من غير المتوقع أن تؤدي المجزرة التي قُتل فيها (الثلاثاء) 19 طفلاً، معظمهم في العاشرة من عمره، وثلاثة بالغين، بينهم معلمتان، في مدرسة ابتدائية في ولاية تكساس الأميركية، إلى حصول تغيير في نظرة قسم كبير من الأميركيين، إلى قضية السلاح. فالانقسام السياسي الذي تشهده الولايات المتحدة، يتعمق يوماً بعد يوم، كاشفاً عن هوة ثقافية، لا تقتصر على الجمهوريين وحدهم، بل على بعض الديمقراطيين أيضاً، الأمر الذي أدى على الدوام إلى انهيار الجهود التشريعية، الواحد تلو الآخر، لوضع حد لانفلات السلاح.
غير أن تمسك الجمهوريين بـ«التعديل الدستوري الثاني» الذي يكفل حق امتلاك السلاح، إلى حد القداسة، يشكل عثرة أساسية للتوصل إلى «حل وسط»، في ظل سيطرة لوبي السلاح، المتمثل بالرابطة الوطنية الأميركية للبنادق (إن آر إيه)، أكبر مانح للحملات السياسية للجمهوريين وحتى بعض الديمقراطيين. واللافت أنه على الرغم من مجزرة تكساس، وقبلها بأسبوع «المجزرة العنصرية» في مدينة بافالو بولاية نيويورك، لم تؤديا إلى إجبار قيادات جمهورية على رأسها الرئيس السابق دونالد ترمب، على عدم المشاركة في الاجتماع السنوي لهذه الرابطة، المقرر عقده اليوم (الجمعة)، على بعد أربع ساعات بالسيارة من المدرسة التي قُتل فيها الأطفال.
وفيما أكد ترمب حضوره الاجتماع، لم يعلن حاكم ولاية تكساس غريغ آبوت، وحاكمة ولاية ساوث داكوتا كريستي إل نويم، وحاكم ولاية نورث كارولاينا مارك روبنسون، والسيناتور تيد كروز، وجميعهم من الحزب الجمهوري، عن مقاطعتهم للاجتماع. في حين دعا المرشح الديمقراطي بيتو أورورك الذي ينافس آبوت على منصب حاكم تكساس، إلى الانسحاب منه. وتشكل العلاقة مع رابطة السلاح قضية خلافية كبيرة بين الجمهوريين والديمقراطيين. وعادةً ما تشهد المناقشات في المواسم الانتخابية تصعيداً في الخطابات المؤيدة أو المعادية للوبي السلاح. لكنها سرعان ما تخمد في ظل صعوبة التوصل إلى اتفاقات، بينما مرشحون كثر، من بينهم قادة كبار حتى ضمن الحزب الديمقراطي، على رأسهم السيناتور اليساري بيرني ساندرز، يعجزون عن تقديم إجابات صريحة لتقييد حمل السلاح، بسبب تأييد ولاياتهم لهذا «الحق».
في تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، وفقاً لبيانات نشرتها شركة «آدايمباكت» للتتبع الإعلامي، وجد أنه منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، نُشر أقل من 20 إعلاناً تلفزيونياً من المرشحين الديمقراطيين والجماعات المتحالفة معهم، تروّج للأسلحة النارية أو تعارض مكافحة عنف السلاح. في المقابل، كان هناك أكثر من 100 إعلان تلفزيوني من مرشحين جمهوريين وجماعات داعمة استخدمت البنادق كنقاط نقاش أو عناصر بصرية في حملاتهم.
ويتم عرض البنادق في أثناء إطلاقها أو التلويح بها، أو تتم مناقشتها، حيث يمتدح المرشحون التعديل الدستوري الثاني، أو يتعهدون بمنع تشريعات التحكم في الأسلحة أو يعرّفون أنفسهم ببساطة على أنهم «مؤيدون للبنادق». وهو ما يسلط الضوء على مقدار استفادة الجمهوريين من هذه القضية، مقابل الديمقراطيين، حيث يُظهر الجمهوريون مدى تحفظهم في مشهد سياسي مستقطب أكثر تحديداً من خلال المعارك الثقافية الساخنة، حيث تمثل البنادق اختصاراً بصرياً سهلاً. وأثار إطلاق النار نقاشاً متجدداً حول فرض قيود للحد من حرية شراء الأسلحة، وتقييد المشترين والتحقق من خلفياتهم.
ملايين الدولارات من لوبي السلاح
وفيما يبدو الجمهوريون موحدين، بشأن موقفهم من الأسلحة، يدعم المرشحون الديمقراطيون الأساسيون بشكل عام السيطرة على السلاح. لكن هذه القضية صعبة أيضاً على الديمقراطيين للتعامل معها سياسياً. وتُظهر استطلاعات الرأي أن الناخبين الديمقراطيين، والكثير من الأميركيين، يدعمون المزيد من الإجراءات بعيدة المدى لتقييد السلاح. لكنّ التطرق إلى السيطرة على الأسلحة في حملاتهم الانتخابية، يخاطر بإظهار الديمقراطيين، ضعفاء أمام الناخبين، لأنه على الرغم من سيطرتهم على الكونغرس ولو بهوامش ضيقة، فشلوا في اتخاذ إجراءات ذات مغزى. واليوم وبعد حادثة إطلاق النار في المدرسة.
وفي هذا الوقت الحساس سياسياً، فإن فرض قوانين صارمة على السلاح، قد يثير أزمة كبيرة. ويحاول الحزب الديمقراطي الظهور موحداً، حيث يسعى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السيناتور شاك شومر، لوضع مشروعي قانونين للسيطرة على الأسلحة، أقرهما مجلس النواب على جدول أعماله، من دون وجود مؤشر على إمكانية تحقيق اختراق ذي معنى، في ظل العجز عن إقناع 10 أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ بتشكيل أغلبية كافية لتغيير القوانين. في المقابل، اكتفى الجمهوريون بالإعراب عن «حزنهم» على «تويتر»، والمطالبة بمعالجة «الأسباب النفسية» التي دفعت مطلقي النار لارتكاب جرائمهم.
وهو ما عرّضهم لحملة انتقاد شديدة، أشارت إلى تلقيهم ملايين الدولارات كمساهمات وتبرعات من رابطة السلاح الوطنية على مر السنين. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن 19 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ، بما في ذلك زعيم الأقلية ميتش ماكونيل، تلقى كل منهم ما لا يقل عن مليون دولار من المساهمات في حملاتهم الانتخابية من الرابطة طوال حياتهم السياسية. ومن بين هؤلاء، السيناتور روب بورتمان والسيناتور جوني إرنست والسيناتور ميت رومني، المرشح الرئاسي لعام 2012 الذي تحدث في المؤتمر السنوي للرابطة في ذلك العام، بعد حصوله على أكثر من 13 مليون دولار منها. وتواجه الرابطة التي تضم أكثر من 5 ملايين عضو، دعوى قضائية رفعها المدعي العام في نيويورك، تتهم المديرين التنفيذيين للمجموعة بإساءة إنفاق ملايين الدولارات. وفيما لم يستبعد شومر إجراء التصويت في نهاية المطاف، لكن «الجانب» الذي يقف فيه كل سيناتور يبدو واضحاً.
فالجمهوريون على استعداد تام للدفاع عن الملكية الخاصة للأسلحة النارية، حتى البنادق العسكرية، كالتي اشتراها مطلق النار في المدرسة، بوصفها حقاً دستورياً لا ينبغي انتهاكه من قبل الكونغرس. وقال السيناتور تومي توبرفيل، وهو جمهوري: «أنا آسف جداً لما حدث، لكنّ الأسلحة ليست هي المشكلة، الناس هم المشكلة، هذا هو المكان الذي تبدأ فيه».
وقال السيناتور الجمهوري مايك راوندز: «لا أعتقد أنه عندما يكون لديك شخص شرير مثل هذا الشخص، فإنه يهتم بقوانين الأسلحة». ورغم ذلك تبين أن مُطلق النار في تكساس اشترى الأسلحة عبر الإنترنت بمجرد بلوغه سن 18، وهذا ما حاول الكثير من مشاريع القوانين التي تهدف لتشديد إجراءات الحصول على الأسلحة منعه، لكنها لم ترَ النور.
تمسُّك الجمهوريين بـ«التعديل الدستوري الثاني» يمنع ضبط السلاح
مجزرة تكساس تجدد النقاش حول قوانين السلاح وسط انقسام سياسي وثقافي
تمسُّك الجمهوريين بـ«التعديل الدستوري الثاني» يمنع ضبط السلاح
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة