.
ويشير التقرير إلى أنه بينما تستمر المفاوضات السياسية خلف الستار، فإن الفهم الشامل لهذه القضايا سيساعد في تحديد العوامل الأساسية التي قد تستمر في تأجيج العنف السياسي في حال تجديد الهدنة.
ويذكر أنه، وبشكل عام، جلبت ستة أشهر من الهدنة العديد من الفوائد الملموسة للسكان اليمنيين، بما في ذلك تحسين الوصول إلى المساعدات الإنسانية، وزيادة الفرص الاقتصادية، وانخفاض كبير في العنف والإصابات في جميع أنحاء البلاد.
وبحسب التقرير، شهد شهرا أبريل (نيسان) ومايو (أيار) 2022 أدنى مستويات للقتلى المبلَّغ عنهم، نتيجة العنف السياسي في البلاد، منذ بداية عام 2015، واستمر هذا الاتجاه طوال فترة الهدنة بأكملها، وقال إن عدد القتلى المبلغ عنهم نتيجة العنف السياسي بين أبريل (نيسان) وسبتمبر (أيلول) كان أقل باستمرار من أي شهر آخر منذ 2015.
- 200 وفاة شهرياً
غير أن معدّي التقرير نبهوا إلى أنه يجب «ألا تخفي هذه الإنجازات البارزة حقيقة استمرار العنف السياسي حتى أثناء الهدنة، حيث سجل المشروع في المتوسط أكثر من 200 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها شهرياً، بسبب العنف السياسي المنظم في جميع أنحاء البلاد»، رغم أنه أقل بكثير مما تم تسجيله قبل الهدنة، عندما بلغ متوسط الوفيات المبلغ عنها أكثر من 1750 شهرياً منذ يناير (كانون الثاني) 2015 وحتى مارس (آذار) 2022.
وبحسب التقرير، فإن هذا الرقم لا يزال مرتفعاً بشكل مثير للقلق عند قياسه على نطاق عالمي؛ إذ إنه، بشكل حاسم، شكلت الوفيات المدنية 22 في المائة من إجمالي الوفيات المبلغ عنها خلال الهدنة، وهي نسبة عالية مقارنة باتجاهات ما قبل الهدنة.
وذكر التقرير أن هناك ثلاثة عوامل تساهم في تفسير ارتفاع معدل الوفيات بين المدنيين خلال الهدنة، وهي انتشار المتفجرات من مخلفات الحرب، بما في ذلك الألغام في البر والبحر، والعبوات الناسفة، والذخائر غير المنفجرة، وزيادة تنقل المدنيين في مناطق النزاع السابقة، واستمرار العنف في مناطق النزاع الرئيسية، مثل مدينة تعز.
وأورد التقرير أنه، خلال فترة الهدنة الأولى، اندلع العنف القبلي، لا سيما الاشتباكات القبلية على الأرض، والثأر، وامتد عبر المحافظات التي تتميز ببيئات سياسية مختلفة، وموارد طبيعية، وتقاليد ثقافية.
ورأى أن العامل الأساسي المشترك الذي أشعل فتيل النزاعات المحلية كان وقف الأعمال العدائية على المستوى الوطني، لأن الهدنة سمحت بعودة رجال القبائل إلى أماكنهم الأصلية، مما أدى إلى إشعال الخلافات التي لم يتم حلها، كما أنها حررت موارد الدولة لتوجيهها داخلياً نحو الحملات الأمنية.
وتوقع التقرير أنه في حال فشل التوصل إلى اتفاق جديد لتمديد الهدنة التي انتهت في الثاني من الشهر الحالي «أن يؤدي استئناف الصراع في جميع أنحاء البلاد إلى الحد من أحداث العنف القبلي، حيث إن الخطوط الأمامية سوف تستنزف الموارد من النزاعات المحلية»، وهو ما يعكس حجم الخلافات القائمة بين ميليشيات الحوثي والقبائل المتحالفة معها، ويشير إلى أحد أسباب رفض الميليشيات الانخراط في عملية السلام، وطرح شروط تعجيزية لإفشال مقترح تمديد الهدنة وتوسعتها المقدم من مبعوث الأمم المتحدة، هانس غروندبرغ.
- البيضاء
محافظة البيضاء (جنوب شرقي صنعاء) شهدت، بحسب التقرير، تصاعداً في المواجهات بين قوات الحوثيين والقبائل المحلية في يوليو (تموز) الماضي، بعد أن اتهمت قوات الحوثيين، رجلاً من قرية خبزة بمديرية القريشية، وهي منطقة معروفة بمعارضتها لوجود الحوثيين، بقتل أحد الموالين للميليشيات، رغم إنكار القرويين لهذه المزاعم، حيث حاصر الحوثيون القرية، واشتبكوا مع المسلحين القبليين، وأدت المواجهات إلى سقوط ما لا يقل عن 18 قتيلاً من المدنيين.
وأشار التقرير إلى أن شيوخ قبائل محليين بارزين، بمن فيهم المنتسبون للحوثيين منذ فترة طويلة، مثل أحمد الذهب، حرضوا القبائل ضد الحوثيين، ما دفعهم إلى تعيين عبد الله إدريس محافظاً جديداً للبيضاء، وهو من الموالين للحوثيين في مدينة رداع، وقد تساهم سمعته بوصفه وسيطاً معروفاً في تهدئة التوترات القبلية المتصاعدة.
- الجوف
عادت المناوشات بين القوات الموالية للحوثيين والقبائل المحلية للظهور في محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء)، حيث اندلعت الأعمال العدائية بين الحوثيين وقبيلة ذي حسين وبني نوف المحلية، على خلفية التطورات العسكرية والسياسية المتنازع عليها، عندما استبدل الحوثيون بمحافظ الجوف، صالح درمان، المنتمي لقبيلة ذي حسين، آخر من محافظة صعدة يدعى أحمد المراني.
كما اندلعت اشتباكات للسيطرة على مدينة الحزم عاصمة المحافظة مع قبائل بني نوف، وبلغت ذروتها في وقت لاحق عندما اعتقلت قوات الحوثيين خالد الشناني رئيس فرع المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية في المحافظة، المنتمي لقبيلة ذي حسين.
ورداً على الاعتقال، نفذت القبيلة اعتصامات، وقطعت الطريق بين محافظتي الجوف وعمران، واشتبكت في نهاية المطاف مع قوات الحوثي، وعادت الاحتكاكات السابقة للظهور على السطح مرة أخرى في بداية عام 2022، عندما حاول الحوثيون فرض سيطرة صارمة على السوق السوداء، من خلال مصادرة شاحنات النفط من رجال قبائل بني نوف، مما أدى إلى تصاعد دوامة العنف خلال فترة الهدنة.
- عمران
سجلت محافظة عمران الواقعة شمال صنعاء مستويات غير مسبوقة من العنف القبلي في عام 2022، حيث تم بالفعل تسجيل 32 حدثاً من النوع ذاته. وبلغت الاشتباكات القبلية ذروتها في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، حيث امتدت عبر عدة مناطق، بما في ذلك مديريات السودة وريدة وحوث، بينما زادت الوفيات المبلغ عنها بنسبة 650 في المائة مقارنة بالفترة نفسها قبل الهدنة، ودارت معظم الاشتباكات حول نزاعات الأراضي «التقليدية» لترسيم الحدود الإقليمية، والوصول إلى الموارد المائية، التي تفاقمت في بعض الأحيان بسبب انتماء مجموعات قبلية معينة إلى الحوثيين.
أما في مديرية عيال سريح التابعة للمحافظة ذاتها، فقد اندلعت عدة اشتباكات ضد القوات الموالية للحوثيين ورجال القبائل المحليين خلال شهر يوليو (تموز) بسبب الاستيلاء على الأراضي، وامتدت ديناميات مماثلة أيضاً إلى محافظة إب، حيث تسبب الصراع بين القبائل حول النزاعات على الأراضي والقتل الانتقامي في معظم الوفيات التي شهدتها المحافظة.
وأكد التقرير أن الاقتتال الداخلي بين الجماعات التابعة للحوثيين استمر في تأجيج التوترات المحلية، حيث اندلعت اشتباكات مميتة في مديرية السياني بمحافظة إب بين رجال قبائل الغانمي والأمن الوقائي للحوثيين.


مقالات ذات صلة

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

الخليج جانب من مؤتمر صحافي عقده «فريق تقييم الحوادث المشترك» في الرياض الأربعاء (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

استعرض الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن عدداً من الادعاءات الموجهة ضد التحالف، وفنّد الحالات، كلٌّ على حدة، مع مرفقات إحداثية وصور.

غازي الحارثي (الرياض)
العالم العربي فعالية نسوية حوثية لجمع التبرعات الإلزامية واختبار الولاء للجماعة الحوثية (إعلام حوثي)

​جبايات الحوثيين تضاعف البطالة... ومخاوف من اتساعها بعد الضربات الإسرائيلية

تسببت الجبايات الحوثية بمزيد من معاناة السكان والتجار وضاعفت البطالة في وقت يخشى فيه التجار إلزامهم بالتبرع لإصلاح الأضرار الناجمة عن الغارات الإسرائيلية

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي قادة حوثيون ومسؤولون أمميون يتفقدون آثار الضربات الإسرائيلية في الحديدة (أ.ف.ب)

نتنياهو يوجه الجيش بـ«تدمير البنى التحتية» للحوثيين

أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعضاء الكنيست، أمس، بأنه طلب من الجيش تدمير البنى التحتية التابعة للحوثيين بعدما أطلق انقلابيو اليمن صواريخ.

«الشرق الأوسط» (القدس)
العالم العربي منذ أكثر من عام بدأت الجماعة الحوثية هجماتها في البحر الأحمر وتصعيدها ضد إسرائيل (أ.ف.ب)

تطورات المنطقة وأوضاع الداخل تعزز خلافات الأجنحة الحوثية

تفاقمت الخلافات بين الأجنحة الحوثية على مستقبل الجماعة، بسبب المواجهة مع إسرائيل والغرب، بين المطالبة بتقديم تنازلات والإصرار على التصعيد.

