أحمد محمود عجاج

أحمد محمود عجاج

الصين وأميركا: إلى أين تقودان العالم؟!

العالم يتغير وبسرعة، وبالذات، بعد الحرب الأوكرانية الروسية، وفي ضوء نذر المواجهة بين الصين وأميركا؛ فالصين تشعر، بشكل متزايد، بخطر تطويقها، وتشعر أميركا بالمقابل بتحدي الصين لهيمنتها، وهذا - كما قال مؤرخ الحرب اليونانية (الهيلينية) ثيوسيديس - سيجعل الطرفين يسعيان لزيادة قوتيهما أكثرَ فأكثر إلى أن تقع المواجهة المحتمة.

الشعبوية والدبلوماسية والآيديولوجية: مخاض بريطاني مستمر

أخيراً، وقعت بريطانيا والاتحاد الأوروبي على اتفاق يعدل بروتوكول آيرلندا الشمالية الذي سبب أزمة كبرى بينهما، وكان الترحاب بالاتفاق كبيراً، لدرجة أنه اعتبر، يا للمفارقة، نصراً كبيراً لبريطانيا. لكن إعلان هذا الاتفاق هو إشعار ببدء مراسم دفن بروتوكول آيرلندا الشمالية، الذي كان هو الآخر نصراً للسيادة البريطانية؛ وفي معارك الانتصار المزعومة يمكننا أن نلحظ ثلاثة مؤشرات بالغة الأهمية: عقم الشعبوية، وخطورة الآيديولوجية، ونجاعة الدبلوماسية.

الحلم البريطاني بالعالمية: مرارة الواقع وعذوبة المتخيل

كان الحلم في أثناء حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي تحرر بريطانيا وانطلاقها إلى العالمية، وكان على رأس هذه الحملة الحالمة رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، و«مجموعة الأبحاث الأوروبية» التي تضم 20 نائباً من حزب المحافظين، علاوة على يساريين؛ على رأسهم اليساري المتشدد الذي قاد حزب العمال بعد «بريكست»؛ جيريمي كوربن... كان يوجد إجماع على العالمية في الأحزاب كافة؛ وإن بنسب متفاوتة، وبطرق مغايرة.

الخيارات الصعبة في أوكرانيا: المخفي منها أعظم وأدهى

لا أحد بوسعه أن يتنبأ بنهاية أزمة أوكرانيا، لأن جميع الأطراف ليس لديها حل؛ فالرئيس الأوكراني لم يعد يقبل بحلول كانت مطروحة قبل الاجتياح، والرئيس الروسي لا يستطيع أن يقبل بتسوية تجعله يخسر ما حصل عليه في أوكرانيا بالقوة؛ ما نشهده باعتراف الجميع انسداد سياسي وركون للخيار العسكري. فالروس استوعبوا نكستهم الأولى، وغيروا تكتيكهم العسكري، وبدأوا يتقدمون في الدونباس، ويستعدون لشن حرب واسعة في الربيع المقبل.

التبعات المتوقعة في إعدام إيران علي رضا؟!

أخيراً، وصلت بريطانيا إلى طريق مسدود مع إيران، وأدركت أن جميع محاولاتها لكسب ود طهران ذهبت أدراج الرياح؛ فالقادة البريطانيون منذ بلير وحتى سوناك كانوا يأملون في أن تغير طهران سلوكها، ويتوقعون حصد منافع اقتصادية حالما ترفع العقوبات؛ لكن حسابات البيدر غير حسابات الحقل. ولعل السبب في خطأ قراءة إيران يعود لفرضيات، أهمها الاعتقاد أن إيران فيها جناح معتدل، وأنها عقلانية، وراغبة في علاقات طيبة مع الغرب شريطة ضمان عدم زعزعة نظامها.

التقلبات التركية في السياسة: المصالحة مع الأسد

لعل الحدث الأبرز مع نهاية 2022 كان الاجتماع الثلاثي بين سوريا وتركيا وروسيا، ومن دون مشاركة إيران في هذا الملف الاستراتيجي الحساس؛ هذا الاجتماع لم يكن بلا إرهاصات بل سبقته لقاءات وإعلانات منها تصريح إردوغان بأن الاجتماع مع الأسد وارد، ولا خصومة في السياسة، وسبقه تراجع القيادة السورية عن شرط الانسحاب التركي من الأراضي السورية، ورافقه حاجة بوتين لتبريد هذا الملف للتفرغ للأزمة الأوكرانية، وكذلك انشغال إيران بالاحتجاجات، ومصير نظامها. لكن هل إردوغان جاد بالانفتاح على الأسد؟

الاحتجاجات في إيران ومآلاتها

تحولتْ إيرانُ في خضم الاحتجاجات إلى أحجية لا أحد بوسعه أن يتنبأ بما ستتكشف عنه، لكنَّ الجميعَ بلا شك يحبس أنفاسَه في إيران أو خارجها، سواء على مستوى الشارع أو أصحاب القرار. ويبقى السؤال: كيف تتعامل السلطة مع الاحتجاجات المستمرة لنحو ثلاثة أشهر؟

الديمقراطية الليبرالية والنموذج الصيني: هل سيكون الغد واعداً؟

بعد انهيار المنظومة الشيوعية سادت فكرة انتصار الديمقراطية الليبرالية وحتمية تطبيقها في دول العالم قاطبة؛ الفكرة لم يُكتب لها النجاح رغم تفاؤل الكثيرين من سياسيين ومفكرين، بدءاً بالرئيس كلينتون الذي تحدث عن عيش أكبر عدد من البشر في ظل الديمقراطية وليس الاستبداد، وانتهاء بالمفكر فوكوياما الذي قال بنهاية التاريخ، بمعنى سيادة نظم الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية. هذا التفاؤل سرعان ما تبين خطله مع بروز الصين كقوة عظمى، وانبعاث روسيا، ومع توجه كثير من دول العالم إلى نظم غير ديمقراطية ليبرالية، وبروز نظرية جديدة تناقض تماماً مفهوم الديمقراطية في ميدان الحقوق الفردية، بينما تتجانس معها في الاقتصاد.

الميزانية المالية البريطانية: انتصار دولة الديون على دولة الضريبة

أعلن وزير المالية البريطاني جيريمي هنت، يوم الخميس الماضي، ميزانيته وكانت، كما هو متوقع، منسجمة تماماً مع تمنيات السوق، ومتناقضة تماماً مع تمنيات المواطن؛ وسوّق وزير المال، ورئيس الوزراء ريشي سوناك، الميزانية بأنها ضرورية لتخليص البلاد من أزمتها الاقتصادية، وأنها استجابة فعلية لكسب ثقة السوق. لم تنفعل سلباً السوق، كما حدث مع ميزانية حكومة ليز تراس، بل تلقت الخبر بحبور، ولم تهبط السندات، ولم يتراجع الجنيه، إنما ازدادت بالمقابل الضرائب على المواطنين، وتقلّصت النفقات على الخدمات العامة لتغطية عجز يبلغ خمسين مليار جنيه إسترليني.

أزمة بريطانيا: انتصار النيوليبرالية على الديمقراطية

عندما أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي ميزانيتها المصغرة المضمرة لمنطق الحرية الاقتصادية المطلق، لم يتوقع أحد نتائجها؛ هبوطاً في الجنيه، وارتفاعاً لفوائد سندات الخزينة، واهتزاز صناديق التقاعد، وصعوداً كبيراً للتضخم. كان السبب وراء غضب السوق، أن الميزانية انطوت على زيادة كبيرة للديْن العام، ومن دون تبيان كيفية تسديد هذا الدين؛ بهذا ظهر أن السوق لا تحبذ الاستدانة لتخفيف أعباء المواطنين، وبالتالي لا ترضخ للديمقراطية ومطالبها.