قلق الأسواق المالية يزداد مع اقتراب تخلف أميركا عن سداد ديونها

إدارة بايدن والكونغرس يمارسان «عض الأصابع» على حساب حاملي السندات الأميركية

أشخاص يعبرون الشارع بجوار محطة للحافلات وعليها لافتة تظهر رقم الدين القومي للولايات المتحدة في واشنطن (رويترز)
أشخاص يعبرون الشارع بجوار محطة للحافلات وعليها لافتة تظهر رقم الدين القومي للولايات المتحدة في واشنطن (رويترز)
TT

قلق الأسواق المالية يزداد مع اقتراب تخلف أميركا عن سداد ديونها

أشخاص يعبرون الشارع بجوار محطة للحافلات وعليها لافتة تظهر رقم الدين القومي للولايات المتحدة في واشنطن (رويترز)
أشخاص يعبرون الشارع بجوار محطة للحافلات وعليها لافتة تظهر رقم الدين القومي للولايات المتحدة في واشنطن (رويترز)

يزداد شعور الأسواق المالية بالقلق كلما تأخر حسم الخلاقات بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والجمهوريين في الكونغرس، حول رفع سقف الدين الأميركي، مع اقتراب موعد استحقاقات سندات الخزانة الأميركية يوليو (تموز) المقبل، وهو التوقيت الذي قد تتخلف فيه الولايات المتحدة عن سداد ديونها في ظل غياب توافق على إجراء تشريعي واتفاق بين الطرفين.
يمارس الجانبان لعبة عض الأصابع انتظاراً لمن يصرخ أولاً ويتنازل، لكن تداعيات هذه اللعبة السياسية تقع على حاملي السندات الذين سيعجزون عن الحصول على أموالهم المستحقة في الوقت المحدد. وقد حذر بنك جيه بي مورغان من مخاطر حقيقية من التخلف عن سداد سندات الخزانة الأميركية. وقال البنك في مذكرة نشرت مساء الأربعاء إن البنك يتوقع أن يصبح سقف الديون مشكلة في وقت مبكر من شهر مايو (أيار)، وإن النقاشات السياسية حول سقف الدين ومشروع قانون التمويل الفيدرالي ستقترب بشكل خطير من المواعيد النهائية، وإن وزارة الخزانة قد تنفد مواردها المتاحة خلال أشهر قليلة.
وتدور اللعبة السياسية حول إلقاء اللوم، فإدارة الرئيس جو بايدن تلقي على الجمهوريين في الكونغرس مسؤولية التباطؤ في حسم مسألة رفع سقف الدين، ويلقي رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي الجمهوري باللوم على أجندة إدارة بايدن الديمقراطية، العالية النفقات في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات مالية، وتكافح لخفض الدين البالغ 31.4 تريليون دولار.
ويدفع رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي بضرورة إجراء تخفيضات في الميزانية الأميركية، خصوصاً فيما يتعلق بالضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، وهو أمر ترفضه إدارة بايدن التي تستعد لخوض معركة انتخابية تحتاج فيها لأصوات الناخبين. وقدم مكارثي يوم الأربعاء خطة لزيادة حد الاقتراض بمقدار 1.5 تريليون دولار مقابل خفض الإنفاق الفيدرالي بمقدار ثلاثة أضعاف هذا المبلغ (4.5 تريليون دولار). ورد الرئيس بايدن بأنه يتوجب على الكونغرس رفع حد الدين دون شروط، كما فعل ثلاث مرات في عهد سلفه دونالد ترمب.
- التاريخ إكس وسندات الخزانة
قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في يناير (كانون الثاني) الماضي، إن الحكومة الأميركية قادرة على دفع فواتيرها حتى أوائل يونيو (حزيران) فقط. وتوقع المحللون أن الحكومة ستستنفد قدرتها على الاقتراض بحلول هذا التاريخ، وهو ما يسمى بالتاريخ إكس «X date».
وتنعكس مخاطر التخلف عن السداد بشكل واضح على أسعار سندات الخزانة الأميركية التي يرتبط عوائدها بشكل مباشر بمخاطر التخلف عن السداد، وقد أغلقت عائدات سندات الخزانة لأجل ثلاثة أشهر عند 5.1 يوم الخميس في أعلى ذروة لها خلال أكثر من عقدين، كما ارتفعت عوائد السندات طويلة الأجل.
وبدا أن مطالبات المستثمرين بعائدات عالية لسندات الخزانة الأميركية، منطقية، في ظل عدم اليقين بشأن المسار الذي ستتخذه أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة. وينظر الخبراء على أنه حينما تتجاوز عوائد السندات قصيرة الأجل عوائد السندات طويلة الأجل (انعكاس منحنى العائد)، فإن هذا يعد علامة على أوقات اقتصادية صعبة في الأفق.
وتتجلى مخاوف المستثمرين أيضاً في الهوامش على مقايضات التخلف عن سداد الائتمان لمدة خمس سنوات في الولايات المتحدة، والتي اتسعت إلى 50 نقطة أساس، وفقاً لبيانات S&P Global Market Intelligence. مقارنة باختراق سقف الديون يناير الماضي، والتي كانت فروق مقايضات التخلف عن السداد لخمس سنوات تحوم حول 35 نقطة أساس. وعندما يشتري حامل السندات مقايضة التخلف عن السداد، فإنه يضمن تلقي الأموال المستحقة عليه في حالة تخلف جهة إصدار السندات عن السداد. ولكن عندما ترتفع فرص التخلف عن السداد، يصبح شراء مقايضة التخلف عن السداد أكثر كلفة، ما يؤدي إلى اتساع فروق الأسعار.

- سقف الديون في 2011
لقد جرى حل المواجهات المتكررة بين البيت الأبيض والكونغرس، حول سقف الديون، من قبل مراراً وتكراراً، وذلك قبل أن تنتشر المخاوف في الأسواق، لكن المواجهة والتباطؤ كانا واضحين في عام 2011. وإذا جرت المقارنة بين الخلافات السياسية حول رفع سقف الدين الأميركي حالياً، وبين ما حدث من خلاف في عام 2011، نجد أن المواجهات بين إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وبين الكونغرس حول رفع سقف الدين أدت إلى خفض وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز لديون الولايات المتحدة من أعلى وضع ممكن وهو AAA، إلى AA. بعد ذلك، قفزت تكلفة التأمين على الديون الأميركية لمدة عام إلى 63 نقطة أساس، وهذا أقل كثيراً من التكلفة الحالية، التي ارتفعت مؤخراً فوق 100 نقطة أساس. وتتخوف الأسواق من تداعيات أكثر من مجرد احتمال تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها. فعلى الرغم من استقرار القطاع المصرفي، فإنه لا يزال في حالة تأهب بعد الإخفاقات المصرفية الأخيرة، وأبرزها سيليكون فالي وسيغنتشر بنك، كما لم يقترب التضخم بعد من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة، ما دفع الفيدرالي إلى الاستمرار في رفع أسعار الفائدة - وهو ما يخشى الاقتصاديون أنه سيدفع الاقتصاد إلى الركود.

- التداعيات
أمام كل هذا، يسود المستثمرين حالة من القلق بأن الأغلبية الضيقة للحزب الجمهوري في الكونغرس قد تجعل من الصعب التوصل إلى حل وسط هذه المرة. ومن المرجح أن يؤدي التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة الفعلي إلى موجات من الصدمات من خلال الأسواق المالية العالمية، حيث سيفقد المستثمرون الثقة بقدرة الولايات المتحدة على سداد ديونها، والتي يُنظر إليها على أنها من بين أكثر الاستثمارات أماناً وضماناً لاستقرار النظام المالي العالمي.
ويقول ديفيد كيلي، كبر الاستراتيجيين العالميين في جيه بي مورغان لإدارة الأصول، إن ذلك «قد يترك بعض الندوب الدائمة، بما في ذلك زيادة دائمة في تكلفة تمويل الديون الفيدرالية الأميركية».


مقالات ذات صلة

تيسير نقدي عالمي يهيمن في نوفمبر وسط غموض يلفّ 2025

الاقتصاد مقر بنك الشعب الصيني في بكين (رويترز)

تيسير نقدي عالمي يهيمن في نوفمبر وسط غموض يلفّ 2025

استمرّت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة في تنفيذ سياسات التيسير النقدي خلال شهر نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد يمر المندوبون بجوار شعارات قمة «بريكس 2023» بمركز «ساندتون» للمؤتمرات في جوهانسبرغ (رويترز)

ترمب و«بريكس»... هل تفتح الرسوم الجمركية الباب أمام «حرب العملات»؟

شنَّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب هجوماً حاداً على مجموعة «بريكس»، مهدداً بفرض رسوم جمركية ضخمة على دولها إذا حاولت تقويض هيمنة الدولار الأميركي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد سبائك ذهبية في غرفة صناديق الودائع ببيت الذهب «برو أوره» بميونيخ (رويترز)

الذهب يرتفع بدعم من زيادة توقعات خفض الفائدة الأميركية

ارتفعت أسعار الذهب يوم الثلاثاء بدعم من توقعات مزدادة بخفض أسعار الفائدة الأميركية هذا الشهر، مع تحول التركيز إلى البيانات الاقتصادية المقبلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مضخات تعمل بحقل نفط على شواطئ بحر قزوين في باكو بأذربيجان (رويترز)

انخفاض طفيف لأسعار النفط قبيل اجتماع «أوبك بلس»

انخفضت أسعار النفط قليلاً وسط إشارات متباينة في السوق يوم الثلاثاء، بينما يترقب المتعاملون نتيجة اجتماع «أوبك بلس» هذا الأسبوع

آشلي هالس (بكين)
الاقتصاد بنك إنجلترا في الحي المالي لمدينة لندن (رويترز)

بنك إنجلترا يحذر من تأثير زيادة الحواجز التجارية على النمو العالمي

حذر بنك إنجلترا يوم الجمعة من أن زيادة الحواجز التجارية قد تؤثر سلباً على النمو العالمي وتزيد من حالة عدم اليقين بشأن التضخم مما قد يتسبب في تقلبات في الأسواق.

«الشرق الأوسط» (لندن)

النفط يرتفع بفعل التوترات الجيوسياسية وخطط «أوبك بلس»

عامل يسير أمام أنابيب النفط بمصفاة في ووهان بمقاطعة هوبي الصينية (رويترز)
عامل يسير أمام أنابيب النفط بمصفاة في ووهان بمقاطعة هوبي الصينية (رويترز)
TT

النفط يرتفع بفعل التوترات الجيوسياسية وخطط «أوبك بلس»

عامل يسير أمام أنابيب النفط بمصفاة في ووهان بمقاطعة هوبي الصينية (رويترز)
عامل يسير أمام أنابيب النفط بمصفاة في ووهان بمقاطعة هوبي الصينية (رويترز)

ارتفعت أسعار النفط يوم الأربعاء، مع تقييم المشاركين في السوق للتوترات الجيوسياسية، واحتمال تمديد «أوبك بلس» تخفيضات الإمدادات مقابل ضعف الطلب.

وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 16 سنتاً أو 0.2 في المائة إلى 73.78 دولار للبرميل، بحلول الساعة 04:40 بتوقيت غرينتش، في حين ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 14 سنتاً أو 0.2 في المائة إلى 70.08 دولار.

ويوم الثلاثاء، سجل برنت أكبر مكسب له في أسبوعين، مرتفعاً 2.5 في المائة.

وقالت بريانكا ساشديفا، المحللة الرئيسية للسوق في «فيليب نوفا»، إن وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل و«حزب الله»، وإعلان كوريا الجنوبية الأحكام العرفية بشكل مقيد، وهجوم المتمردين في سوريا الذي يهدد بسحب قوات من كثير من الدول المنتجة للنفط، كل ذلك قدَّم الدعم لأسعار النفط. ومع ذلك، فإن أسواق النفط تستبعد إلى حد بعيد العرض الوفير في عام 2025 وسط إشارات الطلب البطيء من الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم.

وأضافت: «إن إشارات الطلب الأضعف من البر الرئيسي للصين تثير المخاوف بشأن الطلب في سوق النفط... قد يكافح أكبر مستورد للنفط الخام في العالم للحفاظ على حصته الكبيرة من الطلب العالمي بحلول عام 2025».

وفي الوقت نفسه، ارتفعت مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة بمقدار 1.2 مليون برميل الأسبوع الماضي، وفقاً لمصادر السوق، نقلاً عن بيانات من معهد البترول الأميركي. كما ارتفع مخزون البنزين، بمقدار 4.6 مليون برميل، على الرغم من أن الأسبوع تضمن عيد الشكر الذي يرتفع الطلب فيه عادة؛ حيث تسافر العائلات بالسيارة للتجمعات في العطلات.

ومن المقرر أن تصدر بيانات رسمية عن مخزونات النفط من إدارة معلومات الطاقة الأميركية، يوم الأربعاء الساعة 10:30 صباحاً بتوقيت شرق الولايات المتحدة (15:30 بتوقيت غرينتش). ويتوقع المحللون الذين استطلعت «رويترز» آراءهم انخفاضاً قدره 700 ألف برميل في الخام، وزيادة قدرها 639 ألف برميل في البنزين.

وقالت مصادر في الصناعة لـ«رويترز» إن الأسعار تدعمها أيضاً منظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفاؤها، أو «أوبك بلس»، ومن المرجح أن يتم تمديد تخفيضات الإنتاج حتى نهاية الربع الأول من العام المقبل، عندما يجتمع الأعضاء يوم الخميس.

وتتطلع «أوبك بلس» إلى التخلص التدريجي من تخفيضات الإمدادات حتى العام المقبل. وقال المحلل في بنك الكومنولث الأسترالي فيفيك دار في مذكرة: «القضية الرئيسية التي تواجه أي عودة لإمدادات (أوبك بلس) هي أن نمو الإمدادات من خارج (أوبك) في عام 2025 من المتوقع أن يتفوق على نمو الطلب العالمي على النفط. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط بنحو مليون برميل يومياً فقط؛ حيث من المتوقع أن يظل الطلب الصيني على النفط ضعيفاً».

وقالت إسرائيل، الثلاثاء، إنها ستعود إلى الحرب مع «حزب الله» إذا انهارت الهدنة بينهما، وستشن في هذه الحالة هجمات في عمق لبنان، وستستهدف الدولة نفسها.

وجاء التعليق غداة أكثر يوم يسقط فيه قتلى منذ أن اتفقت إسرائيل و«حزب الله» على وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي. وفي سوريا، قال مقاتلون معارضون و«المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن قوات المعارضة التي تحقق تقدماً في مواجهة القوات الحكومية اقتربت من مدينة حماة الرئيسية، بعد سيطرتها المفاجئة على حلب الأسبوع الماضي.