رحيل محمد علي شمس الدين صاحب «قصائد مهربة»

عن 80 عاماً من الترفع والهدوء

رحيل محمد علي شمس الدين صاحب «قصائد مهربة»
TT

رحيل محمد علي شمس الدين صاحب «قصائد مهربة»

رحيل محمد علي شمس الدين صاحب «قصائد مهربة»

عن عمر يناهز ثمانين عاماً، وألق شعري بقي يلازمه وكأن كلماته لا تشيخ ولا تتعب، غادرنا الشاعر محمد علي شمس الدين، فجر أمس الأحد، ملوحاً لأصدقائه من بعيد، أن لا بد من لقاء آخر. وقد نعته ابنته رباب، على صفحتها على «فيسبوك» مؤكدة الخبر، ليعم حزن كبير الأوساط الثقافية العربية. فشمس الدين، كان شاعراً عربياً أولاً، عرفته المنابر والمهرجانات واللقاءات والندوات، ولبنانياً، ابن الجنوب، وحامل همومه وأحزانه وكفاحه الطويل من أجل حياة أفضل.
ولد عام 1942 لأسرة متواضعة في قرية بيت ياحون، في قضاء بنت جبيل، وفيها تعلم في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، قبل أن ينتقل إلى بيروت ويكمل دراسته الثانوية، ويحصل بعدها من الجامعة اللبنانية على إجازة في الحقوق، ومن ثم ماجستير ودكتوراه في التاريخ. هذا التاريخ الذي سيبحر فيه منتشياً، وينهل من رموزه في أشعاره الفياضة بالصور واندغامات الروح بالشجر والبحر والريح، وما خبره في حقول الجنوب ومياهه ومناخاته العاشورائية. فمنذ طفولته وهو يتفتح على معان روحانية «في مكان مفتوح للشمس والغبار ومساحات التبغ». الابن البكر لعائلته، هو «ابن المآذن الجنوبية والأجراس والتراب والحجارة والصخور» التي كان يحفظها غيباً، ويعرف أشواكها وتضاريسها. أما جده لأبيه فهو الذي زوده بمفاتيح الصوفية وبعض أسرارها، كما يروي في إحدى مقابلاته: «الشيخ قارئ الأوراد، والمتمتع بصفات بين الدين والسحر. كما قراءاتي لأقطاب الصوفية كابن عربي في (الفتوحات المكية) والحلاج والبسطامي والشبلي وذي النون المصري وجلال الدين الرومي والعطار النيسابوري وحافظ الشيرازي».
محمد علي شمس الدين، كان يعرف أن الشعر صنعة كما هو إحساس عارم ونحت في صخر الكلمات، وأن حمايته من الانزلاق والتزلف تحتاج أن يسيج نفسه بالكفاية المالية، فبقي في وظيفته مفتشاً في الضمان الاجتماعي، حتى خروجه إلى التقاعد. وكان له دوره الفاعل في اتحاد الكتاب اللبنانيين، وحاول تكراراً الدفاع عن آخر سياج لاستقلاله، قبل أن يستسلم لانهياره كما قلة من المثقفين والكتاب معه.
تمنى منذ صغره أن يصبح قائد أوركسترا، ولم يبتعد عن حلمه كثيراً بثلاثة وعشرين كتاباً من الشعر تركها لنا رنانة بالإيقاع والنغم والمعاني ذات الصدى العذب. كتب القصائد الموزونة، كما قصيدة النثر والتفعيلة، فأولويته إيقاعه الخاص، ومعناه الداخلي، فلا شيء عنده يخسره.
«أنا الخاسر الأبدي. فلماذا إذن، أشتري بالمواعيد، هذي الحياة؟ قلت تأتين في الثامنة، وها عقربان، يدوران حولي، ولا يقفان. عقربان يدوران في معصمي، يلدغان دمي، ولا يقفان. كأن لم تكن ثامنة، في الزمان».
منذ ديوانه الأول «قصائد مهربة إلى آسيا» عام 1974 (دار الآداب) لم يخف شغفه الموسيقي في الشعر. «يعتقد كُثُرٌ أنني سميتُ ديواني الأول على اسم ابنتي، والعكس هو الصحيح. فقد سميت ابنتي على اسم الديوان، وسمَيت الديوان على أساسٍ من الإيقاع المُبكر الذي لا أعرف له سبباً في العقل أو المنطق أو الجغرافيا أو علْم الأسماء».
من بعد ديوانه الأول جاءت مجموعات «غيم لأحلام الملك المخلوع» (1977)، و«أناديك يا ملكي وحبيبي» (1979)، و«الشوكة البنفسجية» (1981)، و«طيور إلى الشمس المرة» (1984)، «أما آن للرقص أن ينتهي» (1988)، و«كتاب الطواف» سيرة ذاتية (1987). كما لشمس الدين دراسات عدة، وقراءات لدواوين ونقد. وهو مع نكرانه لقراءاته وتحليله لشعره الخاص، إلا أنه تمتع بوعي كبير في فهم أسلوبه الشعري واللغوي، وكان يوجه الطلاب الذين يأتونه لعمل دراسات على دواوينه، خير توجيه، إن في اختيار الموضوعات، أو في التحليل.
تفتح دواوين محمد علي شمس الدين، تحسب أنه كان يتلف الكثير، ولا يترك سوى ما يجتلب لقارئه أو سامعه المتعة الشعرية الخالصة. لم يتعب «أنا شاعر التجريب بامتياز»، ويقول أيضاً إنه «شاعر الأقنعة» الذي يستعير مرة وجه الحلاج، وأخرى المتنبي، ومرات غيرها سلفادور دالي. لكنك إذا ذهبت في عمق أكبر وجدته شاعراً مشغولاً بالوجود والموت، ومعنى الحياة، واندغام جسده هو بعناصر الكون وذوبانه فيها، وأنسنة الأشياء «كلما جرحت هذه البرتقالة تبتسم». وهذا ربما ما جعله قريباً للأطفال، حيث كتب لهم شعراً صار أغنيات ملحنة.
وربما أن ما لم يغب يوماً عن قصائد شمس الدين، هو الحب الذي جمع 89 من قصائده المختارة حوله في كتاب «للصبابة للبلبل وللملكوت» ليصدر قبل سنة من وفاته.
رحل محمد علي شمس الدين، هو الذي ليس غريباً عن الموت بل صديقاً للألم، كما كتب ذات يوم:

«هذا ألمي
قُرباني لجمالكَ لا تغضبْ!
‏فأنا لستُ قوياً كيْما تنهرني بالموت!
‏يكفي أن تُرسلَ في طلبي
‏نسْمة صيفٍ فأوافيكْ...
‏وتحرك أوتار الموسيقى
‏لأموت وأحيا فيكْ!
‏هذا ألمي!
‏هذا ألمي!
‏خففْ من وقعِ جمالِك فوقَ فمي...».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

القاهرة الخديوية «المرهَقة» تسعى إلى استعادة رونق الزمن الجميل

ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
TT

القاهرة الخديوية «المرهَقة» تسعى إلى استعادة رونق الزمن الجميل

ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

جولة قصيرة في شوارع القاهرة الخديوية، المعروفة بوسط البلد، كافية لإدراك الثروة المعمارية التي تمثّلها المنطقة، ما بين طُرز معمارية متنوّعة، وأنماط في البناء وتخطيط للشوارع، وزخارف ورسوم على الواجهات التراثية، تعكس حسّاً فنياً يستدعي نوستالجيا من عصور مضت.

وتعرَّضت القاهرة الخديوية في الأعوام الـ50 الماضية إلى طفرات من النزوح والتغيير، ليقبع هذا الحيّ الذي أمر الخديوي إسماعيل ببنائه عام 1872، بهدف محاكاة باريس، تحت وطأة التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. ويبدو أنّ طبيعة المكان بوصفه مركزاً تجارياً جعلته عرضة لتغييرات جذرية نالت من هيئة مبانيه وعادات سكانه وروحه.

