يُعدّ جنود في جيش نظامي «يقعون في قبضة العدو» بمثابة «أسرى حرب» تحدد وضعهم «اتفاقية جنيف الثالثة» المبرمة عام 1949 والتي تنطبق أيضاً على الحالات التي لم تعلَن فيها الحرب رسمياً. يجمع المدافعون عن حقوق الإنسان والخبراء على أن جنود الحرب الأوكرانية؛ سواء أكانوا روساً أم أوكرانيين، محميون بموجب هذه الاتفاقيات. ويشير أستاذ القانون الدولي بجامعة «ميدلسكس» في لندن، ويليام شاباس، إلى أن هذا الوضع يعني «أفراد القوات المسلحة أو أفراد الميليشيات الذين يشكلون جزءاً من هذه القوات المسلحة». ويؤكد أن هؤلاء الأسرى لديهم حقوق وتجب حمايتهم من أي أعمال عنف أو ترهيب ومن الإهانات وفضول الناس. إلا إن روسيا أشارت إلى أنها تعدّ المقاتلين في «كتيبة آزوف»؛ وهي وحدة أوكرانية قومية متشددة يصنفها الكرملين من بين المجموعات «النازية الجديدة»، «إرهابيين»، وتعتزم محاكمتهم بوصفهم «مجرمي حرب» وليس بوصفهم «أسرى». أما أوكرانيا، فقد تعرضت لانتقادات من جانب منظمات غير حكومية عدة لانتهاكها «اتفاقية جنيف» بسبب نشرها مقاطع فيديو تُظهر مقاتلين روساً يعلنون فيها توبتهم. ففي آذار (مارس) الماضي طلبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» من أوكرانيا التوقف عن نشر مقاطع الفيديو. ودفعت خطوة كييف هذه بـ«اللجنة الدولية للصليب الأحمر» إلى تذكيرها بالتزام القواعد. ودعت «هيومن رايتس ووتش» أيضاً السلطات الأوكرانية إلى التحقيق في «جرائم حرب» محتملة حيال أسرى روس، بعد نشر مشاهد يبدو أنها تُظهر جنوداً أوكرانيين يطلقون النار على أرجل أسرى. وأعربت المنظمة مؤخراً عن صدمتها لمصير «أسرى الحرب الأوكرانيين في آزوفستال» الذين قُدموا في وسائل الإعلام الروسية «بطريقة غير إنسانية» على أنهم من «النازيين الجدد».
على غرار كل نزاع، غالباً ما تكون البيانات الميدانية مجزأة ويصعب التحقق منها بشكل مستقل، بما في ذلك عدد أسرى الحرب. لم يعلَن عن أي عدد حتى الآن. وفيما يخص ماريوبول، تحدث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن «3826 سجيناً»؛ بينهم «2439 أوكرانياً أُسروا أثناء الاستسلام في مصنع (آزوفستال)» و«1387 من مشاة البحرية» أُسروا في وقت سابق.
من جانبه، أشار السفير الروسي لدى «جمهورية» لوغانسك الانفصالية، روديون ميروشنيك، الخميس، بحسب وكالة أنباء «تاس» الروسية، إلى أن هناك 8 آلاف أسير أوكراني في المنطقتين الانفصاليتين، «ويُضاف المئات إليهم كل يوم». في «آزوفستال»، أعلنت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» أنها سجلت «مئات أسرى الحرب الأوكرانيين».
من الجانب الأوكراني، لم تكشف السلطات عن عدد الأسرى الروس رغم طرح وكالة الصحافة الفرنسية السؤال عليها مرات عدة. في هذا السياق، تعدّ الباحثة في «معهد البحوث الاستراتيجية» التابع لـ«الكلية العسكرية الفرنسية»، جوليا غرينيون، أن آلية التسجيل التي تقودها «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، تلعب دوراً رئيسياً. وتضيف: «إنها ضمانة، يعني أنهم (الأسرى) لن يختفوا؛ لأنه يمكن المحاسبة فيما بعد».
- ماذا عن عمليات التبادل؟
أصبحت عمليات تبادل الأسرى ممارسة رائجة؛ إلا إن القانون الدولي لا ينظمها، وهي تأخذ شكل اتفاق بين أطراف النزاع. ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، حدثت عمليات تبادل عدة لجنود ومدنيين بين الأوكرانيين والروس، من دون تأكيدها دائماً من جانب الطرفين. ولا يزال الطلب الذي قدمته كييف لتبادل الأوليغارش فيكتور ميدفيتشوك المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مقابل أوكرانيين محتجزين في روسيا، معلقاً. وأعلن المفاوض الروسي ليونيد سلوتسكي مؤخراً أن موسكو ستنظر في هذا الطلب.
وتوضح الخبيرة الفرنسية أنه «لا يمكن محاكمة أسرى الحرب لمجرد مشاركتهم في المعركة»، مضيفة: «في المقابل، يمكن أن تُطلق ملاحقات في حق جنود ارتكبوا جرائم خلال المواجهات».
