«داعش باقٍ ويتمدد» في شعارات تركها في الباغوز

عناصر أجنبية سموا محلاتهم بأسماء بلدانهم

ما تبقى من «مجمع الفلوجة» لصاحبه العراقي في الباغوز شرق سوريا (الشرق الأوسط)ir
ما تبقى من «مجمع الفلوجة» لصاحبه العراقي في الباغوز شرق سوريا (الشرق الأوسط)ir
TT

«داعش باقٍ ويتمدد» في شعارات تركها في الباغوز

ما تبقى من «مجمع الفلوجة» لصاحبه العراقي في الباغوز شرق سوريا (الشرق الأوسط)ir
ما تبقى من «مجمع الفلوجة» لصاحبه العراقي في الباغوز شرق سوريا (الشرق الأوسط)ir

«بلّغوا قوات التحالف أننا أهلٌ للقيادة». «داعش» كتنظيم «باق ويتمدد». كان هذان الشعاران بين عبارات كتبت على جدران الشوارع في بلدة الباغوز الواقعة أقصى شرق سوريا. عبارات وشعارات حفرت ورسمت على أسوار المنازل وواجهات المحال التجارية والتي تعرضت للقصف والدمار. أسماء متاجر مختلفة للدلالة على جنسية صاحبها، وعيادات لأطباء قدموا من مسافات بعيدة للعيش في ظل سيطرة التنظيم المتشدّد.
في بداية سوق البلدة المركزي، تستقبلك شاخصة متاجر كتب عليها «مجمع الفلوجة»؛ في إشارة إلى أنّ صاحبها كان عراقي الجنسية. بجانبها كانت تقع شركة لتحويل وصرف الأموال حملت اسم «تحويلات الزيتونة»، يبدو أنّ صاحبها كان قادماً من إحدى دول المغرب العربي. ومطعم حمل اسم «مأكولات الشام» ورسمت على شاخصته بعض الأطعمة الخاصة بمطبخ دمشق العريق.
في زاوية أحد الشوارع كان يقع مقهى إنترنت باسم «الكوثر». كما تستدل على مكان النساء من السهم المشار إليه، فيما الرجال خصص لهم ركن منفصل بعيد عن الأول. بينما وقعت شاخصة محل خياط أفغاني على الأرض، كتب عليها عبارة: «تفصيل العباءات واللباس الأفغاني» بعد انتشار هذا النوع من الثياب والموديلات إبان سيطرة التنظيم على المنطقة. فيما كتبت على مدخل عيادة شبه محطمة تعرضت لقصف الطيران، «الطبيب أبو محمد السوداني»، يبدو أنّ صاحبها كان متحدراً من دولة السودان. وباتت الباغوز خالية من سكانها، وقد انهار سقف كثير من المنازل أو خلعت أبوابها والشبابيك من شدة الانفجارات. أما المتاجر والمحال التجارية فقد تعرضت للدمار والبعض منها سوي بالأرض لم يتبق منها سوى الأطلال. لكن المشهد يبدو صادماً أكثر في مركز البلدة، حيث جرت معركة محتدمة للسيطرة على أبنية استراتيجية بهدف طرد عناصر «داعش»، وبات من الصعب التفريق بين منزل ومتجر، بعد أن تحول معظمها إلى أكوام وجبال من الأنقاض، وتناثرت أنابيب المياه وأسلاك الكهرباء، ولم تعد صالحة لتشغيلها مرة ثانية.
وتتالت جهات عسكرية عدة على حكم الباغوز منذ ربيع 2011، حيث خرجت عن سيطرة النظام الحاكم بداية عام 2013 لتخضع لسيطرة فصائل من الجيش السوري الحر، ثم خضعت لجبهة النصرة - هيئة تحرير الشام اليوم - وفي منتصف 2014 خضعت لسيطرة عناصر تنظيم داعش واستمرت حتى بداية شهر فبراير (شباط)، لكن «قوات سوريا الديمقراطية»، وبدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية شنت هجوماً واسعاً وتمكنت من انتزاع 99 في المائة فيما التنظيم يسيطر على مساحة زراعية تمتد حتى الحدود العراقية لا تتجاوز مئات الأمتار.
ولا تزال كثير من كتابات التنظيم منتشرة على جدران المنازل والمرافق العامة في مدخل البلدة وعلى جانبي الطريق الرئيسي وسوقها المركزية، لتذكير أبنائها بحقبة سوداء قضوها في ظل سيطرة «داعش»، حيث كانت العبارات المكتوبة تحاول تعزيز مفهوم التنظيم في نفوس سكان المنطقة، لتخاطب جميع الأجيال والفئات. فالشباب والمراهقون انتشرت عبارات تبشرهم وتوهمهم بوعود كاذبة، أما النساء فخصصت لهن كتابات تحذيرية بضرورة التقيد باللباس، بينما الرجال وجدت كتابات تحثهن على «القتال» والالتحاق بصفوف التنظيم. وبلدة الباغوز تتبع ناحية السوسة إدارياً. تقع في حوض نهر الفرات شمالاً في منطقة البوكمال بمحافظة دير الزور، بلغ عدد سكانها نحو 11 ألفاً بحسب إحصاء أجري في سوريا سنة 2004، لكن ومنذ شهر سبتمبر (أيلول) العام الفائت، وبعد الهجوم الواسع الذي تشنه «قوات سوريا الديمقراطية» لطرد عناصر التنظيم؛ نزح إليها عشرات الآلاف من مدن وبلدات السوسة والشعفة وهجين بريف دير الزور الشمالي، إلى جانب المناطق العراقية المحاذية لسوريا والتي طُرد منها عناصر التنظيم.
وعلى وقع المعارك العنيفة الدائرة منذ 9 فبراير (شباط) الماضي، خرج أكثر من 66 ألفاً من المنطقة المحاصرة، من بينهم 37 ألف مدني و5000 مقاتل ونحو 24 ألفاً من أفراد عائلاتهم، كما أفادت عن اعتقال 520 إرهابياً في عمليات خاصة، خرجوا تدريجياً من آخر رقعة جغرافية كانت تحت سيطرة «داعش»، غالبيتهم من عائلات التنظيم يتحدرون من جنسيات أجنبية، بعد استسلام المقاتلين المتشبه بانتمائهم للتنظيم.
واليوم لم يعد للتنظيم من سيطرة سوى أرض زراعية تمتد شرقاً حتى الحدود العراقية، وضفة نهر الفرات المحاطة من الطرف المقابل بالقوات الحكومية الموالية للأسد من الجهة الجنوبية. ورصدت «الشرق الأوسط»، سحباً من الدخان وألسنة نار تتصاعد فوق منطقة المخيم بمحاذاة النهر، حيث بالإمكان مشاهدة عدد كبير من السيارات وخيم عشوائية وشاحنات صغيرة متوقفة طالتها نيران القصف وتعرضت للاشتعال، وخيمت على المكان كتلة سوداء ولهيب نار يتصاعد نحو السماء.
وكشف مصطفى بالي، مسؤول المكتب الإعلامي لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، أنهم نجحوا في أسر 157 إرهابياً من ذوي الخبرة الطويلة خلال المعارك الدائرة منذ ليل الأحد الماضي، وقال: «معظم الذين قبض عليهم بالباغوز يتحدرون من جنسيات أجنبية، ويرجح أن يكون المقاتلون المتبقون داخلها من الجنسيات الأجنبية أيضاً».
وتزايدت وتيرة هجمات «قوات سوريا الديمقراطية»، في الأيام الأخيرة، وتعد الأعنف منذ بدء الهجوم المستمر، وقد أبطأت عملياتها مراراً للسماح بخروج المسلحين وذويهم متهمة عناصر التنظيم باستخدام المدنيين المحاصرين دروعاً بشرية، وأوضح بالي أن الاشتباكات ما زالت مستمرة بعد سيطرة القوات ليلة أمس على كامل المخيم، وأضاف: «ما زالوا يحتجزون أسراً يرجح أن تكون عائلات التنظيم نفسه كدروع بشرية لمنع تقدمنا. ويلجأ التنظيم لهذه التكتيكات عند خسارته وإلحاق الهزيمة به». ويقترب الأمر من أن يكون غير قابل للتصديق، لكن المرحلة الأخيرة من القضاء على الوجود الجغرافي لتنظيم داعش قد شارفت على النهاية. وبينما يهيمن المساء تعلو هدير مقاتلات التحالف الدولي في السماء، إلى جانب سماع أصوات المدافع الثقيلة تقصف آخر معاقله. ففي هذه المنطقة باتت نهاية التنظيم جغرافيا شرقي= الفرات أصبحت وشيكة.


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
TT

بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (الخميس) إلى الأردن، مستهِلاً جولة لبحث الأزمة في سوريا بعد إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وفق ما أفاد صحافي من «وكالة الصحافة الفرنسية» كان ضمن فريق الصحافيين المرافق له في الطائرة.

وقال مسؤولون أميركيون، للصحافيين المرافقين، إن بلينكن المنتهية ولايته سيلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووزيرَ خارجيته في مدينة العقبة (نحو 325 كيلومتراً جنوب عمان) على البحر الأحمر، في إطار سعيه إلى عملية «شاملة» لاختيار أعضاء الحكومة السورية المقبلة. وفور وصوله، توجَّه بلينكن إلى الاجتماع، ومن المقرر أن يسافر في وقت لاحق من اليوم إلى تركيا.

ودعا بلينكن إلى عملية «شاملة» لتشكيل الحكومة السورية المقبلة تتضمَّن حماية الأقليات، بعدما أنهت فصائل معارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» حكم بشار الأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية التي تُشكِّل أقلية في سوريا.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، لدى إعلانها عن جولة بلينكن، إنه سيدعو إلى «قيام سلطة في سوريا لا توفر قاعدة للإرهاب أو تُشكِّل تهديداً لجيرانها»، في إشارة إلى المخاوف التي تُعبِّر عنها كل من تركيا، وإسرائيل التي نفَّذت مئات الغارات في البلد المجاور خلال الأيام الماضية. وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر إلى أنه خلال المناقشات في العقبة على البحر الأحمر «سيكرر بلينكن دعم الولايات المتحدة لانتقال جامع (...) نحو حكومة مسؤولة وتمثيلية». وسيناقش أيضاً «ضرورة (...) احترام حقوق الأقليات، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ومنع تحول سوريا إلى قاعدة للإرهاب أو أن تُشكِّل تهديداً لجيرانها، وضمان تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وتدميرها بشكل آمن». وهذه الزيارة الثانية عشرة التي يقوم بها بلينكن إلى الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل، التي ردَّت بحملة عنيفة ومُدمِّرة ما زالت مستمرة على قطاع غزة.

وانتهت رحلة بلينكن السابقة بخيبة أمل بعد فشله في تأمين صفقة تنهي فيها إسرائيل و«حماس» الحرب في مقابل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة. وسيغادر بلينكن منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل مع إدارة الرئيس جو بايدن.

ووصف الرئيس المنتخب دونالد ترمب الوضع في سوريا بـ«الفوضى». وقال إن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تتدخل، رغم أنه لم يوضح السياسة الأميركية منذ سقوط الأسد.