«الأمراض الورمية المتوارثة».. خطورتها وأهمية تشخيصها

تنتقل جينيًا بين أفراد العائلات المصابة

«الأمراض الورمية المتوارثة».. خطورتها وأهمية تشخيصها
TT

«الأمراض الورمية المتوارثة».. خطورتها وأهمية تشخيصها

«الأمراض الورمية المتوارثة».. خطورتها وأهمية تشخيصها

من المعروف علميا أن هنالك أمراضا وراثية متعددة ومختلفة تصيب الإنسان في مرحلة ما من حياته، ويعد بعضها من عوامل الخطر التي تؤدي للإصابة بأمراض أخرى، ومنها الأورام التي تعد من أخطر تلك الأمراض، حيث تزداد احتمالية الإصابة بها. وللوقاية من الأورام بشكل خاص وتقليل احتمالية الإصابة بها يجب المتابعة من قبل الطبيب المتخصص في هذا المجال لتقدير خطورة حدوث الورم، وبالتالي عمل اللازم نحوه.
التقت «صحتك» الدكتور أنور مصطفى حسن موريا استشاري النساء والولادة وحاصل على الزمالة الكندية في الأورام النسائية والمناظير الدقيقة، ورئيس قسم النساء والولادة في مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة، وكان لنا معه الحوار التالي:

أورام متوارثة

أكد د. أنور موريا على وجود مجموعة من الأمراض التي تنتقل جينيا وتصيب المريض بآفات مرضية وأورام في أعمار صغيرة، ويطلق عليها «الأمراض الورمية الوراثية». وتحدث هذه الأمراض بسبب تشوهات جينية تنتقل في العائلة الواحدة وتصيب غالبية أفرادها. ومن أكثر الأمراض التي تصيب النساء بشكل خاص أورام الثدي وأورام المبايض والرحم، وأكثرها شيوعا وانتشارا، متلازمة ورم الثدي والمبيض الوراثي (Hereditary Breast and Ovarian Cancer Syndrome)، ومتلازمة لنش (Lynch Syndrome)، ومتلازمة لي فراوميني (Li - Fraumeni Syndrom)، ومتلازمة كودن (Cowden Syndrom)، ومتلازمة بيتز جيغر (Peutz - Jeghers).
ويتم تحديد النساء اللاتي هن في خطر أكبر للإصابة بالأورام، وفي أي أعمار يصبن بها تقريبا بواسطة إجراء مجموعة من الفحوص الطبية، أهمها الفحص الوراثي الجيني، إضافة إلى معرفة التاريخ المرضي العائلي. وفي حالة وجود تاريخ عائلي يتوجب على طبيب النساء والولادة أخذ معلومات عائلية مفصلة توضح مدى انتشار المرض في العائلة. وقد نشرت الجمعية الأميركية للنساء والولادة أداة لمساعدة الأطباء في الحصول على تاريخ مرضي عائلي مفصل نشر في عدد يونيو (حزيران) الماضي من مجلة «الكلية الأميركية للنساء والولادة» The American College of Obstetricians and Gynecologist، Number 634، June 2015.

أداة معلوماتية

تحتوي هذه الأداة المعلوماتية على معلومات عن أفراد العائلة المصابين (رجالا ونساء) بالإضافة إلى معلومات عن أصل المريض ومنشأ المرض وغيرها. وفيما يلي أمثلة على بعض الأسئلة المدرجة في هذا الاستجواب:
1- وجود إصابة بأكثر من ورم واحد في مريض واحد من العائلة (مثل ورم ثدي وورم قولون).
2- وجود فردين متقاربين أو أكثر مصابين بنوعية الورم نفسها (مثل أم وابنتها، أو أختين).
3- إصابة أحد أفراد العائلة بورم غير اعتيادي (مثل إصابة أحد رجال العائلة بورم في الثدي).
4- إصابة أحد أفراد العائلة بمرض خلقي غير ورمي في الجلد أو في العظام معروف بوجوده في أحد الأمراض المذكورة آنفا.
5- إذا كان المريض من أصل يهودي أشكنازي (اليهود الأوروبيون).
6- الإصابة ببعض أنواع الأورام التالية التي قد ترجح وجود جين وراثي مصاب، وهي:
- الإصابة بورم ثدي لا يحوي مستقبلات لهرمون الإستروجين أو البروجسترون أو «هير تو نيو» (HER2 / neu).
- الإصابة بورم في المبيض أو أنبوب فالوب أو الغشاء البريتوني.
- الإصابة بورم القولون أو الرحم مع وجود عدم انتظام في تركيب الحمض النووي (DNA mismatch repair).
أما متى يجب التوجه لمراجعة الطبيب الإخصائي؟ فإنه من المتوقع من كل الأطباء وأطباء النساء والولادة خاصة، الاهتمام بتفاصيل التاريخ الورمي في العائلة إذا كان المريض يعاني من وجود أمراض ورمية في عائلته، ولكن هذا الأمر يعتمد على عدة أمور أهمها وجود معلومات كافية عند المريض عن عائلته وعن إصابتهم بالمرض، وفي أي عمر حدثت الإصابة، والاطلاع على التقارير الطبية لفحص الأنسجة والتي تثبت الإصابة بأحد الأورام المتعارف توارثها، وغيرها.
وإذا ما تم التأكد من وجود مثل هذه الأورام عند ذلك يقوم الطبيب بعمل رسم بياني يوضح أفراد العائلة المصابين على ثلاثة أجيال. وإذا اتضح وجود اشتباه كبير في الإصابة بأحد الأورام عندها يقوم الطبيب بتحويل المريض إلى طبيب متخصص في الأمراض الجينية ليتم فحصه وأخذ عينات منه ومن عائلته.

أهم الأمراض الورمية المتوارثة

*متلازمة ورم الثدي والمبيض الوراثي: تتم الإصابة بمتلازمة ورم الثدي والمبيض الوراثي (Hereditary breast and ovarian cancer syndrome) بسبب انتقال وراثي لجين يسمى BRCA1، BRCA2. ونحو 15 في المائة من الأورام الجينية الوراثية تحدث بسبب هذا المرض الذي يكثر في بعض الشعوب وخاصة بعض الفصائل اليهودية، ويصيب الرجال والنساء على حد سواء. ويسبب هذا المرض عند الرجال ورما في الثدي وورم البروستاتا وورم البنكرياس، أما عند النساء فيسبب ورم الثدي والمبيض بنسب متفرقة قد تصل في بعض الأحيان إلى حولي 80 في المائة.
*متلازمة لينش: يسمى مرض متلازمة لينش (Lynch Syndrome) أيضا بمتلازمة أورام القولون غير اللحمية hereditary nonpolyposis colorectal cancer، ويصيب هذا المرض الرجال والنساء وتكون نسبة الإصابة بورم القولون فيه عالية تصل إلى 82 في المائة (ويستخدم منظار القولون للكشف عن أورام القولون) وورم الرحم إلى 60 في المائة وورم المبيض إلى 24 في المائة. وبالإضافة لكل ما سبق يسبب انتقال هذا الجين أنواعا أخرى من الأورام مثل ورم المعدة، والأمعاء الدقيقة، والحالب والكلية، وبعض أنواع أورام الثدي والدماغ والغدد الدهنية.
*متلازمة لي فراوميني (Li - Fraumeni Syndrom): نادرة ولكن عند الإصابة بها تسبب أنواعا مختلفة من الأورام مثل أورام العظام، وأورام الثدي والقولون، وأورام الغدة الكظرية، وأورام الدم والغدد الليمفاوية وبعض أورام الدماغ. والإصابة بهذه المتلازمة يؤدي إلى ظهور أحد هذه الأورام بنسبة 90 في المائة على الأقل في عمر 60 عاما.
*متلازمة كودن (Cowden Syndrome): تحدث عند الإصابة بالتشوه الجيني PTEN ويعد هذا المرض نادرا جدا، ولكن ما يميزه أن المصابين به يعانون من تكون أورام دموية حميدة في عدة أماكن من الجسم، بالإضافة إلى أورام الغدة الدرقية وأورام الثدي والرحم. ويتميز هذا المرض أيضا بظهور بثور على الوجه وحول الأسنان واللسان. الإصابة بهذا الجين تزيد من نسبة الإصابة بورم الثدي والرحم بنحو 50 في المائة و10 في المائة على التوالي.
*متلازمة بيتز جيغرز (Peutz - Jeghers): تحدث عند الإصابة بالتشوه الجيني STK11، ويتم تشخيص هذا المرض عند حدوث اثنين من الأعراض التالية:
- أورام دموية في المعدة، اثنان فأكثر.
- انتشار صبغات سوداء داكنة في الفم والشفاه وفي العينين والأصابع والأعضاء التناسلية.
*ثبوت إصابة أحد أفراد العائلة بمتلازمة بيتز جيغرز: تسبب هذه المتلازمة الإصابة بعدة أمراض منها أورام الثدي والمبيض وعنق الرحم، وورم الرحم والبنكرياس والرئة والمعدة والقولون، ونسبة الإصابة بورم الثدي نحو 50 في المائة.
وتحتاج جميع هذه الأمراض إلى وجود جين واحد فقط عند أحد الأبوين حتى ينتقل المرض إلى أطفالهما. وعلى الرغم من اختلاف نسبة انتقال المرض من متلازمة إلى أخرى، فإن أغلبية الأمراض تتزايد نسبة إصابة الأطفال بها مع وجود الأبوين حاملين للجين نفسه، وتتكاثر مثل هذه الحالات في بعض قبائل اليهود المعروفين بكثرة زواج الأقارب بينهم.



هل يمكننا قياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا؟

هل يمكننا قياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا؟
TT

هل يمكننا قياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا؟

هل يمكننا قياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا؟

لقد رأينا جميعاً ذلك؛ يبدو بعض الأشخاص أصغر سناً أو أكبر سناً بكثير من أعمارهم. وربما نظرنا جميعاً في المرآة، ورأينا مدى تقدمنا ​​في السن من الخارج، ثم تساءلنا عن عمرنا من الداخل.

هل هناك طريقة لقياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا؟

إذا كان الأمر كذلك، فهل يخبرنا هذا القياس بشيء مهم، مثل مدى احتمالية إصابتنا بأمراض مرتبطة بالعمر كأمراض القلب والعديد من أنواع السرطان والخرف؟ إلى حد ما، نعم؛ إذ وعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، بدأت التطورات العلمية تسمح بقياس عمرنا البيولوجي.

تقنية التيلوميرات والساعة الجينية

إحدى التقنيات الراسخة هي قياس طول التيلوميرات telomeres، وهي نهايات الكروموسومات داخل كل خلية؛ إذ إن الأشخاص الذين تحتوي خلاياهم على تيلوميرات أقصر هم أكثر عرضة للأمراض المرتبطة بالعمر. وهناك تقنية أخرى راسخة تتمثل في قياس ما يسمى بـ«الساعة T.R الجينية» epigenetic clock، وهي تقييم للجينات التي يتم تشغيلها أو إيقاف تشغيلها.

(علم ما فوق الجينات - بالإنجليزية: Epigenetics، أو علمُ التَّخَلُّق، يبحث في تأثير الظواهر الأخرى مثل البيئة على الجينات، وليس تأثير الحمض النووي «دي إن إيه» عليها - المحرر)

200 بروتين تحدد العمر

في أغسطس (آب) 2024، نشرت مجلة Nature Medicine دراسة تفيد بنهج جديد أصبح ممكناً بفضل تقدم علمي ملحوظ في مجال يُعرف باسم علم البروتينات proteomics: القدرة على قياس مستويات آلاف البروتينات في عينة صغيرة من الدم.

قام فريق دولي بقياس مستويات ما يقرب من 3000 بروتين في دم أكثر من 45000 شخص في المملكة المتحدة. ووجدوا أن مستويات نحو 200 من البروتينات تتنبأ بالعمر الزمني (الفعلي)، وأن الأشخاص الذين كان «عمرهم البروتيني» أكبر من أعمارهم الفعلية كانوا أكثر عرضة للإصابة بتدهور مرتبط بالعمر في الوظائف البدنية والإدراكية، وكذلك الأمراض المرتبطة بالعمر، حتى إنهم وجدوا علامات شيخوخة لأعضاء معينة في الجسم.

«الساعة البروتينية»

وأخيراً، أظهر الباحثون أن «الساعة البروتينية» التي طوروها من دراسة الأشخاص الذين يعيشون في المملكة المتحدة تتنبأ أيضاً بالشيخوخة البيولوجية لدى أعداد كبيرة من الناس في الصين وفنلندا.

والآن بعد أن أصبح لدينا طرق لقياس مدى سرعة شيخوخة أجسادنا، فهل تساعدنا هذه المعرفة في إبطاء هذه العملية؟

علاجات مضادة للشيخوخة

من الممكن أن يوفر نمط البروتين الذي كشفت عنه هذه الدراسة أدلة تؤدي إلى علاجات مضادة للشيخوخة: وتعمل شركات التكنولوجيا الحيوية بالفعل على هذا. ومن الممكن أيضاً أن يقتنع الشباب نسبياً الذين قيل لهم إنهم يشيخون بسرعة أكبر من غيرهم بإجراء تغييرات في نمط حياتهم تعمل على إبطاء عملية الشيخوخة. ومع ذلك، فإن ما إذا كانت أي من هذه الفوائد ستتدفق من هذه المعرفة الجديدة فلا يزال يتعين علينا أن نرى.

وما هو واضح هو أننا ندخل عصراً جديداً، حيث يمكن لاختبارات مثل هذه، مع الأجهزة التقنية (من الساعات الذكية إلى الأجهزة الأكثر تطوراً) التي تقيس باستمرار وظائف معينة في الجسم، أن تزودنا بمعلومات لم نكن لنحصل عليها من قبل.

* رئيس تحرير «رسالة هارفارد الصحية»، خدمات «تريبيون ميديا».