تعتبر حساسية الطعام (Food Allergies) من الأمور الصحية المألوفة التي يعاني منها الأطفال بأشكال متفاوتة. وتتناول الدراسات هذا الموضوع دائما، من حيث تأثيره على الأطفال في المراحل العمرية المختلفة وصولا للبلوغ، كما أن هناك كثيرا من الدراسات التي تناقش المواد المسببة للحساسية في المأكولات المختلفة.
- الحساسية المفرطة
في أحدث دراسة تناولت حساسية الطعام، ونشرت في منتصف شهر يوليو (تموز) من العام الجاري في النسخة الإلكترونية من مجلة «الحساسية والأزمة الربوية والمناعة» (Allergy، Asthma and Immunology)، أشار باحثون أميركيون برئاسة الدكتورة وحيدة الصمدي، إلى أن تأثير الحساسية على الأطفال في الطفولة المبكرة (الأطفال الرضع في المرحلة من عمر شهرين حتى عمر عام أو عام ونصف العام) أقل منها في مرحلة الدراسة أو الطفولة المتأخرة. وأوضحت الدراسة أن الأطفال في هذه المرحلة لا تحدث لهم المضاعفات الخطيرة من حساسية الطعام مثل الحساسية المفرطة أو الخطيرة (anaphylaxis).
ومن المعروف أن الحساسية هي التفاعل الذي يقوم به الجهاز المناعي لمقاومة أي مادة جديدة أو جسم غريب مثل الميكروبات والفطريات التي تحاول الدخول إلى جسم الإنسان، ونتيجة لهذا التفاعل يقوم الجسم بإطلاق مواد كيميائية لها خصائص معينة تؤدي إلى ما يعرف بالحساسية مثل احمرار الجلد والحكة واحمرار العين والرشح من الأنف على شكل سوائل والعطس والسعال باستمرار لمرضى الربو وضيق التنفس.
وفى الأغلب، تقتصر التفاعلات على هذه الأعراض، ولكن في حالة الحساسية المفرطة تمتد الأعراض لتشمل كثيرا من أجهزة الجسم، ويحدث تورم في الحلق، وصعوبة في التنفس، ربما تؤدي إلى الوفاة في حالة عدم العلاج الفوري في المستشفى.
وتحدث حساسية الطعام حينما يتم التعرف على أطعمة معينة على أنها مواد ضارة بالجسم، وبالتالي يتم التفاعل المناعي ضدها. وهناك طفل من كل 20 يعاني من حساسية الطعام، التي تبدأ مع محاولات إدخال الأطعمة الصلبة في غذاء الطفل، وفي الأغلب تنتهي الحساسية مع التقدم إلى مرحلة البلوغ، وهناك نسبة 2 في المائة من الأطفال تستمر معهم أعراض الحساسية طوال حياتهم.
وأشار الباحثون إلى أن نتائج هذه الدراسة تعتبر مبشرة ومطمئنة للآباء الذين يقومون بمحاولة تجريب الأطعمة التي ربما تسبب الحساسية في بعض الأطفال عند تناولها للمرة الأولى مثل الفول السوداني والبيض والمكسرات وألبان الأبقار وأنه في حالة حدوث الحساسية المفرطة، فإن الأعراض في الأغلب لا تتعدى الحكة والقيء من دون احتماليات حدوث أعراض أكثر خطورة مثل البالغين أو الأطفال الأكبر عمرا.
وهذه النتائج جاءت خلافا للتوصيات السابقة بأفضلية أن يتم تجنب الفول السوداني على وجه التحديد في الطفولة المبكرة. وقد قام الباحثون بفحص البيانات الخاصة بالأطفال الذين تم علاجهم بالفعل من أعراض الحساسية المفرطة في المستشفيات خلال عامين، وهذه البيانات كانت لـ47 من الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة (infants) و43 من الأطفال في المرحلة التالية (الفترة العمرية من عمر عام أو عام ونصف العام حتى 3 سنوات Toddlers) و96 طفلا في المرحلة العمرية ما قبل الدراسة، و171 طفلا في مرحلة المدرسة.
- نتائج جديدة
جاءت نتيجة الدراسة بأن أعراض الحساسية المفرطة في الأطفال الأصغر عمرا لم تكن أعراضا شديدة الخطورة، وإنما اقتصرت في الأغلب على أعراض الجهاز الهضمي بنسبة 89 في المائة (وبلغت نسبة حدوث عرض القيء فقط 83 في المائة من مجموع أعراض الجهاز الهضمي). وكانت أعراض الجهاز الهضمي بنسبة 63 في المائة في المرحلة العمرية التالية، وبالنسبة للأطفال في عمر ما قبل الدراسة كانت 60 في المائة، بينما وصلت النسبة إلى 58 في المائة فقط في الفئة العمرية للأطفال في مرحلة الدراسة. وهذا يعني أن الأعراض الخطيرة للحساسية المفرطة التي تشمل الجهازين التنفسي والدوري كانت قليلة الحدوث في المراحل العمرية الصغيرة ثم تزايدت لاحقا في المراحل اللاحقة.
وبالنسبة للأعراض الجلدية مثل الاحمرار والهرش والتورم فكانت النسبة في الأطفال الأصغر 94 في المائة، والأطفال في المرحلة التالية 91 في المائة، بينما كانت النسبة 62 في المائة في الأطفال في عمر المدرسة، وكانت نسبة الحكة نحو 79 في المائة من الأعراض الجلدية في جميع المراحل العمرية، وهو الأمر الذي يعني أن النسبة الأكبر لأعراض الحساسية المفرطة كانت قيئا وحكة بالجلد، وهي أعراض بسيطة بالطبع وبالنسبة لأعراض الجهاز التنفسي كانت أقل حدة في الأطفال الصغار، وكانت نسبتها 17 في المائة وشملت السعال بشكل أساسي، بينما في الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة كانت النسبة 44 في المائة، وفي عمر الدراسة 54 في المائة (تعتبر أعراض الجهاز التنفسي من الأعراض الخطيرة للحساسية المفرطة)، وهناك طفل واحد فقط كان يعاني من عرض الصفير وطفل آخر يعاني من هبوط ضغط الدم كما لم تحدث أي حوادث وفاة طوال فترة الدراسة لأي طفل.
ونصحت الدراسة الآباء بالقيام بتجربة الأطعمة الجديدة التي يمكن أن تسبب الحساسية ومراقبة الأعراض، خاصة في الأطفال الذين لديهم تاريخ مرضي للحساسية، وإذا كانت الأعراض مجرد طفح جلدي أو حكة أو حدوث قيء أو إسهال فيمكن مناقشة هذه الأعراض مع طبيب الأطفال، ويمكن تناول علاج بسيط للأعراض. وفي المقابل نصحت الدراسة الآباء بضرورة التوجه بشكل فوري إلى المستشفى أو استدعاء الإسعاف في حالة ظهور أعراض خطيرة على الطفل مثل صعوبة التنفس أو الشحوب وسرعة ضربات القلب حتى يتم إنقاذ الطفل لأن هذه الأعراض تهدد الحياة ولا يجب الاستهانة بها أو التعامل معها بالأدوية التي يتم استعمالها في الحساسية العادية مثل أدوية الشرب الملطفة للسعال أو الحكة.
كما يجب الوضع في الحسبان أنه ليست جميع الأعراض المرتبطة بتناول غذاء معين تعتبر حساسية طعام. وعلى سبيل المثال فقد يكون ذلك تسمما من الطعام أو حدوث آلام في المعدة نتيجة تناول وجبة معينة مثل المعجنات.
وفي النهاية أوضحت الدراسة أنه كلما كان تقديم الطعام المسبب للحساسية مبكرا كلما كانت فرص الوقاية من الحساسية أكبر.
- استشاري طب الأطفال