«خريف عُمَر»... كباش الدفء والبطء

مسلسل سوري تغلب حميمية التفاصيل أحداثَه

سلوم حداد بشخصية القاتل المتسلسل (لقطة من المسلسل)
سلوم حداد بشخصية القاتل المتسلسل (لقطة من المسلسل)
TT

«خريف عُمَر»... كباش الدفء والبطء

سلوم حداد بشخصية القاتل المتسلسل (لقطة من المسلسل)
سلوم حداد بشخصية القاتل المتسلسل (لقطة من المسلسل)

يُخبّئ المسلسل السوري «خريف عُمَر» مفاجأته حتى النهاية. يمرّ ما يزيد على 20 حلقة «قناة أبوظبي» وهو يناور. يُبقي مُشاهده معلّقاً بين الجريمة واكتشافها. باسم ياخور بدور المحقق «فارس عز الدين» يدور في حلقة مفرغة. كلما تقدّم نحو دليل، ارتطم بباب مغلق. سعيه خلف تذليل الملابسات، يقابله نمط سردي طاغٍ، يريده العمل بقيادة كاميرا مخرجه المثنى صبح أن يشكل فرادته. الحكاية حاضرة بتفاصيلها الدافئة، ولو سلّمت قدرها للقسوة.
الدفء والحميمية قد يُساء فهمهما ويُتّهمان بإحداث الضجر. فالأحداث الكبرى مؤجّلة أو محدودة. المسلسل تفاصيل أكثر منه تحولات. مع ذلك لا يُغفر له بطء المسار. أمكن الحذر من هذه «التهمة» بدوزنة السرد والفعل. غلبة الأول ليست لمصلحة الأعمال المتنافسة في رمضان. فالمُشاهد يملّ وينتظر مَن يقلب الطاولة ويشعل الترقُّب. «خريف عُمَر» يُعقّد الخيوط على طريقته. شخصياته تعيش أيامها أحياناً كمفعول به. الفاعلون، عدا سلوم حداد بشخصية «عُمَر الدالي»، يعدّون للعشرة قبل القفز إلى الخطوة المقبلة.
ارتكاز المسلسل (مجموعة مؤلفين يمنحون النص حوارات عميقة وشخصيات مقنعة، إنتاج «بنتالينز») على القتل المتسلسل، يُلحقه بالدراج المتكّئ على الجريمة والتحقيقات. تميّزه ليس هنا. حتى ياخور بشخصية المقدّم في الأمن، يظهر «عاجزاً» حين يلتقط خيطاً فتفلت منه الخيوط.
رغم براعته التمثيلية، يتبيّن أنّ دوره لا يشكل إضافة. ثمة شيء ناقص وثغرة في بنية الشخصية. فمقارنته مع محمد الأحمد مثلاً، بدور المحقق في مسلسل «مقابلة مع السيد آدم»، لن ترجّح كفّته، علماً أنّ ياخور يتألق في «العربجي». هنا الدور يمتصّه.

معتصم النهار بدور الإعلامي الانتهازي مهند الشلبي (لقطة من المسلسل)

