النفط الليبي تحت وطأة الأزمة السياسية المتصاعدة

ميناء البريقة النفطي في مسرة البريقة على بعد حوالى 270 كم غرب مدينة بنغازي شرق ليبيا (أ.ف.ب)
ميناء البريقة النفطي في مسرة البريقة على بعد حوالى 270 كم غرب مدينة بنغازي شرق ليبيا (أ.ف.ب)
TT

النفط الليبي تحت وطأة الأزمة السياسية المتصاعدة

ميناء البريقة النفطي في مسرة البريقة على بعد حوالى 270 كم غرب مدينة بنغازي شرق ليبيا (أ.ف.ب)
ميناء البريقة النفطي في مسرة البريقة على بعد حوالى 270 كم غرب مدينة بنغازي شرق ليبيا (أ.ف.ب)

دخلت الثروة النفطية، مصدر الدخل الرئيسي لليبيا، من جديد دائرة الخلاف السياسي المتصاعد منذ أسابيع، لتصير رهينة الانقسامات السياسية مع موجة من الإغلاق القسري للمنشآت الحيوية، نتيجة للصراع بين حكومتين متنافستين.
منذ بداية الأسبوع، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط وهي هيئة حكومية، حالة «القوة القاهرة» وتعليق العمليات في شرق البلاد، فيما يستمر إغلاق ستة حقول نفطية في جنوب وشرق البلاد.
تسبب هذا الإغلاق في خسارة 600 ألف برميل أو ما يعادل نصف إنتاج ليبيا اليومي من الخام، في حين أن البلد الذي ينعم بأكبر احتياطيات في أفريقيا، واقع في قبضة أزمة مؤسسية لا تنفصم.
في فبراير (شباط)، عين مجلس النواب في الشرق في طبرق فتحي باشاغا رئيساً جديداً للوزراء. لكنه لم ينجح في إقصاء حكومة عبد الحميد الدبيبة الذي رفض تسليم السلطة قبل إجراء الانتخابات، رغم الوساطات المتعددة لحثه على التنحي سلمياً.
ففي شرق ليبيا تطالب الجماعات التي تقف وراء الحصار النفطي بنقل السلطة إلى باشاغا الذي يحظى بدعم المشير خليفة حفتر الذي يسيطر بحكم الأمر الواقع على العديد من المنشآت النفطية المهمة.
يصف الباحث المتخصص في الشؤون الليبية جلال حرشاوي إغلاق حقول النفط «بالمظهر المباشر للأزمة السياسية الحادة التي تدور حالياً بين الطيف الموالي لحفتر وذاك الموالي للدبيبة»، وفقا لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. ويضيف أن «القيادة العامة لتحالف حفتر هي التي تعمدت فرض حصار نفطي من أجل زيادة الضغط على الدبيبة (حتى) يتخلى عن منصبه».
من خلال إغلاق هذه المصالح الحيوية، يريد الشرق حرمان حكومة الدبيبة من أموال النفط، وبالتالي «إجبارها على الاستقالة»، كما يرى هامش كينير، من معهد Verisk Maplecroft للتحليل.
ومع ذلك، جدد الدبيبة الثلاثاء من مقر حكومته في طرابلس، القول بأنه لن يتنازل عن السلطة إلا لحكومة منتخبة، وحث النائب العام على فتح «تحقيق فوري» في إغلاق المنشآت النفطية.
تأتي هذه الاضطرابات في وقت «ترتفع فيه أسعار النفط بشدة» تحت تأثير الحرب في أوكرانيا، كما قالت المؤسسة الوطنية للنفط بأسف، لتحرم ليبيا من إيرادات قياسية من بيع الخام، قد لا تتكرر لعقود طويلة مقبلة.
كما يساعد انخفاض صادرات ليبيا على إبقاء الأسواق الدولية تحت الضغط بما يصب في مصلحة روسيا التي تؤدي دوراً رئيسياً في ليبيا من خلال دعم حفتر، بما في ذلك عسكرياً بمرتزقة شركة «فاغنر» الخاصة المرتبطة بالكرملين والتي تنتشر في شرق وجنوب البلاد، بل وحول بعض المنشآت النفطية.
في بداية عام 2020 في خضم حرب أهلية، فرض حفتر حصاراً نفطياً استمر لأشهر، لكن فشل هجومه على العاصمة لاحقاً أقنعه بالتخلي عنه. تكبدت البلاد حينها خسائر قدرت بنحو 10 مليارات دولار. وانتعش لاحقاً الإنتاج تدريجياً إلى 1.2 مليون برميل يومياً في المتوسط. ومعظم الإيرادات تغذي البنك المركزي.
يشرح الباحث الدولي جلال حرشاوي أن «الشرارة» التي عززت الدافع إلى إغلاق المنشآت هي «الاتفاقية التي أبرمت بين مؤسسة النفط وحكومة الدبيبة في 13 أبريل (نيسان)» وتتعلق بتحويل «8 مليارات دولار» من عائدات النفط إلى خزائن حكومة طرابلس.
أثارت هذه الخطوة استياء السلطة التنفيذية الموازية برئاسة باشاغا التي لم تعترف بها دولياً سوى موسكو، إذ انتقدت «التبذير المتعمد للمال العام لمصالح شخصية وسياسية ضيقة».
في المقابل، يقول كينير إن مؤسسة النفط «ستتلقى مخصصات تمويل طارئة من وزارة المالية لعملياتها» بموجب هذه الاتفاقية.
ويقول جليل حرشاوي إن الاتفاقية عُدت بمثابة «تعزيز لقدرات الدبيبة على الاستمرار. غير أن حفتر وأنصاره يرغبون في تجفيف مصادر تمويله إلى أن تنهار حكومته».
الثلاثاء، حذر السفير الأميركي ريتشارد نورلاند ونائب مساعد وزير الخزانة إريك ماير في لقاء مع محافظ البنك المركزي الليبي من استخدام عائدات النفط «لتحقيق أهداف سياسية حزبية»، بحسب بيان للسفارة الأميركية.
وفي الوقت الذي تتجه فيه كل الأنظار إلى أوكرانيا، تبدو مخاطر أن تفضي الأزمة الحالية في ليبيا إلى نزاع مسلح جديد «حقيقية».
يقول حرشاوي محذراً إنه «ما زال من الممكن تحقيق انتقال سلمي في ليبيا، لكن نظراً للسرعة التي يفقد بها حفتر تريثه، قد ينزلق الوضع الحالي بسهولة إلى حرب شاملة».
تكررت عمليات إغلاق الحقول والموانئ النفطية في السنوات الماضية بسبب احتجاجات عمالية أو تهديدات أمنية أو حتى خلافات سياسية، ونتج عن ذلك خسائر تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار، بحسب البنك المركزي.
وتعاني ليبيا من أزمة سياسية متصاعدة مع نزاع بين حكومتين: واحدة برئاسة وزير الداخلية السابق باشاغا منحها البرلمان ثقته في مارس (آذار)، والثانية منبثقة من اتفاق سياسي رعته الأمم المتحدة قبل أكثر من عام ويترأسها عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا عبر الانتخابات.


مقالات ذات صلة

نوفاك: سوق النفط متوازنة بفضل تحركات «أوبك بلس»

الاقتصاد مضخات نفطية في حقل بمدينة ميدلاند في ولاية تكساس الأميركية (رويترز)

نوفاك: سوق النفط متوازنة بفضل تحركات «أوبك بلس»

قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك يوم الجمعة إن سوق النفط العالمية متوازنة بفضل تحركات دول «أوبك بلس» والالتزام بالحصص المقررة.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد بوتين يبحث مع رئيس وزراء العراق التنسيق في «أوبك بلس» لضمان استقرار أسعار النفط

بوتين يبحث مع رئيس وزراء العراق التنسيق في «أوبك بلس» لضمان استقرار أسعار النفط

قال الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ناقشا خلاله اتفاق «أوبك بلس» الخاص بإنتاج النفط.

«الشرق الأوسط» (بغداد) «الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد شعار «وكالة الطاقة الدولية»... (رويترز)

هل تراجع إدارة ترمب دور الولايات المتحدة في تمويل «وكالة الطاقة الدولية»؟

يضع الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، والجمهوريون في الكونغرس «وكالة الطاقة الدولية» في مرمى نيرانهم، حيث يخططون لمراجعة دور الولايات المتحدة فيها وتمويلها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد ناقلة نفط خام في محطة نفط قبالة جزيرة وايدياو في تشوشان بمقاطعة تشجيانغ (رويترز)

النفط يرتفع وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية

ارتفعت أسعار النفط، يوم الخميس، وسط مخاوف بشأن الإمدادات بعد تصاعد التوتر الجيوسياسي المرتبط بالحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد مشهد جوي لمصفاة تكرير نفط تابعة لشركة «إكسون موبيل» بولاية تكساس الأميركية (رويترز)

ارتفاع مخزونات الخام والبنزين الأميركية بأكثر من التوقعات

قالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، (الأربعاء)، إن مخزونات الخام والبنزين في الولايات المتحدة ارتفعت، بينما انخفضت مخزونات المقطرات، الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

سطرت السعودية التاريخ، بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم، وهي تركز على تعظيم الأثر والقيمة على المنظومة بشكل عام، وذلك بعد مرور 20 عاماً على هذه المعاهدة التي لم تر النور إلا من عاصمة المملكة.

جاء ذلك مع ختام أعمال مؤتمر الرياض الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم، في حدث لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن تعقد فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو» مؤتمراً دبلوماسياً خارج جنيف، وهو الأول الذي يُقام في السعودية والشرق الأوسط، ليمثل المرحلة الأخيرة للمفاوضات الخاصة باعتماد معاهدة هذا القانون، التي تستهدف تبسيط إجراءات حماية التصاميم، من خلال توحيد المتطلبات.

وشهد الحدث، خلال الأسبوعين الماضيين، نقاشات وحوارات مكثفة بين البلدان الأعضاء من أجل الوصول إلى معاهدة تلتزم فيها الدول الأعضاء بالمتطلبات الأساسية لتسجيل التصاميم، وأثرها الإيجابي على المصممين، لتصبح هناك إجراءات موحدة تُطبَّق على جميع الدول.

العائد الاقتصادي

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، خلال المؤتمر الصحافي مع ختام هذا الحدث، اليوم الجمعة، قال الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للملكية الفكرية، عبد العزيز السويلم، إنه من خلال الدراسات يوجد هناك نسب عالية جداً للشباب والفتيات في إبداع التصميم بالمملكة، وستكون ذات أثر اقتصادي بمجرد أن يكون المنتج قابلاً للحماية، ومن ثم للبيع والشراء.

وأكد الرئيس التنفيذي أن اختيار اسم «معاهدة الرياض» يعكس المكانة التي تحتلها المملكة بوصفها جسراً للتواصل بين الثقافات، ومركزاً لدعم المبادرات العالمية، كما أن اعتماد المعاهدة يُعد إنجازاً تاريخياً يعكس تعاون ومساهمة البلاد في الإطار الدولي للملكية الفكرية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدول الأعضاء.

ووفق السويلم، هذه المعاهدة ستسهم في وضع أسس قانونية مهمة تحقق الفائدة للمصممين، وتدعم الابتكار والإبداع على مستوى العالم.

وتعكس «معاهدة الرياض» رؤية المملكة في تعزيز التعاون الدولي بمجال الإبداع ودورها القيادي في صياغة مستقبل مستدام للمصممين والمبتكرين؛ وقد استكملت المفاوضات في الوصول إلى اتفاق دولي للمعاهدة.

توحيد الإجراءات

وتُعد نقلة نوعية في مجال توحيد إجراءات إيداع التصاميم، لتسجيلها على مستوى دول العالم، وتوفير بيئة قانونية تدعم الابتكار والإبداع في مختلف القطاعات.

هذا الإنجاز يرسخ مكانة المملكة بصفتها وجهة عالمية لدعم المبادرات المبتكرة، ويعكس التزامها بتوفير بيئة مشجِّعة للإبداع تحمي حقوق المصممين وتسهم في ازدهار الصناعات الإبداعية على مستوى العالم.

وكانت الهيئة السعودية للملكية الفكرية قد استضافت، في الرياض، أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعنيّ بإبرام واعتماد معاهدة بشأن قانون التصاميم، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بمشاركة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بحضور رفيع المستوى من أصحاب القرار.