«المطبخ»... ملاذ آمن للزوجة المقموعة

ديكور المسرحية جاء بسيطاً للغاية (فيسبوك)
ديكور المسرحية جاء بسيطاً للغاية (فيسبوك)
TT

«المطبخ»... ملاذ آمن للزوجة المقموعة

ديكور المسرحية جاء بسيطاً للغاية (فيسبوك)
ديكور المسرحية جاء بسيطاً للغاية (فيسبوك)

تخرج من القاعة بعد انتهاء هذا العرض وقد مسّك شيء من سحر الفن، فقد تغيرت نظرتك لكثير من الأمور ويتصارع في رأسك العديد من علامات الاستفهام: هل يمكن أن تصل غرائب وعجائب الحياة الزوجية إلى هذا الحد؟ هل يؤدي موت المشاعر، إلى هذا النوع من المفارقات الدرامية الصارخة؟ كيف تقبل زوجة على نفسها تلك «الإهانة» حتى أنها تستضيف عشيقة زوجها بمنزلها وترحب بها؟
لا تنتمي مسرحية «المطبخ» التي تُعرض على مركز الهناجر للفنون في الفترة من 22 حتى 24 أغسطس (آب) الحالي إلى الفن التقليدي، بداية من اسمها الذي قد يوحي بالأكلات ووصفات الشيف في حين أن العمل يتناول شيئًا آخر، وانتهاء بعناصر «السينوغرافيا» التي تتضمن معالجة غير معتادة للديكور والأزياء والإضاءة والموسيقى.
يتناول العمل مأساة زوجة عربية فقدت الشغف وتعاني من التعاسة في حياتها الزوجية حتى أنها لم تعد تبالي بشيء أو تكترث لما تخبئه الأيام، حياتها مملة رتيبة، جرعة من التكرار بنفس التفاصيل اليومية. قد تبدو هذه «الأعراض» شائعة في الحياة الزوجية المعاصرة، لكن بطلتنا هنا تحمل إضافة متمثلة في اكتئاب عميق لا يُرى بسهولة لأنه كامن تحت السطح الخادع الذي يبدو أنه يعكس حياة طبيعية لسيدة جميلة ومثقفة كما يبدو من يومياتها التي تكتبها سراً. تتفاقم الأمور حتى تصل إلى الذروة ممثلة في اصطحاب زوجها لعشيقته إلى البيت، وبدلاً من أن تصرخ الزوجة في وجهه أو تطارده بالسكين، تبتسم في وجه العشيقة، وترحب بها وتبارك علاقتها بزوجها!
بمرور الأحداث، يكتشف المتفرج أن الزوجة ليست مختلة ولكنها تعاني من إرث قديم تفصح عنه اليوميات؛ فقد تربت في بيت لا يعرف الدفء، أُم سلبية وأب قاس، وأخ ينعم بحرية مطلقة باعتباره ذكراً. تقبل بالزواج من أول عريس يدق بابها، رجل مجرب وصاحب تاريخ في العلاقات النسائية. يتزوج منها لتصبح خادمة متعددة المهام دون أي مراعاة لآدميتها أو حقها في المشاعر الدافئة، إنه نموذج للزوج المستهتر الأناني الذي لا يفكر سوى في رغباته ويطأ بقدميه كل ما هو دون ذلك. بحسب سياق العرض.
ويطرح السؤال نفسه: ما علاقة كل ذلك باسم العمل؟ لقد تحول المطبخ إلى الملاذ الآمن للزوجة «المقموعة»، بين أدراجه وأدواته، تسترد بعضاً من إنسانيتها المفقودة وعلى وقع الطهي تغرق في تأملات حول الحياة والمصير والخلاص.
استطاع مؤلف ومخرج العرض الذي قدمته فرقة «حاضنة نهاد صليحة» السيطرة على أداء الممثلين بشكل لافت فلم يقع في فخ المبالغة أو الميلودراما. وجاء تجسيد الفنانة لبنى المنسي لدور الزوجة، شديد الصدق والبساطة دون تهويل؛ مما ساعد في تجسيد مأساتها وتفاعل الجمهور معها، فهذا النوع من المآسي لا يطفو على السطح طوال الوقت ويحتاج إلى معالجة حذرة تتسم بالذكاء والحساسية، في المقابل نجح الفنان أحمد شكري في تجسيد شخصية الزوج التي تعدّ العصبية الشديدة والانفعال السريع والصوت العالي أبرز سماتها؛ ما جعل الهوة بينه وبين زوجته عميقة وبارزة على كل المستويات.
جاء الديكور بسيطاً للغاية ومتقشفاً جداً، مجرد مقعد مستطيل أو «كنبة أو طاولة» جعلت منه المصممة سلمى أبو الفضل بطلاً فاعلاً في العرض، فهو محور الأحداث وعليه يتبادل الممثلون الأربعة الجلوس.

بقية مفردات المنزل من صالة ومطبخ وغرفة نوم تبدو في خلفية بعيدة معتمة، فبؤرة الضوء مسلطة فقط معظم الوقت على الطاولة مع موسيقى تتسم بالشجن لمعتز الأدهم على نحو يضيء جوانب جديدة في مأساة الزوجة.
ونالت إشادة نقدية واسعة لدى عرضها للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان «إيزيس لمسرح المرأة» في دورته الأولى، كما حصدت جائزة «أفضل تأليف» في المهرجان القومي للمسرح في دورته الأخيرة.
وحول ثنائية الجمع بين الإخراج والتأليف، يوضح محمد عادل، أنه أحياناً تتلبسه فكرة «الصانع» الذي يجمع بين الوظيفتين بحيث تتبلور في ذهنه فكرة ما ولا يستطيع تخيل أن يخرجها شخص آخر، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه لا يعارض، بل يحب، أن يرى أفكاره ينفذها شخص آخر، لكن الأمر يتوقف على طبيعة التجربة المسرحية ذاتها.
وعن انجذابه إلى عالم المسرح، يشير عادل إلى أن خاله ممثل وكان يصطحبه معه إلى المسرح منذ صغره، حيث عاش أجواء المسرح الساحرة من كواليس وأزياء وإضاءة كما شاهد عدداً من العروض التي شكلت بدايات وعيه في المراهقة مثل «البؤساء» إخراج هشام عطوة، و«بازل» و«من يأكل أباه».


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

رئيسة «وايبا»: المشروعات السعودية تدمج التكنولوجيا والاستدامة لتحقيق جودة الحياة

نيفروتي راي تتحدث إلى الحضور في «المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار» في الرياض (الشرق الأوسط)
نيفروتي راي تتحدث إلى الحضور في «المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار» في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

رئيسة «وايبا»: المشروعات السعودية تدمج التكنولوجيا والاستدامة لتحقيق جودة الحياة

نيفروتي راي تتحدث إلى الحضور في «المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار» في الرياض (الشرق الأوسط)
نيفروتي راي تتحدث إلى الحضور في «المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار» في الرياض (الشرق الأوسط)

وصفت العضو المنتدب الرئيسة التنفيذية لـ«استثمر في الهند» رئيسة منظمة «وايبا»، نيفروتي راي، مشروعات السعودية الكبرى، مثل «نيوم»، بأنها «حلم يتحقق» و«مثال على كيفية دمج التكنولوجيا والاستدامة لتحقيق جودة حياة استثنائية»، مؤكدةً أنّ التعاون بين الدول الأعضاء في المنظمة «سيسهم في تحقيق رؤية مشتركة للنمو المستدام والتحول الرقمي، مما يفتح آفاقاً جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية».

وأكدت على «أهمية التعاون الدولي في تحقيق التحول الرقمي والنمو المستدام»، وذلك في كلمتها خلال أعمال «المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار (دبليو آي سي)»، الذي تنظمه منصة «استثمر في السعودية»، بالتعاون مع «الرابطة العالمية لوكالات ترويج الاستثمار (WAIPA)»، والذي يقام في فندق «فيرمونت الرياض».

وتطرقت إلى «رؤية 2030» الطموح، التي «تُعدّ نموذجاً يُحتذى لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر التركيز على التكنولوجيا والتعليم، إلى جانب تعزيز قطاع السياحة».

وقالت: «العالم استهلك نحو 2.5 تريليون طن متري من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وما تبقى للاستهلاك المستدام يتراوح بين 500 و700 مليار طن متري فقط. هذا التحدي الهائل يتطلب من دول مثل السعودية والهند وغيرهما قيادة الابتكار لتحقيق استدامة بيئية عبر مصادر الطاقة المتجددة مثل: الطاقة الشمسية، والرياح، والهيدروجين الأخضر».

وأشارت إلى التزام المملكة بالابتكار في مجالات الطاقة والمياه، موضحة أنّ «التقنية والبنية التحتية هما المدخل الأساسي للنمو».

وأكدت أنّ دول «وايبا»، التي تضم 110 أعضاء، تضطلع بدور رئيسي في مواجهة التحديات العالمية من خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والبيانات، مفيدةً بأنّ «الالتزام بتطوير إطار عمل عالمي للذكاء الاصطناعي يعزز الصحة والطاقة ويحسن جودة الحياة».