قمة بوتين ـ الأسد... «تعزيز الشراكة» ومواجهة التحديات الجديدة

التطبيع بين دمشق وأنقرة يسيطر على أجندة المحادثات

الأسد يضع إكليلاً من الزهور على ضريح الجندي المجهول بالقرب من الساحة الحمراء في موسكو (أ.ف.ب)
الأسد يضع إكليلاً من الزهور على ضريح الجندي المجهول بالقرب من الساحة الحمراء في موسكو (أ.ف.ب)
TT

قمة بوتين ـ الأسد... «تعزيز الشراكة» ومواجهة التحديات الجديدة

الأسد يضع إكليلاً من الزهور على ضريح الجندي المجهول بالقرب من الساحة الحمراء في موسكو (أ.ف.ب)
الأسد يضع إكليلاً من الزهور على ضريح الجندي المجهول بالقرب من الساحة الحمراء في موسكو (أ.ف.ب)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، جولة محادثات شاملة مع الرئيس السوري بشار الأسد في أول زيارة للأخير إلى روسيا منذ عامين.
وعقد الجانبان جلسة محادثات موسعة بحضور وفدي البلدين، تلاها اجتماع مغلق جمع الرئيسين «وجهاً لوجه»، وفقاً لإفادة الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف.
واستهل بوتين اللقاء بتأكيد ارتياحه لـ«الاتصالات الوثيقة وجهود تطوير العلاقات بين البلدين». وقال إنه «بفضل جهود القوات المسلحة الروسية تم تقويض خطر الإرهاب الدولي في سوريا، ما سمح بالانتقال إلى تركيز الجهد على تعزيز آفاق التسوية السياسية والاستقرار الداخلي بشكل أكبر على الصعيدين الاقتصادي والمعيشي». وزاد أن سوريا واجهت كارثة الزلزال منوهاً بالدور الذي قامت به القوات الروسية ووزارة الطوارئ لمواجهة الكارثة وتداعياتها. وتحدث عن تطور التبادل التجاري خلال العام الماضي، مؤكداً مواصلة المضي على هذا المسار في العام الحالي.
بدوره، شكر الأسد الرئيس الروسي على الدعوة، وقال إنه «على الرغم من أن اللقاءات على المستويات المختلفة لم تنقطع، لكن اللقاء على المستوى الرئاسي يحظى بأهمية خاصة بسبب التغيرات الكبرى التي حصلت خلال العام الماضي، وباتت تتطلب منا أن نلتقي ونضع تصورات مشتركة للمرحلة المقبلة».
وبعد تقديم شكره على الدعم الروسي لسوريا خلال كارثة الزلزال، قال الأسد إن بلاده «ممتنة للمواقف الروسية الثابتة التي تنطلق من الحفاظ على وحدة سيادة سوريا ونبذ الإرهاب ورفض الوجود العسكري الأجنبي على أراضينا». أضاف أن «موسكو على الرغم من أنها حالياً في حالة حرب فإن مواقفها لم تتغير وظلت ثابتة».
ولفت إلى أن «هذه الزيارة الأولى بعد الحرب في أوكرانيا، وأستغلها لأجدد موقفنا الداعم لروسيا في مواجهة النازية القديمة الجديدة».
ورأى أن موقف دمشق ينطلق من «حاجة العالم إلى إعادة التوازن وإلا فسوف يذهب إلى الدمار».
وأعرب الرئيس السوري عن ارتياحه لنتائج اجتماعات اللجنة الحكومية السورية - الروسية المشتركة التي انعقدت أخيراً، وقال إن «نتائج الاجتماع تمهد لمرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي، وتتميز بأنها حملت أفكاراً عملية وليس مجرد بيانات». وأشار إلى تطلعه أن تثمر زيارته «نتائج حقيقية يمكن أن نبني عليها في المرحلة المقبلة».
ولوحظ أن ترتيبات «زيارة العمل» التي يقوم بها الأسد، اختلفت في شكلها ومضمونها عن الزيارات السابقة للرئيس السوري إلى روسيا، لجهة أنها أول زيارة علنية تتخللها بروتوكولات رسمية.
وكان الأسد ينقل في الزيارات السابقة على متن طائرات حربية روسية، ولا يتم الإعلان عن الزيارة إلا بعد انتهائها.
في هذه المرة، حظي الرئيس الأسد باستقبال رسمي في مطار «فنوكوفا» الحكومي على مستوى نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وتم عزف النشيدين الوطنيين واستعراض حرس الشرف. كما استهل الأسد نشاطه صباح الأربعاء، بوضع إكليل من الزهور على ضريح الجندي المجهول بالقرب من الساحة الحمراء، وفقاً لبروتوكولات زيارات الرؤساء الأجانب.
كما أن الأسد كان وحيداً خلال الزيارات الأربع السابقة لروسيا، باستثناء مترجم شخصي رافقه، ولم يتم في أي منها رفع شعارات الدولة والعلم السوري في قاعة الاجتماعات. بينما لوحظ حجم الوفد الكبير الذي رافقه في الزيارة الحالية، وضم فيصل المقداد وزير الخارجية والمغتربين، ومنصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية، والدكتور سامر الخليل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، وعلي عباس وزير الدفاع، وكنان ياغي وزير المالية، وفادي الخليل رئيس هيئة تخطيط الدولة، وقيس خضر أمين عام مجلس الوزراء، فضلاً عن لونا الشبل المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية، وبشار الجعفري السفير السوري في موسكو.
في مضمون المحادثات، كان لافتاً تركيز الكرملين على الأجندة الواسعة للقاء الرئيسين. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قبل الاجتماع، إن البحث سوف يتطرق إلى العلاقات الثنائية، في إطار مواصلة تطوير التعاون الروسي - السوري في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والإنسانية، فضلاً عن آفاق تسوية شاملة للوضع في سوريا وحولها، مع التركيز على إيلاء أهمية خاصة لبحث العلاقات السورية - التركية.
وكانت مصادر روسية رجحت أن يولي بوتين اهتماماً خاصاً خلال اللقاء، لحث الرئيس السوري على إبداء قدر كاف من المرونة في ملف تطبيع العلاقات مع تركيا. وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط»، إن موسكو «تولي أهمية كبرى لدفع مسار التقارب بين البلدين، في إطار العمل على تحسين الظروف لإنضاج مسار التسوية السياسية».
وجاء ذلك بعد بروز تردد سوري حيال ملف التقارب مع تركيا. ونقلت وسائل إعلام أن دمشق وضعت شروطاً بينها تحديد جدول زمني لانسحاب تركيا من الأراضي السورية، ووقف دعم المعارضة السورية قبل دفع مسار التقارب.
في المقابل، ترى موسكو أن الوجود التركي في سوريا «مؤقت ومرتبط باتفاقية أضنة الموقعة عام 1998 ولا يعد احتلالاً، كما أن أنقرة تعهدت في إطار ضمانات مجموعة أستانة بسحب قواتها فور اتضاح مسار التسوية السياسية وحصولها على ضمانات لمصالحها الأمنية في المناطق الحدودية».
وسبق لقاء بوتين - الأسد جلسة محادثات عقدها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره السوري فيصل المقداد. وقال لافروف في مستهل اللقاء إن «هذا الاجتماع يأتي في توقيت مناسب للغاية، والقمة التي تعقد اليوم (أمس) لها أهمية خاصة».
وزاد لافروف أن لدى الطرفين «العديد من الأسئلة حول تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها في الاجتماعات الماضية».
وقال إنه بالإضافة إلى التعاون الثنائي، تحتل القضايا الإقليمية والدولية مكانة مهمة، و«نرى كيف يتغير الوضع في المنطقة، في المقام الأول فيما يتعلق باستعادة الجمهورية العربية السورية حقوقها في جامعة الدول العربية. وسنواصل دعم هذا الاتجاه الإيجابي والمشاعر الإيجابية في العالم العربي خلال الاجتماع الوزاري المقبل بين جامعة الدول العربية وروسيا، والذي نخطط لتنظيمه في الأشهر المقبلة».
وفي إشارة إلى الأجواء الإقليمية، خاطب لافروف المقداد قائلاً: «تعلم أن مبادراتنا، التي نروج لها منذ سنوات بدعم من الأصدقاء السوريين والدول العربية الأخرى، هي الحاجة إلى ضمان الأمن الجماعي في منطقة الخليج وفي المنطقة الأوسع المتاخمة لهذه المنطقة الرئيسية. وتعد الاتفاقات التي تم التوصل إليها بشأن تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية بدعم من أصدقائنا الصينيين حدثاً مهماً في سياق هذه القضية».
ورأى أن «كل هذا ينضج ظروفاً أكثر ملاءمة للتحرك نحو تسوية سياسية فيما يتعلق بسوريا». وأكد أن موسكو تسعى للتوصل إلى «اتفاقات عادلة تستند إلى قرار مجلس الأمن الرقم 2254. وهذا يعني استعادة سيادة الجمهورية العربية السورية وسلامتها الإقليمية، والقضاء على التهديد الإرهابي. نحن نتعاون معكم بنشاط في جميع هذه المجالات».
وتطرق لافروف إلى الوضع الدولي على خلفية الصراع في أوكرانيا، وقال إن «جهود روسيا وسوريا، وكذلك الأغلبية الساحقة من أعضاء الأمم المتحدة الآخرين، من أجل تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة، هي جزء من عملنا المشترك والأوسع للدفاع عن المبادئ التي نستند إليها»، مشيراً إلى مواجهة مشتركة لـ«التحديات الجديدة».
وأعرب عن الثقة بأن «اجتماعاتنا معكم، وبالطبع المحادثات في الكرملين، ستدفع الشراكة الاستراتيجية الثنائية إلى مستوى جديد».


