ضمن سلسلة «في الحب والحياة» التي بدأ عرضها أخيراً عبر «نتفليكس»، والمكونة من 8 أفلام عربية قصيرة، تدور جميعها في يوم «عيد الحب»، ويغلب عليها طابع الكوميديا السوداء، يشارك مخرجان سعوديان بفيلمين قصيرين، أحدهما يدور في العاصمة السعودية الرياض، والآخر في مدينة جدة.
وتجمع هذه السلسلة بين مجموعة مميزة من المخرجين العرب، على غرار هاني أبو أسعد وأميرة دياب من فلسطين، وعبد المحسن الضبعان، ومحمود صباغ من السعودية وهشام العسري من المغرب، وخيري بشارة، وساندرا بصال من مصر، والمخرجة كوثر بن هنية من تونس، والمخرج ميشيل كمون من لبنان.
«الأعشى»
لقطة من فيلم «حب في ستديو العمارية»
بينما كان يحاول «سلطان» اللحاق بموعده الرومانسي في يوم عيد الحب، بمطعم «الأعشى»، انشغل بمكالمة هاتفية أثناء قيادته السيارة، ليكتشف فجأة أنه دهس شخصاً على الطريق، ومن دون اكتراث، يواصل السير نحو هدفه، كانت «سلمى» تتحدث لإحدى مريضاتها بالعيادة الطبية بنبرة حادة عن استحالة استكمال علاقتها بـ«سلطان»، لوجود فوارق ثقافية كبيرة بينهما، وقبل أن يلتقيا في الموعد المحدد، استجمعت «سلمى» التي تدير حياتها بنظام دقيق للغاية، كل طاقتها، لتبلغه بأنها تريد إنهاء العلاقة، لكنه يباغتها ويخبرها أولاً بأنه هو الذي يريد الابتعاد، لتنفجر في وجهه، وتحطم هاتفها، قبل أن تعترف له بحبها رغم كل الاختلافات.
كان هذا هو ملخص الفيلم الروائي القصير «الأعشى» الذي تم عرضه أخيراً للمخرج السعودي عبد المحسن الضبعان، وهو كاتب ومخرج سعودي مستقل، أخرج العديد من الأفلام القصيرة، من بينها «ثلاثة رجال وامرأة» (2009)، و«الوقائع غير المكتملة لحكاية شعبية» عام 2010 كما شارك في تنفيذ وإخراج المسلسل التلفزيوني «42 يوم». وفاز فيلمه الروائي الطويل «آخر زيارة» بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان مراكش السينمائي الدولي بالمغرب 2019.
فيلم «الأعشى» يعد الحلقة السابعة في سلسلة «نتفليكس» عن الحب، وهو من كتابة محمد آل حمود، وعبد المحسن الضبعان، وبطولة: مشعل المطيري، ريم الحبيب.
وعن أسباب استخدام اسم الشاعر العربي الكبير «الأعشى» عنواناً للفيلم، وعنواناً للمطعم، يقول الضبعان في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «لأنه كان من الشعراء العرب القلائل الذين كانوا ينظرون للحب، من منظور فلسفي تشاؤمي وعبثي، وهو ما ينعكس على طبيعة العلاقة بين سلمى وسلطان في الفيلم». ولفت إلى أنه استعان ببعض أبيات الأعشى في بداية الفيلم، للاحتفاء به، إيماناً بدور الفن في التعريف بالرموز الثقافية والفنية العربية.
المخرج محمود صباغ خلال تصوير فيلمه «حب في ستديو العمارية» (نتفليكس)
وبسؤاله عن سبب تقسيمه الفيلم إلى ثلاثة فصول، يقول: «أنا من هواة القصة القصيرة والأدب والرواية، وأحب تقسيم أعمالي إلى فصول، وهذا مجرد اختيار شخصي». ويرى الضبعان أن وجود تناقض في نص أي عمل فني، يكسبه مزيداً من التشويق، لافتاً إلى أنه يحب هذه النوعية من الأعمال، وخصوصاً التي لا تعطي للمشاهد جواباً جاهزاً في النهاية.
«العمّارية»
وتدور قصة الفيلم السعودي القصير «حب في ستديو العمّارية»، تأليف وإخراج محمود صباغ، وبطولة سامي حنفي، وضي الهلالي، وسارة بارد، في حي العمّارية (أحد أقدم أحياء مدينة جدة)، بين مهندس الصوت القادم من الماضي، والمطربة الصاعدة المنطلقة التي تصطدم بالواقع الذي يعيشه الرجل، وتحاول الهروب من المكان وتتعرض للسرقة قبل أن يعيدها مهندس الصوت لتحظى بالأمان، وهناك تكتشف أن هذا الاستديو من روائح الزمن الجميل، الذي احتضن كبار الفنانين العرب، ومن بينهم الفنانة الجزائرية الراحلة وردة، التي حاول شراء برواز يحمل صورتها من فرط حبه لها، لكن شاباً يأتيه بصورة الفنانة الشابة «ورد» التي تجلس أمامه.
يطلب الرجل طلبا غير متوقع من النجمة «ورد»، وهو أن تذهب برفقته لتناول الكبدة في المطعم الذي يتردد عليه كل صباح لتعيد إليه مجده الذي محاه الزمن، ليثبت للمتنمرين أنه ما زال قادراً على استقطاب النجوم، توافق على طلبه، وقبل أن يهمّا بالخروج إلى الحارة، تأتي مديرة أعمالها وتحذرها من مغبة التأخر عن مواعيدها ورفضها الإيفاء بعقودها، ثم تتراجع وتغادر معها، لتترك الرجل وحيداً ليذهب بمفرده إلى المطعم، ورغم رحيلها فإنها تترك بداخله أثراً لا يزول، جعله يبتسم على غير العادة».
المخرج عبد المحسن الضبعان أثناء تصوير فيلم «الأعشى»
مخرج فيلم «حب في ستديو العمارية» هو محمود صباغ، الذي يعد أحد رواد السينما المستقلة في السعودية، والذي سبق له تقديم عدة أعمال وثائقية وروائية خلال العقد الماضي، على غرار «قصة حمزة شحاتة»، وفيلم «بركة يقابل بركة» الذي عرض لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي عام 2016، وهو أول فيلم روائي سعودي يعرض في المهرجان، كما تم اختياره ليمثل المملكة في فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية في جوائز الأوسكار التاسعة والثمانين، و«عمرة والزواج الثاني»، الذي عُرِض لأول مرة في لندن بمهرجان معهد الفيلم البريطاني.
وعن أسباب اختياره لحي العمارية العتيق بجدة، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنا من مواليد وسكان جدة، لذلك فضلت تقديم قصتي من هذا الحي العريق الذي خرجت منه الأغنية السعودية الحديثة، بجانب الكثير من الفنون، ورغم أنه ستديو خيالي فإنه مستوحى من استوديوهات حقيقية موجودة بالحي حتى الآن». وذكر أنه يهدف من وراء قصته إلى التعبير عن ثقافة الشباب والتغيرات التي شهدها المجتمع السعودي.
ووصف صباغ قصة الفيلم بأنها «حزينة»، لأنها تصور شخصيتين تائهتين بين الحب والكره، وكلاهما يبحث عن الاحتواء في ظل الوحدة، كما أنه يعتبر تقديراً لعصر جدة الذهبي الخاص بالفنون والموسيقى.
وبينما سبق لـ«نتفليكس» عرض فيلمين للمخرج السعودي في إطار خطة توزيع العملين، فإن فيلم «حب في ستديو العمارية» يعد أول تعاون بينهما في الإنتاج الأصلي المباشر. على حد تعبيره.
وخلال مشاهد العمل، حرص صباغ على تكرار بعض لقطات توقد الشرر الكهربائي، من ميكروفونات الصوت وكبائن الكهرباء، وبسؤاله عن أسباب عرض هذه اللقطات، أشار إلى أنه حاول توظيف الشرر ليرمز إلى توقد الحراك الفني بالمملكة وخصوصاً بين جيل الشباب، واصفاً المرحلة السينمائية الجارية من تاريخ المملكة بأنها «جميلة وسريعة». ولفت إلى أن «السينما السعودية بدأت في أخذ حقها في السنوات الأخيرة»، متوقعاً أن «تتضاعف أعداد صناع الأفلام السعوديين خلال السنوات العشر المقبلة».