قبل اللقاء المرتقب بين المنتخب التونسي ونظيره الإنجليزي في المجموعة السابعة من مونديال روسيا 2018 تذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) التفاصيل الدموية التي رافقت آخر لقاء جمع الفريقين منذ 20 عاما في مرسيليا خلال مونديال فرنسا 1998.
وحملت (بي.بي.سي) بشكل كبير المسؤولية للمشاغبين الإنجليز وقالت إن ما حدث في مرسيليا كان نقطة تحول في تعامل الحكومة البريطانية معهم مما أدى لمنع المشاكل فيما بعد.
مر على الحوادث نحو عشرين عاما لكن الشعب الإنجليزي لايزال يتذكرها وذلك حينما أصيب ما لا يقل عن 32 شخصا خلال ثلاثة أيام من أعمال العنف والشغب المتواصل سبقت مباراة إنجلترا وتونس في مرسيليا في المباراة الافتتاحية للمنتخبين في كأس العالم 1998 في فرنسا.
ووصف رئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير تلك الأحداث بأنها "كارثة متكاملة الأركان" ، ووصفها رئيس اتحاد كرة القدم الإنجليزي "بالآفة والمرض" ، وقال وزير الرياضة إن الاشتباك مع "الجالية المغاربية" دمر سمعة إنجلترا في الخارج.
لكن بعد مرور كل هذه السنوات سيلتقي المنتخب الإنجليزي مع نظيره التونسي في أول مباراة لهما في كأس العالم في روسيا عندما يلتقي الفريقان في فولغوغراد في 18 يونيو/ حزيران الحالي في أجواء أهدأ قليلا.
والمثير للاهتمام أن المخاوف هذه المرة تتجه إلى إمكانية وقوع شغب بين الروس والإنجليز رغم عدم وقوع الفريقين في مجموعة واحدة وهو ما أجبر السلطات الروسية على مضاعفة إجراءات التأمين خصوصوا والعلاقة بين البلدين دبلوماسيا في أسوأ أحوالها.
كارثة مرسيليا
كانت التوقعات عالية ، وحتى قرار غلين هودل المدير الفني للفريق حينها بعدم ضم بول غاسكوين لم يمنع آلاف المشجعين من السفر لمؤازرة الفريق في مرسيليا.
لكن لم يكن الجميع سعداء بقرار اللعب في المباراة الافتتاحية في ستاد فيلودروم ، حيث تم تعيين السير برايان هايس نائب شرطة متروبوليتان سابقاً من قبل الاتحاد الإنجليزي للعمل كمستشار أمني للبطولة وقال حينها إنه كان يريد نقل المباراة.
وقال هايس لهيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي" BBC " قبل كأس العالم ، حاولنا نقل المباراة إلى ملعب آخر. لقد حاربت شخصياً بشدة ، وحاول الرئيس التنفيذي للاتحاد الإنجليزي أيضا بسبب سكان شمال أفريقيا المقيمين في مرسيليا بأعداد كبيرة والطقس كان شديد الحرارة وشرب المشجعون البريطانيون الكثير من الكحوليات. المشجعون والمناخ كله كان خاطئا وكذلك المكان خاطئ".
وأضاف "حاولنا إقناع الاتحاد الدولي (الفيفا) بتبديل المباريات حتى يمكن مواجهة تونس في لانس ، على سبيل المثال ، لكنهم لم يستطيعوا ذلك على الإطلاق. كانت الأمور تشير إلى حدوث كارثة وهذا ما حدث بالفعل".
الغاز المسيل للدموع
اضطر المشجعون الإنجليز للانتظار بعد خمسة أيام من انطلاق البطولة لرؤية فريقهم في المباراة ، وهي مباراة تونس المقرر إجراؤها يوم الاثنين. وبينما كان الملايين عادوا إلى ديارهم وقت العمل ليشاهدوا المباراة تدفق الآلاف إلى مرسيليا المطلة على البحر المتوسط خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وبعد عدة مشاكل متفرقة في ليلة السبت ، شارك 400 من جماهير إنجلترا في معارك ضارية مع المشجعين التونسيين والشرطة المحلية خلال سبع ساعات من العنف التي خلفت 32 جريحا على الأقل.
أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق مجموعة من عدة مئات من أنصار إنجلترا وتونس ، وكان هناك وابل مستمر من الزجاجات وقنابل الغاز، ومع تراجع المشجعين للخلف دمروا الكثير من المحال التجارية والمباني.
وخضع عدد من البريطانيين لعمليتين جراحيتين إثر إصابات خطيرة إحداها كسر في الحلق والأخرى جرح بسكين في المعدة. كان هناك ما يقرب من 50 حالة اعتقال.
وقال تيم رولز أحد مشجعي إنجلترا "أدركنا أن مرسيليا ستكون نقطة اشتعال بين جماهير شمال أفريقيا وإنجلترا، لم يكن مزاجنا في ليلة المباراة جيدا حيث شاهدنا في التلفزيون الفرنسي جماهير إنجلترا تتقاتل مع الشرطة وسكان مرسيليا، والأسوأ من ذلك، أضرموا النار في العلم التونسي. لم تكن بحاجة إلى أن تكون عبقريًا ودبلوماسيًا لتتأكد أن التوتر قد تصاعد بالفعل".
وقال جوناثان بيرس المعلق في "بي.بي.سي" : "كان هناك بعض الخوف من المشجعين. لقد اندلع قتال شرس في المدينة المشاكسة عشية المباراة. كان هناك حديث بأن إنجلترا ستُطرد من كأس العالم في حال تكرار ذلك. كنت قلقا لأن عائلتي هناك ومعها تذاكر للمباراة. أتذكر الراحة والسعادة التي انتابتني عندما التقيت بهم خارج الملعب وكانوا بخير".
وقال روبرت هول مراسل :بي.بي.سي" للأخبار: "أتذكر يوم الأحد بشكل واضح جدا. قفزنا من الحافلة عندما وصلنا إلى مرسيليا ورأينا المتاعب من الميناء وركضنا نحوها. كان هناك الغاز المسيل للدموع في الهواء ، وكان الجو حارا جدا. كان هناك الكثير من الشباب من شمال افريقيا ومن السكان المحليين ، الذين جاءوا إلى المدينة للمشاركة في أي مشكلة. الشرطة الفرنسية القت الغاز المسيل للدموع على المشجعين. بقيت على مسافة آمنة بشكل معقول".
وقال المشجع الإنجليزي مات ستيوارت: "كنا ندرك أنه قد تكون هناك مشكلة بسبب سمعة مشجعي إنجلترا في ذلك الوقت ، لذلك قررنا البقاء في أفينيون. في الليلة التي سبقت المباراة كان هناك المئات من المشجعين في أفينيون لكن الجو كان رائعا. حوالي 11 مساء مباراة ضخمة لكرة القدم في الساحة الرئيسية. كان حوالي 80 من محبي وعشاق إنجلترا على الجانبين."
وزير الداخلية البريطاني في ذلك الوقت ، جاك سترو ، أيد تصرفات الشرطة الفرنسية ، قائلا إنه لا توجد أعذار للتخويف. وأضاف "لقد شاهدت مثيري الشغب في كرة القدم بنفسي. لديهم دائماً المال ، ثم يشربون حتى الثمالة ثم يرتكبون المشاكل ويبررون ما فعلوه".
وقال رئيس الوزراء بلير إن القتال "كارثة". وأضاف: "قد يكون عددًا قليلاً من المشجعين قد يكون هناك مشجعون آخرون شاركوا ، لكن هذا ليس عذراً ، لا توجد أي مبررات لذلك. يجب أن نضع حدًا لذلك. هؤلاء الناس أدانوا كل شخص في البلاد."
أجواء من التوتر يوم المباراة
ومع إزالة الغاز المسيل للدموع في وسط مدينة مرسيليا ، فقد حان الوقت للعمل على أرض الملعب ، بينما اصطفت تشكيلة هودل ضد تونس.
لحسن الحظ - على عكس مباراة إنجلترا ضد روسيا عام 2016 - لم تكن هناك مشكلة داخل فيلودروم نفسه ، ولكن اشتعلت المشاجرات على الشاطيء بعد هدف آلان شيرر في الفوز السهل بهدفين نظيفين.
في ذلك الوقت ، قال كيفن مايلز من رابطة جماهير كرة القدم إن مشجعي إنجلترا تعرضوا للتوتر من السكان المحليين وشرطة مكافحة الشغب الفرنسية.
وقال "ما حدث كان حربا في شوارع مرسيليا بين السكان العرب المحليين والشرطة لأسبابهم الخاصة حول السياسة الفرنسية وليس كرة القدم الإنجليزية. تم القبض على المشجعين الإنجليز في وسط ذلك دون أي حماية من الشرطة".
وأردف هايس: "هذا كان أمرًا آخر نصحنا به - وجود شاشة كبيرة على الشاطئ. كانت الأجواء هادئة نسبيا حتى أحرزت إنجلترا هدفها ثم بدأت مرة أخرى. كان يجري استفزاز جماهير إنجلترا طوال الوقت".
وأضاف بيرس: "كان هناك بالتأكيد جو من التوتر محيط بالمدينة. عائلتي جاءت بالقطار وكانت خائفة للغاية بعد كل التقارير التي وصفت الأوضاع. كان الصراع المثير للاهتمام حقا ثقة الجماهير بقوة فريقها وقدرته على الفوز بالبطولة ومخاوفهم من الاستبعاد بسبب شغب الجماهير.
"في ستاد فيلودروم جلس الجمهور الإنجليزي خلف المرمى الأيمن وحوله كما لو كان ويمبلي. كانت هناك أعلام ولافتات في كل مكان. لا مشكلة داخل الملعب. مجرد جو رائع 60 ألف مشجع".
وقال مارتن كلواك أحد مشجعي إنجلترا : "أتذكر أني كنت مندهشا من الأعداد الكبيرة التي سافرت - حوالي 40 ألف مشجع إنجليزي لحضور مباراة في ملعب يسع إلى 60 ألفا. التقينا ببعض الناس الطيبين حقا ، ومن الواضح أن المشجعين كانوا يدركون أن هناك مشاكل ، ولكن معظم من تحدثنا معهم عزموا عن الابتعاد عن القلق. يمكن أن نرى غازا مسيلا للدموع والبعض يركض في الشوارع في الخارج بينما كنا ما زلنا في الملعب ، لذا من الواضح أننا كنا نعرف أن هناك بعض المشاكل ، لكننا لم نكن نعرف مدى ما حدث على الشاطئ حتى وقت لاحق.
"معظم المحادثات التي أجريناها كانت مع المعجبين الذين شعروا بالانزعاج من أن بعض الجماهير تورطت في المشاكل بشكل واضح وأن هذا سيبعد التركيز عن الدعم الكبير الذي حصلنا عليه".
وأضاف ستيوارت: "لقد رأينا التقارير الإخبارية عن العنف بين عشية وضحاها في مرسيليا عندما استيقظنا في يوم المباراة لذا كنّا متخوفين عند وصولنا إلى الملعب. عند وصولنا رأينا الكثير من جماهير إنجلترا يعانون من جروح وكدمات بعد تعرضهم لهجوم من السكان المحليين على دراجات بخارية.
"بعد المباراة رأينا بعض المشاجرات الجارية ونحن نتجه إلى المترو. وصلنا إلى المحطة للعودة إلى أفينيون وكان عدد كبير من المشجعين الإنجليز يحاولون مغادرة مرسيليا. البعض في قطارنا ذكر أنه ليس لديهم مكان يبقون فيه ولكن كان مقعد الحديقة أفضل من المخاطرة بمزيد من الهجمات في مرسيليا".
"على الأرض لم يكن هناك أي مشكلة على الإطلاق ، وكان المشجعون التوانسة ودودون للغاية وكان الجو مريحًا للغاية. احتفلنا بهدف بول سكولز ونسينا المكان الذي كنا فيه. لقد كانت لحظة فاصلة".
وشهدت المباراة الثانية للمنتخب الإنجليزي ضد رومانيا في تولوز مشقة أيضاً ، حيث تعرض أحد المشجعين للطعن بسكين لكن ليس في مرسيليا.
20 عاما من التدابير الإضافية
في السنوات العشرين منذ ذلك الحين ، عانى مشجعو إنجلترا من المشاكل مرة أخرى - لكن هايس يعتقد أن مباراة تونس كانت نقطة تحول في كيفية مراقبة الجماهير الإنجليزية المسافرة للخارج.
وقال هايس: "نتيجة لما حدث في فرنسا كان هناك الكثير من العمل بين اتحاد كرة القدم والشرطة ومكتب وزارة الداخلية لتعزيز القانون. في السنوات التي تلت ذلك ، وضعت التدابير التي ضربت الشغب إلى حد كبير حيث بات سهلا تحديد مثيري الشغب مسبقا ، ومنعهم من السفر للخارج وسحب جوازات سفرهم في بعض الأحيان.
"لقد رأينا فقط حوادث متقطعة منذ ذلك الحين ، لا شيء يساوي ما كان يحدث في التسعينيات. لقد كانت نقطة تحول في طريقة التعامل مع مثيري الشغل. لقد خيبت آمالنا لكنها أدت إلى اتخاذ تدابير قوية ضد المشاغبين".
الإنجليز يتذكرون أحداث الشغب الدموية مع التوانسة في مرسيليا عام 1998
الإنجليز يتذكرون أحداث الشغب الدموية مع التوانسة في مرسيليا عام 1998
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة