مصير غامض ينتظر سكان المدن الليبية «المُحررة»

TT

مصير غامض ينتظر سكان المدن الليبية «المُحررة»

كيف ظهرت العناصر المُعاقبة دولياً مجدداً على المسرح الليبي؟

القاهرة: «الشرق الأوسط»

بشكل مفاجئ، عاد القائد «الميليشياوي» أحمد الدباشي، الملقب بـ«العمو»، المُعاقب دولياً، إلى واجهة الأحداث في ليبيا، ليتقدم قوات حكومة «الوفاق» في أثناء دخولها إلى صبراتة (غرب البلاد). ويشكل هذا الظهور علامة استفهام كبيرة حول كيفية عودة هذا القائد المسلح إلى المدينة التي سبق أن طُرد منها قبل نحو عامين؟
كان مجلس الأمن الدولي قد قرر فرض عقوبات، في يونيو (حزيران) 2018، على 4 ليبيين، من بينهم الدباشي، بتهمة «الاتجار بالبشر». ومنذ ذلك التاريخ، لم يشاهد في مكان عام، إلى أن ظهر برفقة مطلوبين آخرين مع قوات «الوفاق» الأسبوع الماضي.
وواكب هذا الظهور إعلان اللواء أحمد المسماري، المتحدث الرسمي لـ«الجيش الوطني»، أن عناصر من تنظيمات «القاعدة» و«داعش» و«أنصار الشريعة» شاركوا في الهجوم الذي شنته قوات «الوفاق» على صبراتة وصرمان وعدة مدن أخرى بالساحل الغربي.
وسلط رئيس مؤسسة «سليفيوم» للأبحاث والدراسات بليبيا، جمال شلوف، الضوء على المعارك التي تخوضها قوات «الوفاق»، قائلاً إن ذلك يتم بمشاركة مطلوبين دوليين، في مقدمتهم الدباشي وعبد الرحمن الميلادي، المعروف بـ«البيدجا»، بجانب مشاركة عناصر محسوبة على «أنصار الشريعة».
وتحدث شلوف لـ«الشرق الأوسط» عن عمليات إطلاق سراح قرابة 400 عنصر من سجن صرمان، وفقاً لتقديرات وزارة العدل بحكومة «الوفاق»، وقال: «الفيديوهات التي وصلت إلينا تظهر إشراف هذه العناصر على إطلاق مطلوبين على ذمة قضايا تتعلق بدعم تنظيم داعش في صبراتة»، مشيراً إلى أن بعض الأسماء التي أطلق سراحها «لديها سجل سوابق حافل في جرائم الخطف والقتل والسطو المسلح».
ولفت شلوف إلى أن هذه «العناصر المعاقبة دولياً ستحاول إثبات وجودها، وهو ربما يأخذ طابعاً ثأرياً من المواطنين، خاصة الذين يؤيدون الجيش الوطني».
وكان اللواء المسماري قد أعلن، أول من أمس (الأحد)، عن «أسر صالح الدباشي، شقيق أحمد الدباشي، في محور الطويشة، جنوب العاصمة طرابلس»، موضحاً أن «صالح الدباشي يعد أحد كبار قادة تهريب البشر في المنطقة، وأنه أُسر مع عدد من المرتزقة والمطلوبين الليبيين».
ورأى عز الدين عقيل، رئيس حزب «الائتلاف الجمهوري» الليبي، أن ظهور «العمو» الذي وصفه بـ«إمبراطور تهريب البشر والنفط» يعني «بوضوح وجود دعم غير مباشر من جانب دول أوروبية كثيرة لتلك الميليشيات لمنع المهاجرين غير الشرعيين من الهروب إليها، ولضمان تدفق الوقود والغاز الليبي المهرب إليها»، لافتاً إلى أن «الحديث كثر خلال العامين الماضيين عن حصوله على أموال من المخابرات الإيطالية لإيقاف تهريب البشر من ليبيا إلى أوروبا».
ومضى عقيل يقول: «هناك دور تلعبه أجهزة المخابرات التركية وأذرعها العسكرية في إدارة المعارك البرية بطرابلس دعماً لحكومة الوفاق»، متابعاً: «المعركة باتت مع قيادة القوات المشتركة التركية بقطاعاتها الجوية والبحرية كافة».
ورأى مصطفي المجعي، الناطق باسم عملية «بركان الغضب» التابعة لحكومة «الوفاق»، أن «الحديث عن قيام قوات السراج بإطلاق سراح سجناء محسوبين على تنظيم داعش ليس إلا تبريراً للهزيمة».
واتهم المجعي في حديث إلى «الشرق الأوسط» المسؤولين بالمباحث الجنائية التابعين لحكومة شرق البلاد بـ«إطلاق سراح أكثر من 300 سجين بهدف نشر الفوضى، وتغذية الحديث عن وجود انتهاكات بالمدن المحررة»، وقال: «رحّبنا بإطلاق البعثة الأممية تحقيقاً حول ما حدث، وأبدينا تعاوناً معها لكشف الحقائق للجميع».
واستكمل: «ليس لدينا مطلوبون إرهابيون، كما رددوا، وكل ما تحدثوا عنه هو صور العمو خلال وجوده فقط بعملية الاقتحام، وهو مطلوب دولي لعلاقته بقضايا تهريب وقود، بعيداً عن الإرهاب».
وانتهى إلى أن عملية السيطرة على تلك المدن «لم تستغرق أكثر من 3 ساعات، وهذا يعني ببساطة عدم وجود أي حاضنة شعبية لقوات خليفة حفتر بتلك المدن»، متابعاً: «أما الطائرات المسيّرة فقدمتها تركيا في إطار مذكرة التفاهم الأمني الموقعة بينها وبين حكومة الوفاق، وتدرب الليبيين عليها خلال الأشهر الماضية».
وبالحديث عن وجود علاقة بين قوات «الوفاق» وتنظيم داعش، قال الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد كامل البحيري إن «التنظيم له نظرة عقائدية تساوي بين الجيش الوطني وقوات الوفاق، لكن الأخيرة لديها تحالفات وثيقة بالتنظيمات التي تتبع القاعدة في ليبيا، وهذا أمر معروف للجميع».
ولفت إلى أنه لدى تركيا، وهي حليفة «الوفاق»، علاقة وتنسيق واضحين مع «الفصائل التي تتبع الفكر القاعدي في سوريا، وربما تكون قد نقلت منهم عناصر إلى ليبيا مؤخراً».
وانتهى البحيري بالإشارة إلى «الدعم التسليحي والتكنولوجي غير المحدود الذي تقدمه تركيا لحكومة الوفاق، من طائرات مسيرة وأجهزة تشويش، فضلاً عن الدعم المعلوماتي أيضاً».
وكانت تقارير نقلتها «وكالة الصحافة الفرنسية» منتصف 2018 قد أفادت بأن السلطات الإيطالية اتفقت مع أحمد الدباشي من صبراتة، الملقب بـ«العمو»، على مكافحة تهريب المهاجرين، بعد أن أدركت أن اتفاقاتها مع سلطات طرابلس لا تكفي لمنع تدفق المهاجرين.

طرحت عملية تعرض مواطنين ليبيين لـ«التنكيل والتعدي على ممتلكاتهم»، في مدن الساحل الغربي، على أيدي قوات «الوفاق» التي تلقى إسناداً من الميليشيات المسلحة، مجموعة من المخاوف لدى أطراف سياسية واجتماعية وحقوقية في البلاد.
وتمحورت هذه المخاوف حول مدى حماية المدنيين وحفظ دمائهم من «عمليات ثأرية»، عقب تغير السلطة الأمنية، أو تبدل إدارة المنطقة التي تسقط في قبضة أي من قوات «الجيش الوطني»، أو «الوفاق».
وأظهرت التقارير الحقوقية والأممية تعرض المواطنين لانتهاكات واسعة، فور سيطرة قوات «الوفاق» على ثماني مدن بالساحل الغربي؛ خصوصاً صرمان وصبراتة. ودانت البعثة الأممية في حينه ما وصفته بـ«الأعمال الانتقامية» التي وقعت هناك، عقب دخول قوات «الوفاق» إليها. وتحدثت البعثة عن «التقارير التي تفيد بوقوع هجمات على المدنيين، واقتحام سجن صرمان، وإطلاق 400 سجين دون إجراءات قانونية سليمة أو تحقيق، علاوة على تمثيل بالجثث وأعمال انتقامية، بما في ذلك أعمال النهب والسطو وإحراق الممتلكات العامة».
وقال الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، عبد المنعم الحر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «عمليات الانتقام والتنكيل بالمواطنين تحدث مع الأسف من قبل طرفي الصراع المسلح: الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، وما يواليها من ميليشيات مسلحة».
وأرجع الحر ذلك إلى «خطابات الكراهية التي تزخر بها وسائل الإعلام لدى الطرفين، وتجاهل نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف، وما يعقب ذلك من الإفلات من العقاب وغياب سيادة القانون، مما يعزز تكرار الاعتداء من قبل مرتكبيه».
غير أن الحر لفت إلى أن «الجيش الوطني ومؤسسات الشرق الليبية الأمنية هي مؤسسات رسمية منضبطة، ويمكن عبر تدرج الهرم الوظيفي فيهما التعرف علي أي عنصر ارتكب جريمة وملاحقته ومحاكمته». واستكمل: «الخطر والإشكالية يتركزان في الانتهاكات التي ترتكب من قبل التنظيمات الإرهابية، والميليشيات والجماعات الخارجة على القانون، رغم ادعاء الأخيرة أنها تستمد شرعيتها من حكومة تتمتع بالشرعية الدولية».
وأشار إلى أن منظمته تواصل توثيق الانتهاكات التي حدثت مؤخراً في صبراتة وصرمان، وغيرها من مدن الساحل الغربي، والتي قال إنها «تضمنت إلى جوار الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة والسرقات، أعمالاً انتقامية، وملاحقات للشخصيات التي عرفت بتبعيتها للحكومة المؤقتة بالشرق الليبي في تلك المدن».
وكان وزير الداخلية بحكومة «الوفاق» فتحي باشاغا، قد تعهد بأنه «لن يسمح بإقامة أجسام مضادة لأجهزة وزارته في المدن الغربية المحررة»، مشدداً في بيان أصدره عقب استعادة السيطرة على مدن الساحل الغربي، على «ضرورة ملاحقة كل الخارجين على القانون».
في السياق ذاته، حذَّر الخبير العسكري الليبي العميد شرف الدين سعيد العلواني «من خطورة الأوضاع في المدن التي استولت عليها (الوفاق) باتجاه تسهيل عمليات تهريب السلاح والمرتزقة إلى داخل الأراضي الليبية».
وقال العلواني، وهو عميد ركن سابق بـ«الجيش الوطني» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أصبح الشريط الساحلي من طرابلس إلى حدود تونس في قبضة هذه الميليشيات، ومن ينتمون إليها من جماعات متطرفة، مما سيسهل مهمتها في تهريب السلاح والمرتزقة إلى داخل ليبيا (...) سيتمكنون من استعادة نشاطهم في تهريب البشر والهجرة غير الشرعية، وسرقة النفط والوقود الليبي وتهربيه للخارج خاصة، علماً بأن مدينة الزاوية الواقعة إلى يمين صبراتة وصرمان تضم أكبر مصفاة لتكرير النفط».
ولم تسلم مدينة سرت التي حررتها قوات «الجيش الوطني» في يناير (كانون الثاني) الماضي من وقوع انتهاكات؛ حيث تحدثت تقارير حقوقية عن وقوع أعمال حرق وتخريب، بالإضافة إلى اعتقالات بحق المواليين لقوات «الوفاق».
في مقابل ذلك، استنكر آمر غرفة العمليات الميدانية في عملية «بركان الغضب» التابعة لحكومة «الوفاق» في غرب ليبيا، اللواء أحمد أبو شحمة، ما ورد في بيان البعثة الأممية عن وجود انتهاكات وقعت بحق المواطنين حلال عملية «تحرير» صبراتة وصرمان وغيرهما من المدن «المحررة».
وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم أكن مشاركاً بنفسي في هذه العملية؛ لكنها استغرقت ساعتين، ولم يتم استهداف منازل أو مستشفيات أو ممتلكات عامة كما يردد العدو»، مستكملاً: «تم فقط استهداف بعض المواقع العامة التي كان يخزن بها السلاح، مما أدى إلى اشتعال الحرائق».
وتابع: «بالطبع خلال العملية العسكرية تم الاشتباك بالسلاح الخفيف فقط، مع من كان يحمل السلاح من تلك القوات المعادية والجماعات السلفية، وفيما بعد انسحبت القوات المعادية»، متسائلاً: «أين الانتهاكات التي يتحدثون عنها؟ لماذا لا يلتفتون إلى الانتهاكات التي ترتكبها قوات حفتر، من ضرب الأحياء المدنية بطرابلس بالقذائف وصواريخ (الـغراد) منذ عام إلى الآن؟».
وزاد أبو شحمة من تساؤلاته: «لماذا لم يتحدث أحد في الإعلام، أو تحدثت البعثة الأممية عن الانتهاكات التي وقعت عند دخول قوات حفتر إلى مدينة سرت شهر يناير الماضي؟ كانت هناك اعتقالات وسرقات وأعمال قتل حدثت. بل لماذا الصمت على محاولة غزو العاصمة التي توجد بها حكومة تحظى بشرعية دولية؟».



ما تأثير التوترات بين مصر وإسرائيل على استدامة «اتفاقية الغاز»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
TT

ما تأثير التوترات بين مصر وإسرائيل على استدامة «اتفاقية الغاز»؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (رويترز)

تُصر مصر على أن تضع «صفقة الغاز» مع إسرائيل في إطارها التجاري في ظل تعدد الملفات الخلافية بين البلدين. وعزز ذلك النفي الرسمي القاطع من جانب القاهرة بشأن وجود ترتيبات للقاء يجمع بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما يطرح تساؤلات حول تأثير استمرار التوتر على استدامة الصفقة التي تستمر حتى عام 2040.

وقال رئيس «هيئة الاستعلامات» المصرية، ضياء رشوان، إن الحديث عن الترتيب للقاء بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن «شائعة لا أساس لها من الصحة مطلقاً»، مشيراً في تصريحات إعلامية، مساء الجمعة، إلى أن «هذه الأخبار المتداولة يروّجها الإعلام الإسرائيلي في الأساس».

وكانت تقارير إسرائيلية قد أشارت إلى محاولة واشنطن ترتيب لقاء بين السيسي ونتنياهو، ضمن زيارة محتملة من كليهما إلى الولايات المتحدة قريباً للقاء الرئيس دونالد ترمب.

وتتعدد ملفات الخلاف بين مصر وإسرائيل وتتعلق بالأوضاع في قطاع غزة وتحميل إسرائيل مسؤولية عدم البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار»، وكذلك فتح معبر رفح مع وجود رغبة إسرائيلية لأن يكون في اتجاه واحد، وملف تهجير الفلسطينيين، والتواجد الإسرائيلي في «محور فيلادلفيا» والتأكيد المصري على ضرورة إيجاد مسار سياسي لدولة فلسطينية، ما يتعارض مع توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف.

وظلت «صفقة الغاز» التي أعلن نتنياهو، الأربعاء الماضي، الموافقة عليها أسيرة موقف إسرائيلي رافض لإتمامها رغم الإعلان عنها في أغسطس (آب) الماضي، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة التي تعد شركاتها جزءاً من الصفقة للضغط على إسرائيل لضمان عدم انهيار الصفقة.

وذكرت «الخارجية الأميركية» في بيان، الخميس، أن «موافقة إسرائيل على اتفاقية الغاز التي أبرمتها شركة (شيفرون) مع مصر، إنجاز كبير للأعمال التجارية الأميركية والتعاون الإقليمي». وأضافت أن «اتفاقية الغاز بين إسرائيل ومصر لا تعزز أمن الطاقة فحسب، بل تدعم أيضاً الجهود الأوسع نطاقاً لتحقيق الاستقرار وإعادة إعمار غزة».

واعتبر خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن المصالح الأميركية يمكن أن تضمن استدامة «اتفاق الغاز»، لكن ذلك لا يمنع من تأثر التعاون في مجال الطاقة بين مصر وإسرائيل بالتوترات الإقليمية، وكذلك بما تؤول إليه تطورات الصراع في غزة وانعكاساته على العلاقة بين الطرفين.

سياج أمني على الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

وتمتلك شركة «شيفرون» الأميركية 40 في المائة من حقل «ليفياثان» الإسرائيلي الذي يتم من خلاله تصدير الغاز إلى مصر إلى جانب شركة «نيو ميد إنرجي» الإسرائيلية، وتُقدر احتياطات الحقل بنحو 600 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.

وسبق أن أوقفت إسرائيل تصدير الغاز إلى مصر دون إخطار مسبق في ظل حربها على قطاع غزة وكذلك مع بدء الضربات على إيران خلال يونيو (حزيران) الماضي، وفي ذلك الحين أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن «الحكومة وفّرت بدائل لتأمين احتياجات البلاد خلال فترات توقُّف الإمدادات الإسرائيلية، عبر تشغيل سفن لاستقبال الغاز المسال لضمان استمرار تشغيل المصانع ومحطات الكهرباء دون انقطاع».

الباحث في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، سعيد عكاشة، قال إن الولايات المتحدة لديها رغبة في استدامة «اتفاقية الغاز» بين مصر وإسرائيل بما يحفظ الحقوق التجارية لشركاتها، وفي حال جرى استخدامه كأداة ضغط سياسي على مصر فإن القاهرة لن ترضخ لذلك وهو ما يجعل الاتفاق لا يترك تأثيرات سياسية على علاقة البلدين.

وأضاف عكاشة أن التحولات الإيجابية في العلاقة بين البلدين تتوقف على بدء دخول المرحلة الثانية من اتفاق «وقف إطلاق النار» وإيجاد مسار واضح لدولة فلسطينية مستقبلية وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني ووقف أي محاولات من شأنها تهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، موضحاً: «يمكن أن يفتح ذلك المجال أيضاً لعقد لقاء في المستقبل بين الرئيس السيسي ونتنياهو كما يضمن استدامة صفقة الغاز». وأشار إلى أن ملف الطاقة دائماً ما يشكل مشكلة، وسبق أن تسببت الهجمات على أنابيب الغاز المصرية في سيناء في أعقاب الاضطرابات الأمنية في عام 2011 في توقف الإمدادات المصرية إلى إسرائيل، وكان من الصعب تحمل تكلفة التأمين وتضررت القاهرة كما الوضع بالنسبة لإسرائيل.

مصر تعدد خياراتها لتحقيق الاكتفاء المحلي من الغاز الطبيعي (وزارة البترول المصرية)

وأوضح عكاشة أنه «في حال جرى عرقلة الاتفاق الذي أعلن نتنياهو التصديق عليه أخيراً، فإنه سيكون أمام التزامات قانونية يصعب تجاوزها، كما أن مصر أثبتت خلال الأشهر الماضية أنها لن تقبل بأن يتم الضغط عليها سياسياً بورقة الغاز».

وفي مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن نتنياهو رفض التصديق على الاتفاق «بسبب تحركات الجيش المصري في شمال سيناء»، وهدّد بتجميده أو إلغائه إذا لم يُحصَل على موافقته الشخصية على أي خطوات لاحقة، قبل أن يُعاد التصديق عليه بعد استكمال المفاوضات.

ووقّع البلدان صفقة لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر في عام 2019، قبل تعديلها لتنص على توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي لمصر بقيمة 35 مليار دولار حتى عام 2040، بمعدل يومي قدره 1.8 مليار قدم مكعب.

خبير أسواق الطاقة، رمضان أبو العلا، يرى أن المصلحة الأميركية في استدامة «صفقة الغاز» تشكّل عاملاً مهماً في التزام إسرائيل بالاتفاق، خاصة أنه يحقق مكاسب إيجابية لجميع الأطراف الموقعة على الصفقة، لكن في الوقت ذاته فإن الحكومة المصرية تتوقع جميع الاحتمالات، ما يجعلها تعتمد على 4 سفن لـ«التغييز» لاستقبال الغاز المسال.

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

وسبق أن تحدث خبراء لـ«الشرق الأوسط» عن توجه القاهرة نحو تنويع مصادر الغاز الطبيعي دون انتظار موقف إسرائيل من الصفقة أبرزها إنشاء 4 محطات لتمويل السفن بالغاز الطبيعي، والتوسع في استيراد سفن الغاز من دول مختلفة، إلى جانب تعزيز الاكتشافات المحلية، وتشجيع الشركات الأجنبية على توسيع عمليات التنقيب.

وتبلغ احتياجات مصر اليومية من الغاز الطبيعي نحو 6.2 مليار قدم مكعب يومياً، وتستهدف الحكومة زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنهاية العام الحالي إلى نحو 5 مليارات قدم مكعب يومياً، ويُقدر حالياً بنحو 4.2 مليار قدم مكعب يومياً، خاصة مع زيادة الاحتياجات اليومية لنحو 7 مليارات قدم مكعب يومياً في أشهر الصيف، وفق تقديرات حكومية.


«شروق الشمس» الأميركية لإعمار غزة... هل تؤخر الخطة العربية الشاملة؟

فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«شروق الشمس» الأميركية لإعمار غزة... هل تؤخر الخطة العربية الشاملة؟

فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يمشي وسط أنقاض المباني المدمرة جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

تسريبات أميركية تشير لوجود خطة بشأن إعمار جزء من قطاع غزة، تحمل اسم «شروق الشمس» أعدها فريق يقوده جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترمب، والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بينما تتعثر «الخطة العربية الشاملة» بشأن الإعمار الذي يعد أبرز ملامح المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع المتعثرة حالياً.

تلك الخطة الأميركية المتداولة، تأتي بينما تبحث مصر إقامة مؤتمر لتمويل إعمار كامل غزة بالشراكة مع واشنطن بعد تأجيله نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ويعتقد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه عودة لمخططات تهجير الفلسطينيين مجدداً رغم الرفض المصري والعربي، ما قد يطرح 3 سيناريوهات: المضي في تلك الخطة الأميركية الجزئية في رفح الفلسطينية، ومن ثمّ تأجيل نظيرتها العربية الشاملة؛ أو الدمج بين الخطتين دون تهجير؛ أو تعطيل كل الخطتين لتعثر إتمام الاتفاق».

وتحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الجمعة، عن خطة أعدها كوشنر وويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» بين الحكومات الأجنبية والمستثمرين لتحويل ركام غزة إلى وجهة ساحلية مستقبلية، ونقل سكان غزة «من الخيام إلى الشقق الفاخرة»، و«من الفقر إلى الازدهار»، دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

وبحسب المسودة «ستبلغ تكلفة المشروع الإجمالية 112.1 مليار دولار على مدى عشر سنوات»، على أن تلتزم الولايات المتحدة بتقديم منح وضمانات ديون لـ«جميع مسارات العمل المطروحة» خلال تلك الفترة، لكن التحديات هائلة، وفق الصحيفة، لافتة إلى أن إعادة إعمار غزة مشروطة بأن تقوم «حماس» بـ«نزع السلاح وتفكيك جميع الأسلحة والأنفاق».

وسيُنفّذ الإعمار عبر أربع مراحل، تبدأ من الجنوب في رفح وخان يونس، ثم تتجه شمالاً إلى «مخيّمات الوسط»، وأخيراً إلى العاصمة غزة، وتتضمن إحدى الشرائح، المعنونة بـ«رفح الجديدة»، تصوراً لجعلها «مقر الحوكمة» في غزة وموطناً لأكثر من 500 ألف نسمة، يعيشون في مدينة تضم أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، و200 مدرسة أو أكثر، وأكثر من 75 منشأة طبية، و180 مسجداً ومركزاً ثقافياً.

وهذه التسريبات تأتي بعد نحو 8 أيام من نقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوب القطاع من أجل إعادة إعمارها».

طفل فلسطيني نازح ينتظر مع حاويته لتلقي حصص غذائية متبرع بها في مطبخ خيري في خان يونس (أ.ف.ب)

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يرى أن «خطة ترمب للسلام تعطي منذ البداية مساحة أكبر للأميركيين والإسرائيليين، والخطة الجديدة المطروحة للإعمار من جانب واشنطن، محاولة لتحقيق هدف تهجير الفلسطينيين مرة أخرى».

فيما يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن «خطة شروق الشمس» تؤكد أن الولايات المتحدة لم تتخل عن فكرتها في ترحيل جزئي لسكان غزة مع ضخ استثمارات عقارية تحقق أمن إسرائيل فقط.

ووفق «وول ستريت جورنال»، فإن «بعض المسؤولين الأميركيين الذين اطّلعوا على (خطة شروق الشمس) يبدون شكوكاً جدّيةً بشأن مدى واقعيتها. فهم يستبعدون أن توافق حركة (حماس) على نزع سلاحها لبدء تنفيذ الخطة». وذكرت الصحيفة أنه «حتى في حال حدوث ذلك، يشكّك المسؤولون في قدرة الولايات المتحدة على إقناع دول ثرية بتحمّل تكلفة تحويل بيئة ما بعد الحرب إلى مشهد حضري عالي التقنية».

