عندما احتفل الناس من مختلف أنحاء العالم مؤخراً بيوم البيئة العالمي، اتخذ الاحتفال في أحد مدارس الهند شكلاً عملياً.
تقبل مدرسة «أكشار» التي تقع في وادي بولاية «آسام» ذو الطبيعة الخلابة، بشمال شرقي الهند، النفايات البلاستيكية، باعتبارها الشكل الوحيد لسداد الرسوم الدراسية. ففي كل أسبوع، يتحتم على كل طالب من الطلاب البالغ عددهم 110 إحضار 25 قطعة من البلاستيك النظيف من منزله أو من المنطقة المحلية المحيطة، ليجري لاحقاً استخدامها في صناعة عناصر مختلفة في مجمع المدرسة.
- مفهوم «أكشار»
كلمة «أكشار» تعني «كلمات» باللغة الهندية، وفكرة تأسيس المدرسة هي من بنات أفكار مازن مختار الذي يبلغ من العمر حالياً 30 عاماً، والذي درس هندسة الفضاء في جامعة «مريلاند» الأميركية. وعندما كان مختار في سن الخامسة عشرة، عين مساعد باحث بمختبر أنظمة الفضاء، وكان لديه عرض عمل بدوام كامل من شركة «بوينغ» لصناعة الطائرات في سن السادسة عشرة، وفي نهاية المطاف انضم إلى وكالة «ناسا» للفضاء للمساعدة في إنشاء منزل جديد للبشرية في الفضاء وبين النجوم.
ورغم ذلك، تغير فكر مختار تماماً، وعزم على إصلاح كوكب الأرض، بدلاً من البحث عن كوكب جديد. وفي هذا الإطار، قال مختار في حوار جرى عبر الهاتف مع مراسلة صحافية: «رأيت أن الطريقة المثلى للقيام بذلك هي إصلاح نظام التعليم، وحشد مليارات الأشخاص من غير المتعلمين الذين يعيشون في فقر للمساعدة في مواجهة تحدياتنا العالمية». وفي عام 2013، عاد مازن مختار إلى الهند، حيث كان يدرس للطلاب الفقراء في الولايات المتحدة، والتقى بارميتا سارما التي كانت تدرس الخدمة الاجتماعية في معهد «تاتا» للعلوم الاجتماعية، وكلاهما وجد أوجه تشابه في أهدافهما وتزوجا. أراد الاثنان إنشاء مدرسة تختلف جذرياً في نمط تفكيرها عن طرق التدريس التقليدية، وأسسا مدرسة «أكشار» عام 2016.
كان هدفهما سد الفجوة بين الأكاديميين التقليديين والتدريب المهني، حيث يحصل الطلاب على المهارات الحياتية الأساسية اللازمة للحصول على عمل. ولدى سؤاله عنه فلسفته من تأسيس هذه المدرسة، أجاب مختار: «لقد اتفقنا على أنه من الضروري إيجاد نموذج جديد للطلاب الذين يعيشون في فقر مدقع، لذلك توصلنا إلى هذا النموذج، حيث يتعلم الطلاب ويتلقون التدريب في مختلف المهن والتخصصات، أهمها أن يكون معلماً».
وابتكرت مدرسة «أكشار» أسلوباً يتم من خلاله تشجيع الأطفال الأكبر سناً على تدريب الأطفال الصغار، وقال مختار: «الأطفال الأكبر سناً يحصلون على عملات ألعاب، تشبه إلى حد ما عملة الألعاب اللوحية (أو الكوبون)، حيث يستخدم الطلاب العملات في شراء الوجبات الخفيفة والمعدات الرياضية وغيرها من متجر المدرسة».
وأضاف أنه من خلال معالجة قضيتي التعليم والتوظيف معاً، ومزج الأكاديميين بالتدريب المهني، فإنه من الممكن ضمان التماس خريجينا لسبل العيش الكريمة، والمساهمة في تطوير حياتهم الخاصة. على سبيل المثال، فإن المنهج يجمع بين حرف كالنجارة وعلم الرياضيات، وتكنولوجيا الطاقة الشمسية والفيزياء، والتطريز والاقتصاد، والتدريس وعلم النفس، وإعادة تدوير المخلفات وعلم البيئة، وأيضاً المناظر الطبيعية وعلم الأحياء وغيرها.
