الذكاء الصناعي يكتسح السوق... ويلغي 50 % من وظائف الاستثمار المالي

آلات تعمل إلكترونياً وتربح المليارات

الذكاء الصناعي يكتسح السوق... ويلغي 50 % من وظائف الاستثمار المالي
TT

الذكاء الصناعي يكتسح السوق... ويلغي 50 % من وظائف الاستثمار المالي

الذكاء الصناعي يكتسح السوق... ويلغي 50 % من وظائف الاستثمار المالي

كشف بنك غولدمان ساكس «أن عدد العاملين كوسطاء متداولين في مكتبه المخصص للتداول بالأسهم في نيويورك انخفض من 600 في عام 2000 إلى اثنين فقط حالياً».
وقال مسؤول التقنيات المصرفية والمالية في المصرف مارتن شافيز، خلال ندوة عقدت مؤخراً في هارفارد إن «المكتب تم ميكنته بالكامل، وفيه مائتا مهندس كومبيوتر باختصاصات رياضيات مالية، وتقنيات تداول آلية لإدارة أنظمة في غاية الدقة والفاعلية».
وخلال الندوة التي شارك فيها عدد من ممثلي البنوك الاستثمارية الكبيرة تم ذكر بعض الأرقام عن التحول السريع في التداول الإلكتروني الذي بات يتحكم فيما نسبته 99 في المائة من تدفقات التداول لدى غولدمان ساكس، مقابل متوسط 75 في المائة في البنوك الأخرى المتعاملة في الأسهم، أما متوسط التعامل الإلكتروني بعموم الأصول (أسهم وغيرها) فيبلغ حاليا نحو 45 في المائة.
هذا التحول الجذري ليس مدفوعاً فقط بالتطور الطبيعي لاستخدام الخوارزميات الحاسوبية في مختلف القطاعات، بل بهاجس زيادة الفاعلية وخفض التكلفة. وللتوضيح، يؤكد مكتب «إيموليمونت» العالمي المتخصص في رواتب الوظائف «أن متوسط تكلفة وسيط التداول المحترف بين رواتب ومكافآت تصل إلى 600 ألف دولار سنويا، بينما لا تتجاوز تكلفة مهندس التداول الإلكتروني مائة إلى 150 ألف دولار سنويا». أما شركة «بوسطن كونسلتنغ غروب» فتشير إلى «أن أعلى تكلفة كانت تتكبدها بنوك وشركات الاستثمار هي تلك المخصصة للموظفين محترفي الوساطة والتداول والاستشارات المالية، حتى وصلت هذه المصروفات إلى 40 في المائة من الإجمالي».
ويقول مصدر من معهد المحللين الماليين المعتمدين في الإمارات إن «الآلات تحل تدريجياً محل الكوادر البشرية لا سيما في عمليات المقاصة والتسويات والمدفوعات وتنفيذ العقود، وهي الآن أقدر وأسرع من البشر في المراجعة والتدقيق وتحليل البيانات وتصحيح الأخطاء».
ومع تقدم ما بات يسمى بالإدارة الآلية للثروات، تتوقع دراسة لمكتب كواليشن للدراسات والاستشارات المالية «إلغاء 50 في المائة من وظائف تجارة الأسهم والعملات في الشركات والبنوك الكبيرة». وتشرح الدراسة تحديات هذه الصناعة التي عصفت بها أزمة 2008، مشيرة إلى القواعد الصارمة التي باتت تحكم هذا القطاع بعد سلسلة فضائح التلاعب والغش والمخاطر غير المحسوبة والمنتجات المالية المسمومة.
وتقول الدراسة: «المسألة تتجاوز التداول الإلكتروني الذي أثبت نجاحه منذ سنوات، نحن اليوم عشية ثورة تقنية مالية عالمية مع قدوم منصات إلكترونية مستقلة عن أي حضور بشري، تعمل ببرامج كومبيوتر وتتخذ وحدها قرارات الشراء والبيع، هي عبارة عن منصات بذكاء صناعي أظهرت تجاربه الأولى مؤشرات واعدة. أي أن الأمر متجه ليس إلى مزيد من التداول الإلكتروني بوتيرة عالية كسبا للوقت والحجم فقط، بل إلى آلات تعمل باستقلالية كاملة لتتخذ قرارات بالمليارات وذلك بعد برمجتها بالمعطيات اللازمة».
وتغزو الآلات المبرمجة أيضاً قطاع الاستشارات المالية. ففي شركة «ليودز بلانكفين» على سبيل المثال برنامج حاسوبي يجيب على 65 مليون سؤال محتمل، بعد أن يراجع في دقائق معدودة قاعدة بيانات ضخمة لديه تشمل الاقتصاد والسياسة والاجتماع والبيئة، وغيرها من القطاعات التي تدرس ويتم تحديث معلوماتها دورياً، ثم يجري إدخال بياناتها ومعطياتها وإحصاءاتها وأحداثها وتقلباتها... وهي بعد برمجتها تحل محل جيش من المستشارين. ويقول المبرمج الشاب دانييل نادل في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»: «باستطاعة البرنامج أن يعطيك في دقائق قليلة كمية معلومات هائلة ردا على سؤال مثل: ما أثر الأزمة السورية على أسواق المال الآن؟». ويضيف: «لإجراء دراسة كهذه قد نحتاج إلى 40 مستشاراً ودارساً متخصصاً، لكن هذا البرنامج يغنيك مبدئياً عن معظم أو كل هؤلاء، علماً بأن الشخص من محترفي هذا المجال حول العالم يتقاضى بين 350 إلى 500 ألف دولار سنوياً، ويطلب 40 شخصا يومياً على الأقل للإجابة على سؤال مثل أثر حرب سوريا على أسواق الأسهم الدولية».
ويضيف دانييل كواريس الشريك في شركة «تك فاينانس» «إنه رداً على سؤال واحد ستحصل على أجوبة مختلفة من المستشارين التقليديين، أما المنصات المبرمجة والمزودة بكل تاريخ وحاضر الأسواق وبيانات الاقتصادات وتطور مؤشراتها، فستعطيك أجوبة محددة متشابهة ليسهل عليك القرار».
ويقوم المستشار الافتراضي (روبو أدفايزر) أولاً بطرح مئات الأسئلة على العميل ليحدد شخصيته وميوله الاستثمارية ومدى قبوله بالمخاطر، إضافة إلى ثروته والمبالغ التي يخصصها للاستثمار المالي والمدى الزمني للاستثمار وهوامش العوائد المطلوبة بين الأعلى والأدنى، كما يجمع من العميل معلومات عن الأسواق التي يثق بها والأصول التي يرغب فيها، والتنويع في تخصيص الأموال في عدد من القطاعات... وما إلى ذلك من المعلومات حتى يستطيع المستشار الافتراضي تقديم النصيحة المناسبة، ثم يترك للعميل خيار الأخذ بها من عدمه، كما يتم الأخذ بها لينفذها بنفسه أو يقبل أن ينفذها البرنامج الآلي نيابة عنه، على أن يتم الاتفاق على مراجعة دورية للنتائج وتصويب المسارات عند الطوارئ. ويتلقى العميل تنبيهات وتحذيرات يومية ليكون متابعاً للأداء أولاً بأول.
لكن الذكاء الصناعي لن يقتصر دخوله على التداول والاستشارات بحسب مارتن شافيز (غولدمان ساكس) الذي يجزم بأن القادم من التطور سيكشف عن قدرة الآلات على القيام بما هو من اختصاص البشر فقط مثل التواصل والعلاقات العامة والإقناع والتسويق والبيع المباشر! ويضيف «هناك الآن 146 عملية متتالية أو متواكبة تحضيراً لإدراج سهم في البورصة، لكن البرامج الكومبيوترية بدأت تختزل من مراحل تلك العملية الطويلة والمعقدة لتجعلها أسهل وأسرع حتماً».
وورد في دراسة أجرتها إرنست آند يونغ «أن التجارب أظهرت أن الأمر سهل جداً بوسائل رقمية مائة في المائة، وبأسعار أو عمولات لا تذكر قياساً بتلك التي يتقاضاها المستشارون الماليون العاديون». ويذكر في هذا المجال أن عمولات منصات إلكترونية مثل «وويلث فرونت» و«بيترمونت» و«شواب» تتراوح بين 0.25 في المائة و0.75 في المائة فقط مقابل واحد إلى اثنتين في المائة في صناعة إدارة الأصول بطريقة تقليدية، وبذلك يكون الفارق قد يصل إلى 8 أضعاف.
الرئيس السابق لبنك باركليز يشاطر من جهته توقعات انخفاض عدد الوظائف في عالم تداول الأسهم والاستشارات، ولا يستبعد صرف 20 في المائة من الوسطاء والمستشارين في المدى القصير ثم نحو 50 في المائة في المديين المتوسط والطويل، بسبب البرامج الكومبيوترية التي تتطور بسرعة مذهلة. أما إيلي فرح الشريك في شركة أوليفر وايمن فيحذر من عدم الإسراع في التحضير لمرحلة قريبة ستصل لا محالة ولا يحتاج فيها العميل إلا إلى كبسة زر. ويتوقع تطوراً إضافياً كبيراً في هذا المجال في غضون 3 سنوات، لكن التحدي الأكبر برأيه يبقى في القواعد القانونية التي يجب أن تواكب هذا التحول الجذري في صناعة إدارة الأصول.
وفي موازاة قدوم هذه المنصات وبدء نجاح الخوارزميات في إدارة أصول بالمليارات، تحتدم المنافسة الآن بين البنوك وشركات الاستثمار المالي لاعتماد مزيد من هذه الحلول الإلكترونية؛ لأنها تخفض التكلفة في قطاع يشهد على شراسة السباق لاستقطاب عملاء باتوا أقل ميلاً أو قبولاً لمنح عمولات عالية لقاء إدارة أصولهم وأموالهم. فمنذ أزمة 2008 تراجعت ربحية العمولات والرسوم على نحو كبير بعدما اكتشف عدد كبير من أصحاب الثروات سوء أداء من كان يدير أموالهم.
في المقابل، أكد مصدر من معهد المحللين الماليين المعتمدين في الإمارات «أن الحجم الأكبر من الثروات في العالم مملوك لأغنياء يفضلون المستشارين المباشرين، وقلما يقبل هؤلاء مبدأ إدارة أموالهم بمنصات إلكترونية مستقلة». ويوضح «أن بعض كبار الأثرياء لا يفضلون القوالب الجاهزة، لأنهم يعمدون أحياناً إلى الاستثمار التكتيكي المستفيد من ظروف الأسواق المتقلبة الكاشفة عن فرص لا تكتشفها الآلات، بل يستشعرها الوسطاء الأذكياء فقط». كما أن الأسواق تجهل المنطق أحيانا، وتتحرك صعوداً أو هبوطاً بقوى دفع المشاعر والأحاسيس البشرية، لا سيما مع حالات التفاؤل المفرط الصاعدة بالمؤشرات إلى قمم لا يمكن لأي كومبيوتر توقعها، أو حالات الهلع الجارفة التي يتصرف فيها الجميع بقرار واحد، فتهبط المؤشرات إلى حضيض أدنى بكثير من القيم العادلة للأسهم.



الأمم المتحدة تتوقع نمواً اقتصادياً عالمياً ضعيفاً في 2025

جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
TT

الأمم المتحدة تتوقع نمواً اقتصادياً عالمياً ضعيفاً في 2025

جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)

قالت الأمم المتحدة، في وقت متأخر، يوم الخميس، إن الاقتصاد العالمي قاوم الضربات التي تعرَّض لها بسبب الصراعات والتضخم، العام الماضي، وإنه من المتوقع أن ينمو بنسبة ضعيفة تبلغ 2.8 في المائة في 2025.

وفي تقرير «الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه (2025)»، كتب خبراء اقتصاد الأمم المتحدة أن توقعاتهم الإيجابية كانت مدفوعة بتوقعات النمو القوية، وإن كانت بطيئة للصين والولايات المتحدة، والأداء القوي المتوقع للهند وإندونيسيا. ومن المتوقَّع أن يشهد الاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة انتعاشاً متواضعاً، كما يقول التقرير.

وقال شانتانو موخيرجي، رئيس فرع مراقبة الاقتصاد العالمي في قسم التحليل الاقتصادي والسياسات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة: «نحن في فترة من النمو المستقر والضعيف. قد يبدو هذا أشبه بما كنا نقوله، العام الماضي، ولكن إذا دققنا النظر في الأمور، فستجد أن الأمور تسير على ما يرام».

ويقول التقرير إن الاقتصاد الأميركي تفوق على التوقعات، العام الماضي، بفضل إنفاق المستهلكين والقطاع العام، لكن من المتوقَّع أن يتباطأ النمو من 2.8 في المائة إلى 1.9 في المائة هذا العام.

ويشير التقرير إلى أن الصين تتوقع تباطؤ نموها القوي قليلاً من 4.9 في المائة في عام 2024 إلى 4.8 في المائة في عام 2025، وذلك بسبب انخفاض الاستهلاك وضعف قطاع العقارات الذي فشل في تعويض الاستثمار العام وقوة الصادرات. وهذا يجبر الحكومة على سن سياسات لدعم أسواق العقارات ومكافحة ديون الحكومات المحلية وتعزيز الطلب. ويشير التقرير إلى أن «تقلص عدد سكان الصين وارتفاع التوترات التجارية والتكنولوجية، إذا لم تتم معالجته، قد يقوض آفاق النمو في الأمد المتوسط».

وتوقعت الأمم المتحدة، في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن يبلغ النمو الاقتصادي العالمي 2.4 في المائة في عام 2024. وقالت، يوم الخميس، إن المعدل كان من المقدَّر أن يصبح أعلى، عند 2.8 في المائة، ويظل كلا الرقمين أقل من معدل 3 في المائة الذي شهده العالم قبل بدء جائحة «كوفيد - 19»، في عام 2020.

ومن المرتقب أن ينتعش النمو الأوروبي هذا العام تدريجياً، بعد أداء أضعف من المتوقع في عام 2024. ومن المتوقَّع أن تنتعش اليابان من فترات الركود والركود شبه الكامل. ومن المتوقَّع أن تقود الهند توقعات قوية لجنوب آسيا، مع توقع نمو إقليمي بنسبة 5.7 في المائة في عام 2025، و6 في المائة في عام 2026. ويشير التقرير إلى أن توقعات النمو في الهند بنسبة 6.6 في المائة لعام 2025، مدعومة بنمو قوي في الاستهلاك الخاص والاستثمار.

ويقول التقرير: «كان الحدّ من الفقر العالمي على مدى السنوات الثلاثين الماضية مدفوعاً بالأداء الاقتصادي القوي. وكان هذا صحيحاً بشكل خاص في آسيا؛ حيث سمح النمو الاقتصادي السريع والتحول الهيكلي لدول، مثل الصين والهند وإندونيسيا، بتحقيق تخفيف للفقر غير مسبوق من حيث الحجم والنطاق».

وقال لي جون هوا، مدير قسم التحليل الاقتصادي والسياسات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية: «لقد تجنَّب الاقتصاد العالمي إلى حد كبير الانكماش واسع النطاق، على الرغم من الصدمات غير المسبوقة في السنوات القليلة الماضية، وأطول فترة من التشديد النقدي في التاريخ». ومع ذلك، حذر من أن «التعافي لا يزال مدفوعاً في المقام الأول بعدد قليل من الاقتصادات الكبيرة».