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر موقنة بـ«حتمية» عودة الملاحة لطبيعتها في قناة السويس

سفينة تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس المصرية (هيئة قناة السويس)
سفينة تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس المصرية (هيئة قناة السويس)
TT

مصر موقنة بـ«حتمية» عودة الملاحة لطبيعتها في قناة السويس

سفينة تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس المصرية (هيئة قناة السويس)
سفينة تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس المصرية (هيئة قناة السويس)

توقن مصر بـ«حتمية» عودة حركة الملاحة في قناة السويس إلى طبيعتها، بصفتها «الخيار الأول» لشركات الشحن العالمية، في حال استقرار الأوضاع في المنطقة.

وأقر رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، في كلمته خلال الاحتفال بذكرى «اليوم البحري العالمي»، مساء السبت، تحت شعار «الملاحة في بحار المستقبل: السلامة أولاً»، بأن «الأوضاع الراهنة والتحديات غير المسبوقة التي تشهدها منطقة البحر الأحمر تُلقي بظلالها على معدلات الملاحة بقناة السويس».

وأشار إلى «انخفاض أعداد السفن المارة بالقناة من 25887 سفينة خلال العام المالي 2022 - 2023 إلى 20148 سفينة خلال العام المالي 2023 - 2024».

ولفت ربيع إلى «تراجع إيرادات القناة من 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022 - 2023 إلى 7.2 مليار دولار خلال 2023 - 2024». مضيفاً أن «إحصائيات الملاحة بالقناة منذ بداية العام الحالي حتى الآن سجلت انخفاضاً في أعداد السفن المارة بالقناة بنسبة 49 في المائة، وانخفاض الإيرادات المحققة بنسبة قدرها 60 في المائة، مقارنةً بالمعدلات المحققة خلال ذات الفترة من العام الماضي»، مرجعاً السبب إلى «اتخاذ عديد من السفن طرقاً بديلة في ظل التحديات الأمنية في المنطقة».

وأشار رئيس هيئة قناة السويس إلى «تأثير التداعيات السلبية للأوضاع الراهنة في المنطقة على استدامة واستقرار سلاسل الإمداد العالمية، وما ترتب عليها من تحديات ملاحية واقتصادية تمثلت في تجنب الإبحار في المنطقة، واتخاذ طرق ملاحية بديلة بعيداً عن قناة السويس».

وقال ربيع: «أدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف الشحن وزيادة رسوم التأمين البحري، إضافةً إلى تحديات أمنية وبيئية ومخاوف من حدوث تسرب للنفط وللمواد الكيميائية وتهديد الحياة البحرية».