وتصنف الدرجات أو المعايير التي يدرس بها الطلاب بمدرسة «أكشار» على أساس مستويات ذكائهم، وليس أعمارهم، على عكس المدارس الأخرى. ونتيجة لذلك، قد يستوعب كل فصل طلاب من مختلف الفئات العمرية، وفقاً لمستويات معارفهم.
وتبلغ براسانتا 14 عاماً، ورغم أنها طالبة فإنها تقوم بالتدريس للأطفال بعمر 6 سنوات في مدرستها، وتتقاضى أجراً نظير ذلك. وبراسانتا ليست الحالة الوحيدة، حيث إن هناك كثيرات غيرها يتولين تدريب الأطفال الأصغر سناً بمدرسة «أكشار»، ويحصل الطلاب المعلمون على المال مقابل ذلك، مما يشجعهم على البقاء في المدرسة، ويقضى على مشكلة التسرب الدراسي.
وقالت سارما، زوجة مازن، في المقابل: «نحن نطالب الآباء بإرسال المواد البلاستيكية إلى المدرسة كرسوم، حال أرادو أن يدرس أطفالهم هنا مجاناً. ويتعين على الوالدين أيضاً تقديم تعهد بعدم حرق المواد البلاستيكية».
وعندما فتحت المدرسة أبوابها للمرة الأولى، كان عدد الطلاب بها لا يتعدى 20 طالباً، والآن هناك 7 مدرسين يقومون بالتدريس لمائة طالب على الأقل. ويجري تشغيل مستويات دراسية بدءاً من المستوي الأول حتى التاسع، من سن 4 إلى 16 عاماً. ويتطلع الزوجان الآن إلى بناء 100 مدرسة على هذا النمط في مختلف أنحاء البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة.
ويشتمل المنهج المدرسي على كثير من الدورات المهنية، بما في ذلك مستحضرات التجميل والتطريز والغناء والرقص والزراعة العضوية والبستنة والألواح الشمسية وإعادة التدوير والإلكترونيات. والجدير بالذكر أن المدرسة صممت المناهج الدراسية لخدمة الأطفال الأكثر فقراً، ولذلك لا يقومون بتدريس الأطفال المواد التقليدية فحسب، بل يقدمون أيضاً تدريباً مهنياً يجعل منهم حرفيين مهرة بنهاية الدورة.
ويصطف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و15 عاماً مرتين كل أسبوع أمام المدرسة بأكياس البقالة المليئة بالزجاجات البلاستيكية والقش البلاستيكي، وما إلى ذلك من المواد التي يمكن استخدامها بعد ذلك في صناعة «طوب بيئي»، لإنشاء مبانٍ مدرسية جديدة أو مبانٍ للمراحيض أو ممرات... إلخ.
ودخلت الشركات الراعية على الخط لمساعدة الطلاب الذين يواجهون صعوبات مالية. ففي عام 2018، سددت شركة «أويل إنديا» رسوم الطلاب غير القادرين، فيما تكفلت منظمة «موتفجيشن فور أكسلانس» التي تتخذ من مدينة مومباي مقراً لها بتمويل عملية إصلاح المناهج الدراسية بمدارس دلهي.
وفي هذا الإطار، قال سليمان البالغ من العمر 13 عاماً: «أحمل النفايات البلاستيكية، بما في ذلك زجاجات المياه والرقائق وعلب البسكويت، إلى المدرسة. لم أكن أعلم أنه يمكننا بناء شيء جديد باستخدام هذه النفايات البلاستيكية. لم يكن أحد يعرف أن البلاستيك يمكن أن يكون ضاراً (بالبيئة). حتى الجيران تغيروا وفهموا تدريجياً الآثار المميتة للنفايات البلاستيكية».
بالإضافة إلى ذلك، فإن المدرسة تدير أيضاً مأوى للحيوانات. فخلال الأشهر الستة الماضية، قام الطلاب والجهات ذات العلاقة بمدرسة «أكشار» بإيواء 20 كلباً، واستطاعوا إيجاد منازل لاستضافة الكلاب بعد تطعيمهم. ويُكلف المراهقون برعاية الجراء وإطعامهم، وعلاجهم بالأدوية بعد تعقيمهم، ولم يتبقَ في المدرسة حالياً سوى اثنين من الجراء الذين يخضعون للعلاج، بعد أن تمكنت المدرسة من العثور على منازل جديدة لاستضافة الباقين بمساعدة هذه القلوب الرقيقة.
- التحديات وحلها
كان إقناع الآباء بإرسال أطفالهم إلى المدرسة مهمة صعبة للزوجين، حيث لم يكن الآباء واثقين من الطريقة التي ستعمل بها المدرسة الجديدة، ولا طريقة التدريس بها. لكن معلمي «أكشار» كان لهم من الخبرة، وفي الوقت نفسه قدر من المرونة، ما جعل بعض أولياء الأمور يطالبون إدارة المدرسة بأن تكون أكثر صرامة، فقد كانوا متشككين من جدوى ذلك النمط التعليمي في البداية، حيث لا يرى معظم الآباء التعليم أمراً ممتعاً.
وبحسب بيرميتا سارما، فمن ضمن الصعوبات أيضاً أن معظم المشاركين كانوا عمالاً في المحاجر، وفي غيرها من الأعمال، وذلك لإعالة أسرهم «لكننا أقنعناهم وأولياء أمورهم بالتسجيل في المدرسة، والمشاركة في جميع أنشطتها»، مضيفة أن الآباء أدركوا تدريجياً إمكانات المدرسة، وأعجب الطلاب بنهجها التعليمي. الجدير بالذكر أن الطلاب يحصلون على شهادتهم من المعهد الوطني للتعليم المدرسي (NIOS).
ويراعي منهج «أكشار» الثانوي خلق توازن بين المهارات العملية والتعلم المجرد، وسوف يكتسب الطلاب المهارات من خلال المدرسة إلى أن يلتحقوا بالكلية أو التدريب المهني، أو ممارسة التجارة التي تتطلب مهارات عالية. ويقول مازن إن نسبة حضور الطلاب تزيد على 95 في المائة، خصوصاً أن المدرسة بها سيارة لنقل الطلاب من وإلى منازلهم.
ويقدم مازن وزوجته برنامج زمالة يسمي «منح أكشار»، يقوما بمقتضاها بتدريب الخريجين الموهوبين في منتدى «أكشار» لعدة أسابيع، وسيحاولان بعد ذلك تطبيقها في المدارس الحكومية الأخرى.
وتتولى مدرسة «أكشار» تدريب المدرسين بغرض إصلاح المدارس الحكومية الضعيفة، بالشراكة مع الحكومة المحلية و«التحالف التعليمي».
ومن المنتظر أن يعمل مدرسي «أكشار» مع قادة المدارس والمدرسين على تنفيذ أساليب مبتكرة لمدة عامين، بعد أن طوروا مدرسة باتت نتائجها المحسنة ظاهرة للجميع. ولدى منتدى «أكشار» خطط لتوسيع ذلك النموذج في جميع أنحاء الهند، بعد أن نجحوا في تكرار نموذجهم في إحدى المدارس الحكومية في جنوب دلهي. ويخطط القائمون على المشروع لتوسيعه، ليشمل 5 مدارس أخرى في دلهي هذا العام، لتحقيق حلم تكرار نموذج «أكشار» في 100 مدرسة خلال 5 سنوات.
وقد تم الاعتراف بتجربة «أكشار» لهذا النهج الفريد، ودعيت إدارة المدرسة لحضور اجتماعات «لجنة الأمم المتحدة للمرأة» في مدينة نيويورك، تحديداً لجنة المنظمات غير الحكومية التابعة للأمم المتحدة المعنية بالصحة العقلية.
واستطرد مختار قائلاً: «لقد تلقينا دعوة من نائب رئيس اللجنة، وكانت استجابتنا كبيرة، وحصلنا على تأييد وحماس كبيرين، وأمنيات بأن يكون (تمثيلنا مشرفاً)، وسمعناهم يرددن عبارة (أنتم شباب المستقبل!)».
قاربت مدرسة «أكشار» على الحصول على صفة استشاري لدى الأمم المتحدة، حيث انضمت إلى كادر متخصص يضم ممثلين عن منظمات غير حكومية تتشاور مع الأمم المتحدة بشأن تصميم ووضع المناهج الدراسية المهمة.
المواد البلاستيكية بدلاً من سداد الرسوم شرط للدراسة المجانية في مدرسة هندية
يتحتم على كل طالب إحضار 25 قطعة من البلاستيك النظيف من منزله لإعادة تدويرها لاحقاً
المواد البلاستيكية بدلاً من سداد الرسوم شرط للدراسة المجانية في مدرسة هندية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة