القمح سلاح دبلوماسي في قلب أزمة الغذاء

منشأة لتخزين الحبوب بمزرعة في منطقة أوديسا اوكرانيا(أ.ف.ب)
منشأة لتخزين الحبوب بمزرعة في منطقة أوديسا اوكرانيا(أ.ف.ب)
TT
20

القمح سلاح دبلوماسي في قلب أزمة الغذاء

منشأة لتخزين الحبوب بمزرعة في منطقة أوديسا اوكرانيا(أ.ف.ب)
منشأة لتخزين الحبوب بمزرعة في منطقة أوديسا اوكرانيا(أ.ف.ب)

في غضون أشهر قليلة، أصبح القمح الذي طالما كان عامل سلام في فترات الوفرة، سلاحا دبلوماسيا في سياق الغزو الروسي لأوكرانيا. هنا استعراض لأبرز أسباب الأزمة الكبرى التي نجمت عن توقف صادراته والتي تهدد الأمن الغذائي لملايين البشر.
يعاني أكثر من 200 مليون شخص في العالم جوعا شديدا بحسب الأمم المتحدة التي تخشى «إعصار مجاعة» جديدا جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل حاد منذ بداية الصراع.
يقول الاقتصادي الفرنسي برونو بارمنتييه مؤلف كتاب «نورير لومانيتيه» إن «القمح يأكله الجميع، لكن لا يستطيع الجميع إنتاجه».
اليوم، هناك عشرات الدول فقط تنتج ما يكفي من القمح لتتمكن من تصديره: الصين هي أكبر منتج في العالم للقمح لكنها أيضاً مستورد رئيسي لهذه الحبوب إذ إن إنتاجها لا يكفي لإطعام سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار شخص. أما الدول المصدرة الرئيسية فهي روسيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وأوكرانيا.
يعتبر القمح الذي يستهلكه مليارات الأشخاص والمدعوم في دول كثيرة، «الحبوب الرئيسية للأمن الغذائي العالمي» كما يؤكد سيباستيان أبيس، الباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس (إيريس). أما الذرة «فتستخدم قبل كل شيء لتغذية الحيوانات أو للحاجات الصناعية».
كانت أسعار الحبوب ارتفعت بشكل كبير قبل الحرب. بدأ سعر القمح يرتفع في الأسواق العالمية اعتباراً من خريف العام 2021 وبقي عند مستويات عالية في ظل الانتعاش الاقتصادي بعد الجائحة.
هناك عوامل وراء هذا المنحنى التصاعدي: الارتفاع الحاد في تكاليف الطاقة جراء ارتفاع أسعار النفط والغاز، والأسمدة النيتروجينية (المصنوعة من الغاز والتي ازداد سعرها ثلاث مرات في عام)، والنقل (ازدحام الموانئ ونقص اليد العاملة...) والطقس غير المواتي، وخصوصاً المحصول الكارثي في كندا التي اجتاحتها موجة حر شديد الصيف الماضي.
عقب الغزو الروسي في 24 فبراير (شباط) 2022، سجل سعر القمح أرقاما قياسية: ارتفع سعر الطن إلى أكثر من 400 يورو في مايو (أيار) في السوق الأوروبية، ضعف ما كان الصيف الماضي.
وهذه الزيادة لا يمكن أن تتحملها البلدان الفقيرة، خصوصاً تلك التي تستورد «30 في المائة على الأقل من حاجاتها من أوكرانيا وروسيا» كما تؤكد منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو).
ومثلت روسيا وأوكرانيا 30 في المائة من صادرات الحبوب العالمية. في السنوات الأخيرة، ازداد إنتاجهما بشكل مطرد، مع احتلال روسيا قائمة الدول المصدرة فيما كانت أوكرانيا في طريقها إلى أن تصبح ثالثة.
أدى إغلاق بحر آزوف والحصار الذي فرض على الموانئ الأوكرانية الواقعة على البحر الأسود، إلى حرمان الأسواق من أكثر من 25 مليون طن من الحبوب التي أصبحت الآن عالقة في المزارع أو في مستودعات الموانئ.
وفيما صدرت بعض الكميات برا وعن طريق السكك الحديدية، ما زالت الصادرات أقل بست مرات مما كانت عليها عندما كانت تنقل بحرا.
واجه المزارعون الأوكرانيون موسم زراعة خطيرا فيما اضطر بعضهم للعمل بسترات واقية من الرصاص والاستعانة باختصاصيين لإزالة الألغام والذخائر الأخرى من الحقول. ومن المتوقع أن تنخفض المحاصيل بنسبة 40 في المائة للقمح و30 في المائة للذرة، وفق تقديرات الرابطة الرئيسية للمنتجين والمصدرين في أوكرانيا.
يؤكد برونو بارمنتييه أنه «في زمن الحرب، تتحكم الدول المنتجة الكبرى بمصير الدول الأخرى» لأنه «لا يمكن أي دولة أن تترك عاصمتها تجوع».
لكن المجاعات «لا ترتبط بإنتاج الغذاء، بل دائما ما تكون ناجمة عن مشكلات الحصول» عليها، وفق عارف حسين كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي.
وبدأت مفاوضات تحت رعاية تركيا مطلع يونيو (حزيران) بناء على طلب الأمم المتحدة، لإنشاء «ممرات بحرية آمنة» تسمح بتصدير المخزون الأوكراني، لكنها لم تفضِ إلى نتيجة.
كان يمكن أن يقضي الحل بأن تفرج البلدان التي تملك مخزونات عن احتياطاتها في الأسواق.
لكن معظم المخزون موجود في الصين التي لن تعيد بيعه، في حين أن الهند التي تعهدت زيادة مبيعاتها من الحبوب تراجعت عن قرارها بعدما تعرضت لموجة حر مدمرة، فحظرت الصادرات مؤقتا ما أدى إلى زيادة الأسعار.
أما روسيا التي سيكون محصولها من القمح استثنائيا هذا العام، «فتواصل التصدير إلى دول معينة خصوصاً في الشرق الأوسط، والتي في المقابل لن تصوت ضدها في الأمم المتحدة»، كما يشير أحد مراقبي الأسواق.
على المدى القصير، ستتمثل الحلول في المحاصيل الجديدة التي يبدو أنها ستكون «جيدة إلى حد ما» في أميركا وأوروبا وأستراليا. من المتوقع أن يصل محصول القمح لعام 2022 إلى 775 مليون طن وفق وزارة الزراعة الأميركية.
والأسعار التي ارتفعت بشكل كبير لأسباب جيوسياسية، تراجعت في الأسابيع الأخيرة لأسباب عدة: بداية موسم الحصاد وأخذ الأسواق بالوضع في أوكرانيا والخوف من ركود اقتصادي، كما يوضح إدوار دو سان دوني.
من جانبها، تقول إليزابيت كلافري دو سان مارتان من منظمة CIRAD للبحوث الزراعية والتعاون الدولي من أجل التنمية، إن على المدى المتوسط «يجب أن نضمن أن لدينا المزيد من المواد الغذائية المنتجة والمعالجة محليا».
وأضافت «يجب علينا الآن تعميم التحولات الزراعية البيئية من أجل التعامل مع تغير المناخ ودعم هذه التحولات التي يجب أن تكون مستدامة اقتصاديا».


