طهران: الاتفاق مع السعودية بداية لحل أزمات المنطقة بما فيها اليمن

دعوات إلى تكوين آليات لمتابعة الحوار... وتحذير من العودة إلى نقطة الصفر

إيرانيون يقرأون عناوين الصحفات الأولى للجرائد الصادرة صباح السبت (رويترز)
إيرانيون يقرأون عناوين الصحفات الأولى للجرائد الصادرة صباح السبت (رويترز)
TT

طهران: الاتفاق مع السعودية بداية لحل أزمات المنطقة بما فيها اليمن

إيرانيون يقرأون عناوين الصحفات الأولى للجرائد الصادرة صباح السبت (رويترز)
إيرانيون يقرأون عناوين الصحفات الأولى للجرائد الصادرة صباح السبت (رويترز)

غداة إعلان الاتفاق على استئناف العلاقات السعودية - الإيرانية، تباينت الردود الإيرانية على الخطوة المفاجئة، رغم الإجماع على إيجابية التطور. وأعرب نواب برلمان ووسائل إعلام حكومية عن أملهم بأن يؤدي الاتفاق مع السعودية إلى حل أزمات المنطقة، بما فيها اليمن، محذرين في الوقت نفسه من العودة إلى نقطة الصفر.
وقال رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، إن إحياء العلاقات مع السعودية خطوة مهمة في إطار استقرار المنطقة والخليج (...)، والتنمية السياسية والاقتصادية في سياق التعاون الإقليمي».
وشدد قاليباف على ما تضمنه نص الاتفاق من احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، معرباً عن أمله باتخاذ «قرارات بناءة» في الملفات الإقليمية، خصوصاً في اليمن وفلسطين ولبنان.
وذكرت وكالة «إيسنا» الحكومية، في تحليل، أن الاتفاق جاء بعد مضي عشرة أشهر على خامس جولات الحوارات الأمنية التي جرت بين السعودية وإيران في العراق وسلطنة عمان. وأشارت إلى أن قليلين كانوا يتوقعون حدوث تقدم في هذه المفاوضات، بينما كان الجميع منشغلين بأخبار اتفاق إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو المعلومات المتداولة عن احتمال إطلاق سراح معتقلين أميركيين - إيرانيين بوساطة عمانية.
وقالت الوكالة، التي تعكس أوساط الحكومة، إنه رغم عدم انتشار تفاصيل الاتفاق والمفاوضات في الصين، إلا أنه يعتبر في سياق متابعة سياسة توسع التعامل مع الجيران. وقالت إنه «إذا سارت أمور الاتفاق على ما يرام سيكون له تأثير كبير على الحد من التوترات في المنطقة، بما في ذلك حل أزمة اليمن، وسيوفر الأساس لاستئناف العلاقات بين عدد من دول الخليج، بما في ذلك البحرين، وتطبيع العلاقات مع مصر، وخفض الضغوط على لبنان بسبب طبيعة علاقاتها مع طهران، وتحسين العلاقات السورية مع الدول العربية وعودتها إلى الجامعة العربية».
لكن الوكالة حذرت من أن «مجالات ومقاربات وأسس الإجراءات السابقة للبلدين التي أدت إلى تنافس وخصومات لا تزال باقية»، وقالت: «إذا لم تتم مراجعة هذه المجالات، فإن العودة إلى نقطة الصفر لا تزال باقية».
وقالت: «الاتفاق الأخير بين طهران والرياض لاستئناف العلاقات إيجابي وتطور واعد للبلدين، ومنطقة غرب آسيا، والعالم الإسلامي، لكن لا ينبغي المبالغة في أبعاد هذا الاتفاق وفاعليته». وأضافت: «الصبر والذكاء الدبلوماسي لتنفيذ هذا الاتفاق بشكل صائب، وإبعاد الأعشاب الضارة بواقعية، وبعيداً عن الهيجان، أمور ضرورية ولا بد منها».
وأشارت الوكالة إلى أن العلاقات الإيرانية - السعودية «بحاجة إلى إنشاء آليات ثنائية» و«ركائز» عبر تعزيز التعاونين الاقتصادي والتجاري، و«خلق مصالح مادية ملموسة».
من جانبه، قال رئيس اللجنة الداخلية في البرلمان الإيراني، محمد صالح جوكار، إن الاتفاق «سيؤدي إلى موضع ممتاز في المنطقة من الجانبين السياسي والاقتصادي في منطقة غرب آسيا». وقال: «الموقع الجيوستراتيجي لهذين البلدين يمكن أن يلعب دوراً مؤثراً على المستويين الإقليمي والدولي».
أما نائب جوكار في اللجنة الداخلية، النائب محمد حسن أصفري، فقد قال إن «الاتفاق يوجه رسالة للدول الأخرى بأننا مستعدون لحل القضايا عبر الحوار نوعاً من هزيمة سياسة الترهيب من إيران على المستوى العالمي».
