تطبيقات التوصيل المنزلي تهدد مستقبل المطاعم

قلق من رسومها المرتفعة

تشارلي غرين ومات ماجيسكي مالكا مطعم «بيروغي ماونتين» في كولومبوس بولاية أوهايو
تشارلي غرين ومات ماجيسكي مالكا مطعم «بيروغي ماونتين» في كولومبوس بولاية أوهايو
TT

تطبيقات التوصيل المنزلي تهدد مستقبل المطاعم

تشارلي غرين ومات ماجيسكي مالكا مطعم «بيروغي ماونتين» في كولومبوس بولاية أوهايو
تشارلي غرين ومات ماجيسكي مالكا مطعم «بيروغي ماونتين» في كولومبوس بولاية أوهايو

لم يكن السيد مات ماجيسكي قبل تدابير الإغلاق العام بسبب فيروس «كورونا» المستجد، يلاحظ كثيراً من الرسوم التي يفرضها تطبيق «غروب هاب» أو تطبيق «أوبر إيتس»، في كل مرة يمررون فيها طلباً لمطعم «بيروغي ماونتين» الذي يملكه.
ولكن فور نفاذ تدابير الإغلاق، صارت تطبيقات التوصيل المنزلي المصدر الوحيد للأعمال التجارية بالنسبة إلى المطعم الذي يديره السيد ماجيسكي رفقة شريكه تشارلي غرين في مدينة كولومبوس بولاية أوهايو. وكان ذلك عندما تحولت رسوم تطبيقات وشركات التوصيل المنزلية إلى أكبر تكلفة مفردة للمطعم، وبأكثر مما كان يُدفع من قبل مقابل تناول الطعام أو العمالة في المطعم.
وكانت شركة «غروب هاب» تعتبر منفذ التوصيل الوحيد لدى مطعم «بيروغي ماونتين»، وتفرض رسوماً بأكثر من 40 في المائة من متوسط الطلبات، كما يظهر من بيانات التطبيق لدى أصحاب المطعم. ولقد أسفر ذلك عن تحول المطعم من حالة التوقف المؤقت إلى الغرق العميق في الديون، ثم أغلق مطعم «بيروغي ماونتين» أبوابه تماماً اعتباراً من أبريل (نيسان) الماضي.
وقال السيد ماجيسكي، مالك المطعم الذي تقدم مؤخراً بطلب الحصول على إعانة البطالة، عن خدمات التوصيل للمنازل: «ليس لديك من خيار سوى التسجيل على هذه التطبيقات، وليست هناك فرصة للتفاوض بشأن الأسعار أبداً. إن الأمر برمته يكاد أن يتحول إلى ما يشبه احتجاز الرهائن».
وعلى الرغم من أن تطبيقات مثل «غروب هاب»، و«أوبر إيتس»، و«دور داش»، قد جعلت من نفسها وصية بلا مبرر لإنقاذ اقتصاد المطاعم الغارقة في بلاء الوباء الراهن، فلقد تحولت رسومها المفروضة إلى ما يشبه مصدر الإزعاج والصعوبة المستمرة والمتزايدة بالنسبة إلى عديد من المؤسسات.
وكان أصحاب المطاعم، من شيكاغو، وبيتسبيرغ، وتامبا في فلوريدا، إلى بويز في أيداهو، وألبوكيركي في نيومكسيكو، وريتشاردسون في تكساس، قد انتقلوا إلى مختلف منصات التواصل الاجتماعي للإعراب عن عدم ارتياحهم للأمر. وكانت بعض المطاعم قد أغلقت أبوابها تماماً، وقرر البعض الآخر مقاطعة تطبيقات التوصيل المنزلي بالكلية، مع البحث عن وسائل أخرى وبديلة لتلقي طلبات العملاء من المنازل.
مشكلة الرسوم الكبيرة التي تفرضها شركات وتطبيقات التوصيل للمنازل على كل من المطاعم والمستهلكين، موجودة وقائمة منذ فترة طويلة، غير أنها ازداد تفاقمها في الآونة الأخيرة؛ لا سيما مع إغلاق عديد من المطاعم أبوابها أمام العملاء، والاعتماد على الطلبات المنزلية. وحتى مع محاولة عودة المطاعم إلى العمل بصفة جزئية، فمن شأن خدمات التوصيل للمنازل أن تستمر لفترة مقبلة، وأن تكون جزءاً كبيراً لا يتجزأ من أعمال المطاعم، وبأكثر مما كانت عليه الأوضاع قبل انتشار الوباء. كما أعرب عديد من المطاعم عن القلق علناً من تلاشي قدرتها المستقبلية على تحدي رسوم تطبيقات التوصيل المتصاعدة. ومرجع ذلك أن شركة «أوبر» كانت تجري المحادثات في الآونة الأخيرة بشأن الاستحواذ التجاري على تطبيق «غروب هاب»، الأمر الذي يوحي باعتزام الشركة طرح تطبيق للتوصيل المنزلي من العيار الثقيل.
قال السيد بيتر لاند، الناطق الرسمي باسم شركة «غروب هاب»، إن السيد ماجيسكي قد سدد رسوماً أكبر من المعتاد؛ لأنه تخير الاشتراك في برامج التسويق لدى الشركة التي تساعد المطعم على زيادة الانتشار لدى مختلف شرائح العملاء، وأضاف قائلاً: «إننا ندرك أن هذا الوقت هو من الأوقات العصيبة على أصحاب المطاعم المستقلة. ونحن نواصل مضاعفة جهودنا لدعمهم».
وقال السيد ماجيسكي إن شركة «غروب هاب» قد دفعته إلى الاعتقاد بأن برامج التسويق لديها من بين الأدوات التي كان يدفع لها مقابل معاونة المطاعم المحلية على استمرار العمل، ولم يكن يدرك أنه يتعين عليه سداد فاتورة إضافية لذلك. وكانت هناك مطاعم أخرى قد أعربت عن شكاوى مماثلة لذلك.
وكان السيد بيتر لاند وشركة «أوبر» قد رفضا التعليق على مجريات الصفقة المذكورة.
من المعروف أن أصحاب المطاعم أكثر اهتماماً بما هو أهم من رسوم خدمات التوصيل للمنازل. فمن خلال مقابلات أجريت مع 18 من أصحاب المطاعم ومستشاري الصناعة، بالإضافة إلى الدعاوى القضائية المرفوعة ومدونات التواصل الاجتماعي المنشورة، أفاد كثيرون بأن تلك التطبيقات قد شاركت عن عمد في ممارسات خادعة، مثل طرح معلومات غير دقيقة على مواقعها الإلكترونية تتعلق بالمطاعم، وكل ذلك من دون طلب إذن من أصحاب المطاعم قبل نشر المعلومات.
وكان مطعم «فريش كرافت» في مدينة دنفر، قد رفع دعوى قضائية ضد شركة «غروب هاب» خلال الشهر الماضي، متهماً إياها بإنشاء مواقع لمختلف المطاعم من دون موافقة أصحاب تلك المطاعم، ثم وضع علامات على تلك المواقع تفيد بأن هذا المطعم أو ذاك أصبح مغلقاً أو لم يعد يتلقى الطلبات عبر الإنترنت، مع أن تلك المطاعم لا تزال مفتوحة وتتلقى الطلبات على الإنترنت بلا مشكلات.
وقال إيريك ريغز، مالك مطعم «فريش كرافت» وصاحب الدعوى المرفوعة على الشركة: «تكمن المشكلة في حقيقة مفادها أنهم يسيئون تمثيل العلامة التجارية الخاصة بي في هذه الأوقات العصيبة، ثم يدفعون عملاء تطبيق (غروب هاب) إلى الانتقال للطلب من مطاعم أخرى، مما يؤثر سلباً على أعمالي، وهذا الأمر مؤسف للغاية». ويحاول السيد ريغز في غضون ذلك الحصول على صفة الدعوى القضائية الجماعية لقضيته المرفوعة أمام القضاء.
وبعد محاولة اتصال صحيفة «نيويورك تايمز» بشركة «غروب هاب» بشأن المشكلة نفسها لدى مطاعم أخرى في مدينة بيتسبيرغ وشيكاغو، أقدمت الشركة على تغيير العبارات التجارية المسيئة من على موقعها، ولكنها رفضت التعليق على مجريات الدعوى القضائية أو على اللغة المستعملة عبر مواقعها الإلكترونية.
وتعد الفجوة ما بين نجاح تلك التطبيقات وآلام المطاعم مثيرة للذهول. إذ انخفض الإنفاق لدى المطاعم بنسبة 35 في المائة خلال الأسابيع الأخيرة عن الفترة نفسها من العام السابق، في حين ارتفعت أرباح خدمات التوصيل للمنازل بنسبة بلغت 140 في المائة أيضاً عن الفترة نفسها، وذلك وفقاً لبيانات مؤسسة «إم ساينس» المعنية بتحليل بيانات معاملات المطاعم وخدمات التوصيل.
وهناك قدر من الرياضيات الأساسية في صميم تلك المسائل. بالنسبة لأي مطعم نموذجي، فإن التكاليف الثابتة مثل العمالة، والطعام، والإيجار، تستهلك ما يقرب من 90 في المائة من أموال الإيرادات المحققة. الأمر الذي يترك مجالاً فسيحاً للرسوم الأساسية التي تفرضها الشركات الكبرى لتوصيل الطلبات على المطاعم الصغيرة، والتي تتراوح بشكل عام بين 20 إلى 30 في المائة مما يدفعه عملاء المطعم مقابل كل طلب يطلبونه.
وكانت مدن شيكاغو، ولوس أنجليس، ونيويورك، وسياتل، وسان فرنسيسكو، قد أقرت مؤخراً تشريعات أو قواعد لحالات الطوارئ، للحد من رسوم تطبيقات التوصيل، وذلك حتى انتهاء حالة الإغلاق العام الراهنة. ولكن، حتى مع تحديد سقف الرسوم عند نسبة 62 في المائة، فإن المطاعم المحلية المستقلة في مدينة سان فرنسيسكو قد أفادت ضمن استطلاع للرأي جرى الشهر الماضي، بأنها كانت تواصل خسارة الأموال مع التوصيل للمنازل وطلبات الوجبات السريعة.
واتخذت تلك الرسوم الباهظة مرتقى صعباً بصورة خاصة، مع شروع شركات توصيل الطلبات، في إطلاق الحملات الدعائية التي تعلن من خلالها أنها معنية تمام العناية بمعاونة المطاعم المحلية، ومحاولة إنقاذها خلال الأزمة الراهنة. ومن بين تلك الإعلانات ذلك الذي يقول: «تعتقد شركة (غروب هاب) أننا سوياً سوف نتمكن من إنقاذ المطاعم التي نحبها جميعاً».
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

ميغان تعود إلى المطبخ ببيجاما العيد والأمير هاري يفضّل طهو أمّها

يوميات الشرق حلقة خاصة من برنامج ميغان ماركل بمناسبة الأعياد (نتفليكس)

ميغان تعود إلى المطبخ ببيجاما العيد والأمير هاري يفضّل طهو أمّها

حلقة خاصة من برنامج ميغان ماركل للطهو على «نتفليكس» بمناسبة أعياد آخر السنة، وضيف الشرف الأمير هاري.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق حمية الملك تشارلز صحية مع بعض الاستثناءات (أ.ف.ب) play-circle 01:25

على مائدة الملك تشارلز... أطعمةٌ عضويّة وبيض الدجاجات التي يعتني بها شخصياً

يدخل الملك تشارلز غداً عامه الـ77 وهو ما زال يحافظ على قوامٍ رشيق بفَضل نظامٍ رياضيّ وحمية صحية قائمة على المأكولات العضوية الطبيعية.

كريستين حبيب (بيروت)
صحتك  رجل يبيع الفاصوليا الحمراء بسوق جملة في باكستان (إ.ب.أ)

 ما أبرز أنواع البقوليات الغنية بالمغنسيوم؟

يساعد المغنسيوم على تنظيم ضغط الدم وضبط مستويات السكر في الدم وتقليل خطر الإصابة بالصداع النصفي وتكوين الحمض النووي (DNA).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك جميع المكسرات توفر عناصر غذائية مهمة مثل الألياف والدهون الصحية والبروتينات (رويترز)

بسبب فوائده الصحية وتعدد استخداماته... ما أفضل نوع من المكسرات؟

المكسرات سهلة الحمل، مغذية، ومتعددة الاستخدامات؛ ما يجعلها الخيار الأمثل لوجبة خفيفة سريعة أو مكوناً صحياً في وصفات الطعام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك وجبة الإفطار المتوازنة الغنية بالبروتين والألياف والدهون الصحية تساعد في كبح الشهية (بيكسيلز)

لإنقاص الوزن... 6 وجبات إفطار ينصح بها الخبراء

تُعتبر وجبة الإفطار مفتاحاً لنتائج أفضل في إنقاص الوزن، إذا اخترت الأطباق المناسبة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».