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، غيَّرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر، إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية، السفن المارة بالممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة».

وسبق أن أشارت مصر مراراً إلى تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأحد الماضي، إن «بلاده فقدت ما بين 50 في المائة إلى 60 في المائة، من دخل قناة السويس، بما قيمته أكثر من 6 مليارات دولار خلال الأشهر الثمانية الماضية».

ولمواجهة التحديات أوضح ربيع، في كلمته، أن «قناة السويس عكفت على فتح خطوط اتصال مباشرة مع الأطراف المعنية كافة، عبر عقد لقاءات موسعة مع كل المؤسسات البحرية الدولية والخطوط الملاحية، والتشاور مع العملاء حول تداعيات الأزمة الراهنة»، مشيراً إلى أن تلك اللقاءات «شهدت طرح الرؤى المحتملة لمواجهة التحديات المختلفة المرتبطة بالأزمة في محاولة لتقليل تأثيرها على حركة التجارة العالمية».

وقال ربيع: «خلصت نتائج المباحثات المشتركة مع العملاء إلى عدم وجود بديل مستدام للقناة على المدى المتوسط أو البعيد»، لافتاً في هذا الصدد إلى ما أكده أكبر الخطوط الملاحية بأن «قناة السويس ستظل الخيار الأول، وأن عودتهم حتمية للعبور عبر القناة فور استقرار الأوضاع في المنطقة».

وشهدت الفترة الماضية اتصالات مصرية مكثفة مع شركات الشحن أو قادة المجتمع الدولي لوضع حد لتوترات البحر الأحمر، كما أعلنت هيئة قناة السويس حوافز تسويقية وتخفيضات لتنشيط حركة الملاحة وتجاوز تداعيات تراجع الإيرادات.

وقال ربيع إن «قناة السويس بذلت جهوداً نحو تنويع مصادر الدخل، وتلبية متطلبات المرحلة الراهنة عبر تقديم حزمة متنوعة من الخدمات الملاحية الجديدة التي لم تكن متاحة من قبل؛ مثل خدمات التزود بالوقود في مدخلي القناة الشمالي والجنوبي، وخدمات مكافحة التلوث وإزالة المخلفات الصلبة والسائلة من السفن، فضلاً عن خدمات الإنقاذ البحري وصيانة وإصلاح السفن في الترسانات التابعة للهيئة وغيرها».

وتعد قناة السويس أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في مصر، وسبق وتوقع «البنك الدولي»، في أبريل (نيسان) الماضي، أن «يتسبب استمرار الأزمة في خسائر بنحو 3.5 مليار دولار في العائدات الدولارية لمصر، أي ما يعادل 10 في المائة من صافي الاحتياطيات الدولية في البلاد».

ورغم اتفاقه على «حتمية» عودة الملاحة في قناة السويس لطبيعتها فور استقرار الأوضاع، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، إلى أن «الأمر لن يكون بهذه السهولة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لو توقفت الحرب اليوم، فإن عودة الملاحة لطبيعتها في السويس قد تستغرق فترة تصل إلى عامين».

وأوضح بدرة أن «الأمر مرتبط بتقييم شركات الشحن الكبرى للمخاطر وهو أمر لا يحدث بين يوم وليلة»، مشيراً إلى أن «تداعيات حرب غزة الاقتصادية على قناة السويس كانت متوقَّعة حتى قبل بدء هجمات (الحوثي)، لا سيما مع عدم الاستقرار السياسي في المنطقة».

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن أي جهود تُبذل لمواجهة التداعيات سواء من قبيل تخفيضات الرسوم أو تقديم خدمات جديدة في قناة السويس «لن تستطيع الحد من الخسائر»، وذلك لأن «النشاط الرئيسي للقناة هو عبور سفن الشحن، أما باقي الأنشطة فيدخل في نطاق ما يستجد من أعمال»، محذراً من «استمرار نزيف الخسائر لا سيما مع اتساع نطاق الحرب في المنطقة، وعدم وجود أفق واضح لحل الصراع حتى الآن».