رحيل الممثلة السورية المعارضة مي سكاف في منفاها الباريسي

مي سكاف
مي سكاف
TT

رحيل الممثلة السورية المعارضة مي سكاف في منفاها الباريسي

مي سكاف
مي سكاف

نعى عدد من المثقفين السوريين، أمس، الممثلة مي سكاف (49 سنة)، أحد أبرز الوجوه الفنية التي جاهرت بمعارضتها للحكم في بلدها منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وتوفيت سكاف في باريس في {ظروف غامضة}.
ونشرت قريبتها الناشطة والروائية ديمة ونوس تعليقاً على حسابها في «فيسبوك» جاء فيه: «إلى الأصدقاء، أعتذر عن عدم الرّد على اتصالاتكم ورسائلكم. أنا وعائلتي في وضع نفسي صعب جداً. نعم، رحلت مي وخسرناها مع خساراتنا الموجعة. لنا ولكم الصّبر ولن أسامح من كان السبب. مي رحلت في ظروف غامضة، وبانتظار نتائج التحقيق».
وكانت الممثلة قد حققت شهرة طيبة من خلال عملها المكثف في المسلسلات والأفلام، لكنّ اسمها برز خلال الثورة السورية عندما أعلنت رفضها لنظام الأسد. وقد اعتقلت في صيف 2011، مع عدد من المثقفين والفنانين السوريين الذين كانوا يستعدون للسير في مظاهرة سلمية في دمشق. وحال إطلاق سراحها، بعد أيام، غادرت سوريا متسللة مع ابنها وتوجهت إلى الأردن، ومنه تمكنت من اللجوء إلى فرنسا.
وكانت أجهزة الأمن السورية قد نظّمت ضبطاً أمنياً بحقها وأحالته إلى نيابة محكمة الإرهاب التي أحالته بدورها إلى قاضي التحقيق لمحاكمتها بتهمة الاتصال بإحدى القنوات الفضائية ونشر أنباء كاذبة. وأصدر القاضي قراره باتهام الفنانة مي سكاف ومحاكمتها بالتّهم الأمنية المنسوبة لها. وبسبب نشاطها السياسي، استولت اللجان الشعبية في سوريا على شقتها في جرمانا بريف دمشق.
كشفت مي سكاف عن موهبتها الفنية منذ أن كانت طالبة تدرس الأدب الفرنسي في جامعة دمشق. حيث كانت تشارك زملاءها طلبة الجامعة في تقديم أعمال مسرحية في المركز الثّقافي الفرنسي. ثم لفتت الأنظار عندما أدّت دور «تيما» في مسلسل «العبابيد». واختارها المخرج السينمائي ماهر كدو لبطولة فيلمه «صهيل الجهات»، أوائل تسعينات القرن الماضي. وبفضل نجاحها في دورها طلب منها المخرج عبد اللطيف عبد الحميد المشاركة في فيلمه «صعود المطر».
وبعده عملت مع المخرج الكبير نبيل المالح في مسلسله السينمائي «أسرار الشاشة»، من ثم مع نجدت أنزور في «البواسل»، وتوالت الأدوار الكثيرة بعد ذلك.
انقطعت مي سكاف عن العمل الفني بسبب مغادرتها سوريا، لكنّها عادت في العام الماضي لتظهر في فيلم قصير للمخرج الشاب ملهم أبو الخير، صُوّر في العاصمة الفرنسية باريس بعنوان «سراب». أدّت فيه دور سيدة مهاجرة من سوريا إلى فرنسا بعد الثورة، وفي خضمّ الانتخابات الفرنسية الأخيرة يراودها حلم بأن تصبح أول امرأة تحكم بلداً عربياً.
برحيلها في باريس، تخسر سوريا فنانة شجاعة وصفت نفسها بمواطنة معارضة، ولم تتوانَ عن نشر آرائها في مواقع التواصل الاجتماعي منذ بدايات الثورة، مندّدة بنظام ينكل بالمخالفين ويكمّم الأفواه.
كما انتقدت المبالغة في نشر صور الرئيس في كل الأماكن وعلى زجاج السيارات، معتبرة ذلك وسيلة لترهيب المواطنين وليس للتعبير عن الولاء. وكتبت سكاف في أحد مقالاتها المبكرة: «عن أي استقرار يتحدثون وهناك دماء سورية تنزف واعتقالات لشباب يحاولون أن ينقلوا وجهة نظرهم ويمارسوا حقاً من حقوق الإنسان الحر».
وكان آخر تعليق لها قبل أن ترحل، كتبت مي سكاف على صفحتها في «فيسبوك» يوم السبت: «لن أفقد الأمل... لن أفقد الأمل... إنها سوريا العظيمة وليست سوريا الأسد».



«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».