وتحدث النائب عن «رغبة» طهران في إقامة «علاقات بناءة» مع دول مجلس التعاون الخليجي، ودول الجوار. وصرح النائب لوكالة «إيسنا» الحكومية: «نرغب بأن تنتهي الأحداث التي وقعت في اليمن حتى الآن، وأن تحل المنطقة قضاياها بالهدوء وعبر الحوار».
وكانت للمسؤولين في الحكومة السابقة حصة الأسد في الردود على استئناف العلاقات السعودية. وقال رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية السابق، علي أكبر صالحي، إن «الاتفاق مع السعودية في محله للخروج من المأزق السياسي، رغم أن هناك بعض التأخير». وقال «كان من الممكن أن نتوصل إلى نتيجة من دون واسطة، وألا نكون مدينين لأي طرف». وأعرب عن أمله أن يلتزم الطرفان بالاتفاق، وقال «يجب اعتبار الاتفاق مع السعودية فأل خير».
وقال: «هذا التوجه لن يكون من دون تأثير على إحياء الاتفاق النووي». ودعا جميع التيارات والفصائل السياسية إلى «الوحدة ودعم هذه الحركة السياسية العقلانية، في هذا التوقيت الحساس». وقال لموقع «انتخاب» الإخباري، إنه «لا ينبغي السماح لمن يسيئون في إيران بتضييق الساحة الدولية وتعزيز نياتهم ورغباتهم بسهولة».
من جانبه، قال محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس السابق حسن روحاني، إن اتفاق الصين كان استمراراً للمفاوضات التي بدأت بين السعودية وإيران في العراق وسلطنة عمان.
وأضاف واعظي أن هجوم «المتشددين» على السفارة السعودية في طهران يناير (كانون الثاني) 2016، «لم يخرب العلاقات بين البلدين فحسب، بل شوه صورة إيران الدولية، وكان الكيان الصهيوني الرابح الوحيد» و«يجب التفكير في حل لكي لا تتكرر هكذا إجراءات لم تثمر سوى الترهيب من إيران».
وعنونت صحيفة «شرق» الإصلاحية: «نهاية مأزق دام سبع سنوات». في المقابل، خاطبت صحيفة «كيهان»، التابعة لمكتب المرشد الإيراني، الإصلاحيين، قائلة: «على دعاة الإصلاحات أن يتعلموا التفاوض». وقالت صحيفة «سازندكي»، الناطقة باسم فصيل الرئيس الأسبق على أكبر هاشمي رفسنجاني، إن الاتفاق «عودة إلى استراتيجية رفسنجاني».
وقال الكاتب الإصلاحي عباس عبدي، في رد على عنوان «كيهان»، «لقد اتفقت إيران والسعودية على العودة لاتفاقيات تعاون في عامي 2001 و1998، أي فترة الإصلاحات (محمد خاتمي)، الآن يعطون دروساً في المفاوضات، تحت راية الصين، لقد أسروا الشعب 25 عاماً من أجل طلب السلطة»، وذلك في إشارة إلى التيار المحافظ المؤيد للحكومة الحالية.
وكتب الناشط أحمد زيدي آبادي، في مقال نشرته صحيفة «هم ميهن»، أنه يعتقد أن «الجانب الإيراني كان يتحرك على خلاف مشروع الصين، حتى أرسل الرئيس الصيني خلال زيارته للمنطقة إشارات مفادها إذا لم تعدل إيران موقفها ستواجه عزلة وغضب الصين، لهذا السبب جرت مشاورات خلف الستار أدت إلى زيارة رئيسي إلى بكين».
وأضاف: «أمين عام مجلس الأمن القومي جلس على طاولة التفاوض، وهذا يعني أنه قرار النظام وليس قرار وزارة لكي تتهم بأنها اتخذت قراراً من تلقاء نفسها، حضور شمخاني يحظى بأهمية، لأن أصواتاً مثل (كيهان) و... التي تعارض هكذا علاقات، لن تعلو، ولأنه قرار النظام، إنهم مجبرون على المسايرة أو الصمت».


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

إيران تحتجز ناقلة نفط ثانية

احتجز «الحرس الثوري» الإيراني، أمس، ناقلة نقط في مضيق هرمز في ثاني حادث من نوعه في غضون أسبوع، في أحدث فصول التصعيد من عمليات الاحتجاز أو الهجمات على سفن تجارية في مياه الخليج، منذ عام 2019. وقال الأسطول الخامس الأميركي إنَّ زوارق تابعة لـ«الحرس الثوري» اقتادت ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما إلى ميناء بندر عباس بعد احتجازها، في مضيق هرمز فجر أمس، حين كانت متَّجهة من دبي إلى ميناء الفجيرة الإماراتي قبالة خليج عُمان. وفي أول رد فعل إيراني، قالت وكالة «ميزان» للأنباء التابعة للسلطة القضائية إنَّ المدعي العام في طهران أعلن أنَّ «احتجاز ناقلة النفط كان بأمر قضائي عقب شكوى من مدعٍ». وجاءت الو

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».