تسعى مصر إلى استعادة القاهرة الخديوية برونقها القديم، وهو ما أكده رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، لتصبح هذه المنطقة جاذبة سياحياً وتجارياً وثقافياً؛ معلناً أنّ مشروع التطوير سيتطلّب تخصيص عدد من شوارع القاهرة الخديوية للمشاة فقط.

يأتي هذا التوجه ضمن خطة يُشرف عليها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري تتضمّن 4 مراحل، وفق ما يورده الجهاز في كتابه السنوي. وتستهدف الخطة تطوير منطقة وسط المدينة وإعادة إحيائها، وتحويل مشروع القاهرة الخديوية وجهةً سياحيةً وثقافيةً عالميةً، مع تعزيز رونق العاصمة التاريخي والحضاري، بالتعاون بين الجهاز ومحافظة القاهرة والجهات المعنية.

ممر «بهلر» من الطُرز المعمارية المميّزة في القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

وزار عدد من المسؤولين، قبل أيام، مُثلث البورصة وشارع الشريفين لرفع كفاءتهما، وكذلك رفع كفاءة شارع الألفي وسرايا الأزبكية، والشوارع المتفرّعة منها. وأعلن الجهاز التدخّل على مستويين، هما التصميم العمراني وتطوير الواجهات، وفق تصوّر لإعادة إحياء الميادين الرئيسية في القاهرة الخديوية والمباني التراثية المطلّة عليها.

وقد رُمِّمت واجهات المباني وعُدِّلت واجهات المحلات، وأُزيلت جميع التعدّيات والمخالفات على واجهات المباني التراثية، في نطاق شارع قصر النيل، بدايةً من ميدان طلعت حرب، حتى ميدان مصطفى كامل، وفق إفادة رسمية.

وخلال مداخلة تلفزيونية، أكد عضو اللجنة العليا في جهاز التنسيق الحضاري، الدكتور أسامة النحاس، مواصلة العمل بشكل مكثّف على مشروع «تطوير القاهرة الخديوية»، لإعادة القاهرة التاريخية إلى سابق عصرها بكونها واحدةً من أهم المدن التراثية في العالم وأكبرها؛ موضحاً أن «جميع التعدّيات أُزيلت مِن على الواجهات والمباني التاريخية، سواء من المحلات أو الإعلانات وجميع الإشغالات التي تشوّه الصورة البصرية للقاهرة الخديوية»، ومؤكداً الحرص على تعزيز رونق العاصمة التاريخي والحضاري الناجم عن تفاعل العمارة المصرية الفرعونية بالغربية.

في المقابل، أشار متخصّصون في العمارة التاريخية، من بينهم مديرة «بيت المعمار المصري» سابقاً، الدكتورة هبة صفي الدين، إلى أكثر من مسار لتطوير القاهرة الخديوية، موضحة لـ«الشرق الأوسط» أنّ «التطوير لا يقتصر على الأنماط المعمارية فقط، وإنما يمتدّ لاستعادة روح المكان، وما يمثّله من تاريخ عريق، إلى جانب ترميم وإعادة تأهيل المباني ذات الطراز المعماري المميّز».

أحد العقارات قيد التطوير (الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

وكلّف الخديوي إسماعيل، المعماري الفرنسي هاوسمان، بتصميم القاهرة الخديوية وتنفيذها في وسط مدينة القاهرة عام 1867، وتصل المساحة التي خُصصت لذلك إلى 20 ألف فدان، وتضمَّنت طُرزاً معمارية فريدة أسهم فيها معماريون فرنسيون وإيطاليون وألمان ومصريون، وفق خبراء ومؤرخين.

وتشهد منطقة وسط البلد أعمال تطوير وترميم؛ الأمر الذي يظهر في واجهات عدد من المباني، لتستعيد طابعها المعماري التراثي. وبعضها، إنْ لم يكن تراثياً، فله طراز معماري مميّز، وفق تصريح تلفزيوني لرئيس جهاز التنسيق الحضاري، المهندس محمد أبو سعدة، الذي أشار في السياق عينه إلى وجود خطة موسَّعة لتطوير منطقة وسط البلد، واستخدام المباني التاريخية بالطريقة المناسبة.

وبالتوازي والتنسيق مع الجهود الحكومية، تعمل شركة «الإسماعيلية» التي تمتلكها مجموعة من رجال الأعمال على ترميم وإعادة تأهيل 25 عقاراً ضمن أصول الشركة بوسط البلد، «القاهرة الخديوية»، باستثمارات وصلت إلى نحو 500 مليون جنيه (الدولار يساوي 50.56 جنيه مصري)، وفق تصريحات إعلامية سابقة لرئيسها.

«الحفاظ على القاهرة الخديوية نمطاً حضارياً في المعمار يجب أن توازيه استعادة ثقافة المكان عبر سلوك البشر، فلا يصحّ ترك الأمر لتغيّرات الزمن التي سمحت للعشوائية بالزحف إلى أماكن عدّة في وسط البلد»، وفق صاحب مشروع «القاهرة عنواني»، محمود التميمي، لاستعادة الطابع التراثي وروح المدينة، الذي يشيد بجهود جهات عدّة تسعى إلى استعادة رونق القاهرة الخديوية، لكنه يُشدّد على ضرورة ربط تطوير المعمار وترميمه بالحفاظ على سلوكيات المكان وثقافته.

مبنى تراثي مفترض ترميمه في المرحلة الثالثة (الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

وتضمّ القاهرة التاريخية أحياء عدّة، مثل: عابدين، وقصر النيل، والزمالك، وبولاق أبو العلا، وميادين التحرير وطلعت حرب ومصطفى كامل والأوبرا بالعتبة؛ وشوارع شهيرة؛ مثل: قصر النيل، وطلعت حرب، وباب اللوق، وشريف، وعدلي، ونوبار، وعماد الدين، ومحمد فريد، و26 يوليو (شارع فؤاد سابقاً).

وبينما يستعيد صاحب مشروع «القاهرة عنواني» نمطاً مميّزاً للنوادل في أربعينات القرن الماضي وخمسيناته، حين كانوا يرتدون أزياء أنيقة تتمثّل في القميص الأبيض وربطة العنق على شكل فراشة، والجاكيت الأبيض، والبنطلون الأسود، كما في أفلام الأبيض والأسود؛ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا يصحُّ أن تُرمَّم وتُطوَّر العقارات المميّزة، ثم أجد تحتها مقهى يضمّ كراسي بلاستيكية، ونادلاً يرتدي الجينز و(تي شيرت) غريب و(شبشب) في قدمه». ويوضح: «على كراسي المقاهي في هذه المنطقة التحلّي بـ(كود) يُوضع بطريقة تليق بطبيعة المكان ولا يتحرّك من مكانه».

وفي كتابه «مقتنيات وسط البلد»، يرصد الكاتب المصري الراحل مكاوي سعيد عدداً من الأماكن التي لا تزال تحتفظ ببريقها، وكان لها دور فاعل في الحياة الثقافية والترفيهية في القاهرة التاريخية والحكايات التي تدور حولها، مثل: مقاهي «ريش»، و«غروبي»، و«النادي اليوناني»، و«ستوريل»، و«أسترا»، و«علي بابا»، وقهوة «الحرية»، وكثير من الأماكن التي لا يزال بعضها باقياً، والآخر أزاحته محلات الأحذية والوجبات السريعة.

ويلفت إلى أنّ بعض الأماكن الثقافية والترفيهية، مثل: «كلوب محمد علي»، وهو حالياً «النادي الدبلوماسي»، و«كافيه ريش»، لعبت دوراً في تطوّر الحياة الثقافية والفنّية في مصر، مضيفاً: «كذلك فندق (سافوي) الذي بُنيت مكانه عمارات (بهلر)، ودور العرض السينمائي التي اشتهرت بها المنطقة، ومنحتها طابعاً ثقافياً مميّزاً نتمنّى استعادته ضمن خطط التطوير الجديدة».