مقالات ذات صلة

ماكرون يدعو إلى ممارسة «ضغط واضح» على روسيا

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مشاركته عبر الفيديو في قمة بشأن أوكرانيا (أ.ف.ب) play-circle

ماكرون يدعو إلى ممارسة «ضغط واضح» على روسيا

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ممارسة «ضغط واضح» على روسيا؛ لأنها «لا تعطي انطباعاً أنها تريد السلام بصدق».

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بـ«الكذب» بشأن شروط تطبيق الهدنة والوضع على الجبهة

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، نظيره الروسي فلاديمير بوتين بـ«الكذب» بشأن تنفيذ وقف إطلاق النار في أوكرانيا والوضع على الجبهة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: قواتنا ليست محاصرة في كورسك وروسيا تخطط لهجوم جديد

كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن قوات كييف لا تزال تتصدَّى لقوات روسيا وكوريا الشمالية في منطقة كورسك الروسية، وإنها ليست محاصرة هناك.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث للصحافيين قبل صعوده إلى طائرة الرئاسة أثناء مغادرته قاعدة أندروز المشتركة في ماريلاند (رويترز)

ترمب كان «ساخراً بعض الشيء» عندما وعد بإنهاء حرب أوكرانيا خلال 24 ساعة

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس الجمعة أنه «كان ساخراً بعض الشيء» عندما زعم كثيراً وهو مرشح أنه سيحل مشكلة الحرب بين روسيا وأوكرانيا في غضون 24 ساعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب) play-circle

ترمب: أجريت اتصالات هاتفية «جيدة للغاية» مع أوكرانيا وروسيا

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه أجرى، اليوم الجمعة، اتصالات هاتفية مع أوكرانيا وروسيا، وصفها بأنها «جيدة للغاية»، مشيراً إلى أنه يقوم بعمل جيد مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«صندوق النقد» للتوصل لاتفاق مع باكستان بشأن المراجعة الأولى للقرض الجديد

متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)
متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)
TT
20

«صندوق النقد» للتوصل لاتفاق مع باكستان بشأن المراجعة الأولى للقرض الجديد

متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)
متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)

كشف رئيس بعثة صندوق النقد الدولي بباكستان، ناثان بورتر، عن إحراز تقدم كبير في المفاوضات مع السلطات الباكستانية نحو التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن المراجعة الأولى لبرنامجه الجديد بقيمة 7 مليارات دولار.

وأضاف رئيس البعثة، في بيان صحافي، أن بعثة الصندوق ستواصل المفاوضات مع السلطات الباكستانية، عبر الفيديو، خلال الأيام المقبلة، بحسب ما نشرته صحيفة «ذا نيوز» الباكستانية السبت.

وتابع البيان: «أحرز صندوق النقد الدولي والسلطات الباكستانية تقدما كبيرا نحو التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين، بشأن المراجعة الأولى بموجب الاتفاق الممتد، لمدة 37 شهرا في إطار برنامج تسهيل الصندوق الممتد».

وزار فريق الصندوق بقيادة بورتر، باكستان في الفترة من 24 فبراير (شباط) حتى 14 مارس (آذار)، لإجراء مناقشات حول المراجعة الأولى للبرنامج الاقتصادي الباكستاني الذي يدعمه برنامج تسهيل الصندوق الممتد وإمكانية التوصل إلى ترتيب جديد بموجب برنامج تسهيل الصلابة والاستدامة للصندوق.

وتواصل باكستان، الواقعة في جنوب آسيا، مسارها نحو التعافي الاقتصادي، الذي تدعمه تسهيلات مالية بقيمة 7 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، تم منحها في سبتمبر (أيلول) 2024.

إلى ذلك، دعت غرفة التجارة والصناعة الباكستانية الأفغانية المشتركة إسلام آباد إلى اتخاذ إجراء فوري لتسوية أزمة التجارة مع «طالبان» ودول آسيا الوسطى.

وألقى رئيس الغرفة الضوء على الآثار السلبية لإغلاق معبر تورخام الحدودي ورسوم العبور على اقتصاد باكستان والتجارة الإقليمية، حسب وكالة «خاما برس» الأفغانية للأنباء السبت.

وقال جونيد ماكدا، رئيس الغرفة، إن زيادة الحواجز التجارية وارتفاع تكاليف النقل والإغلاق المستمر لمعبر تورخام الحدودي تضر بشكل حاد بالأعمال التجارية عبر الحدود.

وحذر ماكدا أيضا من الضرر المحتمل على المدى الطويل على اقتصاد باكستان بسبب الوضع المستمر، موضحا أن هذا يجبر التجار على استخدام الموانئ الإيرانية بدلا من الطرق الباكستانية مما سيضر بشبكة التجارة في البلاد.

يشار إلى أن معبر تورخام الحدودي مغلق منذ أكثر من 20 يوما، بسبب التوترات الحدودية بين باكستان و«طالبان».

وذكرت وزارة الشؤون الخارجية الباكستانية أن المعبر سيبقى مغلقا حتى توقف «طالبان» أنشطة البناء في المنطقة.