وعلى مقربة من هذه الشكوك، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في تصريحات الجمعة: «لن تقنع أحداً بالاستثمار في غزة إذا كان يعتقد أن حرباً أخرى ستندلع بعد عامين أو ثلاثة»، وأضاف: «لدينا ثقة كبيرة بأننا سنحصل على المانحين لجهود إعادة الإعمار والدعم الإنساني على المدى الطويل».

ويرى حسن أن روبيو يتحدث بحديث إسرائيل نفسه بشأن نزع سلاح «حماس»، ومن الصعب بدء المرحلة الثانية في ضوء عدم تحقيق التزاماتها مثل نشر «قوات الاستقرار» ونزع سلاح الحركة.

تلك التسريبات الأميركية، جاءت بعد نحو 17 يوماً من إعلان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول: «أننا نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

تجمع فلسطينيون نازحون لتلقي حصص غذائية تبرع بها أحد المتبرعين في مطبخ خيري في خان يونس (أ.ف.ب)

وبعد ذلك قال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في جلسة بـ«منتدى الدوحة»، أخيراً: «إننا سنواصل دعم الشعب الفلسطيني، لكننا لن نمول إعادة إعمار ما دمره الآخرون»، ووصفت وقتها تلك التصريحات القطرية، من جانب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «ضغط على واشنطن لدفع إسرائيل لتنفيذ انسحاب وبدء إعمار».

وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة الذي كانت ستنظمه القاهرة في نهاية نوفمبر الماضي، أجل دون ذكر السبب، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف لـ«الشرق الأوسط»، نهاية الشهر الماضي، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن ما يطرح أميركياً قد يؤخر عملية الإعمار وفق «الخطة العربية الشاملة»، مشيراً إلى أن تعثر مؤتمر الإعمار بسبب عدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم انسحاب إسرائيل. وحول المتوقع، إزاء الخطة الجديدة للإعمار، أوضح أنه يمكن التزاوج بين الخطتين العربية والأميركية شريطة ألا يحدث تهجير للفلسطينيين.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني أن مستقبل الإعمار قد يشهد المضي في الخطة الأميركية بشكل منفرد، وتأخير الخطة العربية الشاملة، أو استمرار التعثر لعدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم دخول أي من الخطتين حيز التنفيذ.


الأمم المتحدة: احتجاز الحوثيين موظفينا يُهدد العمل الإنساني في اليمن

المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
TT

الأمم المتحدة: احتجاز الحوثيين موظفينا يُهدد العمل الإنساني في اليمن

المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)
المنظمات والوكالات الأممية العاملة في صنعاء تعرضت لانتهاكات حوثية واسعة (إ.ب.أ)

أدانت الأمم المتحدة بشدة قيام الجماعة الحوثية باحتجاز 10 موظفين أمميين إضافيين في 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في خطوة وصفتها بـ«الاحتجاز التعسفي»، محذّرة من أن هذا التصعيد يُهدد بشكل مباشر استمرارية العمل الإنساني في اليمن.

وحسب المنظمة الدولية، ارتفع إجمالي عدد موظفيها المحتجزين لدى الجماعة إلى 69 موظفاً، ما يضع واحدة من كبرى عمليات الإغاثة في العالم أمام مخاطر غير مسبوقة.

وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان، إن هذه الاحتجازات «تجعل إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين غير قابلة للاستمرار»، مشيراً إلى أن القيود المفروضة على عمل المنظمة تؤثر بشكل مباشر على ملايين اليمنيين المحتاجين، وتحرمهم من الحصول على المساعدات المنقذة للحياة، في بلد أنهكته الحرب والفقر وانهيار الخدمات الأساسية.

المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك (الأمم المتحدة)

وأضاف دوجاريك أن الأمين العام دعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأفراد المحتجزين تعسفياً، بمن فيهم موظفو الأمم المتحدة، والعاملون في المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى أفراد من البعثات الدبلوماسية، مطالباً الحوثيين بإلغاء إحالة موظفي المنظمة إلى الملاحقة القضائية.

وشدّد البيان الأممي على ضرورة احترام القانون الدولي، بما في ذلك الامتيازات والحصانات الممنوحة للأمم المتحدة وموظفيها، مؤكداً أن هذه الحصانات «أساسية لتمكين العمل الإنساني في بيئة آمنة ومحايدة»، ولا يمكن التفريط بها دون تعريض حياة العاملين والمستفيدين من المساعدات للخطر.

تحذير من شلل الإغاثة

يأتي هذا التحذير الأممي في ظل تصعيد متواصل من جانب الحوثيين ضد المنظمات الدولية؛ حيث تتهم الجماعة موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني بالتجسس لصالح أطراف خارجية، وهي اتهامات تنفيها الأمم المتحدة بشكل قاطع، وتؤكد أنها لا تستند إلى أي أدلة.

وترى منظمات حقوقية أن هذه الاتهامات تُستخدم غطاءً لاعتقالات تعسفية واسعة، تستهدف تكميم الأصوات المستقلة وإحكام السيطرة الأمنية في مناطق نفوذ الجماعة.

طائرة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي بعد إقلاعها من مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

وخلال السنوات الماضية، لجأ الحوثيون إلى توظيف الجهاز القضائي الخاضع لهم ليكون أداةً للضغط والترهيب، عبر إحالة معارضين وصحافيين وموظفين أمميين إلى محاكم متخصصة بتهم تتعلق بالأمن القومي أو «التخابر»، في مسار يقول مراقبون إنه يقوّض العدالة، ويزيد من عزلة مناطق سيطرة الجماعة التي تحوّلت إلى أشبه بمعتقل كبير.

وتؤكد الأمم المتحدة أن استمرار هذه الممارسات يجعل من الصعب الحفاظ على وجود إنساني فعّال في صنعاء ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين، خصوصاً في ظل المخاطر المتزايدة التي يتعرض لها الموظفون المحليون والدوليون.

وعلى الرغم من ذلك، تُشدد المنظمة على التزامها بمواصلة تقديم الدعم الإنساني لملايين اليمنيين، مع تحذيرها من أن أي تصعيد إضافي قد يفرض إعادة تقييم للأنشطة الإنسانية في بعض المناطق.

مخطط تفجيري

في سياق موازٍ، أعلنت الأجهزة الأمنية في محافظة مأرب (شرق صنعاء) عن تحقيق إنجاز أمني نوعي، تمثل في ضبط قيادي بارز تابع للجماعة الحوثية المدعومة من النظام الإيراني، في عملية استباقية استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة ومتابعة ميدانية مكثفة.

ونقل الإعلام الرسمي عن مصدر أمني في شرطة مأرب قوله إن الأجهزة الأمنية نفذت العملية «باحترافية عالية»، بعد رصد تحركات القيادي الحوثي (ع.ع.د)، الذي كلفته الجماعة بقيادة عدة خلايا إرهابية داخل المحافظة. وحسب المصدر، كانت هذه الخلايا تعمل على استهداف الأمن والاستقرار وقيادات مدنية وعسكرية، من خلال تصنيع وزراعة العبوات الناسفة في مناطق متفرقة.

حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء دعا إليه زعيم الجماعة (أ.ف.ب)

وأوضح المصدر أن العملية نُفذت بتنسيق محكم بين مختلف الأجهزة الأمنية في المحافظة، وأسفرت عن مداهمة مخبأ القيادي الحوثي والقبض عليه، وضبط عدد من العبوات الناسفة المموهة، إضافة إلى أجهزة ومعدات خاصة بعمليات التفجير. وأشار إلى أن المخبأ كان يُستخدم وكراً لتصنيع العبوات الناسفة، ومقراً لإدارة الخلايا الإرهابية وتوجيه عملياتها.

ولفت إلى أن الجماعة الحوثية كانت تُعدّ هذا القيادي ليكون بديلاً عن القيادي السابق أحمد قطران، الذي أُلقي القبض عليه في وقت سابق، وظهر لاحقاً في تسجيل مصوّر بثه الإعلام الأمني، تضمن اعترافات حول مخططات تخريبية استهدفت محافظة مأرب.

وأكّد المصدر الأمني أن التحقيقات مع القيادي الحوثي المضبوط لا تزال جارية، تمهيداً لإحالته إلى القضاء المختص بعد استكمال الإجراءات القانونية، مشيراً إلى أن هذا الإنجاز يضاف إلى سلسلة من النجاحات الأمنية التي حققتها أجهزة الأمن في مأرب خلال الفترة الماضية، ويعكس مستوى الجاهزية واليقظة في مواجهة التهديدات الحوثية.