دخل المشير عبد الفتاح السيسي قائد الجيش السابق في سجل الرؤساء المصريين من أوسع الأبواب، متوجا مشاركته التاريخية في عزل الرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من يوليو (تموز) العام الماضي، وانحيازه لإرادة الشعب حينها، بتنصيبه من قبل الشعب نفسه، ليحمل أمانة المسؤولية في قيادة مصر والوصول بها إلى بر الأمان، وذلك في خضم حزمة من المشكلات باتت تهدد أمنها وسلامتها وقوتها، ودورها الاستراتيجي الحي سواء في محيطها العربي والإقليمي، أو في المحيط العالمي، علاوة على حرب شرسة مع إرهاب يهدد استقرار الدولة وتقض مضاجع المصريين.
وتعاقب على حكم مصر أربعة رؤساء من داخل المؤسسة العسكرية، هم الرؤساء السابقون محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، ثم الرئيس السابق محمد مرسي، ثم تولى الرئيس الحالي عدلي منصور المنصب بصفته الدستورية. ويأتي المشير السيسي ليتبوأ مكانه في سدة الحكم، كسابع رئيس للبلاد، وثاني رئيس منتخب من الشعب على مدى 62 عاما، منذ ثورة 23 يوليو عام 1952، التي أطاحت بالحكم الملكي، وأنهت الاحتلال الإنجليزي لمصر.
ويتبوأ السيسي منصبه بعد انتخابات حرة نزيهة، بحسب وصف واسع للمراقبين، حسمها باكتساح لصالحه، وفي تحول ديمقراطي تشهده البلاد لتصحيح مثار ثورتين (25 يناير و30 يونيو) عاشتهما مصر خلال ثلاث سنوات، وأطاحت خلالها برئيسين أحدهما حكم لمدة 30 عاما، والآخر لم يمكث سوى عام واحد، وزجت بهما إلى السجن، وما زالا ينتظران مصيريهما في قبضة العدالة.
يرتاح المصريون لوجه السيسي الذي يجمع بين البشاشة والصرامة، ويشبه وجوه الملايين منهم ممن يعملون في ظروف صعبة، كما يرتاحون لابتسامته الودود التي تعكس في ظلالها معاني الإصرار والتحدي.
تولى السيسي موقع وزير الدفاع والإنتاج الحربي في ملابسات دراماتيكية، اقترنت بمقتل 16 من جنود حرس الحدود في سيناء، وإشاعات غير مؤكدة راجت وقتها عن مؤامرات حاكتها أطراف في جماعة الإخوان المسلمين، لإزاحة قادة الجيش آنذاك من أمام الرئيس القادم من الجماعة، محمد مرسي، وعلى رأسهم وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس الأركان الفريق سامي عنان، اللذان قادا المرحلة الانتقالية في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وعند تولي السيسي موقعه في أغسطس (آب) من العام قبل الماضي، ساد الاعتقاد بأن الجنرال يوالي الرئيس، وأنه يميل لفكر جماعة الإخوان، وربما لا يهتم بملفات غامضة للجهاديين الإسلاميين الذين قتلوا الجنود المصريين في سيناء، وذلك على الرغم من قيام المؤسسة العسكرية بعملية هناك تحت اسم «نسر» لملاحقة الإرهابيين؛ لكن الجنرال بدأ يظهر رويدا رجلا هادئا وحازما في الوقت نفسه. وقال الجيش وقتها، ودون ضجيج، إنه سيكشف عن التحقيقات في مقتل جنوده، إلا أن الرئاسة ردت بأنه ليس من صالح الدولة الكشف عن قتلة الجنود الـ16 أو خاطفي جنود الأمن السبعة في سيناء في العملية التي جرت قبلها بشهرين. ومن هنا، بدأ يتضح للمراقبين أن العلاقة بين الرئيس المدني والجنرال ليست على ما يرام.
وفي السجلات العسكرية، احتل السيسي وزير الدفاع رقم 44 في تاريخ وزراء الجيش المصريين، منذ الوزير الشهير أحمد عرابي الذي كان «ناظر الجهادية (وزير الدفاع)» في عهد الخديو توفيق، أواخر القرن الـ19. ووفقا لمعلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» عن شخصية السيسي، فإنه هادئ الطباع، ويواظب على الصلاة بصفته رجلا مسلما وسطيا ومعتدلا، ومحبا للقراءة، خاصة لكبار شيوخ الأزهر، ويحفظ مقاطع من الشعر العربي القديم، ومتابعا ممتازا لمقالات كتاب الرأي في الصحف المصرية والعربية والأجنبية. ومنذ عزل مرسي على يد الجيش، برز السيسي، كبطل شعبي وقومي، وأصبح هم أغلب المصريين أن يترشح لقيادة البلاد. وتكوّن من أجل ذلك الكثير من الحملات والجبهات التي تطالبه بذلك، كان أبرزها حملة «كمل جميلك» و«السيسي رئيسي».
وفي 26 مارس (آذار) الماضي، أعلن السيسي ترشحه لخوض انتخابات الرئاسة، مغادرا موقعه كوزير للدفاع والإنتاج الحربي، ونائب لرئيس الوزراء في حكومة رئيس الوزراء السابق الدكتور حازم الببلاوي. وخلال حواراته ولقاءاته الكثيرة مع كل طوائف الشعب المصري في أثناء حملته الانتخابية، بدا السيسي محافظا على استقلالية وثوابت الدولة المصرية والوجدان المصري المعتدل الممتدة مع حقائق الجغرافيا والتاريخ الطويل، كما بدا واقعيا وصريحا في نظرته للأمور والمشكلات التي تواجه البلاد، وهو ما جعل الكثير حتى من غير أنصاره يراجعون موقفهم ويؤيدون ترشحه لتولي سدة الحكم.
ويصفه أحد المقربين منه بقوله، إنه «رجل شديد الانضباط عسكريا، لم يكن يعلم أنه سيكون وزيرا للدفاع في مرحلة غير مسبوقة في تاريخ مصر.. أو على الأقل في ظل تركيبة سياسية لم تمر على البلاد منذ عام 1952. وكانت المعادلة الصعبة التي ينظر إليها كثير من المدققين في شؤون الحكم، هي كيف سيعمل الرئيس الإسلامي الذي لا يتمتع بأي خلفية عسكرية، مع الجيش».
يتابع المصدر المقرب من السيسي قائلا: «ثلاث سنوات من عمر رجل أحبه المصريون، استطاع أن يتوج في هذا الحب، ليكون رئيسا للبلاد، الرجل الذي ظهر اسمه لأول مرة، بعد يوم واحد من قرار الرئيس الأسبق مبارك، التخلي عن موقعه رئيسا للجمهورية، وتكليفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد».
وكان السيسي، القادم من موقعه مديرا للمخابرات الحربية، أحد أعضاء المجلس العسكري، بل أصغرهم سنا.. ومن أشهر كلماته التي يتناقلها المصريون، وكان قد ذكرها في لقاء تثقيفي للقوات المسلحة أثناء ترأسه للجيش، أنه «ليس من المروءة ترويع الشعب المصري، ونحن موجودون.. إذا حدث هذا فلنمت أفضل».
ولد السيسي في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1954، بالقاهرة في حي «خان الخليلي» الذي يحمل عبق التاريخ المصري، وتخرج في الكلية الحربية، وبدأ عمله في سلاح المشاة عام 1977، وواصل دراساته العسكرية بعد ذلك، ليحوز ماجستير العلوم العسكرية بمصر في 1987، وماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان البريطانية في 1992، ويحمل زمالة كلية الحرب العليا في أكاديمية ناصر العسكرية، ذات الأهمية بمصر في 2003، إضافة إلى زمالة كلية الحرب العليا الأميركية في 2006. وهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء وبنت واحدة.
ويقول أحد أعضاء المجلس العسكري السابقين، إن السيسي لم يظهر خلال تلك الفترة إلا نادرا في وسائل الإعلام.. «ولم يكن يرغب في ذلك.. كان يستمع أكثر مما يتحدث، وينظر إليه كثيرون في المجلس بعدِّه طرازا نادرا لقائد مخابرات عصري»، مشيرا إلى أنه رغم وجوده في المجلس الذي أدار المرحلة الانتقالية بعد خروج مبارك من الحكم، فإن السيسي لم يكن معروفا على نطاق واسع، مثل شخصيات كالمشير حسين طنطاوي الذي كان رئيسا للمجلس العسكري، ونائبه الفريق سامي عنان، واللواء محمد العصار، واللواء ممدوح شاهين، وغيرهم من كبار القادة العسكريين.
نقطة القوة الأخرى في مسيرة السيسي، هي خروج الملايين في القاهرة والمحافظات، لإعطائه تفويضا بمحاربة الإرهاب، وفي أقل من 48 ساعة، حينما طلب منهم ذلك، في 24 يوليو من العام الماضي. ويحفظ المصريون الكثير من كلمات السيسي التي أصبحت بمثابة أقوال مأثورة في مخزونهم الوطني، من أبرزها الكلمة التي ألقاها السيسي في احتفال وطني، بعد نحو شهرين من الإطاحة بالرئيس مرسي، وفي مؤتمر غاب عنه الإسلاميون بمن فيهم رجال الدولة، وشارك فيه عدد من قادة الجيش والفنانين والمثقفين والأدباء والإعلاميين. وأبدى حشد من حضور الحفل قلقا على مستقبل البلاد، لكن الفريق أول السيسي - حينها - وقف وتحدث قائلا: «لا تخافوا على مصر.. مصر هي أم الدنيا، وستظل أم الدنيا».
السيسي.. اختيار شعب
ثاني رئيس منتخب بعد ثورة يناير .. أمامه تحديات ثقيلة
السيسي.. اختيار شعب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة