منطقة اليورو تتجاوز «البريكست».. لكن المخاطر الاقتصادية قائمة

تسارع نمو أنشطة الشركات في يوليو بقيادة ألمانيا

ارتفاع النمو في ألمانيا طغى على استمرار الركود في فرنسا والتباطؤ في إسبانيا وإيطاليا
ارتفاع النمو في ألمانيا طغى على استمرار الركود في فرنسا والتباطؤ في إسبانيا وإيطاليا
TT

منطقة اليورو تتجاوز «البريكست».. لكن المخاطر الاقتصادية قائمة

ارتفاع النمو في ألمانيا طغى على استمرار الركود في فرنسا والتباطؤ في إسبانيا وإيطاليا
ارتفاع النمو في ألمانيا طغى على استمرار الركود في فرنسا والتباطؤ في إسبانيا وإيطاليا

رغم القلق الذي ساد العالم على حالة الاقتصاد العالمي عقب اختيار الناخبين البريطانيين الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي أجري في 23 يونيو (حزيران) الماضي، فإن عددا كبيرا من المؤشرات الاقتصادية يوضح يوما بعد الآخر أن منطقة اليورو على وجه الخصوص نجحت إلى حد كبير في «تحمل وتجاوز الصدمة» الناجمة عن نتائج الاستفتاء على المستوى الاقتصادي بشكل كبير، وإن كانت المخاطر ما زالت تحيط باقتصاد أحد أهم التكتلات قاطبة، وصاحبة أعلى ناتج إجمالي على مستوى العالم.
وفي أول مؤشر يقيس أداء منطقة اليورو عقب الاستفتاء البريطاني، أظهر مسح أن أنشطة قطاع الأعمال في منطقة اليورو نمت بوتيرة أسرع قليلا من المتوقع في شهر يوليو (تموز) الماضي، في حين يشير بشكل كبير إلى أن المنطقة - فيما يبدو - تجاهلت بدرجة كبيرة نتائج الاستفتاء البريطاني.
ولعل نتائج التقارير الدولية التي صدرت خلال الفترة الماضية حول معدلات النمو في منطقة اليورو في النصف الأول من العام الحالي، كانت تثير القلق بشكل واسع حول «الآثار الإضافية» التي قد تواجهها منطقة اليورو من جراء الاستفتاء البريطاني، خصوصا في ظل المؤرقات المتعددة التي تواجهها المنطقة.
وأوضحت الأرقام الصادرة عن المؤسسات الأوروبية أن معدل النمو العام في منطقة اليورو خلال النصف الأول من عام 2016، أي قبل الاستفتاء وتبعاته، اقتصرت على حدود 0.3 في المائة فقط، وهو معدل نمو ضعيف جدا، وأقل من المتوقع بالنسبة إلى أقوى تكتل اقتصادي على مستوى العالم من حيث إجمالي الناتج المحلي.
لكن المخاوف بدأت تتلاشى يوما بعد يوم، خصوصا مع صدور نتائج اقتصادية مطمئنة. وبلغت القراءة النهائية لمؤشر ماركت المجمع لمديري المشتريات في منطقة اليورو التي أعلنت أمس الأربعاء 53.2 نقطة في يوليو، لتفوق القراءة الأولية البالغة 52.9 نقطة، وتزيد على قراءة يونيو التي بلغت 53.1 نقطة. وظل المؤشر أعلى من مستوى الخمسين نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش منذ منتصف عام 2013. لكن رغم ذلك، فإن نتائج المسح أوضحت أن النمو ظل ضعيفا، وقاده الارتفاع في ألمانيا، الذي غطى بدوره على استمرار الركود في فرنسا والتباطؤ في إسبانيا وإيطاليا.
وفي الشهر الماضي، أبقى البنك المركزي الأوروبي على سعر الفائدة دون تغيير، لكنه قال إن «من الممكن تبني مزيد من الحوافز قريبا». وأظهر استطلاع أجرته «رويترز» في يوليو أن البنك سيضطر قريبا إلى تمديد وتوسيع نطاق برنامجه لشراء الأصول.
كما زاد النمو خلال شهر يوليو أيضا في قطاع الخدمات، الذي يهيمن على اقتصاد المنطقة، مقارنة مع شهر يونيو. وصعد مؤشر مديري المشتريات في القطاع إلى 52.9 نقطة، من 52.8 نقطة، ليفوق القراءة الأولية البالغة 52.7 نقطة.
بيانات إيجابية
وتضاف نتائج مؤشرات مسح ماركيت إلى نتائج بيانات أخرى صدرت خلال الأيام الماضية، وتوضح كلها إمكانية تجاوز منطقة اليورو النتائج السلبية المتوقعة من مختلف الأوساط الاقتصادية، كآثار مترتبة على قرار بريطانيا بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
ويوم الثلاثاء، أظهرت بيانات معهد الإحصاءات التابع للاتحاد الأوروبي «يوروستات» ارتفاع أسعار المنتجين بمنطقة اليورو أكثر من المتوقع في يونيو للشهر الثاني على التوالي، بدعم من ارتفاع أسعار الطاقة. وهو ما يدعم توقعات بظهور نتائج جيدة في يوليو أيضا.
وقال يوروستات إن أسعار المنتجات تسليم باب المصنع في الدول التسع عشرة الأعضاء بمنطقة اليورو زادت 0.7 في المائة على أساس شهري، في حين انخفضت 3.1 في المائة على أساس سنوي.
ويتجاوز الرقمان توقعات السوق، حيث أشار متوسط تقديرات المحللين في استطلاع لـ«رويترز» إلى زيادة شهرية نسبتها 0.4 في المائة، وانخفاض سنوي بنسبة 3.5 في المائة.
وعدل المعهد البيانات السنوية لشهر مايو السابق بالرفع قليلا، لتشير إلى انخفاض نسبته 3.8 في المائة، مقارنة مع تراجع بنسبة 3.9 في المائة في التقديرات الأولية.
وتأتي الزيادة الشهرية في أسعار المنتجين في يونيو - وهي الأعلى منذ بداية 2016 - بعد ارتفاع نسبته 0.6 في المائة في شهر مايو السابق. وتمثل هذه الزيادة مؤشرا إيجابيا للمركزي الأوروبي، الذي يواجه صعوبة منذ سنوات في رفع معدل التضخم المتدني للغاية بمنطقة اليورو.
غير أنه مع استبعاد مكون الطاقة الأكثر تقلبا، لم تزد الأسعار إلا 0.2 في المائة على أساس شهري دون تغير عن مايو. وكانت الطاقة المكون الرئيسي الذي دفع أسعار المنتجين بمنطقة اليورو للصعود في يونيو، مسجلة زيادة شهرية نسبتها 2.4 في المائة، مع ارتفاع أسعار النفط. وتأتي زيادة يونيو بعد الارتفاع الحاد الذي سجلته الأسعار في مايو، حين ارتفعت أسعار الطاقة بنسبة 1.8 في المائة بما يزيد قليلا عن وتيرة زيادتها البالغة 1.7 في المائة في تقديرات يوروستات الأولية.
وزادت أسعار السلع الوسيطة 0.3 في المائة، في حين ارتفعت أسعار السلع غير المعمرة، مثل الملابس بنسبة 0.1 في المائة على أساس شهري، وهي الزيادة نفسها التي سجلتها أسعار السلع الرأسمالية مثل الآلات. واستقرت الأسعار الشهرية للسلع الاستهلاكية المعمرة، مثل السيارات والمبردات، في يونيو بعد استقرارها أيضا في شهر مايو السابق.
مؤرقات مستمرة
ورغم إشارة أغلب المؤشرات العامة الخاصة بالشهر الماضي إلى تجاوز منطقة اليورو جانبا كبيرا من محنة التعامل مع أزمة «البريكست» البريطانية، لكن يظل عدد من المؤرقات بارز بشكل واضح في الصورة الكلية، التي ربما تؤثر سواء على معدلات النمو العام لمنطقة اليورو، أو قد تؤدي إلى تدهور مستقبلي.
ومن بين أبرز المشكلات الأوروبية حاليا، مشكلة الديون اليونانية وبرنامجها الإصلاحي، والخلافات بين المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي حول سبل علاج الأزمة، إلى جانب مخاوف خاصة حول اقتصادات البرتغال وإسبانيا. أيضا، فإن معدلات النمو الخاصة باقتصادات دول منطقة اليورو الفردية، تظهر تباطؤا مقلقا، خصوصا على مستوى دولة لها وزنها على غرار فرنسا، التي انحدر معدل النمو فيها إلى «صفر» في المائة في الربع الثاني من العام، مقارنة بمعدل 0.7 في المائة في الربع الأول. كما تقع مشكلة البنوك الإيطالية في قلب اهتمامات الاتحاد الأوروربي، وخلال الأيام الماضية حاولت الحكومة الإيطالية تهدئة المخاوف وتأكيد قوة القطاع المصرفي.
لكن الأسهم الإيطالية واصلت تسجيل خسائر كبيرة في تعاملات الثلاثاء ببورصة ميلانو للأوراق المالية حتى بعد تأكيدات رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، في مقابلة أذيعت صباح اليوم نفسه على قوة البنوك الإيطالية.
أزمة إيطاليا
وتعاني البنوك الإيطالية من متاعب بسبب القروض المعدومة هائلة الحجم، التي تراكمت على مدى سنوات من الركود الاقتصادي والقرارات الإدارية السيئة، وفي الأسبوع الماضي جاء بنك مونتي دي باشي دي سينا (إم.بي.إس)، وهو أكثر البنوك الإيطالية تعثرا، في المرتبة الأخيرة بقائمة اختبارات الضغوط الأوروبية، غير أنه أعلن عن خطة للإنقاذ.
وتراجع سهم بنك «إم.بي.إس» بأكثر من 16 في المائة، إلى 0.26 يورو (0.29 دولار)، مبددا المكاسب الطفيفة التي حققها، الاثنين، في أول أيام التداول بعد إعلان البنك خطة التخلص من أغلب ديونه المشكوك في تحصيلها وخطة زيادة رأسماله.
كما عانى سهم «يوني كريديت»، أكبر بنوك إيطاليا، من الضغوط. حيث تراجع بنسبة 7.15 في المائة، إلى 1.844 يورو في ظل توقعات بأنه سيحتاج إلى سلسلة من عمليات جمع الأموال لزيادة رأسماله، أو بيع أصول في أعقاب إعلان نتائج اختبارات القدرة على تحمل الضغوط المالية.
ومن المتوقع أن يؤدي تراجع سعر السهم إلى زيادة الضغوط على الرئيس التنفيذي الجديد جان بيير موستيه لكي يستعيد ثقة المستثمرين في تحركاته لتعزيز الموقف المالي للبنك خلال إعلان نتائج البنك نصف السنوية، التي كان من المقرر إعلانها أمس.
وكان بنك يوني كريديت قد أفلت بصعوبة من اختبارات الضغوط الأوروبية التي جرت الجمعة الماضية، وهو بحاجة إلى ضخ أموال جديدة سواء من خلال إعادة هيكلة رأس المال أو عن طريق بيع بعض الأصول.
كما تراجعت أسعار أسهم البنوك الإيطالية الثلاثة الأخرى، وهي «بانكو بوبولاري ديلا إيميليا رومانجا» و«وبانكو بوبولاري» و«بانكو بوبولاري دي ميلانو» بأكثر من 10 في المائة مقارنة بمستواها يوم الاثنين، وفقد مؤشر بورصة ميلانو الرئيسية 2.6 في المائة من قيمته في تعاملات أول من أمس.
وكان رينزي قد قال لمحطة (سي.إن.بي.سي) التلفزيونية الأميركية إن «وجهة نظري تتمثل في أن المصارف الإيطالية بحالة جيدة». وحول بنك مونتي دي باشي، الذي تأسس عام 1472 ويعد أقدم بنك في العالم، قال رينزي: «نعم هناك بعض المشكلات، وأولها ما يتعلق ببنك مونتي دي باشي ونحن نعلم ذلك، ولكن هذا البنك يحمل أيضا اسما تجاريا عظيما، كما أنه أعرق بنوك القارة الأوروبية».
ويخطط هذا البنك للتخلص من قروضه المعدومة وإعادة هيكلة رأسماله بما يصل إلى خمسة مليارات يورو (5.6 مليار دولار)، وأعرب رينزي عن اعتقاده أن «هذا البنك يمكن أن يكون جيدا للغاية مستقبلا في حالة التخلص من القروض المعدومة ووضع استراتيجية واضحة له».



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.