دعا وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، واشنطن، إلى «رد واقعي» على مقترحات طهران، في ثالث أيام المحادثات غير المباشرة في فيينا التي تهدف لإحياء اتفاق 2015 النووي، وذلك غداة بيان شديد اللهجة لـ«الترويكا» الأوروبية أغلق الباب أمام إعادة التفاوض حول مقترح مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لتخطي العقبات أمام إنجاز الاتفاق.
وأفاد بيان للخارجية الإيرانية عن عبداللهيان بقوله في اتصال مع نظيره الصيني وانغ يي إن هناك «حاجة إلى رد أميركي واقعي على اقتراحات إيران البناءة حول عدة قضايا للتوصل إلى اتفاق».وقال إن طهران «تريد التوصل إلى اتفاق مستدام وقوي».
ومن جهته، قال الوزير الصيني إن بكين «تدعم مواصلة المفاوضات النووية ومقاربة إيران في المحادثات»، معرباً عن أمله بأن يؤدي المسار الدبلوماسي بالتوصل إلى اتفاق، حسبما أورد البيان الإيراني.
جاءت هذه المكالمة الهاتفية بين الوزيرين في الوقت الذي استمرت فيه المناقشات السياسية في قصر كوبورغ لليوم الثالث السبت، بين كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني والمنسق الأوروبي للمحادثات إنريكي مورا.
واستؤنفت المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في فيينا الخميس، بعقد اجتماع بين المسؤولين واستمرت الاجتماعات على مستوى الخبراء. ويتوقع قليلون التوصل إلى حل وسط في الوقت الذي يتقدم فيه برنامج طهران لتخصيب اليورانيوم.
وواصلت وكالة «إيرنا» الرسمية أمس، توجيه الرسائل «الإيجابية» من أجواء المفاوضات، وقالت: «زادت وتيرة التطورات في اليوم الثالث من محادثات فيينا (...) بشكل كبير»، مشيرة إلى إجراء محادثات ومكثفة. وتابعت الوكالة: «وصلت المحادثات إلى مراحل حاسمة»، وأضافت: «الوصول إلى خط النهاية والاتفاق النهائي بانتظار القرارات السياسية الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة».
ولم تبتعد الوكالة عن روايتها في اليوم الثاني، إذ نقلت عن دبلوماسي إيراني في المفاوضات قوله: «نمر بساعات حاسمة، يجب أن تحصل إيران على تطمينات على وجه السرعة».
وكانت وكالة «بلومبرغ» قد نقلت عن مسؤولين غربيين أن أمام فشل أو نجاح المحادثات 72 ساعة، لكن مورا نفى في تصريحات للصحافيين ليلة الجمعة، وجود موعد نهائي للمفاوضات، لكنه لم يستبعد التوصل إلى اتفاق حتى نهاية الأحد.
مطالب طهران
ودعت الأطراف الأوروبية المشاركة في المحادثات إيران في بيان، إلى «عدم تقديم طلبات غير واقعية خارج نطاق خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، ومن بينها ضمانات من الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
وجاء في البيان أيضاً: «نص (الاتفاق) مطروح على الطاولة. لن يكون هناك استئناف للمفاوضات. لا بد أن تقرر إيران الآن إبرام الاتفاق بينما لا يزال ذلك ممكناً».
ورداً على البيان، نقلت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية عن نائب مدير مكتب رئيسي قوله: «في جميع المكالمات الهاتفية التي أجراها (الرئيس إبراهيم) رئيسي مع رؤساء فرنسا وروسيا والصين، كان موقفه الثابت هو أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق نهائي إلا بعد حل وإغلاق (كل المسائل المتعلقة) بمطالب الضمانات».
وقدم بوريل مقترحاً لحل وسط في يوليو (تموز)، ودعا الطرفين لقبوله لتجنب «أزمة نووية خطرة».
ونقلت وكالة «إيرنا» الإيرانية عن المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بيتر ستانو قوله للصحافيين السبت، إن التوصل إلى اتفاق يعتمد على قرار الطرفين الإيراني والأميركي بشأن الموافقة أو رفض المقترح الأوروبي.
ونوه ستانو بأن المفاوضات الجارية في فيينا، تناقش مدى إمكانية التوصل إلى تفاهم حول مسودة بوريل.
وقال المستشار السياسي في الفريق المفاوض الإيراني، محمد مرندي السبت، إن «المحادثات أحرزت تقدماً، لكن جميع القضايا بما في ذلك الضمانات لا تزال مطروحة على الطاولة»، معتبراً أن «أميركا والترويكا الأوروبية وجهت تهماً سياسية إلى البرنامج النووي الإيراني على خلاف التفاهمات». وقال مرندي «لأ أعرف ما إذا سنتوصل لاتفاق، الفرصة تعادل 50 في المائة». وأضاف «لا تزال هناك خلافات على بعض القضايا مع أميركا، ولا توجد خلافات بين إيران والأوروبيين أو روسيا». وتابع «سنواصل المفاوضات مع دام هناك تقدم».
في إسرائيل، رجحت صحيفة «هآرتس» ألا تحدد الولايات المتحدة نقطة نهاية للمحادثات قبل انتهاء انتخابات الكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مشيرة إلى أن أغلب «المسؤولين في الغرب يعتقدون أن الجولة الحالية لن تفضي إلى نتائج». ونقلت عن دبلوماسيين أوروبيين مشاركين في المفاوضات أنه «لا جدوى من تحديد موعد نهائي».
وقال دبلوماسي غربي: «من الأفضل رؤية إيران على طاولة المفاوضات بدلاً من أن تتصرف إيران من دون إطار دبلوماسي يمارس ضغوطاً عليها».
ولم يتبقَ سوى قليل من اتفاق 2015، الذي رفع العقوبات عن طهران في مقابل فرض قيود على برنامجها النووي. لكن الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب انسحب من الاتفاق في 2018 وعاود فرض العقوبات على إيران. ودفع ذلك قادة إيران إلى البدء في انتهاك القيود بعدة طرق منها تكوين مخزونات من اليورانيوم المخصب.
وبدا في مارس (آذار) أن الطرفين يقتربان من إحياء الاتفاق بعد 11 شهراً من المحادثات غير المباشرة بين طهران وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في فيينا. لكن الجهود الدبلوماسية انهارت، لأسباب على رأسها مطالبة طهران بأن ترفع واشنطن «الحرس الثوري» من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة.
وتصر طهران على أن تغلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية التحقيق بشأن أنشطة نووية إيرانية، معترضة على تأكيد مجلس محافظي «الوكالة الدولية» في يونيو (حزيران)، أن المنظمة الذرية الإيرانية، فشلت في تقديم توضيح وافٍ لسبب وجود آثار لليورانيوم في مواقع غير معلنة. وقال أحد كبار مساعدي الرئيس الإيراني إن طهران طلبت إغلاق القضية قبل موافقتها على الامتثال للاتفاق النووي مرة أخرى.
وبعد نهاية مناقشات اليوم الأول، أبلغ مسؤول أوروبي الصحافيين ليلة الخميس، أن إيران تنازلت عن مطالبها بإزالة «الحرس الثوري» من لائحة الإرهاب، موضحاً أنه «تم الاتفاق على مناقشة الأمر في المستقبل بمجرد تمكن الولايات المتحدة وإيران من الاجتماع بشكل مباشر»، حسب «رويترز». وكانت «رويترز» قد نقلت عن مسؤول إيراني وآخر أوروبي في يونيو (حزيران)، أن طهران تخلت عن مطلب «الحرس الثوري». وبدا أن مسؤولاً إيرانياً كبيراً يقلل من مثل هذا الاحتمال حين قال لـ«رويترز» الخميس: «لدينا اقتراحاتنا الخاصة التي ستتم مناقشتها في محادثات فيينا مثل رفع العقوبات المفروضة على الحرس تدريجياً».
إطالة المفاوضات
ألقت وكالة «إيرنا» الرسمية الكرة في ملعب الطرف الغربي لاتخاذ القرار، وكتبت: «بعد شهور من المحادثات المكثفة وصلت المفاوضات إلى مرحلة إذا أظهر الطرف الغربي الإرادة واتخذ القرار بخصوص حل القضايا المتبقية، بدلاً من القضايا الانحرافية، سيتم التوصل إلى الاتفاق النهائي في غضون أيام».
واتهمت الوكالة الرسمية الطرف الغربي بأنه «يلقي باللوم على إيران هرباً من اتخاذ القرار السياسي، لكن الوقت قد حان لإظهار إرادة الطرف الآخر للتوصل إلى اتفاق».