وضاح الجليل (عدن)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لمقاتلة أميركية تستعد للإغارة على مواقع للحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

الجيش الأميركي يعلن سقوط مقاتلة في البحر الأحمر بـ«نيران صديقة»

أعلن الجيش الأميركي، أن طيارين اثنين من البحرية الأميركية قد تم إسقاطهما فوق البحر الأحمر في حادثة تبدو أنها نتيجة «نيران صديقة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بدء انتشال رفات «ما لا يقلّ عن مائة» امرأة وطفل أكراد من مقبرة جماعية بجنوب العراق

انتشال رفات نحو مائة امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في عهد صدام حسين (أ.ف.ب)
انتشال رفات نحو مائة امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في عهد صدام حسين (أ.ف.ب)
TT

بدء انتشال رفات «ما لا يقلّ عن مائة» امرأة وطفل أكراد من مقبرة جماعية بجنوب العراق

انتشال رفات نحو مائة امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في عهد صدام حسين (أ.ف.ب)
انتشال رفات نحو مائة امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في عهد صدام حسين (أ.ف.ب)

بدأت السلطات العراقية انتشال رفات «نحو مائة» امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في الثمانينات في عهد الرئيس السابق صدام حسين، من مقبرة جماعية كُشفت هذا الأسبوع، على ما أفاد به ثلاثة مسؤولين لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتقع هذه المقبرة الجماعية في منطقة تل الشيخية في محافظة المثنى بجنوب العراق، وتبعد عن الطريق العام المعبّد بين 15 إلى 20 كيلومتراً، بحسب مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية».

وفتحت فرق متخصصة هذه المقبرة في منتصف ديسمبر (كانون الأول) بعد اكتشافها في 2019، وهي ثاني مقبرة جماعية تُفتح في هذا الموقع، بحسب ضياء كريم مدير دائرة المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء الحكومية المكلفة العثور على المقابر الجماعية والتعرف على الرفات.

وقال كريم لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الأربعاء: «بعد رفع الطبقة الأولى للتربة وظهور الرفات بشكل واضح، تبيّن أن جميع الرفات يعود لأطفال ونساء يرتدون الزي الكردي الربيعي».

ورجّح أن يكونوا جميعهم متحدّرين من قضاء كلار بمحافظة السليمانية في شمال العراق، مقدّراً أن يكون عددهم «لا يقلّ عن مائة»، غير أن عمليات الانتشال لا تزال جارية والأعداد غير نهائية.

وأُعدم الرئيس السابق صدام حسين الذي أطيح نظامه في عام 2003 بعيد غزو أميركي للبلاد، قبل انتهاء محاكمته بتهمة «إبادة» آلاف الأكراد في إطار «عمليات الأنفال» التي شنها عام 1988.

وتقول الأمم المتحدة إن نحو 290 ألف شخص بينهم مائة ألف كردي اختفوا قسراً في إطار حملة الإبادة الجماعية التي شنها صدام حسين في كردستان العراق بين 1968 و2003.

وأوضح كريم أن عدداً كبيراً من الضحايا «أُعدموا في هذا المكان بطلقات نارية في الرأس من مسافة قريبة»، مرجّحاً مع ذلك أن يكون البعض الآخر «دُفنوا وهم أحياء»، إذ لا دليل وفق قوله على وجود رصاص في جمجماتهم.

من جهته، أشار أحمد قصي، رئيس فريق التنقيب عن المقابر الجماعية في العراق إلى «صعوبات نواجهها الآن في هذه المقبرة بسبب تداخل الرفات ببعضها، إذ بعض الأمهات كنّ يحضنّ أطفالهنّ الرضّع» حين قُتلوا.

وبالتزامن مع بدء عمليات الانتشال في هذه المقبرة الجماعية، «تم العثور على مقبرة جماعية أخرى» بحسب ضرغام كامل رئيس الفريق الوطني لفتح المقابر الجماعية.

وتقع تلك المقبرة، وفق قوله، في منطقة قريبة من سجن نقرة السلمان السيئ الصيت، حيث كان يخفي نظام صدام حسين معارضيه السياسيين.

وتشير تقديرات حكومية إلى أن أعداد المفقودين بين العامين 1980 و1990، من جراء القمع الذي كان يمارسه نظام صدام حسين، بلغت نحو 1.3 مليون شخص.

وإضافة إلى المقابر الجماعية المرتبطة بعهد صدام حسين، ما زالت السلطات العراقية تعثر على مقابر جماعية مرتبطة بجرائم تنظيم «داعش». وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن التنظيم الجهادي ترك خلفه أكثر من 200 مقبرة جماعية يرجح أنها تضم نحو 12 ألف جثة.

واكتشف العراق نحو 289 مقبرة جماعية منذ 2006، بحسب مؤسسة الشهداء.