تفاهمات شرم الشيخ تخضع للاختبار في رمضانhttps://aawsat.com/home/article/4223871/%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%B4%D8%B1%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%AA%D8%AE%D8%B6%D8%B9-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86
جنود إسرائيليون عند مدخل بلدة حوارة إثر إطلاق نار على سيارة إسرائيلية مساء الأحد (أ.ف.ب)
قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، إن الوفد الفلسطيني الخاص باجتماع شرم الشيخ، رفض الخوض في أي مسار أمني أو اقتصادي قبل الوصول إلى اتفاق سياسي ملزم لإسرائيل بوقف جميع إجراءاتها الأحادية، غير أن الاتفاقات في العقبة وفي شرم الشيخ ستختبر عملياً في شهر رمضان، في ظل استعدادات فلسطينية وإسرائيلية لتصعيد محتمل. وأكد الشيخ، الاثنين، أن المفاوضات اتسمت بالصعوبة أمام تمسُك الوفد الفلسطيني باتفاق سياسي. ولم يوضح المسؤول الفلسطيني، ما إذا كان الفلسطينيون نجحوا في فرض اتفاق سياسي أو لا لكنه قال إن تقدماً حدث في بعض القضايا والمسارات، وما زالت هناك بعض الملفات العالقة والمختلف عليها. يؤكد حديث الشيخ، أن الاجتماع لم ينته إلى اختراقات واضحة، وهو يناقض أيضاً تصريحات وزراء إسرائيليين نقلت عنهم إذاعة «كان» الإسرائيلية أن التفاهمات في شرم الشيخ كانت لـ«أغراض الإعلام والعلاقات العامة». وقال وزراء إنهم سمعوا من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في اجتماعات مسبقة مع أحزاب الائتلاف، أنه «خلف الكواليس» لا توجد أي أهمية للتفاهمات مع الفلسطينيين على أرض الواقع. الوزراء الإسرائيليون ضربوا مثلاً أنه على الرغم مما ورد في البيان ب، «عدم مصادقة إسرائيل على تصاريح بناء جديدة في المستوطنات خلال الأشهر الأربعة المقبلة»، فإن مجلس التخطيط الأعلى سيعقد اجتماعاً، خلال مايو (أيار) المقبل، من أجل المصادقة على مخططات بناء جديدة في المستوطنات، وستتم شرعنة بؤر استيطانية عشوائية خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) المقبلين. وهذه التفاهمات الضمنية في الحكومة الإسرائيلية، هي التي منعت الوزراء هذه المرة من انتقاد اتفاق شرم الشيخ كما فعلوا بعد اتفاق العقبة. وكان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، قد صرح بعد اتفاق العقبة، أن «ما كان في الأردن سيبقى في الأردن»، فيما قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إنه لن يلتزم بأي اتفاق حول تجميد البناء الاستيطاني «ولا ليوم واحد حتى». وأكدت مصادر إسرائيلية أن «أي خطط لدفع البناء الاستيطاني لن تتغير»، كما أن أي تغيير لن يطرأ على عمل القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية قبل وفي أثناء شهر رمضان. وعملياً يختبر شهر رمضان، الاتفاقات في العقبة وفي شرم الشيخ في ظل استعدادات فلسطينية وإسرائيلية لتصعيد محتمل. وقبل اجتماع شرم الشيخ، قال مسؤولون إسرائيليون إنه بغض النظر عن نتائجه، فإنهم مصممون على ملاحقة مطلوبين في قلب الضفة، ويتوقعون ردوداً فلسطينية متصاعدة خلال رمضان. وقال مسؤولون إن أجهزة الأمن الإسرائيلية لديها قائمة من المطلوبين سيواصلون ملاحقتهم بلا هوادة. وكانت إسرائيل قد اغتالت الخميس 4 فلسطينيين في جنين، ما يرفع عدد الذين قتلتهم منذ بداية العام إلى 88 فلسطينياً، وهي أعلى حصيلة دموية في بداية عام منذ فترات طويلة. وقال مسؤول أمني كبير لموقع «واينت» الإسرائيلي، إنه «في العام الماضي كله، والذي كان مليئاً بالعمليات في الضفة الغربية التي انتهت بمقتل فلسطينيين، قُتل 156 فلسطينياً، معظمهم مسلحون، اليوم، لم نصل بعد إلى الربع الأول من عام 2023 وقد وصلنا إلى أكثر من هذا الرقم». وتدرك إسرائيل أن التصعيد سيقابل بتصعيد. وقال مسؤول إسرائيلي كبير: «المؤسسة الأمنية في حالة تأهب قبل رمضان». الكلام عن التأهب في ظل تقديرات باشتعال رمضان، ولكن أيضاً على ضوء تلقي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، عشرات الإنذارات حول احتمال وقوع عمليات. وفي جلسة نقاش حول الاستعداد لشهر رمضان، ترأسها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وبمشاركة مفوّض الشرطة يعقوب شبتاي، ومفوض مصلحة السجون كاثي بيري، ومفوض الإطفاء والإنقاذ، وقائد الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، وممثلين عن الجيش الإسرائيلي، تم تقديم سيناريو لعملية «حارس الجدران 2»، وهو سيناريو يتعلق بمواجهات قد تندلع في الضفة الغربية والقدس. وقد حدد بن غفير توقعاته من الشرطة في قضية رشق الحجارة. وقال إنه يطلب إطلاق النار على راشقي الحجارة. تعليمات بن غفير وإصراره على المضي في حملته في القدس المتعلقة بهدم منازل، ورفضه توصيات بالتعامل مع اقتحامات المسجد الأقصى بحساسية خلال شهر رمضان، من الأسباب التي يعتقد المسؤولون الأمنيون في إسرائيل أنها تعزز التصعيد، إضافة إلى عمليات القتل الإسرائيلية، وتهديدات الفصائل، وضعف السلطة، والانقسام في إسرائيل. ويفترض أن يعزز الجيش الإسرائيلي قواته في الضفة الغربية بقوات نظامية مكثفة، مع بعض فرق التعزيزات، حسب تقدير الوضع الذي سيتم تحديده في الأيام المقبلة، وحسب الأحداث التي قد تكون حينها. لكن يأمل الفلسطينيون أن تستطيع الولايات المتحدة كبح جماح إسرائيل، وإلزامها ببنود اتفاق شرم الشيخ الذي تطرق إلى موافقة الحاضرين على ضرورة تحقيق التهدئة على الأرض، والحيلولة دون وقوع مزيد من العنف، وتحدث عن التزام الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الراسخ بجميع الاتفاقيات السابقة بينهما، خصوصاً الحق القانوني للسلطة الوطنية الفلسطينية في الاضطلاع بالمسؤوليات الأمنية في المنطقة (أ) بالضفة الغربية، تماشياً مع الاتفاقيات القائمة، لكنه لم يتحدث عن قرارات محددة. ومن بين أشياء أخرى، اتفق الجانبان على استحداث آلية للحد من العنف، والتصدي للتحريض والتصريحات والتحركات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف. وترفع هذه الآلية تقارير لقيادات الدول الخمس في أبريل (نيسان) عند استئناف فعاليات جلسة الاجتماع في شرم الشيخ.
في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».
قتلت إسرائيل 3 فلسطينيين في الضفة الغربية، الخميس، بعد حصار منزل تحصنوا داخله في نابلس شمال الضفة الغربية، قالت إنهم يقفون خلف تنفيذ عملية في منطقة الأغوار بداية الشهر الماضي، قتل فيها 3 إسرائيليات، إضافة لقتل فتاة على حاجز عسكري قرب نابلس زعم أنها طعنت إسرائيلياً في المكان.
وهاجم الجيش الإسرائيلي حارة الياسمينة في البلدة القديمة في نابلس صباحاً، بعد أن تسلل «مستعربون» إلى المكان، تنكروا بزي نساء، وحاصروا منزلاً هناك، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة في المكان انتهت بإطلاق الجنود صواريخ محمولة تجاه المنزل، في تكتيك يُعرف باسم «طنجرة الضغط» لإجبار المتحصنين على الخروج، أو لضمان مقتلهم.
وأعلنت وزارة
في وقت اقتطعت فيه الحكومة الإسرائيلية، أموالاً إضافية من العوائد المالية الضريبية التابعة للسلطة الفلسطينية، لصالح عوائل القتلى الإسرائيليين في عمليات فلسطينية، دفع الكنيست نحو مشروع جديد يتيح لهذه العائلات مقاضاة السلطة ورفع دعاوى في المحاكم الإسرائيلية؛ لتعويضهم من هذه الأموال.
