التأثيرات الصحية والنفسية لضعف السمع

ثالث حالة مرضية أكثر شيوعًا بعد التهاب المفاصل وأمراض القلب

التأثيرات الصحية والنفسية لضعف السمع
TT

التأثيرات الصحية والنفسية لضعف السمع

التأثيرات الصحية والنفسية لضعف السمع

عرضت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها (CDC) نتائج المسح القومي لمدى انتشار فقد وضعف السمع، وخصوصًا بين العاملين المهنيين، بينما أكد الباحثون من هولندا مرة أخرى حقيقة الجدوى العالية في وقاية قدرات السمع، عبر تقليل التعرض للضجيج واستخدام سدادات الأذن زهيدة الثمن للحفاظ عليه، حال التعرض لضجيج الموسيقى العالية.
وتعتبر مشكلة فقد وتدني قدرات السمع إحدى المشكلات الصحية الشائعة ذات التأثيرات العميقة في الجوانب النفسية والاجتماعية والمكلفة ماديًا لمعالجتها. ويظل التعرض لضجيج الأصوات السبب الرئيسي والأول في انتشار هذه المشكلة الصحية.

* تقرير أميركي

وتشير الرابطة الأميركية لضعف السمع (Hearing Loss Association of America) إلى أن 20 في المائة من الأميركيين، أي نحو 84 مليون شخص، يُعانون من درجة ضعف في قدرات السمع. وأن 35 في المائة ممنْ هم فوق سن 65 سنة لديهم فقدان في قدرات السمع بدرجات متفاوتة في الشدة، وأن في 60 في المائة من حالات ضعف السمع يكون السبب إما مكان العمل أو البيئات التعليمية، وأن 3 في الألف من الأطفال يُولدون بضعف في السمع، وأن 30 في الألف من أطفال المدارس يُعانون من ضعف السمع.
وتضيف الرابطة قائلة: «فقدان السمع قضية صحية عامة رئيسية، وهي ثالث حالة بدنية مرضية أكثر شيوعًا بعد التهاب المفاصل وأمراض القلب. والفقدان التدريجي للسمع يمكن أن يؤثر على الناس من جميع الأعمار، وتتراوح المشكلة بين معتدلة وعميقة. وفقدان السمع بالتعريف الطبي هو انخفاض مفاجئ أو تدريجي في مدى ما يمكن للمرء أن يسمع، اعتمادًا على سبب حصول هذه المشكلة الصحية، تكون الحالة إما خفيفة أو شديدة، وتكون إما مؤقتة أو دائمة. والحقيقة أن فقدان السمع حالة غير مرئية، ونحن لا نستطيع أن نرى فقدان السمع، ولكن نرى آثاره مثل تغييرات الانطواء والارتباك واضطرابات الشخصية».
ووفق ما نشرته المراكز في 21 أبريل (نيسان) الماضي لتقرير المَراضة والوفيات الأسبوعي (Morbidity and Mortality Weekly Report)، فإن نحو 13 في المائة من العاملين في الولايات المتحدة يُعانون من درجة ضعف في السمع. وأضافت الوكالة الفيدرالية المذكورة أن المسح الإحصائي لمدى انتشار ضعف السمع شمل أكثر من مليون ومائتي ألف عامل في تسعة من أنواع الأعمال الصناعية، وذلك عبر إجراء اختبار فحص السمع (Audiogram). وعرفت المراكز ضعف السمع المتوسط أنه فقد السمع الذي يجعل من الصعب على المرء - الموجود في مكان خال من الضجيج - سماع شخص آخر يتحدث أمامه أو بالهاتف.
ولاحظت نتائج المسح الإحصائي أن العاملين في المناجم وقطاعات الإنشاء المعماري والصناعات هم أكثر عُرضة للتعرض لحالات ضعف السمع. وعلى وجه الخصوص، فإن 17 في المائة من العاملين في المناجم لديهم ضعف في السمع، وهم الأكثر عُرضة لـ«الضجيج الخطر» (Hazardous Noise)، ونحو 16 في المائة من العاملين في قطاع الإنشاءات المعمارية، و14 في المائة في أنواع صناعات الأخشاب والملابس والآلات. وأفادت إليزبيث ماترسون، رئيسة الباحثين من المؤسسة القومية للسلامة والصحة المهنية التابعة للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها، بالقول إن غالبية ضرر قدرات السمع في أماكن العمل ليست حتمية الحصول، وإن ثمة كثيرًا من الوسائل لمنع حصولها. وقال الباحثون: «فقدان السمع المهني هي حالة ضرر دائمة ولكن يمكن الوقاية منها تمامًا باتباع استراتيجيات وتكنولوجيا الوقاية من فقدان السمع». وأضافوا أن فقد السمع بسبب الضجيج هو أمر يُمكن منع حصوله تمامًا بارتداء سماعات أو سدادات الأذن حين الوجود في مناطق عالية الضجيج، سواء في العمل أو أثناء حضور الأنشطة الترفيهية، وحين ممارسة مهن من النوعية التي يرافقها ضجيج فإن من الضروري التنبه لهذا الأمر وإجراء فحوصات متابعة قدرات السمع، وأن العاملين الذين يتبعون وسائل الوقاية هم أقل عُرضة للإصابة بالضرر في السمع، وهو ما يثبت جدوى التنبه لتأثيرات الضجيج واستخدام تلك الوسائل الوقائية. واستطردوا بالقول إن إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) وضعت قوانين صارمة تنظم التعرض للضجيج لمنع حصول حالات فقدان أو ضعف السمع، ولكن لا يتم تطبيقها بجدية.

* دراسة هولندية

وكان الباحثون من مركز جامعة أوتريخت الطبي بهولندا قد نشروا ضمن عدد 7 أبريل الماضي من مجلة جاما لجراحات الرأس والرقبة والحنجرة والأذن (JAMA Otolaryngology - Head & Neck Surgery)، نتائج دراستهم التي أثبتت ما هو منطقي حول التأثيرات الوقائية الإيجابية لوضع سدادات الأذن أثناء الوجود في الحفلات الغنائية الصاخبة في ارتفاع شدة «ديسيبل» الصوت والضجيج (High - Decibel Music Concert). و«ديسيبل» وحدة فيزيائية لوغاريتمية لقياس شدة وضغط الصوت، وتشمل كمية مجال وقدرة الصوت، وذلك بالمقارنة بين الأصوات المختلفة. وعلق الدكتور ديفيد هيلتزك، مدير قسم طب الأذن والحنجرة في مستشفى ستاتن أيلاند الجامعي بنيويورك، بالقول: «مع ارتفاع استخدام المراهقين مشغلات «إم بي 3» ومع ارتفاع صوت عرض الأفلام السينمائية وارتفاع الضجيج في الحفلات الغنائية والملاعب الرياضية، فإن على الأطباء أن يقوموا بدورهم في توضيح دور الوقاية من حصول ضعف السمع بشكل وبائي. وأشار الباحثون إلى أن نتائج المسح الإحصائي التي أجرتها الوكالات الفيدرالية المختصة تفيد بأن ثمة ارتفاعًا بنسبة 33 في المائة في حالات ضعف السمع بين المراهقين بالولايات المتحدة منذ عام 1988، وأحد أسباب هذا الارتفاع الواضح هو زيادة التعرض لضجيج الموسيقى العالي في الملاهي الليلية والحفلات الغنائية والاحتفالات. ولاحظ الباحثون في دراستهم حصول فقد مؤقت لقدرات السمع لدى 42 في المائة من المشاركين في الدراسة بُعيد التعرض لضجيج الحفلات الموسيقية بشدة أصوات 100 ديسيبل حينما لا يضعون سدادة للأذن لضبط كمية ضجيج الأصوات الذي تستقبله آذانهم، بينما حصل ذلك لدى 8 في المائة فقط لدى منْ يضعون في آذانهم وسيلة الوقاية من الضجيج تلك. وكان نشوء حالة الطنين 40 في المائة لدى منْ لا يضعون تلك الوسيلة الوقائية، و12 في المائة لدى منْ يستخدمونها في تلك الظروف من الضجيج العالي.
وقال الدكتور ويلكو غرولمان، الباحث الرئيسي في الدراسة من مركز جامعة أوتريخت الطبي بهولندا: «وتعزز نتائج هذه الدراسة دليل على أن سدادات الأذن فعالة في منع حصول فقد السمع المؤقت خلال الوجود في أجواء ذات مستويات مرتفعة من أصوات الموسيقى الترفيهية، ولذا يجب الحث على استخدامها». وعلق عليه الدكتور هيلتزك بالقول: «يجدر بالأطباء استخدام نتائج هذه الدراسة لحث الشباب على ارتداء سدادات الأذن التي أثبتت فاعليتها الوقائية». وقال الدكتور داريوس كوهان، رئيس قسم جراحة الأذن في مستشفى لينوكس هيل ومانهاتن للعيون والأذن والحنجرة في نيويورك: «الدراسة مكتوبة بشكل جميل ومؤثر جدًا في ثقافة الحياة اليومية لدينا، ومنذ وقت طويل ونحن نعلم أن التعرض للموسيقى العالية يضر بصحة السمع، وأن الحد الأدنى من الوقاية باستخدام سدادات الأذن هو وسيلة غير مُكلفة».
وثمة جانب مهم في هذه المشكلة الصحية، وهو ارتفاع الكُلفة المادية لمعالجتها.
ووفق ما تم نشره ضمن 7 أبريل الماضي من «جاما لجراحات الرأس والرقبة والحنجرة والأذن»، قام الباحثون من جامعة الطب في ساوث كارولينا بتشارلستون بمراجعة لمدة سنة ونصف السنة لحالات أكثر من نصف مليون شخص بالغ للتأمين الطبي. وكانت أعمارهم ما بين 55 و64 سنة. وتبين أن فاتورة تكاليف التأمين الصحي للذين لديهم ضعف في السمع أعلى بمقدار 33 في المائة مقارنة بأقرانهم ممنْ لا مشكلة في قدرات السمع لديهم. وأفاد الباحثون بأن 60 في المائة ممنْ هم فوق سن 70 سنة لديهم ضعف سمع مرتبط بالتقدم في العمر. وعلقت الدكتورة أني سيمبسن، الباحث الرئيسي في الدراسة من جامعة الطب بساوث كارولينا قائلة: «وتشير نتائج هذه الدراسة إلى التأثيرات الصحية السلبية المتعلقة بضعف السمع، وهي الحالة التي يُمكن ببساطة القول عنها إنه لا يُمكن منع حصولها مع التقدم في العمر، وهي حالة تبدأ في وقت مبكر قبل ملاحظة اكتمالها وملاحظتها من قبل الشخص».

* نصائح للتعامل مع ضعف السمع

* للتعامل مع مشكلة ضعف السمع، تشير نشرات الباحثين من «مايو كلينك» إلى مجموعة من النصائح حول كيفية تواصل الشخص المُصاب بضعف السمع مع من حوله بطريقة تُخفف من المشكلة لديه، ومنها:
· ضع نفسك للاستماع في مواجهة الشخص الذي تتحدث معه وتستمع إليه.
· خفف من الضوضاء المحيطة، مثل صوت التلفزيون وغيره مما يتداخل مع أصوات المحادثة.
· اطلب من الآخرين أن يتحدثوا معك بوضوح وبصوت أعلى، ومن المهم أن يُدرك منْ يتحدث إليك أن لديك ضعفًا في السمع كي يُحسن الحديث معك.
· اختر أماكن هادئة وأقل ضوضاء للجلوس في الأماكن العامة والمطاعم وغيرها.
· استخدم أجهزة تضخيم الصوت المساعدة، للمحادثات الهاتفية مثلاً.
والتقدم في العمر يُرافقه تدنٍ في قدرات السمع، وللتخفيف منها يجب ألا يُضاف عبء آخر وهو الضعف الناجم عن التعرض للضوضاء والأصوات العالية، وخطوات تخفيفها تشتمل:
· استخدام غطاء الأذنين الخاص بكل مجال مهني، أو سدادات الأذن البسيطة، وتقليل التعرض أو القرب من مصادر الضجيج.
· إجراء فحوصات السمع بشكل دوري للاكتشاف المبكر لأي بدايات في تدهور قدرات السمع.
· تجنب الأنشطة الترفيهية التي يُصاحبها أصوات عالية وضوضاء شديدة.

* استشارية في الباطنية



هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».