اتصالات الجيل الخامس... هل تشكّل أضراراً صحية؟

جدل متواصل حول تأثيراتها السرطانية أو سلامتها

اتصالات الجيل الخامس... هل تشكّل أضراراً صحية؟
TT

اتصالات الجيل الخامس... هل تشكّل أضراراً صحية؟

اتصالات الجيل الخامس... هل تشكّل أضراراً صحية؟

بينما تسير خدمة الجيل الخامس للاتصالات 5G بخطى بطيئة في جميع أنحاء العالم، تؤكّد المنظّمات والوكالات الحكومية على أنّه ما من سبب يدعو للقلق من تأثيرات تردّدات الموجات الراديوية على الصحّة. ولكنّ خبراء آخرين يعارضون هذه التطمينات.

الجيل الخامس
تعود تسمية «5G» إلى الجيل الخامس من التقنية الخلوية. ومع الوعود التي ترافق هذه التقنية من سرعة أكبر في التصفّح، والبثّ، والتحميل، وتحسّن الاتصالات، تبدو خدمة الجيل الخامس وكأنّها ثورة طبيعية في عالمنا الذي ينمو اعتماده على التكنولوجيا يوماً بعد يوم.
لكنّ خدمة الجيل الخامس صُممت لما هو أبعد من تزويدنا ببثّ سريع لأحدث الأفلام، ومن أهدافها الأساسية توسيع إمكانيات المستخدم وتقليص وقت الاستجابة، أي المدّة التي تتطلّبها الأجهزة للتواصل مع بعضها البعض. وستلعب هذه التغييرات الدور الأكبر في تحديد مدى سرعة تبنّينا للتقنية في حياتنا اليومية، وتحديداً في التطبيقات المتداخلة، كالتطبيقات الروبوتية، والسيارات الذاتية القيادة، والأجهزة الطبية.
ترتكز خدمة الجيل الخامس على دعامة أساسية هي استخدام نطاقات تردّد ذات موجات عالية، مباشرة عبر طيف تردّدات الراديو.
في الولايات المتحدة، نظّمت هيئة الاتصالات الفيدرالية مزاداً لبيع أوّل نطاق عريض، 28 غيغاهرتز، والذي سيؤسّس شبكة الجيل الخامس، على أن تنظّم مزادات أخرى لبيع نطاقات عريضة بتردّدات أعلى في أوقات لاحقة من هذا العام.

موجات ضارة
ولكن ما علاقة خدمة الجيل الخامس بصحّتنا؟ الدكتورة يلّا هوينغز مارتن، والخبيرة جينا دي إميليو في مجلة «ميديكال نيوز توداي» تحدثت عن ماهية الأشعّة الكهرومغناطيسية، وكيف يمكن أن تؤثر على صحتنا، وعن الجدل الذي يحيط تردّدات الشبكات الراديوية وما تعنيه في ظلّ تقدّم تقنية الجيل الخامس.
* ما هي الموجات الكهرومغناطيسية؟ الحقل (أو المجال) الكهرومغناطيسي هو حقل من الطاقة ينتج عن وجود موجات كهرومغناطيسية، وهي نوع من الطاقة يتولّد نتيجة تدفّق الكهرباء.
تتولّد الحقول الكهربائية في أي مكان يحتوي على منافذ أو خطوط كهربائية، سواء كانت الطاقة الكهربائية تعمل أم لا. أمّا الحقول المغناطيسية، فتتولّد فقط عند تدفّق التيّارات الكهربائية. وعند اجتماع هذين النوعين من الحقول، فإنهما ينتجان معاً الحقول الكهرومغناطيسية. الموجات الكهرومغناطيسية تكون على شكل طيف بموجات وتردّدات مختلفة تقاس بالهرتز، ويرمز هذا المصطلح إلى عدد الدّورات في الثانية.
تعمل خطوط الطاقة الكهربائية بين 50 و60 هرتز، الذي يعتبر المستوى الأدنى في الطيف.
* الأشعّة غير المؤيّنة. وتشكّل هذه الموجات ذات التردّدات المنخفضة، مجتمعة مع الموجات اللاسلكية، ثم موجات الميكروويف الأعلى ترددا، والأشعة دون الحمراء، والضوء المرئي، وبعض الطيف فوق البنفسجي، الأعلى ترددا (والتي تأخذنا إلى ترددات ميغاهرتز، وغيغاهرتز، وتيراهرتز)، ما يُعرف بالأشعّة غير المؤيّنة، أي الأشعة التي لا تؤدي إلى تفكيك الذرات والجزيئات.
* الأشعة المؤينة. وفوقها، تأتي أطياف بيتاهرتز petahertz و«إكزاهرتز» exahertz، التي تتضمّن أشعّة سينية (أشعة إكس) وأشعة غاما، والتي تعتبر أنواعاً من الأشعة المتأيّنة، أي التي تحمل طاقة كافية لتفكيك وفصل الجزيئات، مسببة ضرراً كبيراً للجسم البشري.
تضمّ الحقول الكهرومغناطيسية بالتردّدات الراديوية موجات من جميع المقاسات، من 30 كيلوهرتز وحتّى 300 غيغاهرتز.

ترددات الأجهزة
يتعرّض الناس عامّة للحقول الكهرومغناطيسية بالتردّدات الراديوية من الأجهزة المحمولة، كالهواتف والأجهزة اللوحية، فضلاً عن قواعد الهواتف المحمولة، والتطبيقات الطبية، وهوائيات أجهزة التلفزيون. إنّ التأثير الحيوي الأكثر وضوحاً لهذه الحقول هو ظهور التسخين، إذ إنّ الجرعات المرتفعة منها قد تؤدّي إلى ارتفاع في درجة حرارة النسيج المكشوف المتعرض لها، مما قد يسبب حروقاً وأضراراً أخرى.
ولكنّ الأجهزة المحمولة تصدر حقولاً كهرومغناطيسية بالترددات الراديوية بمعدلات منخفضة. ولهذا السبب، سواء كانت هذه الحقول سببا للقلق أم لا، عادت لتشكّل مسألة جدلية من جديد مع وصول اتصالات الجيل الخامس.

تأثيرات سرطانية
هل الموجات بتردّدات الرّاديو... سبب «محتمل» للسرطان لدى البشر؟ في عام 2011 اجتمع 30 عالما من أنحاء العالم شاركوا في مجموعة عمل تابعة للوكالة الدولية لبحوث السرطان، لتقييم خطر المعاناة من السرطان نتيجة للتعرّض للحقول الكهرومغناطيسية بتردّدات الراديو. ونشرت مجموعة العمل ملخّصاً لنتائج بحثها في دورية «ذا لانسيت أونكولوجي».
دقّق الباحثون في دراسة مراقبة تتضمن مجموعتين إحداهما معرضة لعامل خطورة والأخرى غير معرضة لعامل الخطورة، إضافة إلى خمس دراسات للحالات والشواهد أجريت على البشر، وكلّ واحدة منها كانت تهدف إلى التحقيق في وجود رابط بين استخدام الهاتف الخلوي والورم الدبقي glioma، وهو نوع من السرطان يضرب الجهاز العصبي المركزي. والورم الدبقي ينشأ من الخلايا الدبقية، وهو نوع من الأورام التي تبدأ في المخ أو العمود الفقري.
وبناء على دراسات عالية الدقّة، خلص الفريق إلى نتيجة مفادها أنّ «التفسير السببي بين الحقول الكهرومغناطيسية التي يبثّها الهاتف والورم الدبقي موجود وممكن».
وعمدت بعض الدراسات الصغرى أيضاً إلى دعم خلاصات مشابهة لورم العصب السمعي acoustic neuroma، إلّا أنّ الأدلّة لم تكن دامغة بالنسبة لسرطانات أخرى. وورم العصب السمعي هو ورم حميد داخل جمجمة الرأس.
راجع الفرق أيضاً أكثر من 40 دراسة استخدمت الفئران والجرذان. وبسبب محدوديّة الأدلّة في التجارب التي أجريت على البشر والحيوانات، صنّفت مجموعة العمل الحقول الكهرومغناطيسية بالتردّدات الراديوية على أنّها «مسبب محتمل للسرطان لدى البشر». وكتب العلماء المشاركون في ورقة بحثية أنّ «التقييم كان مدعوماً من قبل غالبية أعضاء مجموعة العمل».

جدل متواصل
أما منظّمة الصحة العلمية تقول: «هذه الحقول ليس لها تأثيرات سلبية على الصحّة».
وعلى الرغم من تصنيف الحقول الكهرومغناطيسية بالتردّدات الراديوية كمسبب للسرطان لدى البشر، توصّلت منظّمات أخرى إلى خلاصات مختلفة.
تنضوي الوكالة الدوليّة لبحوث السرطان تحت لواء منظّمة الصحة العالميّة، إلّا أنّ الأخيرة تبنّت «تقييماً صحياً مختلفاً حول مخاطر هذه الحقول» سيتمّ نشره على شكل رسالة علمية في سلسلة معايير الصحّة البيئية. وتجدر الإشارة إلى أنّ البرنامج الدولي للحقول الكهرومغناطيسية والذي تأسّس عام 1996 هو المسؤول عن هذا التقييم.



المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»