في أوكرانيا، حُكم على أول جندي روسي تتم محاكمته بتهمة ارتكاب جريمة حرب منذ بدء الهجوم الروسي، بالسجن مدى الحياة، الاثنين، في كييف بسبب قتله مدنياً. ومن الجانب الروسي، لمحت السلطات إلى أنها ستحاكم أفراد «كتيبة آزوف» على أنهم «مجرمون نازيون». وترى غرينيون أن «ذلك لن يكون مطابقاً لـ(القانون الإنساني). لا يمكن وصفهم بأنهم (نازيون) أو (إرهابيون). تتعين ملاحقتهم للأفعال التي يُشتبه في أنهم ارتكبوها». ويقول شاباس: «من الواضح أن جميع مقاتلي (آزوف) أفراد في القوات المسلحة الأوكرانية، ويجب عدّهم (أسرى حرب)». أما بالنسبة إلى عناصر شركة «فاغنر» الروسية الخاصة التي تنفي موسكو أي صلة بها، فيمكن عدّهم «أسرى حرب» في حال أُلقي القبض عليهم كأفراد منخرطين في القوات الروسية. لكن بخلاف ذلك، يُعدّون مدنيين يشاركون في أعمال عنف ولا يمكن أن يستفيدوا من وضع «أسرى الحرب»، بحسب الخبراء.
- موسكو تدرس مبادلة أسرى مع كييف
تدرس روسيا قضية تبادل أسرى مع أوكرانيا بمجرد محاكمة المحتجزين الأوكرانيين، على ما نقلت وكالات أنباء روسية عن نائب وزير الخارجية الروسي آندريه رودينكو؛ الأربعاء.
وقال: «سننظر في كل هذا بعد محاكمة الذين استسلموا وبعد النطق بالحكم»، مضيفاً: «قبل ذلك، الحديث عن التبادل سابق لأوانه». في الأسبوع الماضي، استسلم آخر المدافعين الأوكرانيين عن مدينة ماريوبول الاستراتيجية والمتحصنين منذ أسابيع في «مصنع آزوفستال للصلب». وأُسر نحو 4 آلاف جندي أوكراني في هذه المدينة الساحلية، بحسب وزارة الدفاع الروسية. وتريد السلطات الأوكرانية تنظيم مبادلة أسرى، لكن لطالما أشارت موسكو إلى أنها تعدّ بعضهم ينتمون إلى «كتيبة آزوف»؛ ليس بصفتهم جنوداً؛ ولكن بوصفهم مقاتلين من «النازيين الجدد» ارتكبوا جرائم حرب. وأعلن النائب والمفاوض الروسي ليونيد سلوتسكي، السبت، أن بلاده «تنظر» في إمكان المبادلة بالأسرى من مقاتلي هذه الكتيبة الأوكرانية؛ فيكتور ميدفيتشوك، وهو سياسي ورجل أعمال أوكراني معروف بقربه من الرئيس فلاديمير بوتين، وأوقف منتصف أبريل (نيسان) الماضي في أوكرانيا. وأعلن دينيس بوشلين، رئيس «جمهورية دونيتسك» التابعة للانفصاليين الموالين لروسيا، من جانبه، الثلاثاء، أن مكتب المدعي العام لجمهورية دونيتسك المعلنة من جانب واحد يعمل مع موسكو على تشكيل محكمة لمحاكمة الأسرى الأوكرانيين. وعدّ أنه «تجب مشاركة أكبر عدد من ممثلي دول عدة»، مؤكداً أن «عدداً من الدول» أعطت «موافقتها المسبقة على المشاركة في هذه المحكمة الدولية» دون الخوض في مزيد من التفاصيل. وقال نائب الوزير الروسي آندريه رودينكو، الأربعاء، إنه لا معلومات لديه حول هذا الموضوع.
- أوكرانيا تجمع الجثث
تجمع أوكرانيا جثث الجنود الروس المتناثرة بين أنقاض البلدات التي احتلتها القوات الروسية سابقاً، وتستخدم كل شيء؛ من الحمض النووي إلى الوشوم، للتحقق من هوياتهم على أمل استبدال أسرى حرب بهم. وقال أنطون إيفانيكوف، قائد فرع التعاون العسكري المدني بالقوات المسلحة الأوكرانية، والذي ينسق هذه الجهود، إن الجثث تُستخدم أحياناً ضمن جهود تبادل الأسرى وفي أوقات أخرى في عمليات تبادل الجثث الأوكرانية، موضحاً أن جثث المسؤولين رفيعي المستوى قد تكون ذات قيمة خاصة في التبادل. وأضاف إيفانيكوف: «نجمع كل الوثائق وكل بطاقات الائتمان... أي شيء من شأنه أن يساعدنا في التعرف على الجثة»؛ بما في ذلك الوشم والحمض النووي. وقال إن الجثث ستُنقل بالقطار إلى كييف حيث يوجد مقر فريق التفاوض. وفي جهود لجمع الجثث جرت مؤخراً في قرية مالا روهان شرق مدينة خاركيف، شاهدت «رويترز» متطوعين يستخدمون الحبال لسحب جثتي جنديين روسيين من بئر بين منازل تضررت بشدة جراء القصف.