جميلة حارات الشام في الخلفية، ورائحة القهوة الفوّاحة من المقاهي. تلك لمسات المثنى صبح العذبة، تمنح النص رشّة حنين. فأغنيات أم كلثوم وعبد الحليم حاضرة كرقّة فيروز وبعض أغنيات اليوم. ويحضر الزمن الجميل وفيلم «أبي فوق الشجرة» ومجد السينما والمدينة وسيارة «المرسيدس» القديمة، باستعادة ماضي شخصيات تتجاوز منتصف العُمر. المكان أمام كاميرته من لحم ودم. له ذاكرة.
الدفء ينقذ المسلسل من تصنيفات الملل. هو أشدّ «سلطة» على المُشاهد من الجريمة ودوافعها. فهذه يشهد على مثيلاتها هنا وهناك، أما حميمية المكان والصورة فلا يدركها سوى مخرجين يعتنون بالجمال الشاعري. ولتكتمل القصيدة، ينتشل البطلان «عُمَر» و«ليلى» (كارمن لبس بشخصية لافتة) حبّهما أيام الشباب، من النسيان. يعودان عاشقين بعد زمن، ويجددان مشاعر قديمة هجراها حين أدارا أذناً لنظرة المجتمع وأحكامه. معاً، يقدّمان مرافعة ضدّ الفراق القسري، وعبرة بديعة: «الحب لا يعترف بالعُمر».
مقابل هذا العالم الرومانسي، تتسلل ضريبة الواقع. فـ«ليلى» الطبيبة المصابة بالسرطان، تمنح من ألمها (وأملها) الآخرين فرصة للشفاء. لبّس تزيّن الشخصية باختزالاتها وأبعادها. حبّها الأبدي «عُمَر» مصاب بالتناقض. يرتكب جرائمه في الليل، وفي الصباح يسقي ورود الحديقة. يرقص ويغني ويدّعي الأبوّة المثالية. سلوم حداد يتفوّق في الشخصية. أداؤه يحرّض على المتابعة حتى النهاية. تتداخل العوالم على مفارق الخير والشر. فالشخصيات مُحمّلة بإسقاطات ودلالات، وقلّما تُفهم من القراءة الأولى. هناك «هشام عنابة» (أسامة الروماني المشوّق حضوره في الدراما السورية)، وأولاده الثلاثة (عبد المنعم عمايري وزياد أسود وترف التقي). تسير الخديعة الاجتماعية على قدمين بينما يتدخل لإجراء مصالحات أو لخدمة مُستنجِد به. الواجهة لمّاعة، لكنها في الحقيقة متّسخة. كفّ «بيضاء» ملطّخة بالفساد والرشوة. بينما الانتهازية تطبع شخصية الإعلامي «مهند الشلبي» (معتصم النهار بدور ممتاز)، فيطارد السَبَق وفق مصالحه، ويرفع السقف أو يخفضه بحسب التعليمات؛ يدفع «رائد عنابة» (مرور مقتضب ومتقن لعمايري) حياته ثمن الانحلال الأسري والزعامة الزائفة. يُقتل الابن البكر لرجل يدّعي الصلاح والعفّة، فيعرقل التحقيقات؛ لئلا يتداعى الهيكل فوق رأسه ولو كلّفه حمايته شلال دم. القاتل معروف ودوافعه مجهولة. الإعلامي يضرب على إيقاع مصلحته الشخصية. رجال المخابرات يطاردون قاتلاً يترك رسائل بخط اليد بعد كل جريمة. وسط القابضين على المجريات، مراهقون يدفعون ثمن الشرذمة. يترك المسلسل نافذة مفتوحة لتمرير قضايا الانتماء والتنمّر والابتزاز، ويذهب بعيداً بانتحار مراهق يتورّط في عالم المراهنات. لديه الكثير ليقوله ويحاول ترتيبه تفادياً لفوضى القضايا. خلوّه من الأحداث الكبرى تمنح التفاصيل مكانة ملحوظة.
نتابع واقع نساء معنفات واضطراباتهن النفسية داخل جمعية تناهض العنف الأسري، إلى واقع لا يقلّ فظاعة وهو الاتجار بالقاصرات تحت غطاء النافذين اجتماعياً. ما يجعل «مهند الشلبي» بين منزلتَي شرف المهنة واستغلالها هو نَفَسه المغامر وجرأته بنبش وكر الدبابير، لكن جهوده سرعان ما تصطدم بغايات ليست هي دائماً الدفاع عن الحقيقة وحماية الصغار من أنياب الكبار.
يطرح «عُمَر» بكونه محامياً متقاعداً أسئلة عن «كذبة العدالة»، ويمنح نفسه «مبررات» الاقتصاص. قيامه بجردة حساب يدفعه إلى القتل بذريعة إحقاق الحق. لا مبالاته الظاهرة تطال علاقته بابنته (قمر خلف لافتة بشخصية «ميرفت»)، فتلجأ إلى خصمه «هشام عنابة» ليكون الحضن. العلاقات الإنسانية معقدة، والأقدار محكومة بدوافع وظروف تضع النقاط على حروف مصائر الشخصيات.


مقالات ذات صلة

الأدوار الشعبية تجتذب فنانات مصريات في موسم رمضان

يوميات الشرق الفنانة إلهام شاهين تقدم شخصية شعبية في مسلسل «سيد الناس» (حسابها بموقع فيسبوك)

الأدوار الشعبية تجتذب فنانات مصريات في موسم رمضان

اجتذبت الأدوار الشعبية أكثر من فنانة مصرية للمشاركة في موسم الدراما الرمضاني المقبل، من بينهن إلهام شاهين وغادة عبد الرازق ومي عمر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق طارق لطفي (الشركة المنتجة)

برومو «العتاولة 2» يخطف الأنظار في مصر

خطف أحدث «برومو» لمسلسل «العتاولة 2» الأنظار بقوة في مصر؛ حيث حقق أكثر من 30 مليون مشاهدة خلال ساعات قليلة، عقب طرحه عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج أحمد خالد موسى يتوسط فيفي عبده وأحمد السقا في كواليس «العتاولة 2» (حساب المخرج بـ«فيسبوك»)

البطولات الجماعية تُسيطر على دراما رمضان بمصر

تُسيطر المسلسلات التي تعتمد على البطولة الجماعية أو البطولة الثنائية على موسم الدراما المصرية في رمضان 2025.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان محمد فراج يتصدَّر بطولة مسلسل «منتهي الصلاحية» (حسابه في فيسبوك)

فنانون مصريون يتصدَّرون البطولة المطلقة للمرة الأولى في رمضان

يشهد سباق الدراما المصرية في رمضان المقبل تصدُّر أبطال جدد في أدوار البطولة المطلقة للمرة الأولى خلال هذا الموسم، عبر أعمال تنوَّعت موضوعاتها.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة منى زكي تعتذر عن مسلسلي «لام شمسية» و«إخواتي» (الصورة من حسابها بموقع فيسبوك)

«استبدال النجوم»... لعبة الكراسي الموسيقية في الدراما الرمضانية

شهدت عمليات اختيار الأبطال وبعض الأدوار في المسلسلات المصرية المنتظر عرضها في موسم دراما رمضان 2025 تغييرات تمثلت في «استبدال نجوم» بعد اعتذارهم.

داليا ماهر (القاهرة )

رحيل الشاعر الغنائي المصري أمل الطائر عن 66 عاماً 

الشاعر المصري أمل الطائر (صفحته على فيسبوك)
الشاعر المصري أمل الطائر (صفحته على فيسبوك)
TT

رحيل الشاعر الغنائي المصري أمل الطائر عن 66 عاماً 

الشاعر المصري أمل الطائر (صفحته على فيسبوك)
الشاعر المصري أمل الطائر (صفحته على فيسبوك)

رحل عن عالمنا الشاعر الغنائي المصري أمل الطائر عن عمر يناهز 66 عاماً، وفق ما أعلنت زوجته على صفحته بـ«فيسبوك»، الثلاثاء، بعد أن ترك ميراثاً من الأغاني الراسخة في وجدان شريحة كبيرة من المصريين، خصوصاً محبي الغناء الشعبي.

ونعى الشاعر الراحل كثير من نجوم الطرب والغناء في مصر، ونعاه المطرب المصري حكيم، وكتب على صفحته بـ«فيسبوك»: «بكل الحزن والأسى أنعى صديق العمر ورفيق رحلة النجاح، وصاحب فضل كبير عليَّ بعد ربنا، الشاعر أمل الطائر، صاحب الكلمة البسيطة والدم الخفيف».

وكتب أمل الطائر عشرات الأغاني لمطربين مصريين وعرب، من بينهم حكيم وأحمد عدوية وحسن الأسمر وهاني شاكر وأنغام وعبد الباسط حمودة وهيفاء وهبي وسيمون وطارق الشيخ ومجدي طلعت وحمادة هلال، واشتهر وتميز في لون الغناء الشعبي مع فاطمة عيد وشريفة فاضل وهدى.

والشاعر الراحل من أسرة فنية معروفة، ونشر من قبل سيرته الكاملة والأغاني التي قدمها من قبل لمعظم المطربين مشيراً إلى مشواره في كتابة الأغاني بـ«مشوار الألف أغنية»، وهو ابن مؤلف الأغاني الراحل مصطفى الطائر وشقيق الشاعرين سمير الطائر وإنسان الطائر.

ويصف الناقد الموسيقي المصري، أحمد السماحي، الشاعر الراحل بأنه «من مظاليم الفن»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كان أمل الطائر شاعراً رقيقا جداً، وكتب أغاني لكبار مطربينا مثل محرم فؤاد وهاني شاكر وأنغام... وغيرهم، وهو ابن شاعرنا الكبير مصطفى الطائر».

قدم الشاعر أمل الطائر كثيراً من الأغاني للمطرب حكيم (صفحته على فيسبوك)

وأضاف: «أمل كان شاعراً مختلفاً، ولكن للأسف لم تلتفت إليه وسائل الإعلام، وترك ذلك غصة لديه، ولدينا شعراء أغانٍ كبار بيننا تتجاهلهم وسائل الإعلام أيضاً مثل إبراهيم عبد الفتاح ومدحت العدل وعوض بدوي وجمال بخيت، لا يأخذون حقهم من الشهرة والحضور الإعلامي رغم ما قدموه من منجز كبير ومهم للساحة الغنائية».

وقدم أمل الطائر كثيراً من الأغاني التي تركت أثراً، وظلت حية في ذاكرة الجمهور مثل «أنا أهو وإنت أهو» و«عدّي يا ليلة» لحسن الأسمر الذي بدأ مشواره معه، كما قدم أغاني لعبد الباسط حمودة من بينها «أنا مش عارفني»، وقدم لفاطمة عيد معظم أغاني الأفراح، ومن أغانيه الشهيرة لحكيم «السلام عليكو» و«الواد ده حلو» و«إفرض مثلاً» و«نار».

ويتابع السماحي أن «رحيل أمل الطائر خسارة كبيرة جداً رغم أنه منذ سنوات يعيش في حالة اكتئاب، وكان مريضاً في سنواته الأخيرة، وقد قرر الابتعاد زهداً في الشهرة والأضواء، فإنه في الفترة الأخيرة يبدو أنه ابتعد عن الأضواء قسراً وليس متعمداً».

وسجّل الشاعر الراحل مجموعة حلقات حول مشواره الغنائي وقصصه مع الأغاني الشهيرة للعديد من المطربين وأولهم حسن الأسمر، كما كان للشاعر الراحل رصيد من كتابة أغاني الإعلانات مثل إعلانات «الشمعدان» و«كوفرتينا» وأغنية «إيه ده» لحكيم الخاصة بـ«شاي العروسة»، و«شاي القويري» و«بونبون سيما».