وقالت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، الخميس، إن الكنيست صادق، بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يسمح لعوائل القتلى الإسرائيليين جراء هجمات فلسطينية رفع دعاوى لتعويضهم من أموال «المقاصة» (العوائد الضريبية) الفلسطينية.
ودعم أعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي ومن المعارضة، كذلك، المشروع الذي يتهم السلطة بأنها تشجع «الإرهاب»؛
دخل الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب وقصف بدباباته موقعاً في شرق مدينة غزة، أمس الثلاثاء، ردّاً على صواريخ أُطلقت صباحاً من القطاع بعد وفاة القيادي البارز في حركة «الجهاد» بالضفة الغربية، خضر عدنان؛ نتيجة إضرابه عن الطعام داخل سجن إسرائيلي.
صمد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ، فجر الأربعاء، منهيا بذلك جولة قصف متبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية استمرت ليلة واحدة (أقل من 24 ساعة)، في «مخاطرة محسوبة» بدأتها الفصائل ردا على وفاة القيادي في «الجهاد الإسلامي» خضر عدنان في السجون الإسرائيلية يوم الثلاثاء، بعد إضراب استمر 87 يوما.
وقالت مصادر فلسطينية في الفصائل لـ«الشرق الأوسط»، إن وساطة مصرية قطرية وعبر الأمم المتحدة نجحت في وضع حد لجولة القتال الحالية.
كفاح زبون (رام الله)
«سامي»: في البداية كنت أبكي أمام الصور ثم تبلّدت مشاعريhttps://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/5097109-%D8%B3%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D9%86%D8%AA-%D8%A3%D8%A8%D9%83%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D8%AB%D9%85-%D8%AA%D8%A8%D9%84%D9%91%D8%AF%D8%AA-%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1%D9%8A
«سامي»: في البداية كنت أبكي أمام الصور ثم تبلّدت مشاعري
من معرض سويسري لصور الضحايا في «ملفات قيصر» (أ.ف.ب)
في الحلقة الأخيرة من مقابلته الموسّعة مع «الشرق الأوسط»، يروي أسامة عثمان، «مهرّب» ملفات التعذيب السورية المعروفة باسم «ملفات قيصر»، كيف عاش لسنوات مع صور الضحايا حتى باتوا «كأنهم أصدقائي».
ويحكي كيف كان يبكي في البداية أمام الصور «ثم تبلدت مشاعري». ويقول: «عندما كنت أبكي كنت متأكداً أنني لا أزال إنساناً، لكن عندما أصبحت أنظر إلى هذه الصور بنوع من البرود فقط لأبحث عن صورة أحسست أنني غريب عن نفسي... بشار الأسد شوّه الضحايا من الخارج وشوّهنا من الداخل».
وقال عثمان الذي عُرف على مدى 11 عاماً باسمه الكودي «سامي» قبل أن يكشف عن هويته عبر «الشرق الأوسط»، إن «أكثر ما يؤلمك أن تسمع أقارب ضحية يتعرفون عليه من الصور ويقولون: الحمد لله أنه مات وأنهم خرجوا من آلام الانتظار... تقولها أم أو زوجة بحرقة تكاد تفطر الفؤاد».
وشارك «سامي» أبرز ما استوقفه في الصور التي بلغ عددها نحو 27 ألفاً، مثل «وجود أكثر من صورة يحمل فيها الضحية وشماً كبيراً لبشار الأسد على صدره»، أو ابتسامات عناصر الأمن أمام الجثث المشوهة بآثار التعذيب «وكأنهم في منطقة سياحية». وفيما يلي نص الحلقة:
«كأنهم أصدقائي»
* كيف استطعت احتمال رؤية هذا الكم الهائل من صور التعذيب؟
- أول صور وصلتني من «قيصر» كانت مؤلمة جداً. أنت لا تتصور. يمكنك أن ترى رجلاً أطلق عليه النار وقُتل في مواجهة عسكرية أو في جريمة جنائية عادية وتستطيع أن تتفهم الذي حصل. لكن أن تصل إلى يديك صور تظهر على صدور الضحايا آثار الحرق في مواضع متعددة!
عندما أرى هذه الصور أتعايش معها. أحس أن هذا الرجل هو أخي، هو أبي. ربما يتضاعف الألم هنا. أشعر بآثار الحرق على هذه الجثة وكأنه على صدري. ما الذي دفع المجرم إلى التنكيل بهذه الضحية بهذا الشكل؟ أقتله! أحكم عليه بالقتل! إذا كان دخل إلى السجن لكي يموت فيه، فاقتله. لماذا تقوم بالتعذيب بهذه الطريقة الهمجية؟ نحن لم نر عبر التاريخ نظاماً يصرف هذه الإمكانات لكي يقوم باحتجاز أعداد هائلة جداً من المواطنين، ويقوم بتعذيبهم بهذه الطريقة التي لا تستطيع العقول البشرية السوية أن تتخيلها.
* هل كنت تعاني من الأرق وقلة النوم. هل كنت تبكي مثلاً؟
- في المراحل الأولى لا تستطيع أن تمنع نفسك من البكاء، لأن هؤلاء الأشخاص ليسوا مجرد أرقام. هؤلاء الأشخاص لديهم أمهات تنتظرهم. لديهم أبناء. لديهم إخوة. لديهم قصة حياة. بشار الأسد حوّل هؤلاء إلى صورة ورقم، وحتى الآن بعد 10 سنوات من خروجنا لسوريا لدينا آلاف الصور التي تحمل أرقاماً من دون أسماء. لا نستطيع أن نعرف صاحب هذه الصورة ما اسمه، وكان لدينا أمل أنه عندما يسقط النظام نستطيع أن نحصل على السجلات التي تربط أسماء هؤلاء بأرقامهم، ونحن حتى هذه اللحظة لم نحصل عليها.
لذلك نعمل الآن في منظمة «ملفات قيصر للعدالة» مع بعض الجهات كي يكون لدينا تطبيق يمكنه مقارنة صور المفقودين التي قد يقدمها الأهالي مع الصور التي لدينا بالطريقة التي تتبعها عادة أجهزة البحث الجنائي في الدول، وتعتمد ربما على قياسات الجمجمة وعلى بعض التفاصيل الأخرى التي لا يمكن للعين المجردة أن تقوم بملاحظتها.
* قلت إنك كنت تبكي في البداية وتتأثر كثيراً بالصور. ماذا حدث لاحقاً بعد سنوات من العيش مع صور الضحايا والتعذيب؟
- بشكل طبيعي عندما يتكرر تصفح هذه الصور عشرات المرات - وهذه آلاف الصور - فأنت تمر أمامك الصورة. عندما سألتني عن موضوع الجثث والضحايا، فأنا في ذهني مباشرة الفرع 227 بعدّه الفرع الذي تكثر فيه حالات اقتلاع العيون. هذا لأنني شاهدت هذه الصور مئات المرات. الفرع 215 هو الفرع الذي قام بأكبر عدد ممكن من الانتهاكات تجاوزت نصف إجمالي هؤلاء الضحايا. هذه الأرقام حُفِرت بذاكرتي، كما حُفِرت صور الضحايا في السنوات الأولى. وصلت إلى مرحلة ربما إذا رأيت صورة أقول لك هذه من الفرع الفلاني.
أصبح هؤلاء كأنهم أصدقائي. بعض الصور كان يبدو فيها على الضحية أنه في اللحظة الأخيرة كان يصرخ. مات وفمه مفتوح. هذه الصرخة التي لم يسمعها سوى الله وصلت إلينا عبر الصورة. أحسست أنني كنت أعيش معه، أحسست أنه يطلب شيئاً ويكلفنا ويحملنا أمانة.
في السنوات التالية، وكأن مشاعرنا قد تبلدت. وهذا كان أمراً محزناً. يعني، عندما كنت أبكي كنت متأكداً أنني لا أزال إنساناً. لكن عندما أصبحت أنظر إلى هذه الصور بنوع من البرود فقط لكي أبحث عن صورة، أحسست أنني غريب عن نفسي. بشار الأسد جعلنا نتشوه، ليس من الخارج فقط كما فعل بهؤلاء الضحايا، ولكن من الداخل أيضاً.
* جرت عمليات قتل في المستشفيات كما سمعنا... هل ضلع أطباء في عمليات التعذيب؟
- من خلال الملف الذي خرجنا به من سوريا، كانت لدينا صور كما ذكرت قبل قليل لأشخاص لا تزال الأنابيب في أذرعهم واللصقات الطبية على أجسادهم. الكثيرون ممن يتضح أنهم كانوا في المستشفيات وانتُزعوا منها وكانوا يتعالجون بطريقة أو بأخرى لا أعرف ما الذي حصل لهم بالتحديد. هل هم اعتقلوا وأخذوا إلى المشفى أو هم مرضى ودخلوا المشفى ثم اعتقلوا من هناك؟
لا أستطيع أن أجزم بهذا الأمر ولا أبت في هذه التفصيلة لأنها تحتاج إلى أدلة أخرى لا أملكها بالتأكيد. شهدنا بعض المحاكمات في ألمانيا لأطباء اتهموا بارتكاب انتهاكات ضد المعتقلين، وهذا الأمر - إذا خرجنا من إطار البحث الحقوقي الصارم والذي لا يأخذ إلا بالأدلة - نجد كثيرين من الناحية الشعبية يتداولون هذه القصص حوله. ولكن كما ذكرت قبل قليل أي تداول إعلامي أو شعبي لعمليات القتل والتعذيب لا يكون له سند قانوني حقيقي لا يصمد للأسف أمام أي قاضٍ في أي محكمة في العالم.
التعرف على الضحايا وآلام الانتظار
* كشفت الصور عن مصير حالات مفقودين. هل اتصل بك أقارب لأصحاب الصور، وماذا كان شعورك تجاه هؤلاء؟
- على فترات متقاربة أو متباعدة كانت تأتيني صور بعض الأشخاص يشتبه ذووهم بأنهم قد يكونون من الضحايا الذين وردوا في ملف قيصر، وأحاول بالوسائل الطبيعية مساعدتهم. أقوم بتصفح آلاف الصور والمقارنة. أتنقل بعيني بين الصورة التي أرسلها الإخوة وصور «قيصر» وأحاول أن أجد ملامح الشبه. هذا الأمر كان يستغرق مني وقتاً طويلاً جداً حتى أستطيع أن أجد صورة فعلاً مشابهة لتلك الملامح في غالب الأحيان.
في غالب الأحيان عندما نرسل صورة الجسد الكامل للضحية إلى الأهل، لا يكون هو. وفي حالات قليلة يكون هو، وأكثر ما يؤلمك أن تسمع كلمة «الحمد لله. الحمد لله». لماذا؟ لأنه مات. الحمد لله تقولها أم أو زوجة بحرقة تكاد تفطر الفؤاد. أهل الضحية يقولون لك: الحمد لله أنه مات وأنهم خرجوا من حالة الانتظار وآلام الانتظار. هذا ينقلك إلى التفكير بمن أوصلهم إلى هذه الحالة، أن تصل الأم أن ترى ابنها معذباً بهذا الشكل وميتاً وتقول الحمد لله.
لدينا صور لبعض الأشخاص الذين فقدوا عيونهم. هناك صورة لضحية في فرع المخابرات الجوية، وهناك وشم على أسفل الصدر إلى ما فوق السرة بقليل لبشار الأسد وتحته مكتوب سوريا الأسد. هذا الرجل تم قتله تحت التعذيب في فرع المخابرات الجوية في دمشق.
في صورة أخرى عدد كبير من الضحايا من الجثث الملقاة في العربة وتنتمي إلى عدد من الفروع وليست من فرع واحد. وفي خلفية الصورة هناك جثث تم صفها بجانب بعضها وجثث ألقيت في العراء خارج المرأب، وهناك بعض الأعضاء المتعفنة. ما يثير الحسرة في هذه الصورة هو جندي تابع للنظام يبتسم ابتسامة تجعلك تشك في مشاعرك تجاه هذا المنظر بالكامل. هل هذا الشخص يبتسم سعادة أو هو يبتسم نتيجة أنه فقد الإحساس بما يجب أن يفعله حيال منظر بهذه القسوة؟
لدينا صورة لعناصر في أحد المشافي يبتسمون في صورة تذكارية كما لو أنهم في منطقة سياحية. وفي الخلفية نرى جثثاً يتم تغليفها بالنايلون، وهناك جثث أيضاً على الطاولات، وهذه جثث في الأرض، ويبدو من الطرف الآخر بعض الأطراف. ففعلاً كان ممرات المشافي تستخدم لتغليف الجثث.
لدينا صور ذات دقة عالية للعيون المفقودة بحيث يستطيع الطبيب الجنائي أو الطبيب الشرعي أن يحدد مدى الإصابة وما التلف الذي قامت به الحشرات على الجثة التي بين يدينا. لا أريد أن أستعرض الكثير، ولا أريد أن أزيد على هذه الصور أكثر من ذلك لأن الأمر مؤلم لمن يشاهدونه ومؤلم لأقارب هؤلاء الضحايا. وصلت رسالتنا إلى العالم وفهم العالم مؤخراً مدى إجرام هذا النظام الذي كشفت عنه صور «قيصر» قبل 10 سنوات. واليوم، كشفت عنه المؤسسات الأمنية والسجون ومن كانوا فيها، قبل أن يصبحوا في مرحلة هذه الصور.
محاكمة بشار الأسد
* حين سمعت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منح بشار الأسد اللجوء الإنساني، بماذا شعرت؟
- من بداية التدخل الروسي في سوريا في 2015، كان النظام الروسي شريكاً في جرائم النظام السوري. وكانت نظرتنا إلى المسؤولين الروس على أنهم شركاء حقيقيون للنظام وربما تقع على عاتقهم مسؤولية أكبر من مسؤولية النظام نفسه، لذلك لم نستغرب أن يلجأ بشار الأسد إلى روسيا ولا أعتقد أن هذا اللجوء سيستمر طويلاً، لأننا سنسعى بكل قوة إلى استعادة بشار الأسد واستعادة الأموال المنهوبة ومحاكمته في دمشق.
* هل تتوقع أن تأتي ساعة تقف فيها في المحكمة ويكون بشار الأسد في القفص؟
- أرجو أن أعيش حتى أرى هذه اللحظة كما أمد الله بعمري حتى سمعت خبر سقوط بشار الأسد وتحرر دمشق.
* هل تعتقد أن بشار الأسد كان يعرف ما يجري في السجون السورية؟
- إذا كنت تسألني عن رأيي الشخصي، فنحن في سوريا لا يحصل شيء لا يعلم به الرئيس. هذا نظام قمعي أمني يجلس على رأس الهرم شخص اسمه بشار الأسد أو حافظ الأسد سابقاً، ولا يمكن أن يقوم موظف في الأجهزة الأمنية التابعة لهذا النظام بتصرف لا يرضى عنه رئيس هذا النظام.
ليس لدينا في ملفنا أي وثيقة تحمل توقيع بشار الأسد، لذلك من الناحية القانونية تقع المسؤولية على عاتق رؤساء الأجهزة الأمنية بشكل مباشر كتسلسل أوامر. لكن في سوريا الجميع يعلم أن ما يحصل في أصغر فرع أمني وسجن هو أمر ممنهج ومخطط يعلم به ويرضى عنه رأس النظام.
* هل لاحظتم أن الضحايا ينتمون إلى منطقة معينة أو طائفة معينة أو انتماء ما؟
- الضحايا في ملف قيصر هم سوريون، ونحن ندافع عن كل السوريين. إذا كانت الضحايا لدينا تحمل أرقاماً وليس أسماء فكيف لي أن أعرف أن هؤلاء ينتمون إلى طائفة معينة وهؤلاء ينتمون إلى طائفة أخرى.
هناك مؤشرات يمكن أن نأخذ بها. لدينا صور تحمل أوشاماً على أجساد الضحايا. وقد تفاجأ إذا قلت لك إن هناك أكثر من صورة، يحمل الضحية وشماً كبيراً لبشار الأسد على صدره. فأنت تقول هذا الرجل من مؤيدي بشار الأسد. لا أعلم من أي طائفة، لكن هذا الرجل وصل إلى مرحلة أن يضع وشماً على كامل جسده بصورة بشار الأسد فأكيد أنه يحب بشار الأسد.
هناك أوشام أيضاً لغير سوريين - ربما - وأقول ربما لأن وشم خريطة فلسطين مثلاً ليس خاصاً بإخوتنا الفلسطينيين لأننا جميعاً نحب فلسطين، لكن يغلب الظن هنا أن تقول ربما هذا الرجل فلسطيني من إخوتنا الفلسطينيين في سوريا.
من خلال هذه الأوشام يمكن لك أن تظن أو تتنبأ بأن هذا الرجل لديه الميل السياسي الفلاني أو ينتمي إلى الدولة الفلانية. لكن لا أستطيع ولا أزعم أن هؤلاء الضحايا كانوا من طائفة معينة لأنني لا أملك الدليل. عندما أستطيع ربط الأسماء مع الأرقام وينتهي هذا العمل الشاق، أستطيع أن أقول إن نسبة كبيرة من هؤلاء كانوا من الطائفة الفلانية أو لا.
المعركة الحقيقية في سوريا
* هل تعتقد أن سوريا جديدة في طريقها إلى الولادة قريباً؟
- إن شاء الله، ولكن أنا لا أريد أن أكون متشائماً. المعركة الحقيقية لبناء سوريا بدأت يوم 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024 بسقوط الأسد وتحرير دمشق. المعركة بدأت الآن، وما سبق كان فقط كسراً لهذا النظام القمعي وإزاحة رأس النظام فقط.
* متى سترجع إلى سوريا؟
- أنا أتحين الفرصة لكي أرجع إلى سوريا في أقرب وقت ممكن. لدي بعض الترتيبات الإدارية. إجراءات إدارية فقط. لو كان الأمر متاحاً ربما كنت من اليوم الأول قد ذهبت إلى سوريا، لكن هناك عقبات إدارية كثيرة تحول الآن بيني وبين الذهاب.
* هل لا يزال لديك خوف بسبب دورك في ملفات قيصر؟
- الخوف الذي كان قائماً ربما هو الآن مستمر، والمبررات التي دفعتنا لأن نخفي أسماءنا لأننا نخشى على أنفسنا وعائلاتنا ربما لا تزال قائمة. المخاطر أصبحت أكبر لأن النهج أو المبدأ الذي نسير عليه الآن هو المطالبة بمحاسبة ومساءلة كل من ارتكب جرائم ضد أبناء الشعب السوري. هذا الأمر يعني أن هناك الآلاف من الأشخاص الذين لا يعجبهم هذا النهج أو هذا المبدأ الذي نسعى إليه، لذلك نعم هناك خطورة كبيرة، وأنا مدرك لحجم هذا الخطر. وأنوي أن أسير في هذا الطريق وأتحمل النتائج كافة التي تترتب على القرار الذي اتخذته. لو كان بإمكاني أن أحقق شيئاً وأنا مختفٍ لفعلت، ولكن وصلنا إلى مرحلة بات ظهورنا وتقدم الملف أمرين متلازمين.
* يعني هل قيصر يفكر في الرجوع إلى سوريا؟
- أترك إجابة هذا الأمر له.
سيرة ذاتية
* أين ولدت وماذا درست؟
- أنا ولدت في سوريا في مدينة التل من ريف دمشق عام 1966. درست في سوريا. أول سنوات دراستي الابتدائية كانت في ليبيا في مدينة بنغازي التي أحبها كثيراً. أكملت دراستي بعد ذلك في مدينة التل ودرست في جامعة دمشق الهندسة المدنية.
* أين عملت بعد تخرجك؟
- عندما تخرجت كان هناك قانون فرضه حافظ الأسد أن كل مهندس يتخرج يجب أن يخدم في مؤسسات الدولة لمدة 5 سنوات، فكان لابد من أن تكون موظفاً في هذا النظام، وأنا أقول النظام لأنني أعتقد أن نظام بشار الأسد ليس فقط المؤسسات الأمنية بل كل مؤسسة خدمية في سوريا هي مؤسسة تنتمي إلى نظام الأسد وتجري عليها الأحكام الأمنية نفسها وكذلك الرقابة الأمنية الشديدة. بالنهاية كلها مؤسسات أمنية. لذلك كنت مضطراً أن أمضي فترة خدمة في إحدى مؤسسات الدولة في محافظتنا. كنا على الأغلب بصفتنا مهندسين مدنيين نذهب إلى وزارة الإدارة المحلية ويتم توزيعنا على البلديات فبدأت في بلدية رنكوس في القلمون بريف دمشق.
بعد ذلك، حصلت مشكلة مع رئيس البلدية ومع المحافظ في ذلك الوقت كان المجرم علي زيود، وتم نفينا إلى بلديات أبعد فخدمت أيضاً، لعام تقريباً أو أقل، في بلدية قرية في أعالي القلمون اسمها حوش عرب.
* مشكلة سياسية؟
- لا، لا. مشكلة إدارية. نحن عندما تسلمنا العمل في هذه البلدية أنا وزملائي المهندسون، وللصدفة كلنا من مدينة التل، كنا نسيّر شؤون الناس، يعني أنت تحتاج إلى ترخيص وأمورك نظامية فخذ ترخيصك واذهب وابن. عندك مشكلة أو تجاوز، نحلها بإنسانية ونحلها بأبسط الطرق. هذا الأمر لم يكن يناسب جو العمل في البلديات التي تقوم على دائرة من الرشوة والابتزاز. رئيس البلدية في النهاية قال: «إذا أنا لم آخذ أموالاً من الناس، فكيف أستطيع أن أعطي المال للمحافظ؟ يعني ببساطة إذا أنتو ما خليتوني آخذ رشوة من الناس، شلون بدفع الرشوة للمحافظ؟».
* هل كان يفترض أن تنتمي إلى حزب «البعث» مثلاً؟
- ليس بشكل إلزامي، ولكن لن تكون أمورك بخير إذا لم تكن منتمياً إلى الحزب. في الصف العاشر طلبني مدير المدرسة رحمه الله، وقال لي: أنت من الأوائل أنت وفلان، ويجب أن ندخل في «شبيبة الثورة» ونصبح أعضاء في حزب «البعث»، لأن عدم دخولكم سيجعل الآخرين يدخلون ونحن نريد عناصر جيدة، ومن هذا الكلام. رفضت والآخر الذي كان معي رفض. هو اعتقل بعد أسبوع ومات. بعد عدة سنوات عرفنا أنه قُتل من دون أن نعرف الملابسات.
أنا أصبحت متوتراً، فلدينا ضابط تدريب عسكري في المدرسة ولدينا موجه ولدينا المدير. هذا يرسلني إلى هذا لكي يقنعني ثم يعود إلى هذا لكي يقنعني، وفي آخر المطاف أنا أتحجج بأن أبي مسافر. قلت له: أسأل أبي، أسأل فلاناً، أسأل... في النهاية، قال لي: الآن هل ستكون معنا في حزب «البعث» أو لا؟ قلت له: لا. قال لي «اطلع برا». كلمة «اطلع برا» معناها أن لها ما بعدها، وأنا قلق. كنت طفلاً. كان عمري 16 سنة.
* لم تنتمِ إلى الحزب قطّ؟
- نعم، لم أنتمِ إلى الحزب قطّ. بعد ذلك مرت الأمور رغم هذه التوترات. كانوا يعتقلون الأساتذة. ونحن في المدرسة كنا في طابور الصباح عندما دخلت دورية من الأمن السياسي واعتقلوا أستاذ مادة التربية الدينية أمام أعيننا، ثم ما علمناه فيما بعد أنه قُتل.
* بأي تهمة؟
- في ذلك الوقت، كنا نعيش مرحلة «الإخوان المسلمين» والصراع ما بين النظام و«الإخوان»، و«الطليعة المقاتلة» في تلك الفترة كانت تعمل في دمشق وفي المدن السورية الأخرى، لذلك كانت أول تهمة لأي شخص «أنت إخوان... أبوك إخوان... قريبك إخوان». جو أمني نعيشه في المدرسة ونحن صغار. لم أنتم إلى الحزب، ولم أكن قط - لا في المدرسة ولا في الجامعة ولا بعد ذلك - في هذا الحزب ولا في غيره.
* انتميت إلى أي حزب آخر؟
- مطلقاً. أنا اليوم أنتمي إلى منظمة «ملفات قيصر للعدالة». وهذا العمل الحقوقي يجب أن يكون منزهاً عن أي انتماء سياسي آخر مهما كان واسع الطيف. هذه المنظمة كي تدافع عن جميع السوريين فيجب ألا يسيّس هذا الملف الإنساني أبداً.