وأظهرت تصريحات تناقلتها وكالات رسمية إيرانية انقساماً بين النواب بشأن ما يجري في المفاوضات، وما تسعى إليه حكومة المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي.
وقال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، النائب فداحسين مالكي لوكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري»، إن الأميركيين «يحاولون تحديد مصير الاتفاق النووي على وجه السرعة، لكنهم لا يريدون التنازل عن مطالبهم المبالغ فيها، لهذا تقضي العقلانية أن نحافظ على مصالحنا بقوة».
ورأى مالكي أن «إيران يجب ألا تنظم كل معادلاتها على أساس الأهداف الأميركية»، لافتاً إلى أن «أهداف أميركا هي أن تخضع إيران في مواجهة طلباتها، لكن إيران تقف لكي تحصل على حقها من الطرف الآخر... من يقلب طاولة المفاوضات اليوم أميركا وليس إيران التي عملت بجميع التزاماتها في الاتفاق النووي».
وقال النائب إن «أميركا أبعدت الاتفاق النووي من أولوياتها، والآن أولوياتها الأساسية هي الحرب الأوكرانية التي تسببت بتحديات للغرب من الجانب الروسي». وزاد: «أميركا تريد التوصل إلى اتفاق بسرعة لأنها بحاجة ماسة إلى الطاقة».
في غضون ذلك، احتج عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني، النائب فريدون عباسي على عدم اطلاع المشروعين بما يجري في المفاوضات. وقال لوكالة «إيسنا» الحكومية، السبت: «يجب أن يكون الناس على دراية بالمفاوضات النووية لكي يعرفوا أن إيران ليست لديها طلبات غير معقولة»، متهماً الأطراف الأخرى بأنها «تسعى وراء طلبات غير معقولة».
عباسي الذي ترأس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في عهد الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، قال إن «واحدة من قضايا المفاوضات النووية التي نواجهها الآن وخلال 8 سنوات من الحكومة السابقة، هي عدم معرفة أي شخص بما يدور في المفاوضات»، مضيفاً: «من المحتمل تنقل هذه المعلومات إلى كبار المسؤولين وأعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي».
وتابع في السياق نفسه: «ما يحدث في البلاد هو تسمية أشخاص كفريق تفاوضي، لكن عندما ذهبوا إلى المفاوضات ارتكبوا هفوات ووقعوا نصاً دون أن يقرأوه، لقد شاهدنا هذا المسار طيلة 8 سنوات سابقة». وقال: «اليوم أيضاً لا نسمع إجابات دقيقة حول ما يجري في المفاوضات».
أهم القضايا
من جهته، علق عضو لجنة الشؤون الداخلية، محمد حسن آصفري على عرض فرنسي للوساطة في المفاوضات الحالية. وقال لوكالة «إيرنا» إن «فرنسا قامت بخطوات بدعم من الكيان الصهيوني ومنظمة مجاهدي خلق ضد إيران وعرقلت مسار التوصل إلى النتيجة المرجوة في المفاوضات»، مضيفاً: «نظراً للتجربة الجولة السابقة من المفاوضات، لا نعلق آمالاً على دور الوساطة الفرنسية، ولا نثق بهم في هذا المجال»، متهماً فرنسا بمتابعة سياسة «الجزرة والعصا» مع طهران، لكنه قال: «إذا هذه المرة ليس لديها خطة أو سينايور من الكيان الصهيوني، فإن إيران مستعدة للتعاون مع الحكومة الفرنسية في المفاوضات».
بدوره، قال رئيس لجنة الشؤون الداخلية، النائب المتشدد محمد صالح جوكار، إن «قضية الضمانات واحدة من القضايا المهمة في المفاوضات الجارية». وأضاف: «على الطرف الآخر القبول بمعايير اتفاقية الضمانات. من غير المقبول أن يفرضوا القضايا المختلفة ضد بلاده على الطاولة عبر الضغوط التي يمارسوها على المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية».
وقال النائب في تصريح لوكالة «إيسنا» إن بلاده تطالب بإلغاء جميع العقوبات، معتبراً الحصول على ضمانات اقتصادية «أهم من أي قضية أخرى». وخلص إلى أنه «على الأطراف الأخرى أن تقبل بضرورة تقديم امتيازات في هذه الجولة من المفاوضات».